الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2 | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

606 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

سابعًا: سياسة الإهمال التعليمي المتعمد للإيجوريين خاصة:

وللمسلمين عامة في إقليم التركستان الشرقية؛ فالمدارس والجامعات أقل كثيرًا في المستوى من نُظرائها في الصين. كما أن حالة الفقر المُذْرِيَة التي يعاني منها المسلمون تدفعهم إلى العمل مبكرًا في الحقول والمصانع والمناجم وكباعةٍ متجوِّلين؛ مما يحرمهم من التعليم، ومع مرور الوقت يصبح الجهل بكل تبعاته متفشِّيًا في المسلمين، وهذا يحرمهم بشكل تلقائي -فضلًا عن التعمُّد- من شَغْل المناصب الكبرى، أو الوصول إلى ما يريدونه من مراحل تعليمية متقدمة. كما أن هذا الجهل يقطع تواصلهم مع العالم الخارجي، ويقلِّل من إمكانية استيعابهم للمتغيرات من حولهم، وهذا كله يصبّ في إضعاف المجتمع التركستاني المسلم.

وفوق هذا فإن السلطات الصينية تمنع استعمال اللغة التركية الإيجورية في المدارس والمؤسسات الرسمية التركستانية؛ وذلك بهدف قطع التواصل بين أفراد الشعب، وكذلك قطع العَلاقة مع الدول المجاورة التي تتكلم التركية، وهي الدول المتحرِّرة من الاتحاد السوفيتي، إضافةً إلى تركيا. وتهدف أيضًا إلى قطع العلاقة بينهم وبين المصادر الإسلامية القليلة التي يمتلكونها، والمكتوبة باللغة الإيجورية التركية بحروفها العربية..

إنها سياسة واضحة لتجهيل الشعب الإيجوري المسلم علميًّا ودينيًّا، خاصة إذا لاحظنا التقدم العلمي الهائل الذي وصلت إليه الصين، والذي يصبُّ كله في صالح عرقية "الهان" دون غيرها من العرقيات.

 

ثامنًا: سياسة الإضعاف الاقتصادي للمسلمين:

فالمسلمون أصحاب البلد مُحارَبون في أقواتهم وفي أعمالهم، وبشكل تعسُّفي عنيف، فلقد انتشرت المصانع في التركستان الشرقية بعد اكتشاف البترول بها، وهي مصانع البتروكيماويات وغيرها من الصناعات المتعلقة بالبترول، وهي تضم آلاف العمال، ومع ذلك ففرصة العمل لعرقية "الهان" الصينية كبيرة جدًّا، بينما يُحرَم أصحاب البلد من العمل في هذه الوظائف. ولقد قال أحد المحللين الصينيين في معهد جلوبال إنسيت HIS وهو "رين شينفانج" لوكالة الأنباء الفرنسية: "إن 70% من الصناعات البتروكيماوية في يد الدولة، وبالتالي فإن معظم العاملين فيها والمستفيدين منها هم من عرقية الهان، ولا توجد إلا أعداد قليلة جدًّا من عرقية الإيجور في هذه المصانع والشركات".

وليس هذا في المجال الصناعي فقط، بل في المجال الزراعي أيضًا، فإن هذا المجال تسيطر عليه الشركات الحكومية وشبه الحكومية، وهم لا يوظِّفون إلا السكان من عرقية "الهان". وعلى سبيل المثال فإن شركة "بينجتوان" الصينية الحكومية تستحوذ على معظم الأراضي الزراعية في التركستان، وتوظِّف في أعمالها أكثر من 2.2 مليون موظف من "الهان"، وليس فيهم من الإيجور إلا القليل.

وما قلناه على المجال الصناعي والزراعي ينطبق كذلك على المجال التجاري، حيث لا يُسمح للإيجوريين بالترقي في الوظائف التجارية، ولا يُسمح لأعمالهم أن تتضخم وتَكْبَرَ. ولقد تتبعت الحكومة الصينية التجار الإيجوريين حتى في خارج إقليم التركستان، وعلى سبيل المثال فقد هاجمت الحكومة الصينية حيًّا في بكين يضم تجمُّعًا للإيجوريين، وهو الحي المعروف "بقرية شينجيانج"، وأغلقت ثلاثين مطعمًا إسلاميًّا، وقامت بتشريد ألف مسلم!

ويبرِّر أحد الباحثين الصينيين -وهو "ياي شينرونج" الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية- هذا الضعفَ الاقتصاديَّ للإيجوريين بأنه ناتجٌ عن مستوياتهم التعليمية الضعيفة، والتي تمنعهم من أخذ مواقع مناسبة في السُّلَّم الاجتماعي، وليس راجعًا إلى تمييز مباشر ضدهم.

وأنا أرى أن هذا عُذر أقبح من ذنب! فلماذا لم يسأل هذا الباحث نفسه عن سر تخلف المسلمين في إقليم التركستان علميًّا؟! إنه نفس السبب الذي تذكره أمريكا في حق الزنوج عند الحديث عن ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة فيهم، وتعزو ذلك إلى قلة مستواهم التعليمي، متجاهلةً في ذلك الحالة المتردِّية التي عليها مدارس وجامعات السود حتى في المدن الأمريكية الكبرى!

إن سياسة الظلم واحدة، وإن كانت تتعدد أشكالها، وما يحدث في التركستان الشرقية المسلمة ليس جديدًا على الطغاة والمجرمين.

 

تاسعًا: سياسة التعتيم الإعلامي:

وهي سياسة قديمة جدًّا في العالم، ومارسها كل الظالمين، ولقد قال الكفار في مكة كما حكى القرآن الكريم {لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]؛ فالسماع قد يؤدي إلى التأثير، ولذلك يرى الظالمون أن الحَكْر على السماع، وأن التعتيم الإعلامي وسيلةٌ من وسائل السيطرة على مجريات الأمور.

والصين من الدول المشهورة عالميًّا بالتعتيم الإعلامي، وهي سياسة معظم الدول الشيوعية إن لم يكن كلها، وعلى الرغم من التقنيات الحديثة ووجود الفضائيات والإنترنت إلا أن السلطات الصينية ما زالت تحرص على عدم وصول المعلومة إلى الناس، ولقد رأينا أنه في الأزمة الأخيرة قامت السلطات الصينية بقطع شبكات المحمول النقّال من إقليم التركستان، كما قللت جدًّا من سرعة الإنترنت، وقطعته بعض الفترات لمنع وصول الأخبار إلى الخارج.

ولقد كان من التُّهم التي وُجِّهت إلى ربيعة قادر أنها أرسلت بعض الجرائد المحلية الصينية إلى الخارج، وهذا يُعتبر -في عُرف القانون الصيني- إفشاءً لأسرار الدولة!! فمع أن الأخبار مذكورة في صحيفة محلية إلا أن هذه الأخبار للصينيين فقط، وغير مسموح للعالم أن يقرأها!!

وفي ظل هذا التعتيم الإعلامي الشديد لا يعرف العالم الخارجي، مسلمًا كان أو غير مسلم، ما يجري في أرض التركستان المسلمة، وبالتالي يفقد المسلمون هناك كل عون خارجي، وينفرد الصينيون بالتعامل معهم. وإضافةً إلى هذا التعتيم فإن الإعلام الصيني كثيرًا ما يزوِّر الحقائق، ويلبِّس على المتابعين الأمورَ، ويُعلِن أنه يتعامل مع مجموعات إرهابية في دولة التركستان المسلمة. وواقع الأمر أنه يتعامل مع شعب مقهور، سُلبت أرضه، ونُهبت ثرواته، وسالت دماؤه، ودُنِّستْ مقدساته، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!

 

عاشرًا: سياسة منع التواصل الفكري والثقافي مع العالم الإسلامي:

لأن هذا التواصل قد يوضِّح الصورة للبلاد الإسلامية؛ مما قد يدفعها إلى قطع العلاقات على الأقل مع الصين، وهذا يؤثِّر جدًّا على الاقتصاد الصيني الذي يعتمد على التجارة الخارجية. ولهذا فإن كلّ القنوات الثقافية والفكرية والفنية والرياضية مغلقة مع إقليم التركستان، ولا مجال للمسلمين هناك أن يخرجوا إلى خارج الصين، ولا أن يدخل إليهم أحد من المسلمين إلا بصورة فردية وفي حالات خاصة.

وعندما قام الرئيس التركي عبد الله جول بزيارة الصين في شهر يونيو 2009م قبل أحداث الأزمة الأخيرة بقليلٍ، أصرَّ على زيارة هذا الإقليم الإسلامي، الذي تربطه مع تركيا علاقات الدين، وكذلك علاقات العرقية والأصل، وكان الرئيس التركي في زيارة للصين لعقد اتفاقيات تجارية مهمَّة تجاوزت 1.5 مليار دولار، ومع ذلك بعد انتهاء زيارته بعدة أيام حدثت المشكلة التي راح ضحيتها مئات من الإيجور الأتراك. ويرى بعض المحللين أن هذا التوقيت مقصود، وأنها رسالة من الحكومة الصينية إلى الشعب التركي ورئيسه، وخلاصة الرسالة أن العلاقات الصينية التركية شيء، وإقليم التركستان شيء آخر، وأنه لا مجال لتواصل هذا الإقليم مع أي عنصر خارجي حتى لو كان هذا العنصر رئيسًا مفخَّمًا، أو دولة كبرى!

ولقد هاج الشارع التركي نتيجة هذا الاستفزاز الصيني، وقام بعِدَّة مظاهرات أمام السفارة الصينية، وانسحب كثير من أعضاء البرلمان التركي من جمعية الصداقة الصينية التركية، لكن هذا لم يغيِّر من موقف الحكومة الصينية التي ترى قضية التركستان قضية أمن قومي لا يمكن المساس بها.

كانت هذه هي الوسيلة العاشرة من وسائل القهر الصيني للشعب التركستاني المسلم، فتلك عشر كاملة!!

 

ماذا نحن فاعلون ؟!

والسؤال الذي لا بُدَّ أن يشغلنا الآن بعد رؤية هذا التاريخ الطويل للإسلام في هذه الدولة الإسلامية المحتلة، وبعد معرفة الثروات الهائلة التي يمتلكها هذا الإقليم العظيم، وبعد إدراك مدى الطغيان الصيني في التعامل مع هذا الملف.. السؤال الذي يجب أن يشغلنا هو: ماذا نحن فاعلون؟!

هل ستقف الأمة الإسلامية مكتوفة الأيدي في هذه المسألة؟! وهل يجب أن نؤجِّل الحديث عنها لحين تحرير فلسطين والعراق وأفغانستان؟ أوَليست هناك حقوق علينا لأهل هذه الدولة المحتلة يجب أن نقوم بها؟ وهل إذا رضيت الحكومات الإسلامية بالهوان فإنه لزامًا على الشعوب أن تقبله كذلك؟!

هذه أسئلة مهمَّة أجيب عنها بإذن الله في المقال القادم "لبيك تركستان".

وأسأل الله عز وجل أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.

 


 

المصدر:

موقع قصة الإسلام

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #الصين #تركستان
اقرأ أيضا
فساد الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

فساد الدين


يقع فساد الدين من طريقين اثنين الأول يأتي من جهة الاعتقاد الخاطئ فهذا هو الأساس وبما أن الخلل قد أصابه فالطبع سيلزم عنه فساد في الدين والثاني هو العمل بما يخالف الحق مع العلم به وهنا مقتطف من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الأمر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2149
البيت المسلم | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

البيت المسلم


لقد شعرت أن أغلب ما يكون بين الأولاد من عقد وتناكر يرجع إلى اعتلال العلاقة الزوجية وفساد ذات البين فهل المعنويات تغنى عن الماديات إن هناك عناصر أخرى تحف بالبيت أو تخرج منه لها أثر فى سعادته ولننظر إلى هذا الحديث النبوى عن سعد بن أبى وقاص قال رسول الله

بقلم: محمد الغزالي
657
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الأول ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الأول ج2


الأساس الأول الذي بنيت عليه أمة الإسلام والذي بنيت عليه الأمم الأخرى في زماننا وفي الأزمان السابقة هو أساس العلم وبغيره لا تقوم أمة ونتميز نحن المسلمين بأن عندنا العلم الحياتي نعظمه ونجله وكذلك العلم الشرعي الذي أوحى به ربنا سبحانه وتعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ونزل في كتاب الله عز وجل وفي سنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم فهذا تفتقده الأمم الأخرى فتجد معايير الأخلاق والعقيدة والآداب عندهم مختلة بينما عندنا صحيحة فنحن نتساوى معهم في العلوم الحياتية إن أردنا لكننا نسبقهم وبمراحل لا مقارنة ب...

بقلم: د راغب السرجاني
680
إياك نعبد وإياك نستعين | مرابط
تفريغات

إياك نعبد وإياك نستعين


العبودية في قوله: إياك نعبد الفاتحة:5 العبودية هي التذلل والخضوع ولهذا تقول العرب: طريق معبد أي: مذلل إذا ذلل الناس الطريق بشيء من توطينه وتهيئته للسير يقول: طريق معبد كذلك العبد يسمى عبدا إذا كان متذللا بين يدي سيده. وهنا قال: إياك نعبد الفاتحة:5 لا نتذلل إلا لك سبحانك وتعاليت في هذا التذلل إلا لله جل وعلا والعبادة في ذلك مختلفة: ظاهرة وباطنة فالباطنة هي أعمال القلب من المحبة والخوف والرجاء والتوكل على الله سبحانه وتعالى والاستعانة والخشية وغير ذلك من أمور العبادة.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
656
الرد على المنكرين للإسراء والمعراج | مرابط
أباطيل وشبهات

الرد على المنكرين للإسراء والمعراج


في رحلة الإسراء والمعراج أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات الكبرى توطئة للهجرة ولأعظم مواجهة على مدى التاريخ للكفر والضلال والفسوق والآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة منها: الذهاب إلى بيت المقدس والعروج إلى السماء ورؤية الأنبياء والمرسلين والملائكة والسماوات والجنة والنار ونماذج من النعيم والعذاب إلخ

بقلم: علي محمد الصلابي
412
محاورة دينية اجتماعية الجزء الرابع | مرابط
مناظرات فكر الإلحاد

محاورة دينية اجتماعية الجزء الرابع


محاورة بين رجلين كانا متصاحبين مسلمين يدينان الدين الحق ويشتغلان في طلب العلم فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوره صاحبه لعله يرجع فأعيته الحيلة في ذلك وعرف أن ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر إلى استئصال الداء ومعالجته بأنفع الدواء وعرف أن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والطرق التي أوصلته إلى هذه الحالة المخيفة وإلى فحصها وتمحيصها و

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1858