الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام

الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام | مرابط

الكاتب: د فهد بن صالح العجلان

2275 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

هل تجد فرقًا بين النصّين التاليين:

-الإسلام الصحيح لا يخالف العقل.
-العقل الصحيح لا يخالف الإسلام.

 

قد يكون الشخص حين يستعمل هذه العبارة يقصد بها معنى صحيحًا، فهو يريد أن الإسلام الصحيح لا يخالف العقل الصريح، فأي خطأ فهو إما إلى رأي منسوب إلى الإسلام وليس هو من الإسلام وإما هو شيء يظنّ أنه من العقل وليس من العقل، كما هي قاعدة شيخ الإسلام الشهيرة في أنّ التعارض الذي يتوّهم بين العقل والنقل إما هو لكون النقل أو العقل غير صحيح.

 

فهو يريد هذا المعنى سواء قال بالعبارة الأولى أو العبارة الثانية.. فهذا أمره هين، وكما قال العلماء من قديم "لا مشاحة في الاصطلاح" خاصة حين يكون في سياق معين ولا يترتب عليه أي تلبيس. غير أننا حين ندقّق في العبارتين سنجد أن ثم فرقًا كبيرًا بينًا بينهما، وكثير من الناس يختار أحد العبارتين قصدًا وعمدًا لأنه يعرف حقيقة الفرق بين الإطلاقين.

 

الفرق بين العبارتين

 

فالعبارة الصحيحة هي العبارة الثانية التي تقول "العقل الصحيح لا يعارض الإسلام"
وأما العبارة الأولى القائلة "الإسلام الصحيح لا يعارض العقل" فمشكلة وملبسة.

 

لماذا؟

لأن العبارة الأولى الخاطئة جعلت العقل هو المرجع والأصل والأمر الثابت الذي يجب على الإسلام أن لا يخالفه، فإن حصل خلاف فإنه يجب الرجوع إلى الإسلام لمعرفة سبب المشكلة، وحينها فيجب تقييد الإسلام وإخراج الصحيح منه الذي لا يخالف العقل. هذه العبارة لم تقيد العقل، جعلته عقلًا مطلقًا، هو أصل وغاية تحاكم إليه الأمور، وبالتالي فأي معارضة له فلا يمكن أن تكون ذات العقل، بل هي من الشيء الآخر.

 

والخطأ الآخر في العبارة أنها قسّمت الإسلام إلى إسلام صحيح وإسلام غير صحيح. وهذه قد يفهمها بعض الناس على أنّ المقصود بعض التفسيرات الخاطئة للإسلام. لكن هذا خطأ، ومفهوم لا يصحّ لنا أن نقبله، لأن الإسلام واحد، ومصادره محددة، خاصة حين نتكلم عن القطعيات والنصوص الظاهرة، ودور الشخص ليس أن يأخذ من الإسلام الصحيح ويترك الباطل، بل دوره أن يجتهد ليعرف ما ذا يريد الإسلام.

 

ففرق بين قارئ ينظر في الإسلام ليأخذ الصحيح ويترك الباطل. وقارئ يبحث عن ما هو الإسلام ليعمل به.

 

أعرف أن أكثر الناس لا يقصدون به إلا المعنى الصحيح ولا يفطنون لمثل هذه الفروقات، لكنها فروق مقصودة عند بعض الناس، فمن المهم استحضارها،
فأنا حين أقسم العقل إلى صحيح وباطل، فمعناها أنّي لا أؤمن به مطلقًا، بل لديّ مرجعية أعلى منه تجعلني أحاكم هذا العقل وأعرف ما فيه من خطأ وهوى وصواب وقطع، وهو المعنى الذي يسلّم به عامة المسلمين.

 

وهو مؤذٍ كثيرًا لبعض من لديه إشكالية مع النصّ الشرعي، فلا يريدنا أن نتعامل مع العقل بهذه الطريقة، ومن الدهاء العلمي لديهم أن قلبوا الطاولة فأصبحوا يمارسون على النصّ ذات المنهج الذي يمارس على العقل، فأصبحت النصوص بحدّ ذاتها والإسلام بحدّ ذاته لا قيمة له حتى يكون صحيحًا، وكأن الأصل فيه أن لا يكون صحيحًا، وبالتالي فمطالبتك باتباع الإسلام واتباع النص غير مؤثرة، لأن المهم ليس هو الإسلام والنص بل الإسلام الصحيح والنص الصحيح.

 

وهذا الكلام ليس محصورًا على العقل، بل يقال مثله في أشياء أخر، فالإسلام الصحيح لا يعارض الوطنية، والإسلام الصحيح لا يعارض المدنية، والإسلام الصحيح لا يعارض التقدّم والعلم، والإسلام الصحيح لا يعارض التسامح.. ودواليك من المفاهيم المعاصرة، فبدلًا من أن تكون هذه المفاهيم محكومة بالإسلام، فيؤخذ ما فيه من حقّ ويتحفّظ على الباطل، أصبحت هي بحدّ ذاتها مفاهيم مطلقة وكلية ويجب على الإسلام أن لا يعارضها، فإن عارضها فابحث عن المعنى الصحيح، والمعنى الصحيح طبعًا ليس هو ما يدلّ عليه الكتاب والسنة بل ما لا يعارض هذه المفاهيم.

 

الإشكالية الحقيقية

 

الإشكالية أيها الفضلاء إنما تكون في حال التعارض، فحين يتعارض الإسلام مع بعض هذه المفاهيم، فالمنهج الصحيح أن نأخذ بالإسلام ونقيد هذه المفاهيم، وهذا ما تقرره قاعدة "العقل الصحيح لا يعارض الإسلام" فإن حصل تعارض فإن الخطأ حينها سيكون على العقل لأنه لو كان صحيحًا لما عارض، فلما عارض علمنا أن العقل غير صحيح.
وأما حين تقول "الإسلام الصحيح لا يعارض العقل" فإذا حدث تعارض فإن الخلل في الإسلام إذا لو كان صحيحًا لما عارض.

 

والإشكالية الأكبر .. أن معرفة الصحيح من الإسلام وغير الصحيح لن تكون بناءً على نظر في الإسلام ذاته، بل سيكون في الأخذ يما يريده العقل أو غيره، فما في هذه المفاهيم فهو ما يجب على الإسلام قبوله، وهو معنى ينقلب تمامًا حين تكون العبارة "العقل الصحيح" لأن العقل سيقيد بما يوافق الشريعة.

 

وأكرر مرة اخرى .. أن أكثر الناس إنما يقصدون المعنى الصحيح سواء كان العبارة الاولى أو الثانية، ولا إشكال في هذا، لكن من المهم أن يدرك الشخص مثل هذه الفروق خاصة حين يقرأ لبعض من لديه إشكالية في التعامل مع النصّ الشرعي.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alajlan/82.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل-والنقل
اقرأ أيضا
الأصول الفكرية للنسوية: الجنوسة | مرابط
فكر مقالات النسوية

الأصول الفكرية للنسوية: الجنوسة


في هذا المقال استعراض واف لأحد أهم الأصول التي تستند عليها الحركة النسوية بشكل عام وهو الجندر والذي يعبر عن الهوية الجديدة للرجل والمرأة فالتصنيف البيولوجي للذكر والأنثى وطبيعة الخلقة الجنسية لكل واحد منهما لم تعد تعني شيئا بالنسبة للحركة النسوية وإنما هي صناعة مجتمعية مفروض فالمجتمع هو الذي فرض على الذكر أن يكون ذكرا والعكس وأما الجندرية فهي مرتبطة بميول الشخص وأدواره الاجتماعية التي يريدها وفي المقال تفصل لنا الدكتورة وضحى هذا الأساس الأول

بقلم: د وضحى بنت مسفر القحطاني
2470
مقصود العبادات عند الفلاسفة | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقصود العبادات عند الفلاسفة


اهتم شيخ الإسلام بالرد على الفلاسفة من أهل الإسلام وغيرهم في تفسيرهم للدين ورؤيتهم له وفي هذا المقتطف من كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح يعرض لنا رؤية المتفلسفة للعبادات في الإسلام ومن اشترك معهم في رؤيتهم من الفلاسفة المنتمين للمسلمين

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
949
صراع الهوى والإيمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

صراع الهوى والإيمان


المؤمن يتصارع إيمانه وهواه فقد يطيف به الشيطان فيغفله عن قوة إيمانه فيغلبه هواه فيصرعه وهو حال مباشرة المعصية ينازع نفسه فلا تصفو له لذتها ثم لا يكاد جنبه يقع على الأرض حتى يتذكر فيستعيد قوة إيمانه فيثب يعض أنامله أسفا وحزنا على غفلته التي أعان بها عدوه على نفسه عازما على أن لا يعود لمثل تلك الغفلة.

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
252
أصل ضلال البشرية | مرابط
تفريغات

أصل ضلال البشرية


أضعف الناس عقلا وأقلهم إدراكا واستعمالا للعقل أولئك الذين يجحدون وجود الخالق سبحانه وتعالى الإنسان خلق بإحكام وخلقه الله عز وجل في أحسن تقويم لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم التين:4 أحسن تقويم من جهة نظامه وقوامه وكذلك أيضا دب الحياة فيه واتساقها وانتظامها وما جعل الله سبحانه وتعالى له من قدرة يؤتيها الله عز وجل إياه للاكتساب وجلب الخير ودفع الضر الذي يلحق به هذا من حسن خلق الله عز وجل وصنعه في الإنسان.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
437
التنكيت على الطقس؟ | مرابط
مقالات

التنكيت على الطقس؟


يقول الدكتور إياد قنيبي: مع استمرار الشتاء أكثر من المتوقع هذا الفصل والحمد لله سمعت من اثنين من الإخوة عبارات لم أرتح لها فاستفتيت صديقا لي من أهل العلم فيهما وأود مشاركتكما الفائدة.. وهذا مقال موجز فيه تعليق على إشكالية التنكيت على الطقس.

بقلم: د. إياد قنيبي
380
ما أحسن الرجوع إلى الله | مرابط
تفريغات

ما أحسن الرجوع إلى الله


ما أحسن الرجوع إلى الله! كلمة عظيمة رددها أخونا فهد بن سعيد ثلاث مرات وهي كلمة ذات معنى لأنها تخرج بعد معاناة معاناة رجل عاش فترة من الزمن في ظل البعد عن الله ثم رجع إلى الله فذاق لذة الرجوع إلى الله وليس من ذاق كمن لم يذق

بقلم: سعيد بن مسفر
328