الحكمة من تأخير تحريم الربا

الحكمة من تأخير تحريم الربا | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

744 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨].

الحكمةُ من تأخيرِ تحريم الربا:

أخَّر اللهُ نزولَ تحريمِ الرِّبا؛ لتعلُّقِ الناسِ به، وشِدَّةِ تمسُّكِهِمْ بأرزاقِهِمْ, فأجَّلَ نزولَ التحريمِ حتى يَقْوَى إيمانُهم؛ لِيسهُلَ عليهمُ التَّرْكُ؛ فقد روى ابنُ جريرٍ؛ مِن حديثِ سعيدِ بنِ المسيِّبِ، عن عُمَرَ بنِ الخطابِ؛ قال: "آخِرُ ما نَزَلَ مِن القرآنِ آيةُ الرِّبَا، وإنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُبِضَ قَبْلَ أَن يُفَسِّرَهَا، فدَعُوا الرِّبا والرِّيبةَ" (١).

وربَّما تأخَّرَ تحريمُ الشيءِ وهو عظيمٌ؛ لأنَّ تعلُّقَ الناسِ به أعظَمُ، فيتأخَّرُ الحكمُ رِفْقًا بالأُمَّةِ؛ لأنَّ تخلُّفَ أوَّلِها عن الامتثالِ يُورِثُها لآخِرِها، فهيَّأَ اللهُ لدينِهِ دوامَ الثباتِ والبقاءِ، ولأصحابِ نبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - أسبابَ الامتثالِ ومُوجِباتِ حُسْنِ الاقتداءِ، فسببُ الرِّبا فِطْرةُ الشحِّ البشريِّ وشِدَّةُ الطمعِ، وفي هذا يقولُ تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: ١٢٨]، وقال: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: ١٩، ٢٠]، وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: ٨]، فنزَعَ شُحَّ النفوسِ وطَمَعَها قبلَ تحريمِ الرِّبا؛ بإيجابِ الزكاةِ والحَثِّ على الصدقةِ والإحسانِ، ثُمَّ لمَّا ضَعُفَ شُحُّ النفوسِ وطَمَعُها، تهيَّأَتْ لقبولِ تحريمِ الرِّبا؛ فحَرَّمَهُ اللهُ.

وللرِّبا أثرٌ في الإيمانِ، وللإيمانِ القويِّ أثرٌ في تركِ المالِ الحَرامِ، وشدةُ الطمعِ وقُوَّةُ الإيمانِ لا يَجْتَمِعانِ؛ ولذا قال في الآيةِ: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ لأنَّ شِدَّةَ الطمعِ تُوجِبُ أكلَ الحرامِ وتركَ الزكاةِ والنَّفقةِ.

وهذه الآيةُ قِيلَ: إنَّها نزَلَتْ في العَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ ورجلٍ مِن بني المُغِيرةِ، كانا شريكَيْنِ فِي الجاهليَّةِ يُسْلِفانِ في الرِّبا إلى أناسٍ مِن ثَقِيفٍ، وهم بنو عمرِو بنِ عُمَيْرٍ، فجاء الإسلامُ ولهما أموالٌ عظيمةٌ في الرِّبا، فنزَلَتْ: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (١).

فالآيةُ دليلٌ على الترخيصِ بأخذِ ما تَمَّ قبضُهُ مِن المالِ المقبوضِ في الرِّبا قبلَ التوبةِ، وتحريمِ ما لم يُقبَضْ مما كان معلَّقًا؛ حَلَّ أو لم يَحِلَّ؛ إذْ لا يجوزُ قبضُ الحرامِ بعدَ العِلْمِ به ولو كان برِضَا الطرفَيْنِ، فالرِّضَا لا يُحِلُّ الرِّبا، كما لا يُحِلُّ الزِّنى والرِّشْوةَ.

ومَنْ تعاقَدَ بالرِّبا مع صاحبِ رِبًا، فلا يجوزُ له قضاءُ الرِّبا وسدادُهُ إلا بإعادةِ رأسِ مالِه، ولو كان عندَ حاكمٍ ظالمٍ يَحبسُهُ حتى يَقْضِيَ رِبَاهُ، جاز له بِنِيَّةِ الخلاصِ من الشرِّ ودفعِ السوءِ, ولا يجوزُ قضاؤُهُ إلا عندَ تحقُّقِ السجنِ أو التهديدِ به مِن قادِرٍ عليه.


المصدر:
عبد العزيز الطريفي، التفسير والبيان لأحكام القرآن، ص547

الإشارات المرجعية:
1- تفسير الطبري (٥/ ٦٦).
2- تفسير الطبري (٥/ ٤٩)، وتفسير ابن أبي حاتم (٢/ ٥٤٨).
 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الربا
اقرأ أيضا
العنصرية الأمريكية ضد العرب | مرابط
اقتباسات وقطوف

العنصرية الأمريكية ضد العرب


مقتطف من كتاب الحروب الهمجية يتحدث فيه الكاتب عن الرؤية الأمريكية للعرب والتي تقوم على العنصرية أو التعصب إذ يعد هذا هو المحرك الأبرز في التعامل مع كافة الأحداث ومن هنا توصف أعمال العنف التي يرتكبها الأمريكان أو إسرائيل على أنها دفاع عن النفس بينما أي عنف يرتكبه العرب يقع تحت وصف الإرهاب

بقلم: ستيفن سالايتا
629
هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الأول | مرابط
تاريخ فكر مقالات

هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الأول


في حياة الشعوب كثير من المنعطفات التي غيرت مسار التاريخ صعدت بها إلى الأعلى أو هبطت بها إلى الأسفل والتاريخ -في نهاية الأمر- ليس إلا رجل وموقف وعبر سلسلة من الرجال والمواقف يكتب التاريخ أحداثه لذا فنحن قادرون على رسم التاريخ وأن نورث لأبنائنا تاريخا خيرا من الذي ورثناه عن أجدادنا فلقد ورثنا عنهم من الخبرة مالم يتوفر لهم كما سنورث أبناءنا من الخبرات ما يجعلهم قادرين على أن يورثوا أولادهم تاريخا خيرا مما ورثوه منا كل ذلك شريطة أن يتولى رسم المسار رجال يؤمنون بالتعايش بين بني الإنسان فيتصرفون...

بقلم: راغب السرجاني
1388
الرأسمالية ومعاناة الإنسان | مرابط
فكر

الرأسمالية ومعاناة الإنسان


قرابة 40 في المئة من الغذاء الذي يتم إنتاجه ومعالجته ونقله في أمريكا يتم إهداره.. هل تتخيل الرقم؟ .. هذه الكمية وحدها كافية للقضاء على الجوع في العالم.. بل تزيد عن القدر المطلوب! .. فالأمريكان من أكثر الشعوب شهية وأكثرهم سمنة بسبب عاداتهم الغذائية.

بقلم: علي محمد علي
423
إياك نعبد وإياك نستعين | مرابط
تفريغات

إياك نعبد وإياك نستعين


العبودية في قوله: إياك نعبد الفاتحة:5 العبودية هي التذلل والخضوع ولهذا تقول العرب: طريق معبد أي: مذلل إذا ذلل الناس الطريق بشيء من توطينه وتهيئته للسير يقول: طريق معبد كذلك العبد يسمى عبدا إذا كان متذللا بين يدي سيده. وهنا قال: إياك نعبد الفاتحة:5 لا نتذلل إلا لك سبحانك وتعاليت في هذا التذلل إلا لله جل وعلا والعبادة في ذلك مختلفة: ظاهرة وباطنة فالباطنة هي أعمال القلب من المحبة والخوف والرجاء والتوكل على الله سبحانه وتعالى والاستعانة والخشية وغير ذلك من أمور العبادة.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
841
الكوارث والذنوب | مرابط
فكر

الكوارث والذنوب


فإن كثيرا من الناس يجهل تنوع أسباب البلاء والمصائب وحكم الخالق في ذلك ويجهل تبعا لذلك تنوع آثار النوازل والمصائب الشرعية والقدرية على من حلت بهم فثمت أمور مهمة يجب إدراكها وإذا تحقق في الإنسان العلم بها عرف أن لا تلازم بين نزول المصائب واختصاص من نزلت به بتعاظم ذنوبه على غيره ممن لم تنزل به مصيبة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
1240
أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1 | مرابط
فكر مقالات

أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1


يبدو أن موضوع مقاصد الشريعة يحظى باهتمام بالغ في الساحات العربية خصوصا بعد أحداث سبتمبر فالسياسيون اهتموا به لتمرير أجندتهم السياسية والإعلاميون تمسكوا بها لتبرير مخالفة الإعلام للشريعة وكثير من الدعاة تمسك بها من أجل المزيد من المكتسبات سواء لدى عامة الناس أو لدى شرائح الملأ وتولت مقاصد الشريعة مع ظاهرة الخروج عن مألوف الشريعة المعهود لدى المسلمين بحجة نبذ التقليد والعمل بالدليل مهمة تمرير لبرلة الإسلام وعصرنته وكان أخطر ما في الأمر تبني شرائح إسلامية عديدة لهذا الفكر الأصولي الفقهي فكانوا...

بقلم: الدكتور هيثم بن جواد الحداد
1952