العربية الفصحى وبداية اللحن

العربية الفصحى وبداية اللحن | مرابط

الكاتب: د نفوسة زكريا

314 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

فلما انتشر الإسلام وامتدت فتوحاته ازداد اختلاف لهجات المحادثة بسبب اختلاط العرب بالأعاجم وانتقال العربية إلى الأمصار واختلاف القبائل العربية النازلة بتلك الأمصار واختلاف الشعوب الأعجمية المجاورة لها. وكان من أول مظاهر ابتعادها عن الفصحى اللحن وهو أول أدواء العامية. قيل إنه ظهر في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، فقد رى أن رجلا لحن بحضرته، فقال "أرشدوا أخاكم فقد ضل" كما رويت أخبار كثيرة عن شيوع اللحن منذ القرن الأول في عصر الأموية واستهجان خلفائها وولاتها وأدبائها له.

فقد روى أن عبد الملك كان يحذر أبناءه من اللحن ﻷنه كان يرى أن اللحن في منطق الشريف أقبح من آثار الجدري في الوجه وأقبح من الشق في ثوب نفيس. وري أيضًا أنه لم يكن يستعمل صيغًا ملحونة حتى في المزاح وأنه كان يقدر الدقائق اللغوية حق قدرها.

وروي أن ابنه مسلمة كان يمقت السائلين الذين يلحنون في لغتهم، هذا ما روي عن خلفاء الدولة الأموية. أما ولاتها فقد كان منهم من يقيم وزنًا كبيرًا للعربية الخاصة، مثل الحجاج الذي روي أنه لم يكن يحرص على أن ينطق عربية ناصعة فحسب، بل كان يلزم بها المتصلين به، ويزعم بعضهم أن كثير بن أبي كثير البصري الذي أراد الحجاج إكراهه على عمل يتولاه تخلص منه بأن أساء إلى أذنه بلحن فظيع في القواعد.

ولم يقل عن الحجاج في تعظيم العربية أيضًا عمر بن هبيرة الذي كان واليا على العراق، فكان يرى أن من يحسن العربية أعلى من غيره مقاما في الجنة.

ومن الشعراء الذين اتخذوا العربية الخالصة مقياسا للمفاضلة بين الناس رؤبة 140 هـ، فقد قال في مدحه لبلال بن أبي بردة قاضي البصرة: "فزت بقدحي معرب لم يلحن". وعلى النقيض من ذلك يحقر يحيى بن نوفل الحميري خالد بن عبد الله القسري والي العراق في قوله:
وألحن الناس كل الناس قاطبة ... وكان يولع بالتشديق في الخطب

فلما ازدادت الأدواء التي طرأت على اللسان العربي من أثر اللحن والتحريف والدخيل اتجه علماء اللغة إلى كلام العامة محاولين إصلاحه لا تدوينه، وألفوا في ذلك عشرات الكتب منبهين إلى لحن العوام أو الخواص الذين تطرق الفساد إلى ألسنتهم، نذكر منها:

1- ما تلحن به العوام للكسائي
2- ما تلحن فيه العامة، ﻷبي نصر أحمد بن حاتم الباهلي صاحب الأصمعي
3- البهاء فيما تلحن فيه العامة: ليحيى بن زياد الديلمي المعروف بالفراء
4- ما تلحن فيه العامة: ﻷبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب
5- لحن العامة: ﻷبي عبيدة
وغيرها

لم تكن هذه المؤلفات تهدف إلى دراسة العامية لذاتها كما فعل المستشرقون ومن حذا حذوهم في عصرنا، بل كانت تهدف إلى خدمة الفصحى عن طريق تقويم ألسنة العامة وتصحيح أخطائهم، ﻷن العلماء كانوا في ذلك الوقت يعتبرون العامية تحريفًا للعربية الفصحى لا لغة جديدة تختلف عن الفصحى اختلافا جوهريًا ولذلك كانت مؤلفاتهم فرعا من دراستهم للفصحى ومن خدمتهم لها ومحافظتهم عليها سالمة من التحريف واللحن والدخيل.


المصدر:
د. نفوسة زكريا، تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر، ص5

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#اللغة-العربية
اقرأ أيضا
الزواج وطلب العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الزواج وطلب العلم


مقتطف من كتاب إلى الجيل الصاعد للكاتب أحمد يوسف السيد يناقش فيه معضلة طلاب العلم حيث يعتقد البعض أن الزواج سيكون عائقا أمام رحلة الطلب أو أن الوقت سيكون ضيقا ومن هنا يقرر البعض تأخير الزواج لكن الحقيقة عكس ذلك تماما

بقلم: أحمد يوسف السيد
454
خطورة الربا | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

خطورة الربا


فالربا يخرب الديار ويهلك العباد ويحل سخط الله سبحانه وتعالى فكثير من الناس يظن نفسه على خير وعشرات ومئات الآلاف والملايين من ماله تعمل في الربا ويظن نفسه من الصالحين وهو على خطر عظيم فينبغي أن يتنبه لأمره

بقلم: عمر الأشقر
276
شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج3 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج3


هذه دراسة نقدية تبرز أهم الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية وما يتعلق به ولقد حاولت ذكر أبرز الشبهات المتداولة حديثا بين أوساط الحداثيين والعقلانيين وبينت بطلان هذه الشبهات معتمدا في ذلك على جملة من الأدلة العقلية والنقلية ومستعينا بأقوال جملة من أهل العلم ممن درسوا هذه الشبهات وبينوا زيفها متتبعين في ذلك سقطاتهم ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها والله الموفق والمستعان وعلى نبيه الصلاة السلام

بقلم: شنوف عبدالهادي
1444
ابن تيمية وحياته الحافلة بالعطاء الجزء الثالث | مرابط
تفريغات

ابن تيمية وحياته الحافلة بالعطاء الجزء الثالث


سيبقى التراث الذي تركه لنا شيخ الإسلام ابن تيمية نبراسا للعلم نلتمس منه سبل الحق ونهتدي به في ظلمات الليل فحياة الرجل كانت رحلة مليئة بالعطاء والبذل دافع فيها عن دين الإسلام ونافح عن الوحي القرآن والسنة ولم يترك بابا ليلجه أهل الأهواء والباطل إلا وسده عليهم ورد عليهم سهامهم وانتصر لمذهب أهل السنة والجماعة وبين يديكم تفريغ لجزء من محاضرة هامة للشيخ الحويني يقف فيها على شخصية شيخ الإسلام وحياته وبذله

بقلم: أبو إسحق الحويني
634
التجديد المتزن | مرابط
مقالات اقتباسات وقطوف

التجديد المتزن


إن الاتزان والتوسط والاعتدال عند حملة الأفكار التجديدية الهادمة لما قبلها يعد أمرا صعبا فإن مواجهة الأفكار البالية التي يتعصب أصحابها لها مع بطلانها في نظر معارضيها وانتهاء صلاحية اعتناقها تدفع المجددين الناقمين على هذه الأوضاع السائدة إلى نوع من المغالاة في أفكارهم الجديدة وإلى المبالغة في ردة الفعل تجاه الأقوال والأفكار القديمة حتى ولو كان شعار هذه الحركات التجديدية تسامحيا فإنك ترى في أحداث التاريخ ما يؤكد نسيان هذه الشعارات من قبل حملة الأفكار التجديدة في خضم مواجهتهم لما ثاروا عليه من...

بقلم: أحمد يوسف السيد
521
رواية الأحاديث بالمعنى لم تدخل ضررا على الدين ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

رواية الأحاديث بالمعنى لم تدخل ضررا على الدين ج2


مقال مختصر يرد فيه الكاتب محمد أبو شهبة على بعض الشبهات والأباطيل التي أثارها محمود أبو رية حول السنة النبوية ومن ذلك زعمه أن الأحاديث رويت بالمعنى وأن هذا ربما أدخل ضررا على الدين بل وقال أن الرواية بالمعنى هى الأصل والقاعدة والرواية باللفظ هي العارض أو النادر وبالطبع يؤسس بهذا لفكرة أخرى وهي أن الأحاديث لم تسلم من التغيير والتبديل والتحريف وأنها لم تصلنا بلفظها كما نطقها النبي ويرمي في النهاية إلى توهين الانقياد والاستسلام للسنة النبوية بشكل عام

بقلم: محمد أبو شهبة
2132