الدفاع عن السنة الجزء الثالث

الدفاع عن السنة الجزء الثالث | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

836 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

محمد شاكر والدفاع عن النبي


هنالك قصة حكاها آخر أعيان المحدثين في مصر، الإمام العلَم أبو الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، حكى حكاية حدثت أيام الملك فؤاد ، الحكاية تتلخص في إن الملك فؤاد كان يحب أن يصلي خلف أحد الخطباء أصحاب اللسان العالي، كلما يحب أن يصلي في مكان يأتوا بهذا الخطيب كي يخطب، فصادف أن طه حسين رجع من باريس بالدكتوراه، وأرادوا أن يكرموا طه حسين ، فالملك فؤاد وحاشيته استدعوا هذا الخطيب على اعتبار أنهم سيكرمون الدكتور طه حسين ، صعد الخطيب يخطب، فأراد أن يمدح الملك فؤاد فقال: ما عبس ولا تولى لما جاءه الأعمى.

فيكون الملك فؤاد رجل كريم ورسول الله يكون ماذا؟ لأنه عبس وتولى، لكن الملك فؤاد لا عبس ولا تولى.

الشيخ محمد شاكر رحمه الله وكيل الجامع الأزهر، كان يصلي: فلما سمع الكلمة، وأنهى الرجل الخطبة.. صلوا الجمعة، قام الشيخ محمد شاكر ، وقال: أيها الناس! أعيدوا الصلاة ظهراً، فإن الخطيب كفر، مع قطع النظر في البحث هل هو كافر أم غير كافر، لكن الشيخ محمد شاكر رحمه الله قال هذه الكلمة وانطلق إلى قصر عابدين، وذهب إلى الملك فؤاد ورفع له مذكرة يقول له: صل الظهر بدلاً عن جمعتك بسبب أن الخطيب كفر.

الرجل خطيب والملك يأتي به حتى يخطب أمامه، يكون رجلاً معروفاً لكل المحامين في البلد، ومستشاري المحاكم، فجماعة المحامين المستشارين أغروه، قالوا له: كيف يحرجك أمام الجماهير بهذا الكلام؟ ارفع عليه قضية ونحن وراءك. الشيخ محمد شاكر قبل هذا التحدي ورفع قضية هو الآخر وقال: ليس بيني وبين هذا الخطيب شيء؛ لكنني أريد الإجابة عن سؤال واحد، أهذا الذي قاله الخطيب تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وأنا لن أحتكم إلى علماء الأزهر، برغم أن البلاغة والبيان والنحو والإعراب والصرف والكلام، هذا كله اختصاصهم، لكن أنا لن أستعين بواحد من هؤلاء حتى لا تقولوا حابوه وجاملوه، أنا أريد مستشرقين يكفرون بالله العظيم، ودرسوا اللغة العربية لأسألهم هذا السؤال: هذا الذي قاله الخطيب تعريض بالجلال النبوي أم لا؟

الشيخ محمد شاكر رحمه الله واصل رفع القضية، فلما علم هذا الخطيب ومعاونوه أن القضية خاسرة تنازلوا عنها، الشيخ أحمد شاكر رحمه الله يقول: فدخلت بعض المساجد لأصلي فرأيت ذلك الخطيب فراشاً يتلقى نعال المصلين في هذا المسجد. إن الله عز وجل يغار لنبيه، ولا يقع في النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ إلا خُذِل، لكن ما هو رد فعل الجماهير على هذه الإهانات المتلاحقة؟!

سأذكر لكم مثلاً.. نحن نعامل النبي عليه الصلاة والسلام، ونعامل دين الله عز وجل بالجملة كمعاملة الناس بالشارع والبيوت تصعد العمارة تدخل الشقق.. تجدها آية في الزخرفة والنظافة والرائحة الجيدة، وأنت خارج ترى الرجل يفتح النافذة.. يرمي القمامة ثم يغلق النافذة، لماذا؟ الشارع ليس لي؟ أنا لا أعامل الشارع معاملة منزلي.!! فيرمي القمامة ويغلق النافذة خشية الذباب، كل واحد يظن أن هذا الدين إنما هو دين الدعاة إلى الله عز وجل، الدفاع عن الإسلام هو دفاع الدعاة فقط، ويظن أنه رجل عامي لا يناط به شيء، وهذا أحد أسباب الوهن التي دبت إلى جسد الأمة.

 

محبة النبي صلى الله عليه وسلم

صدق محبة النبي عليه الصلاة والسلام هو العلاج الوحيد لكل الأمراض التي نعانيها الآن، إذا صدقت محبتك لا بد أن تنتقم لحبيبك، أولادنا.. حين تدخل بيت كثير من المسلمين زائراً.. صاحب البيت ينادي: تعال يا بني.. (ابنه الصغير) قل لعمك (الزائر) عندما تكبر ماذا تريد أن تكون؟ أريد أن أكون دكتوراً يا عم.. أريد أن أكون مهندساً.. أريد أن أكون صيدلياً.. من الذي علم الولد؟ من الذي لقنه؟ أبوه.. لا يوجد ولد يقول: أنا أريد أن أكون شيخاً أو عالماً.. لماذا؟ ديننا كدولة شاسعة الأطراف عظيمة الساحل، تخيل دولة مثل مصر مثلاً: سواحلها المائية واسعة.. تخيل أنه لا يوجد حرس حدود على هذه السواحل فما المتصوَّر؟ يدخل كل اللصوص.

ديننا هكذا.. أين حرس الحدود عندنا؟ لو أنني قلت -والقاهرة مثلاً ستة عشر مليوناً- لو أني قلت لكل واحد في هذا المسجد: عُدّ لي من تعتقد أنه عالم في القاهرة، ولن أناقشك في صفات العالم ولا ما هو مذهبه، إذا وصلت إلى عشرة فأنت بطل، ولا أقول لك عشرة فقط، لكن أقول لك أنت: عُدَّ لي من تعتقد في هذا البلد أنه عالم تقول فيه: هو حجةٌ بيني وبين ربي إذا لقيته، أأتمنه على الفتيا وعلى الاستشارة، لن تصل إلى عشرة. ما معنى هذا الكلام؟ كوادرنا ضعيفة جداً وقليلة، لماذا؟

العلماء هم الجهاز المناعي للأمة المسلمة، مرض الإيدز يعتبرون أنه أفتك الأمراض إلى قبل عدة شهور أو سنة ونصف في مصر مثلاً: دخل مرض جديد آخر الإيدز أصبح أقل خطراً بجانب المرض الجديد، المرض عبارة فيروس إذا أصاب الكبد يتحول إلى ماء اسمه فيروس آكل اللحوم، ظهر في جنوب أفريقيا، حيث أن هناك قوم يستحلون أكل الأطفال، سواء أكانوا يطبخونهم أو يشوونهم، هؤلاء أصيبوا بهذا الفيروس، إذا أصاب اللحم تجد يتوسع في اللحم حتى ينخر في العظم، وإذا أصاب الكبد مثلاً يتحول إلى سائل! وإذا أصاب الطحال يتحول إلى سائل.. وإذا أصاب الكلية يتحول إلى سائل، لكن مرض الإيدز أفتك الأمراض وأخطرها على المستوى العام حتى الآن وقالوا: إنه يصيب الجهاز المناعي.

إذاً أي مرض يصيب الجهاز المناعي يعتبر من أخطر الأمراض، العلماء والدعاة إلى الله عز وجل هم الجهاز المناعي لهذه الأمة.. هم كرات الدم البيضاء التي تدافع عن جسد الأمة، لماذا قلّت كوادرنا (علماؤنا)؟

لأننا لا نعامل الإسلام كقضية، سببه أن كل واحد يعتقد أن المسئولية على أكتاف غيره، والسبب في ذلك قلة المحبة، أتعرف لو أنك أحببت النبي صلى الله عليه وسلم بصدق لن تجد الذي تخاف منه الآن مع عدم المحبة، وسأذكر لك حكاية أوضح بها هذا المعنى: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، عندما دخل القلعة في آخر مرة ومات فيها رحمه الله، لما أدخلوه وأغلقوا الباب التفت إلى الباب فقال: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13].

ما معنى هذا؟ شيخ الإسلام كان مما من يميِّزه أنه سريع انتزاع الأدلة الدالة على ما يريد، لأن القرآن بين عينيه، أي شخص دخل السجن فإن الناس يتصورون أنه سيلقى الأمرَّين وسيذوق العذاب أليم!! ويقولون: يا ترى كيف يعيش؟ رغم أنه قد يكون أصفى نفساً في الباطن منك في الظاهر، أنت الذي تتعب! أنت الذي تذهب إليه للزيارة وتشوي له الدجاج، وتأخذها على أكتافك وتتجرع الشمس المحرقة! وتسافر اليومين والثلاثة الأيام، وهو يأتيه الأكل جاهزاً، ويحفظ القرآن، ويقوم الليل، وليس بينه وبين الناس خصومات بسبب المال والأكل والشرب والمعيشة.

إذا كنت صادق المحبة ستجد أن قلبك صار برداً وسلاماً، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال:45] فئة: يعني في الحرب.. فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال:45] فبمجرد أن تذكر الله عز وجل يستحيل خوفك إلى أمْن، وهذا المعنى موجود أيضاً عند الناس.. يقول عنترة :

ولقد ذكرتك والرماح كأنها أشطان بئرٍ في لبان الأدهم

فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم

ما هذا؟ حر وكر وفر! ورقاب تطير! والسيف يلمع في الشمس وإذا به يذكره ببسمتها، ولا زال المحبون يستمدون القوة بذكر من يحبون في مواطن الحرب.

إذاً العلاج هو صدق المحبة!.

 

محبة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم

 

جابر بن عبد الله

الصحابة رضي الله عنهم حققوا هذا الركن وتمموه، انظر إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه -كما في الصحيحين- يقول وهم يحفرون الخندق: (ظللنا ثلاثة أيام ما ذقنا فيها ذواقا) ما أكلوا شيئاً يقيم أصلابهم، قال: (فاعترضتنا كدية عظيمة) صخرة عظيمة (لا تعمل فيها المعاول) يكسِّرونها ولا تتكسر، قال: (فجئت النبي صلى الله عليه وسلم وقد ربط الحجر على بطنه من الجوع، فقلت له: يا رسول الله! صخرةٌ عظيمة لا تعمل فيها المعاول، قال: فقام أعرف فيه الجوع)، شخص يقوم على الأرض جوعان فبالكاد يقوم، (ثم أمسك المعول وقال: باسم الله. فضربها فصارت كثيباً أهيم) صارت رملاً، (فقلت: يا رسول الله! ائذن لي أن أذهب إلى البيت، فأذن لي فقلت لامرأتي: لقد رأيت الآن شيئاً ما لي عليه صبر، رأيت الجوع في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فهل عندك شيء؟)، أنا أرجو أن تستحضر أن جابر بن عبد الله جائع هو كذلك! لكن ذهب جوعه لمّا رأى الجوع في وجه حبيبه قالت: (نعم عندي صاع من شعير وعناق. قال: اعجني، واذبحي العناق، فقالت له: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه) يعني: لا تحضر الصحابة كلهم، لأن الأكل لا يكفي، لا يوجد طعام كثير فلا تفضحني، (ولكن اذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسرَّ إليه) قل له: تعال أنت وبعض أصحابك، (قال: فذهبت إليه فساررته) أنه يوجد كذا وكذا، (قال: فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يصيح (يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع سورا (أي: طعاماً) فحي هلا بكم!) قال: فأدركني من الحياء ما لا يعلمه إلا الله، قال: (هل خبزتم؟ قلت: لا. هل وضعتم اللحم على النار؟ قلت: لا. قال: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء -أي: لا تخبزوا حتى أجيء- ولا تضع البرمة على النار حتى أجيء، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أهل الخندق فقال: أين عجينكم؟ جاءوا به فبصق فيه وبارك، أين لحمكم؟ فجاءوا به فبصق فيه وبارك، قال جابر : أقسم بالله لقد أكلوا حتى تحولوا وتركوه وكانوا ألف رجل، وإن اللحم كما هو وإن العجين كما هو) هذه هي المحبة.

 

عمرو عبد العاص

جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري رحمه الله قال: (دخلنا على عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فلما رآنا حول وجهه إلى الجدار وبكى طويلاً، فجعل ابنه عبد الله يقول له: يا أبت! أما بشرك النبي صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا؟! فالتفت إلينا عمرو ثم قال: لقد رأيتني على أطباقٍ ثلاث -أي: مررت في حياتي بثلاث مراحل- لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً إلي من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحب إلي من أن أكون استمكنت منه فقتلته، فلئن مت على هذا الحال لكنت من أهل النار، ثم أسلمتُ فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فبسطت يدي، فقلت: يا رسول الله! ابسط يدك فلأبايعك، فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو ؟ قلت: يا رسول الله أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أشترط أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ قال: عمرو : فو الله ما كان أحدٌ أحبّ إلي قطٌ منه، ولئن سُئِلتُ أن أصفه لكم لما أطقت ذلك؛ لأنني ما كنت أملأ عيني منه إجلالاً له) ، ما أستطيع أن أملأ عيني منه، ولا أن أسلط بصري عليه، عندما يكون المرء هائماً محباً لا يستطيع أن يسلط بصره على من يحب على الإطلاق.. أبداً، رغم أنه صحابي جليل، وعاش مع النبي صلى الله عليه وسلم طويلاً إلاّ أنك لو قلت له: صفه لي، يقول: لا أستطيع، لماذا؟ ما كنت أستطيع أن أنظر إليه من شدة الحياء (فلئن مت على هذا الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة)، الطبق الأول: قطع فيه أنه يكون من أهل النار، ولما تأدب بأدب الإسلام، قال: لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ولم يقطع ولم يقل: لكنت من أهل الجنة، (ثم ولينا أشياء كان فيها ما كان ... ) إلى آخر الحديث.

 

صلح الحديبية

جاء في الصحيحين من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه وهو حديث طويل في صلح الحديبية، في هذا الحديث: أن عروة بن مسعود الثقفي وكان إذ ذاك كافراً قال لقريش: (ألستُ منكم بمنزلة الولد؟ قالوا: بلى. قال: ألستم مني بمنزلة الوالد؟ قالوا: بلى، قال: هل تتهمونني؟ قالوا: لا، قال: فدعوني آته وقد عرض عليكم خطة رشد) يعني: يذهب ليفاوض النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه أمين في المفاوضات، فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولما دخل عليه رأى أصحابه وقد عضهم الفقر بنابه.. فقراء مساكين، لا يظهر عليهم ما يظهر على أهل الترف، فاخترقهم ببصره واحتقرهم -فيما بينه وبين نفسه- ثم قال: (يا محمد! والله ما أرى حولك إلا أوباشاً) وفي الرواية الثانية: (أوشاباً) وهي بنفس المعنى، يعني: لا يردون البصر، ولا يملئون العين.. (ما أرى حولك إلا أوباشاً خليقاً أن يفروا ويدعوك)، أي: ستواجه قريشاً بالقليل هؤلاء، والمعنى أن لا تطمع أن تدخل مع قريش في حرب؛ لأنهم بمجرد أن تقوم الحرب سيفرون كلهم فلا تتكل عليهم (ما أرى حولك إلا أوباشاً خليقاً أن يفروا ويدعوك)، فقال أبو بكر : (أنحن نفر وندعه؟ امصص بظر اللات)، فسب آلهتهم وعابها، فقال عروة مغضباً: من هذا المتكلم؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنه ابن أبي قحافة ) أبو بكر ، فقال له وكان كافراً: (لولا أن لك عليّ يداً لأجبتك)، الوفاء.. لولا أن لك علي يداً؛ لكنت رددت عليك، وقد سب أبو بكر آلهتهم.. يعني لا يوجد شيء معظّم بعد الإله، سَبَّ أحسن شيء عندهم، ومع ذلك رده الإحسان والوفاء أن يرد عليه.

وفي رواية محمد بن إسحاق عن الزهري عن المسور في هذا الحديث قال: (ولكن هذه بتلك) بمعنى: أنك استوفيت يدك السابقة علي بهذه السبَّة، فلو قلت شيئاً آخر سأرد عليك، (أنحن نفر وندعه؟ امصص بظر اللات).

بدأ يحصل نوع من المراقبة التي نسميها في العصر الحاضر: الجاسوسية، هو ذهب وعينه (كالكاميرا) المسجلة يرصد كل شيء حتى يخبر قريشاً، وكان من عادة الأقران في العرب أن الشخص إذا كلم أخاه يمس لحيته ويتكلم.. لكنه يُستقبح مع أهل الفضل.. إذا كان الرجل مُسِناً فلا تكرر أن تمسك بلحيته كلما أردت.

فأخذ عروة بن مسعود الثقفي يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويمسك بلحيته، فكان هناك رجل واقف خلف النبي صلى الله عليه وسلم ورد في بعض الروايات خارج البخاري أنه كان ملثماً معه سيف، وبمجرد أن يمد عروة يده يضربه بنعل سيفه ينظر إليه، لا يعرف من هو؟ ثم يتكلم وينسى أيضاً ويضع يده على لحيته، فيضربه بنعل سيفه على يده مرة أخرى، فعبد أن ضربه مرتين أو ثلاثاً، قال عروة : (من هذا الذي أزعجني؟) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة )، فقال: عروة بن مسعود : (أي غُدَر) ، يعني: يا أيها الغادر! (لا زلت أسعى في غدرتك) وكان المغيرة بن شعبة قد صحب ثلاثة عشر نفراً في الجاهلية وشربوا الخمر، فقام عليهم وذبحهم جميعهم، وأخذ مالهم وهرب بها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء وقال: أنا أسلمت، وهذا المال.. فقال عليه الصلاة والسلام: (أما الإسلام فأقبله منك، وأما المال فلست منه في شيء) يا سلام على هذا الوفاء وعلى هذا النبي الكريم الجليل!.

وحذيفة بن اليمان لم يحارب في وقعة بدر لا هو ولا أبوه، وكانوا موجودين.. لماذا؟ لما خرج حذيفة هو وأبوه هاربين أمسكهم المشركون، وقالوا لهما: أين تتجهان؟ فقالا: إلى المدينة. فقالوا: لن ندعكم حتى تعطونا العهد والميثاق ألا تقاتلونا. قالوا: لن نقاتلكم، فتركوهم، فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! أعطيناهم العهد أن لا نقاتلهم، فقال: (نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم).

انظر إلى أفضل من مشى على الأرض بقدميه عليه الصلاة والسلام، قال: (هذا ابن أخيك) فلما رجع المغيرة بن شعبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمال قال: (لست منه في شيء).

وقال -كما في مسند أحمد- : (وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس؟) لما أسلمت.

ثم جاء المشهد الآتي، دخلت صلاة الظهر والرسول عليه الصلاة والسلام يتوضأ، وبينما هو يتوضأ ويغسل يده وإذا بالصحابة يتسابقون على وضوئه، ما سقطت قطرة ماءٍ على الأرض، يتنخم النخامة والكل يتسابق إليها، وسعيد الحظ من تكون النخامة من نصيبه: (فما وقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يحدون النظر إليه، ولا يرفعون صوتهم عنده، ويبتدرون أمره)، مجرد أن يقول: اعملوا؛ تجدهم يسرعون في المبادرة مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينهى عن تعظيمه بأقل من ذلك، وأن يقوموا له.

فلماذا تركهم يفعلون ذلك؟

النبي عليه الصلاة والسلام تنخم نخامة يأخذها أحدهم بيده، مع أن النخامة كلنا نتأفف منها، ويقتتلون على وضوئه ؛ لأن هذه رسالة يريد من عروة بن مسعود أن يوصلها لقريش أنهم ليسوا أوباشاً، هؤلاء رجال، فتركهم يفعلون ذلك، لأن هذا عين.. وجاسوس جاء ليراقب، ومن بداية دخوله يستعرض قوته ويقول: (ما أرى حولك إلا أوباشاً).. ثم انظر إلى التقرير الذي رفعه عروة بن مسعود الثقفي لقريش! في البداية دخل على المسلمين منتفخاً ثم رجع وقال لقريش: (يا قوم! والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت أصحاب ملكٍ يعظمون ملكهم كتعظيم أصحاب محمدٍ محمداً. إنه ما توضأ إلا اقتتلوا على وضوئه، ولا تنخم نخامة فوقعت في يدر رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يُحدون النظر إليه تعظيماً له، ويبتدرون أمره، وقد عرض عليكم خطة رشدٍ فاقبلوها) أي: خذوها فما لكم حيلة ولا طاقة بهؤلاء. هذا هو الحب والاتباع!.

 

أبو أيوب الأنصاري

وهذا حديث رواه مسلم كلما تأملت فيه شعرت بسخونةٍ في عيني.

نزل النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب ، فقال له أبو أيوب -وكانت الدار تتألف من طابقين-: (يا رسول الله! اصعد إلى فوق)، قال: (السفل أرفق بنا يغشاني أصحابي) يعني أصحابي كثر، فإذا كنت في الدور الثاني ما من رجل يريد أن يصعد إلي إلا آذى من أسفل البيت، فلا داعي، فصعد أبو أيوب في الدور العلوي، والنبي عليه الصلاة والسلام أسفل الدار.

في معجم الطبراني .. يقول أبو أيوب في هذا الحديث: (وانكسر لنا حُب)، وهو الجرة العظيمة، (فجففته بلحافي أنا وامرأتي والله ما لنا غيره، خشية أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم شيء، قال: فنزلت، قال: وبينما أنا أمشي بالليل إذ فزعت، وقلت: أأنا أمشي على سقيفةٍ تحتها رسول الله؟)، أرجلي الآن فوق رأسه؟ هذا سوء أدب، (قال: فانجمعت أنا وامرأتي) جلسوا في زاوية إلى الصبح، فلما أصبح (قال: فنزلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: والله يا رسول الله! لا أعلو سقيفة أنت تحتها، اصعد إلى فوق، فصعد، قال: (وكنت أُرسل إليه الطعام، قال: فكان يأكل، فلا آكل آنا وامرأتي حتى يأكل الطعام من عنده، فنتحرى مواضع فمه ويده)، فيتتبعانها ويأكلان منها، (قال: فأرسلت إليه ذات يومٍ ثوماً أو قال: بصلاً، فلم يأكل منه، ففزعت) لاحظ لفظة (فزعت) التي كررها مرتين (ففزعت وصعدت إليه فقلت: (يا رسول الله! لم تأكل من الثوم أو البصل أحرامٌ هو؟ قال: لا، ولكني أناجي من لا تناجي)لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم الجواب صريح وواضح، أحرامٌ هو؟ قال: لا ولكني أناجي من لا تناجي ، فقال أبو أيوب المحب: (لا جرم، أكره الذي تكره)، وإن كان مباحاً، لكن أنت تكره، أنا أكرهه، فهذا هو المحب.

هذا هو المحب.. قاعدة الولاء والبراء: (حبيب حبيبي حبيبي وعدو حبيبي عدوي).

إذا رأيت صاحبك يمشي مع عدوك فمحبته كاذبة، إذا اعتقدت النقص في حبيبك فمحبتك ناقصة، لا تتم محبتك إلا إذا اعتقدت الكمال فيمن تحب، ولا تلصق نقيصة به، وكلما عُظُم تصوّرك اكتمل حبُّك.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السنة-النبوية #دفاع-عن-السنة
اقرأ أيضا
تحرير نسبة الأقوال إلى أصحابها | مرابط
مقالات

تحرير نسبة الأقوال إلى أصحابها


ندرك هنا أهمية الحذر من الخطأ في نسبة الأقوال البدعية إلى الأئمة نتيجة الاعتماد على ما يرويه من تأثر ببعض البدع المحدثة حتى يصير يفسر كلام إمام من أئمة أهل السنة والأثر -كما حصل هنا مع الإمام أحمد- على قواعد أهل الكلام المناقضة لمنهجه وما علم عنه بالضرورة فلا هو حكى أقوال الإمام بألفاظها كما وردت عنه ولا هو فسرها على وفق ما علم عنه

بقلم: عبد الله القرني
519
لماذا نحب الرسول الجزء الأول | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الأول


في هذه المحاضرة يدور الحديث حول محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطريق إليها معناها وأهميتها واجباتها ومستلزماتها وما ينبغي أن يكون موقف المسلم تجاه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا الموضوع على درجة عظيمة من الحساسية لما وقع الناس فيه من أهل الإسلام أهل القبلة بين الإفراط والتفريط هذا الموضوع ينبغي أن يفتح كل مسلم قلبه وسمعه لتفاصيله ويتذكر حتى ولو لم يتعلم شيئا جديدا ويستعيد إلى نفسه وقلبه ذكريات هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويتذكر حقوق رسول الله وواجباته

بقلم: محمد المنجد
840
من آثار بر الوالدين | مرابط
تفريغات

من آثار بر الوالدين


بر الوالدين من أعظم الأسباب التي توجب الرحمة من الله في تيسير الأمور والعكس بالعكس فإن العاق ما حضر مكانا إلا كان شؤما على أهله حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم فكيف بالذي عق والديه

بقلم: محمد مختار الشنقيطي
449
الزهد المشروع | مرابط
مقالات

الزهد المشروع


سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن رجل تفقه وعلم ما أمر الله به وما نهى عنه ثم تزهد وترك الدنيا والمال والأهل والأولاد خائفا من كسب الحرام والشبهات وبعث الآخرة وطلب رضا الله ورسوله وساح في أرض الله والبلدان فهل يجوز له أن يقطع الرحم ويسيح كما ذكر أم لا؟

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
345
فن أصول التفسير ج5 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج5


ما هي السور التي ابتدأت بالقسم وما هي أنواع المقسم به فعندنا هنا أقسم بالطور فلو أردنا أن نأخذ نظائر لهذه السورة من جهة الابتداء نجد مثل: والشمس وضحاها الشمس:1 مثل: والذاريات ذروا الذاريات:1 مثل: والنجم إذا هوى النجم:1 مثل: والليل إذا يغشى الليل:1 مثل: والفجر الفجر:1 إذا نلاحظ أن عندنا نظائر لهذه السورة من جهة القسم ومفيد جدا لتالي القرآن أن يتأمل ما هي النظائر في الخبر والإنشاء ما هي النظائر في قضية القسم يعني ما هي السورة التي ابتدئ بها بالقسم ما هي السورة التي ابتدئ بها بالحمد ما هي السو...

بقلم: مساعد الطيار
743
من أدلة النبوة | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أدلة النبوة


من ضمن أدلة النبوة التي ذكرها أشار إليها ابن القيم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمضى فترة كبيرة من عمره في مكة وبين قومه ولم يروا منه كذبا ولا بهتانا ولم يخض هو في أمور النبوة ولا مرة ولا علم عنه من الطباع ما يوحي بتكذيبه وهذا مقتطف من كتاب الصواعق المرسلة يدور حول الأمر

بقلم: ابن القيم
2203