منهاج السنة.. والسلف المتخيل

منهاج السنة.. والسلف المتخيل | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

333 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

التحقق الواقعي لمنهج أهل السنة عبر القرون وإلى أن تقوم الساعة هو مقتضى الضمان الإلهي بحفظ الدين من التحريف، والمقصود بالتحقق الواقعي هنا أن تبقى طائفة من الأمة ظاهرين على الحق محافظين على الدين الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يلحقه تبديل أو تحريف، وهم الطائفة المقصودة في الحديث المتفق عليه واللفظ لمسلم :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله ".

وعلى هذا فيلزم أن الحق كما يتبين بالدلائل والبراهين عليه فهو يتبين كذلك بأن يتحقق في الواقع في طائفة تتمسك به وتظهره وتعرف به، وبذلك يكون للمسلم سلف صالح يقتدي بهم ويهتدي بهديهم، وهذا السلف ليس خاصا بالقرون الثلاثة المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وإنما هو متحقق في كل عصر، ظاهر لمن أراد سلوك سبيلهم والالتزام بمنهجهم.

فكما جعل الله الأمة شاهدة على جميع الأمم كما في قوله تعالى :" {وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ} فقد جعل الله هذه الطائفة شاهدة على الأمة بالتزامها بالحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على أن يكون الوحي هو مرجعية الأمة  فيما تختلف فيه، وعلى هذا يفهم قول الإمام أحمد في بيان المقصود بهذه الطائفة: “إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم”، وقول الإمام البخاري إنهم أهل العلم.

وإنما قالوا ذلك لبيان أن التحقق لهذه الطائفة لا يكون إلا بشرط السلامة من الانحراف في المنهج، والوضوح التام في الالتزام بمصدرية الوحي والتسليم المطلق بالنصوص، بخلاف ما يحصل من الطوائف المبتدعة من إحداث الخلل في هذه المرجعية، بما يزعمونه من ضرورة تقييد التسليم بنصوص الوحي بما أحدثوه من أصول بدعية جعلوها حاكمة على دلالات النصوص، وهذا الضابط المنهجي هو الذي يميز على التحقيق أهل الاتباع عن أهل الابتداع، وأهل الإجماع المعتبر عن أهل الشذوذ والانحراف في أصول الاعتقاد.

وهذا المعنى لا يقوم معه القول بالسلف المتخيل الذي لا تحقق له في الواقع، بل هي دعوى مناقضة له تمام المناقضة، بحيث يلزم عنها أن الحق هو نتيجة جهد شخصي لكل أحد من أفراد الأمة، وأنه لا تميز لطائفة عن غيرها في التزامها بالحق وقيامها به، بل يمكن أن يكون الحق عند طائفة من طوائف الأمة في أصل من أصول الاعتقاد الكبرى، وتكون تلك الطائفة مخالفة للحق في أصل آخر، لا يستثنى من جميع الطوائف طائفة على التعيين، وعلى هذا يكون كل مسلم مكلفا بأن ينظر فيما يلتزم به من أصول الاعتقاد بحسب ما يؤديه إليه اجتهاده، وأنه لا إشكال في أن ينتقل ويتحول من أصل إلى آخر على الدوام، لأن فرضه أن يستمر في الاجتهاد والتطواف بين الأصول، ويبقى حاله على أنه لا حرج في افتراض نسبية الحق وإمكان التحول عما يعتقده، وأن يكون الشك والتساؤل المستمر هو الثابت الوحيد الذي يحافظ عليه ويوصف به 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#منهاج-السنة
اقرأ أيضا
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني


كانت المحطة الثانية في تكريس مبدأ الإعلاء من شأن العقل وتحكيمه على نصوص السنة هي ظهور الاستشراق كاتجاه فكري يعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة وحضارة العرب والإسلام بصفة خاصة والمستشرقون هم علماء من الغرب اعتنوا بدراسة الإسلام واللغة العربية وكذلك لغات الشرق وأديانه وآدابه ويرى بعض المؤرخين أن بداية الاستشراق كانت مع بداية الاستعمار في العصر الحديث قبيل القرن التاسع عشر بينما يرى بعضهم الآخر أن الاستشراق أقدم من ذلك حيث يرون أن بدايته كانت مع اشتغال الغرب بترجمة الكتب العربية

بقلم: الشبكة الإسلامية
1238
مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها | مرابط
اقتباسات وقطوف

مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها


كان لمأساة أحد أثر سيء على سمعة المؤمنين فقد ذهبت ريحهم وزالت هيبتهم عن النفوس وزادت المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم

بقلم: صفي الرحمن المباركفوري
452
مختصر قصة التتار الجزء السادس | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء السادس


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1287
قبول الأعمال متوقف على صحة العقيدة | مرابط
اقتباسات وقطوف

قبول الأعمال متوقف على صحة العقيدة


قبول الأعمال متوقف على صحة العقيدة فالعقيدة هي الأساس وإذا كان الأساس فاسدا فكل ما بني على فهو فاسد والتوحيد تتوقف عليه النجاة في الآخرة فهويمنع الخلود في النار ولا يخلد في النار موحد وأعظم ما فيه أن من حققه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب ويتحرر المخلوق بالعقيدة الصحيحة من رق المخاليق وعبوديته لهم والخوف منهم والنظر إلى مدحهم وقدحهم وهذه قمة العزة في الحياة

بقلم: محمد صالح المنجد
996
مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج3 | مرابط
مناظرات

مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج3


أما بعد.. فقد كتبت ما حضرني ذكره في المشهد الكبير بقصر الإمارة والميدان بحضرة الخلق من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء العامة وغيرهم في أمر البطائحية يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة خمس أي بعد السبعمائة لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس على الاطلاع عليه. فإن من كان غائبا عن ذلك قد يسمع بعض أطراف الواقعة ومن شهدها فقد رأى وسمع ما رأى وسمع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
485
التضليل والخداع في تسمية العلمانية | مرابط
العالمانية

التضليل والخداع في تسمية العلمانية


إمعانا في التضليل والخداع سماها الفكر الغربي بالعلمانية وهو اصطلاح يوحي بأن لها صلة بالعلم حتى ينخدع الآخرون بصواب الفكرة واستقامتها فمن الذي يقف في وجه دعوة تقول للناس إن العلم أساسها وعمادها ومن هنا انطلى الأمر على بعض السذج وأدعياء العلم فقبلوا المذهب منبهرين بشعاره دون أن ينتبهوا إلى حقيقته وأبعاده

بقلم: حمود الرحيلي
769