نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل

نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

1330 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وعلى هذا المعتقد -أي أن الإيمان قول وعمل- إجماع الصحابة، والتابعين، والفقهاء، والمحدثين من السلف ومن أهل السنة.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاث عن الآخر". هذا في كتاب الإيمان لابن تيمية نقله عن الشافعي". [الإيمان لابن تيمية: 1/264].

قال الإمام ابن عبد البر المالكي رحمه الله: "أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ونية، ولا عمل إلا بنية، –يقول ابن عبد البر-: والإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان". [التمهيد لابن عبد البر: 9 /238].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكان سلفنا، وكان من مضى من سلفنا يقول: لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع، كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعمله، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله" -ماذا يكون؟ هاه، لا. نبغا الكلمة الدقيقة المصطلح الشرعي، نبغا الكلمة الدقيقة المصطلح الشرعي. منافق منافق- "فمن قال بلسانه ولم يعرف قلبه ولم يصدق بعمله -إيش يكون؟ منافق- "كان في الآخرة من الخاسرين" [الإيمان الكبير لابن تيمية: 1/213].

فإذن العمل مصدق للقول، طبعًا من المراجع في هذا الكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وأقوال أئمة السنة في هذا المعتقد أكثر من أن تحصى، فلو أخذنا بعضها:
قال الإمام يحيى بن سعيد القطان رحمه الله: "كل من أدركت من الأئمة كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص". [سير أعلام النبلاء: 9/179].
قال البخاري رحمه الله: "كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب عمن قال: الإيمان قول". [سير أعلام النبلاء: 12/395].

وقال البخاري رحمه الله أيضًا: "ولقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم، أهل الحجاز، ومكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد، والشام، ومصر، -هو رحل البخاري رحمه الله رحل وسمى بعضهم، يقول: فما رأيت واحدًا منهم يختلف في هذه الأشياء أن الدين قول وعمل". [سير أعلام النبلاء: 12/408].
وذلك لقول الله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" [البينة: 5].

وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: "أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازًا، وعراقًا، وشامًا، ويمنًا، فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص". [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للآلكائي: 175].

الإمام البربهاري رحمه الله يقول: "الإيمان قول وعمل، وعمل وقول، ونية وإصابة، يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء". [شرح السنة للبربهاري: 1/27، رقم: 21].

الآجري رحمه الله يقول: "اعلموا -رحمنا الله وإياكم- أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق القلب، وإقرار اللسان، وعمل الجوارح، ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق، إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقًا".

يعني لو واحد قال لك: يا أخي أنا مصدق بوجود الله، وأنا مؤمن بوجود الله، أنا هذا في قلبي، بس ما أبغا أنطق الشهادتين ما أبغا أنطق الشهادتين، ما هو لازم.
نقول: لست بمؤمن لست بمؤمن، هذا المفتاح، وهذا القول باللسان لابد منه، لابد منه حتى نحكم عليك بالإيمان، ونأكل ذبيحتك، ونزوجك من بنات المسلمين، وتدخل الحرم.
"ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقًا، ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث خصال كان مؤمنًا، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين" [الشريعة للآجري: 1/114].

وقال رحمه الله: "فالأعمال رحمكم الله بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان". [الشريعة: 1/115] لأنه أصلًا هل ممكن واحد يكون مؤمن فعلًا وهو لا يعمل شيء؟
طيب وين أثر الإيمان، لو كان صادقًا أين صلاته؟ أين زكاته؟ أين صيامه؟ أين تلاوته؟ أين دعاؤه؟ أين ذكره؟

فإذن ما عنده شيء من الأعمال كيف يكون مؤمنًا؟ هذا كذاب، الذي يقول أنا مؤمن وبعدين ما عنده عمل أبدًا كذاب، لو كان عنده إيمان صحيح كان ظهر، لو عنده إيمان صحيح كان ظهر..

"فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه، مثل الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وأشباه هذا، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول، لم يكن مؤمنًا ولم ينفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيبًا منه لإيمانه، وكان العمل بما ذكرناه تصديقًا منه بإيمانه" هذا كتاب الشريعة.

ابن بطة رحمه الله من علماء المسلمين الذين كتبوا في العقيدة أيضًا، قال: "واعلموا رحمكم الله أن الله لم يثن على المؤمنين، ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم والنجاة من العذاب الأليم، ولم يخبرهم برضاه عنهم، إلا بالعمل الصالح والسعي الرابح، وقرن القول بالعمل، والنية بالإخلاص، حتى صار اسم الإيمان مشتملًا على المعاني الثلاثة".
ماهي المعاني الثلاثة؟ قول، وعمل، واعتقاد.


قال: "حتى صار اسم الإيمان مشتملًا على المعاني الثلاثة، لا ينفصل بعضها من بعض، ولا ينفع بعضها دون بعض، حتى صار الإيمان قولًا باللسان، وعملًا بالجوارح، ومعرفة بالقلب".
يقول ابن بطة رحمه الله: "خلافًا لقول المرجئة الضالة، الذين زاغت قلوبهم، وتلاعبت الشياطين بعقولهم". [الإبانة الكبرى لابن بطة: 2/97].

الإيمان إذن عند أهل السنة والجماعة حقيقة مركبة مما جاء به، خلاص، اعتقاد ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم علمًا، والتصديق به عقدًا -يعني عقدًا بالقلب-، والإقرار به نطقًا.. تعرف الوحي، تصدق به قلبيًا، وتقر به نطقيًا- قال: "والانقياد له محبة وخضوعا، والعمل به باطنًا وظاهرًا، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان". [الفوائد، لابن القيم: : 107].

فإذن الإيمان والعمل متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، والظاهر لا يتخلف عن الباطل بل يصدقه، ومن زعم وجود الإيمان في قلبه دون جوارحه، لا يثبت له اسم الإيمان، لأن الأعمال والأقوال الظاهرة من لوازم الإيمان التي لا تنفك عنه: "لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ" [المجادلة: 22] فإذا شفنا واحد يقول: أنا مؤمن، بعدين يواد من حاد الله، حسب الآية ماذا يكون؟ قال: "وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ" [المائدة: 81]، وقال: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" [الأنفال: 2].

والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" [رواه البخاري: 52، ومسلم: 1599].
إذن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد، وإذا كان الجسد غير صالح معناه القلب غير صالح، فمن يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمنًا.

طبعًا -يا إخوان- هذا الكلام الذي نقوله الآن اللي هو عند طلبة العلم من المسلمات، لما تنزل على الواقع تحصل في أشياء غير، فكثير يقول لك: أنا مسلم، أنا مؤمن، أنا مؤمن بالله، والله أنا مؤمن بالله، ثم لا يعمل شيئًا، لا صلاة، ولا زكاة، ولا صيام، ولا شيء، وبعضهم يسب الله والرسول ويقول: أنا مسلم، يسب الله والرسول ويقول: أنا مسلم.
"ومن يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمنًا، حتى إن المكره إذا كان في إظهار الإيمان، فلابد أن يتكلم مع نفسه وفي السر، ولابد أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه كما قال عثمان، فإذا لم يظهر ذلك بقول ولا بفعل أبدًا، فإن هذا يدل على أنه ليس في قلبه إيمان، والجسد تابع للقلب، فلا يستقر شيء في القلب إلا ويظهر موجبه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه". [مجموع الفتاوى: 7/620].

طيب، الآن عرفنا قضية ما هو الإيمان عند أهل السنة، وما هو الإيمان عند المرجئة.
طبعًا لما تجي يعني من الآثار العملية، طيب عند المرجئة، ممكن واحد من الرافضة يعني يتلاقى مع واحد من السنة؟

أيوه لأنه كلهم، كلهم مؤمنين، وحتى المرجئة يعني الذين ليسوا غلاة المرجئة، الذين يشترطون القول، يعني يقولون معرفة بالقلب وإقرار باللسان، هذا هو يقول لك: لا إله إلا الله، فلا يظن ظان أن المسألة مجرد خلاف لفظي، لا لا، المرجئة انحرافهم ممكن يجمع المشركين تحت راية الإسلام.

يعني اعطيني غلاة الصوفية المشركين، واعطيني الرافضة، وهات إيش تبغا، ما هم خلاص، يقول لك: أنا مؤمن بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، صح ولا لا؟

فإذن مذهب المرجئة خطير جدًا في قضية الاتحاد مع غير المسلمين، مع المشركين، وأنه يعني إحنا وإياهم شيء واحد، وأنه ما هم كفار، لماذا تكفروهم؟ وهذا الدم بيننا وبينهم وصل إلى الركب.

ما هو فقط لأجل خلاف سياسي، لا، لأجل الخلاف جذري في الأصول متعلق بالإيمان، وأننا عندما نقول الإيمان قول وعمل ونية ما هو موجود عندهم، ولو وجد شيء منه فإن فقدان بقية الأشياء تلغي الإيمان عندهم.

فالمسألة مسألة ترتب عليها أعمال، لأن اللي هو على عقيدة المرجئة في بعض التيارات التي تسمى إسلامية تسمى، بعض الأحزاب التي تسمى إسلامية، ما عندهم مشكلة يلتقوا مع الرافضة، والصوفية الغلاة، إلى آخره... حتى لو عندهم الشرك الأكبر.. ليه؟

لأنهم يعتقدون بعقيدة المرجئة، بينما أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح: "مثلما أنا عليه وأصحابي" [رواه الترمذي: 2641، صحيح الجامع: 5343] الطائفة المنصورة، ما يرضون بهذا إطلاقًا.

طيب النبي عليه الصلاة والسلام راح قاتل قريشًا، قاتل بني عمه، لماذا قاتل أقاربه؟ لماذا قاتل قبيلته؟ لماذا قاتل قريشًا؟ "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ" [لقمان: 25]، أبو جهل يقول بهذا، لماذا قاتله؟ فإذن المصيبة الشرك الذي يلغي الإيمان.

طيب الآن نحن قررنا قضية معنى الإيمان عند أهل السنة وعند المرجئة، وماذا يعني ذلك من اللوازم والمستتبعات يعني.

 


 

المصدر:

https://almunajjid.com/courses/lessons/251

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المرجئة
اقرأ أيضا
مضاهاة الخلق | مرابط
اقتباسات وقطوف

مضاهاة الخلق


يستطيع الإنسان على فعل الكثير من الأشياء في الحياة الدنيا ولكنه يعجز عن مضاهاة خلق الرحمن وتلك من الحجج التي جاءت في القرآن الكريم وكان بها التحدي لأمم المشركين والكافرين وبين يديكم مقتطف من كتاب النبأ العظيم عن عجز مضاهاة الخلق

بقلم: محمد عبد الله دراز
609
شبهات حول الحجاب: الحجاب تزمت بغيض | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب تزمت بغيض


يقول بعض المعترضين: الحجاب تزمت وتعصب وتكلف في اللباس وتضييق على النفس وإمعان في السير في مضايق الحرج والإعنات هكذا لسان من يعادون الحجاب وينصبون له لواء البغض فهل لكلامهم رصيد من صواب وهل يستحق شيئا من الاعتداد بين يديكم الإجابة على هذه الفرية

بقلم: سامي عامري
918
شبهة حول الأمر بضرب الزوجة | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهة حول الأمر بضرب الزوجة


قالوا: القرآن ظلم المرأة حين أجاز لزوجها أن يضربها: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا النساء: ٣٤ وبين يديكم رد مفصل للشيخ الدكتور منقذ بن محمود السقار على هذه الشبهة وتوضيح للخطأ الذي يقع فيه المشككون وتوضيح لحقيقة إباحة ضرب الزوجة في الإسلام

بقلم: د منقذ السقار
644
الموقف من العلوم العقلية | مرابط
فكر مقالات

الموقف من العلوم العقلية


إن الموقف الشرعي من تلك العلوم العقلية -وخاصة علم الفلسفة والكلام- هو الذم والقبيح والتحريم لأنها علوم متضمنة لمناقضة الشريعة أو مخالفة في كثير من موادها إما في الأدلة أو في المسائل. ولأجل هذا فإنه لا يجوز شرعا أن يحكم عليها بمدح مطلق ولا بدعوة مطلقة لدراستها ولا تنشر الكتب المؤلفة فيها ولا تروج موادها بمسالك مطلقة وإنما يوصى بها في حالات مخصوصة تغلب فيها جانب المصلحة على جانب المفسدة

بقلم: د. سلطان العميري
200
فقه الفتيا | مرابط
اقتباسات وقطوف

فقه الفتيا


قال ابن عباس رضي الله عنهما: لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.. بين يدينا قصة هذا الحديث وهو من لطائف الأخبار الواردة عن ابن عباس رضي الله عنه هنا نتعلم منه التروي في الفتيا والتأني قبل التكلم.

بقلم: محمد بن إسحاق الفاكهي
207
البناء الأسري: بين الإسلام والعلمانية | مرابط
فكر

البناء الأسري: بين الإسلام والعلمانية


من أهم التحولات التي أتى بها الإسلام في بنية الأسرة أنه جعلها قائمة على أساس تراحمي.. لأن الشريعة نظرت للأسرة بوصفها أهم نظام اجتماعي يضمن فاعلية الأمة وعزتها ولازم هذا الأمر جعلت المعاني المعنوية تقوى ومودة وعشرة ورحمة.. أساس تماسك الزواج بدلا من أولى من النسب والمال ونحوهما.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
377