العشر الأواخر من رمضان

العشر الأواخر من رمضان | مرابط

الكاتب: إسلام ويب

519 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أسرعت أيام رمضان ولياليه انقضاء، ومر من رمضان عشره الأوائل ثم عشره الأواسط، ولم يبق من رمضاه الا الثلث الأخير والعشر الأواخر.. وإذا كان العلماء قد اتفقوا على أن رمضان هو خير الشهور وأفضلها، فإنهم قد اتفقوا كذلك على أن العشر الأواخر منه هي أفضل ما فيه وأعظم لياليه؛ فهي فضل الفضل وخير الخير.. وأعظمها بالإجماع ليلة القدر فهي أفضل العشر بل أفضل ليلة في الوجود.

 

وإذا كان رمضان قد قارب الرحيل وأشرف على نهايته فإن "العبد الموفق من أدرك أن حسن النهاية يطمس تقصير البداية، وما يدريك لعل بركة عملك في رمضان مخبأة في آخره، فإنما الأعمال بالخواتيم.

 

خصائص العشر وحال النبي فيها:

لقد خص الله تعالى العشر الأواخر من رمضان بمزايا لا توجد في غيرها، وبعطايا لا سبيل في سواها لتحصيلها، وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها.. فمن ذلك:

 

أولا: كثرة الاجتهاد:

فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) رواه مسلم.

 

وكان يحيي فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدَّ المئزر)(رواه مسلم).

 

فكان عليه الصلاة والسلام يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصا على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة، قال ابن رجب: "ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدًا من أهله يطيق القيام إلا أقامه". وشد المئزر هو كناية عن ترك الجماع واعتزال النساء، والجد والاجتهاد في العبادة.

 

ثانيا الاعتكاف:

ففي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الاعتكاف فيها حتى قبض.

 

والاعتكاف معناه لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه. وشرعًا: "المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة". (الفتح 4/341).

 

والأصل أنه عزوف عن الدنيا وانقطاع للعبادة وتخلية للنفس عن التشاغل بغير الطاعات والقربات، فلا ينبغي أن يشتغل بشيء يفوت عليه قصده. ولا يجعلن معتكفه مقصدًا للزوار الذين يفسدون عليه خلوته وجواره، وإن كان خرج من الدنيا وانقطع عنها فلا وجه لأن يأتي بالدنيا حتى يُدخلها معتكفه، ومما ينبغي للمعتكف أن يتقلل من الطعام والشراب حتى لا يثقل عن العبادة والطاعة.

 

ثالثا: اغتنام جميع الوقت

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله. قال: وأيكم مثلي! إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني].(متفق عليه).

 

ولا شك أن المقصود هنا الغذاء الروحي، والفتوحات الربانية، وليس الطعام والشراب الحسي.. وإنما نهاهم عن الوصال حتى لا يضعفوا عن العبادة والاجتهاد في الطاعة. وإلا فإن كل ذلك كان منه اغتناما للوقت، وعدم تضييع شيء منه، ولو في طعام أو في منام فصلى الله عليه وسلم أعظم صلاة وأتم سلام.

 

رابعا: تحري ليلة القدر

وما كان اجتهاده واعتكافه صلى الله عليه وسلم إلا تفرغًا للعبادة، وقطعًا للشواغل والصوارف، وتحريًا لليلة القدر، هذه الليلة الشريفة المباركة، التي جعل الله العمل فيها خيرًا من العمل في ألف شهر، فقال سبحانه: {ليلة القدر خير من ألف شهر}( القدر:3).

 

في هذه الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} (الدخان:4).

 

فيها تفتح الأبواب، ويسمع الخطاب، ويرفع الحجاب، ويستجاب فيها الدعاء ويتحقق الرجاء، ليلة انطلاق الإسلام ونزول القران، ليلة سلام فالله يريد للعالم السلام والأمان، سلام المجتمع، وسلامة القلوب والنفوس، وسلامة العلاقات بين الناس {سلام هي حتى مطلع الفجر}.

 

وقد أخفى الله عز وجل علم تعييين يومها عن العباد، ليكثروا من العبادة، ويجتهدوا في العمل، فيظهر من كان جادًا في طلبها حريصًا عليها، ومن كان عاجزًا مفرطًا، فإن من حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه ما يلقاه من تعب في سبيل الوصول إليه.

 

هذه الليلة العظيمة يُستحب تحريها في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار أرجى وآكد، فقد ثبت في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)، وهي في السبع الأواخر أرجى من غيرها، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه البخاري.

 

ثم هي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) رواه أبو داود. فعلى الراغبين في تحصيل هذه الليلة المباركة الاجتهاد في هذه الليالي والأيام، وأن يتعرَّضوا لنفحات الرب الكريم المنان، عسى أن تصيبكم نفحة من نفحاته لا يشقى العبد بعدها أبدًا.

 

وإذا كان دعاء ليلة القدر مقبولا مسموعا مستجابا فعلى العبد أن يكثر من الدعاء والتضرع وسؤال خير الدنيا والآخرة، وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه أحمد وغيره.

 

فاستدركوا في آخر شهركم ما فاتكم من أوله، وأحسنوا خاتمته فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن أحسن فيما بقي غفر له ما قد مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي. وأروا الله من أنفسكم الجد في تحري الخير في هذا الثلث الأخير، واغتنموا ما فيه من الخير الوفير، وتعرضوا لنفحات الغفور الحليم، الرحيم القدير.. فإن المغبون حقا من صرف عن طاعة الرب، والمحروم من حرم العفو، والمأسوف عليه من فاتته نفحات الشهر، ومن خاب رجاؤه في ليلة القدر.

اللهم بلغنا برحمتك رضاك، وبلغنا ليلة القدر، واجعلنا فيها من عتقائك من النار.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#رمضان #العشر-الأواخر
اقرأ أيضا
وظن أنه الفراق | مرابط
مقالات

وظن أنه الفراق


يمكننا تلخيص فكرة الموت بأنها خروج الروح من الجسد وانفصالها عنه بعد التحام وامتزاج دام طوال العمر حيث ابتدأت العلاقة في طور الجنين قبل الإدراك حينما جاء الملك بالروح من عالم الذر ونفخها في تلك المضغة اللحمية في رحم الأم فالإنسان الحي لا يعي حالة الروح المجردة عن الجسد ولا يذكرها البتة.

بقلم: د. جمال الباشا
393
الإيمان بالرسل | مرابط
تعزيز اليقين

الإيمان بالرسل


الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى البشر رسلا منهم يتلون عليهم آيات الله ويزكونهم وأن هؤلاء الرسل أولهم نوح عليه الصلاة والسلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وأما قبل نوح فلم يبعث رسول ولهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا: إن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده

بقلم: ابن عثيمين
523
بين الإمام أحمد والكرابيسي | مرابط
مناظرات فكر مقالات

بين الإمام أحمد والكرابيسي


من باب المباحثة مع إخوتي الكرام حول قصة الإمام أحمد مع حسين الكرابيسي المشهورة وشدة موقف الإمام أحمد منه كما جاء ذلك عنه بروايات كثيرة وهنا في هذه الخاطرة القصيرة محاولة لتسليط المجهر حول هذه القصة وتداعياتها والبحث عن ملابساتها وواقعها الزمني قبل الحكم عليها

بقلم: عبد اللطيف بن عبد الله التويجري
2215
بين صبر الكرام وصبر اللئام | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين صبر الكرام وصبر اللئام


كل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره إما اختيارا وإما اضطرارا فالكريم يصبر اختيارا لعلمه بحسن عاقبة الصبر وأنه يحمد عليه ويذم على الجزع وأنه إن لم يصبر لم يرد الجزع عليه فائتا ولم ينتزع عنه مكروها وأما اللئيم فإنه يصبر اضطرارا فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدى عليه شيئا فيصبر صبر الموثق للضرب

بقلم: ابن القيم
716
المعاصي تنسي الله | مرابط
اقتباسات وقطوف

المعاصي تنسي الله


ومن عقوباتها المعاصي: أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة وأعظم العقوبات نسيان العبد لنفسه وإهماله لها وإضاعته حظها ونصيبها من الله وبيعها ذلك بالغبن والهوان وأبخس الثمن فضيع من لا غنى له عنه ولا عوض له منه واستبدل به من عنه كل الغنى أو منه كل العوض

بقلم: ابن القيم
248
لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الأول


يتصور البعض أن وجود الشرور في العالم وانتشار بعض صور الخراب والدمار تعني بصورة ما أنه ليس هناك إلها خالقا مدبرا حكيما لهذا الكون وإلا لما كان يوجد هذا الشر المستطير وعلى النقيض يؤمنون أن وجود الخالق مرهون بانتفاء الشر من العالم وهذه شبهة قديمة يرد عليها الدكتور سامي عامري في هذا المقال ويوضح الخطأ فيها

بقلم: د سامي عامري
2064