الزهد المشروع

الزهد المشروع | مرابط

الكاتب: شيخ الإسلام ابن تيمية

271 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن رجل تفقه وعلم ما أمر الله به وما نهى عنه ثم تزهد وترك الدنيا والمال والأهل والأولاد خائفا من كسب الحرام والشبهات وبعث الآخرة وطلب رضا الله ورسوله وساح في أرض الله والبلدان فهل يجوز له أن يقطع الرحم ويسيح كما ذكر أم لا؟

فأجاب: الحمد لله وحده.
الزهد المشروع هو ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة وثقة القلب بما عند الله. كما في الحديث الذي في الترمذي {ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق بما في يدك وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك} لأن الله تعالى يقول {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.

فهذا صفة " القلب ". وأما في " الظاهر " فترك الفضول التي لا يستعان بها على طاعة الله من مطعم وملبس ومال وغير ذلك؛ كما قال الإمام أحمد: إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وصبر أيام قلائل.

وجماع ذلك خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول: {خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة}. وكان عادته في المطعم أنه لا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا ويلبس من اللباس ما تيسر من قطن وصوف وغير ذلك وكان القطن أحب إليه {وكان إذا بلغه أن بعض أصحابه يريد أن يعتدي فيزيد في الزهد أو العبادة على المشروع ويقول: أينا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب.

لذلك ويقول: والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدود الله تعالى} {وبلغه أن بعض أصحابه قال: أما أنا فأصوم فلا أفطر وقال الآخر أما أنا فأقوم فلا أنام وقال آخر أما أنا فلا أتزوج النساء وقال آخر أما أنا فلا آكل اللحم فقال صلى الله عليه وسلم لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني}. فأما الإعراض عن الأهل والأولاد فليس مما يحبه الله ورسوله ولا هو من دين الأنبياء؛ بل قد قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} والإنفاق على العيال والكسب لهم يكون واجبا تارة ومستحبا أخرى فكيف يكون ترك الواجب أو المستحب من الدين وكذلك السياحة في البلاد لغير مقصود مشروع كما يعانيه بعض النساك أمر منهي عنه قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين.

وأما السياحة المذكورة في القرآن من قوله: {التائبون العابدون الحامدون السائحون} ومن قوله: {مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} فليس المراد بها هذه السياحة المبتدعة؛ فإن الله قد وصف النساء اللاتي يتزوجهن رسوله بذلك والمرأة المزوجة لا يشرع لها أن تسافر في البراري سائحة؛ بل المراد بالسياحة شيئان. (أحدهما الصيام. كما روى عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب}. متفق عليه.

لكن إذا ترك الإنسان الحرام أو الشبهة بترك واجب أو مستحب وكان الإثم أو النقص الذي عليه في الترك أعظم من الإثم الذي عليه في الفعل لم يشرع ذلك


المصدر:
شيخ الإسلام ابن تيمية، مجموع الفتاوى

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الزهد #شيخ-الإسلام
اقرأ أيضا
درء تعارض العلم التجريبي والنقل | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر

درء تعارض العلم التجريبي والنقل


من المجالات التي تحتاج إلى قدر من التأصيل العقدي والمنهجي تحرير الصلة والعلاقة بين المعارف الشرعية والمعارف العلمية الطبيعية وذلك أن ثمة قدر من التقاطع أحيانا بين هذين المجالين بما يستدعي ضبط العلاقة بينهما والواقع يشهد أننا أمام طرفين في هذه القضية ووسط طرف يحصل له قدر من المغالاة في الاستمساك بما يتوهم أنه ظواهر النصوص فيطرح معارف علمية قطعية لما يتوهم أنه ظاهر الشرع وطرف يطرح بعض القواطع الشرعية لصالح المعارف الطبيعية

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري
1449
العمارة في الحضارة الإسلامية ج2 | مرابط
تاريخ

العمارة في الحضارة الإسلامية ج2


أمر الإسلام بتعمير الأرض بالبناء عليها وحث عليه لحماية الإنسان من حر الشمس وبرد الشتاء وأمطاره وجعل اتخاذ المساكن نعمة من الله لمخلوقاته ولذلك وضع الإسلام لبناء المساكن والمدن والقرى الكثير من الآداب وشهدت بلادنا الإسلامية ازدهار العمران والبناء الذي تميز بطابع إسلامي خالص وفي هذه المقالات سيقف بنا الكاتب على ملامح العمران في كل العصور الإسلامية

بقلم: موقع قصة الإسلام
1994
شبهة تشابه الإسلام مع الزرادشتية | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة تشابه الإسلام مع الزرادشتية


إن الزرادشتيين المتأخرين الذين كانوا يعيشون في الدولة الإسلامية هم من سرق شرائع الإسلام ووضعوها في كتبهم وهذا مثل الترجوم الثاني لإستر في الديانة اليهودية فأصله قديم إلى ما قبل الميلاد لكن النسخة التي يأخذون منها التشابه مع الإسلام تعود إلى ما بعد الإسلام بقرون وقد أثبت علماء التوراة اختلاف النسختين وعدم وجود التشابه مع القرآن في النسخة الأقدم وكذلك في الزرادشتية فهؤلاء قوم يعدلون كتبهم كل فترة

بقلم: موقع هداية الملحدين
659
الأهواء المتدينة | مرابط
فكر مقالات

الأهواء المتدينة


نتعامل في واقعنا المعاصر مع إشكال جديد يمكن تسميته بالأهواء المتدينة هذا الإشكال يظهر في أن ترك الالتزام بالأحكام الذي هو من جنس التقصير والهوى أصبح محسنا مزينا في نفس المسلم متوافقا مع الدين مقربا إلى الحق فلم تعد تلك المخالفات متضمنة مفسدة المخالفة فقط بل أضيف لها مفسدة التحسين والتزيين للهوى والباطل

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1020
شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج2


هذه دراسة نقدية تبرز أهم الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية وما يتعلق به ولقد حاولت ذكر أبرز الشبهات المتداولة حديثا بين أوساط الحداثيين والعقلانيين وبينت بطلان هذه الشبهات معتمدا في ذلك على جملة من الأدلة العقلية والنقلية ومستعينا بأقوال جملة من أهل العلم ممن درسوا هذه الشبهات وبينوا زيفها متتبعين في ذلك سقطاتهم ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها والله الموفق والمستعان وعلى نبيه الصلاة السلام

بقلم: شنوف عبدالهادي
1793
من أخلاق الكبار: أحمد بن حنبل | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: أحمد بن حنبل


الإمام أحمد بعدما أوذي هذا الأذى لم يفتح ملفات من الأحقاد وسجلات من العداوة فلان هو المتسبب وفلان هو الذي سعى في الموضوع وفلان خذلني وفلان قصر في حقي وفلان لم يسع في خلاصي من أسر هؤلاء وفلان ما زارني بعد السجن وفلان صدرت منه بعض الكلمات التي لربما يفهم منها أنه كان مباركا لهذا العمل راضيا به لم يفتح شيئا من هذا إطلاقا ولم ينقل لنا التاريخ عن الإمام أحمد - رحمه الله - على طول ترجمته كلمة واحدة تدل على أنه وقف عند نفسه.

بقلم: خالد السبت
377