
الرد على السقاف
هناك بدعة جديدة يا شيخ! ابتدعها السقاف في هذه الأيام بالنسبة لهذه المسألة، حيث تكلمت مع أحد تلامذته أو رواده، فعندما ناقشته في هذه المسألة قال: حين سئل شيخنا عن حديث الجارية، وهو في صحيح مسلم قال: الصحابة قالوا: إن الرحمن على العرش استوى، ولكنهم يريدون التأويل، فعندما ناقشت هذا الرجل، كنت كلما يأتي بشيء آتي له بشيء ينقضه، حتى قال في النهاية: أنا أثبت أن الله عز وجل فوق السماء كما أثبتته الجارية، وبقي مصرًا على كلام شيخه، وأن الجارية أثبتته؛ ولكنها تريد التأويل.
الشيخ: وما يدريه؟ السائل: أنا قلت له: ما هي الحجة والبرهان؟ فهذا لا بد له من برهان ودليل؟
على كل حال أنا أعتقد أنها كلمة يقولونها بألسنتهم، ويقولونها هربًا من الحجة التي تقام عليهم؛ لأن الرجل يصرح في كتبه بأن القول بأن الله في السماء كفر، في مثل قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] قال في بعض كتبه، ونقلًا عن بعض المفسرين المؤولين -مع الأسف-: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] كما يقوله أهل الشرك، هكذا هو مطبوع في الكتاب، ولذلك إذا وصل معك إلى أن يقول: أنا أقول كما قالت الجارية؛ لكن مع التأويل، فهذا في اعتقادي أنه سيكون أحد شيئين، وذلك حتى ننصف هذا الرجل الذي تشير إليه: فإما أنه كفر بشيخه، أو تأول كلام الشيخ بتأويل لا يرضاه الشيخ، أو أن الشيخ علمهم: أن إذا قيل لكم كذا فقولوا كذا، لكن قولهم هذا يخالف المسطور في كتبهم؛ لأن الرجل يصرح بأنه لا يجوز للمسلم أن يقول: إن الله في السماء؛ لأن هذه قولة الكفار المشركين في العهد الجاهلي، وهو تلقاه عن الشيخ عبد الله الغماري المغربي، فهو يصرح -أيضًا- في بعض تعليقاته على كتاب التمهيد، هذا الكتاب العظيم الذي ابتلي ببعض المعلقين من أهل الأهواء وأهل التعطيل، ولا أقول: التأويل-.
ولذلك إذا قال هذا القول حقيقة فهذه خطوة إلى الأمام، لكن الحقيقة أن السقاف لا يؤمن إلا أن كلمة: (الله في السماء) كفر؛ لأنه يفسر (في السماء) أي: (في جوف السماء)، وهذا كفر، لهذا يقول بأننا نحن نقول: إن الله عز وجل ليس في مكان، ومن قال: إن الله في مكان؛ فقد كفر، لذلك يتأولون (في) بمعنى (على) كما هو صريح الآيات الأخرى، ثم يقول: إن الله عز وجل ليس في مكان، وليس خارج المكان، أو إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، تلك هي شنشنة المعطلة، ومن عجائب أقوالهم أنهم يكفرون من يقول بقول الله ورسوله ويؤمنون بمن يقول بقولةٍ ما قالها رسول الله، ولا صحابي، ولا تابعي، ولا إمام من أئمة المسلمين! فنقول لذلك السائل: من من العلماء الذين يعرفون بعلمهم وصلاحهم قال: إن الله ليس داخل العالم ولا خارجه؟ وهؤلاء المعطلة من أين جاءوا بهذه العقيدة؟ نقول: فهم مهما حاولوا أن يتأولوا مثل هذا الكلام؛ فإن هذا التأويل لا يقبل في شطره الثاني إلا إنكار وجود الله تبارك وتعالى، ونحن نعتقد أن كثيرًا من المؤولة ليسوا زنادقة، لكن في الحقيقة إنهم يقولون قولة الزنادقة، فالزنديق المنكر لوجود الله هو الذي سيقول: لا شيء مما تزعمون يصح، فإن الله لا داخل العالم ولا خارجه، لكن هم بسبب تأثرهم بعلم الكلام وصلوا إلى أن يقولوا كلمة هي الزندقة بعينها، لكن مع ذلك فهم لا يعلمون، ويصدق فيهم قول رب العالمين: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف:103] {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104].
بيان قول البخاري في تفسير: (كل شيء هالك إلا وجهه)
لي عدة أسئلة، ولكن قبل أن أبدأ أقول: أنا غفلت بالأمس عن ذكر هذه المسألة، وهي عندما قلت: إن الإمام البخاري ترجم في صحيحه في معنى قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] قال: إلا ملكه.
صراحة أنا نقلت هذا الكلام عن كتاب اسمه: دراسة تحليلية لعقيدة ابن حجر، كتبه أحمد عصام الكاتب، وكنت معتقدًا أن نقل هذا الرجل إن شاء الله صحيح، ولازلت أقول: يمكن أن يكون نقله صحيحًا، ولكن أقرأ عليك كلامه في هذا الكتاب.
إذ يقول: قد تقدم ترجمة البخاري لسورة القصص في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]، أي: إلا ملكه، ويقال: (إلا) ما أريد به وجه الله، وقوله: إلا ملكه، قال الحافظ في رواية النسفي وقال معمر فذكره، ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى، وهذا كلامه في كتابه مجاز القرآن، لكن بلفظ (إلا هو)، فأنا رجعت اليوم إلى الفتح نفسه فلم أجد ترجمة للبخاري بهذا الشيء، ورجعت لـ صحيح البخاري دون الفتح، فلم أجد هذا الكلام للإمام البخاري، ولكنه هنا كأنه يشير إلى أن هذا الشيء موجود برواية النسفي عن الإمام البخاري، فما جوابكم؟
جوابي تقدم سلفًا.
السائل: أنا أردت أن أبين هذا مخافة أن أقع في كلام على الإمام البخاري.
الشيخ: أنت سمعت مني التشكيك في أن يقول البخاري هذه الكلمة؛ لأن تفسير قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] أي: ملكه، يا أخي! هذا لا يقوله مسلم مؤمن، وقلت أيضًا: إن كان هذا موجودًا فقد يكون في بعض النسخ، فإذًا الجواب تقدم سلفًا، وأنت جزاك الله خيرًا الآن بهذا الكلام الذي ذكرته تؤكد أنه ليس في البخاري مثل هذا التأويل الذي هو عين التعطيل.
السائل: يا شيخنا! على هذا كأن مثل هذا القول موجود في الفتح، وأنا أذكر أني مرة راجعت هذه العبارة باستدلال أحدهم، فكأني وجدت مثل نوع هذا الاستدلال، أي: أنه موجود وهو في بعض النسخ، لكن أنا قلت له: إنه لا يوجد إلا الله عز وجل، وإلا مخلوقات الله عز وجل، ولا شيء غيرها، فإذا كان كل شيء هالك إلا وجهه، أي: إلا ملكه، إذًا ما هو الشيء الهالك؟!! الشيخ: هذا يا أخي! لا يحتاج إلى تدليل على بطلانه، لكن المهم أن ننزه الإمام البخاري عن أن يؤول هذه الآية وهو إمام في الحديث وفي الصفات، وهو سلفي العقيدة والحمد لله.
وسبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.