الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام

الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام | مرابط

الكاتب: د فهد بن صالح العجلان

2464 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

هل تجد فرقًا بين النصّين التاليين:

-الإسلام الصحيح لا يخالف العقل.
-العقل الصحيح لا يخالف الإسلام.

 

قد يكون الشخص حين يستعمل هذه العبارة يقصد بها معنى صحيحًا، فهو يريد أن الإسلام الصحيح لا يخالف العقل الصريح، فأي خطأ فهو إما إلى رأي منسوب إلى الإسلام وليس هو من الإسلام وإما هو شيء يظنّ أنه من العقل وليس من العقل، كما هي قاعدة شيخ الإسلام الشهيرة في أنّ التعارض الذي يتوّهم بين العقل والنقل إما هو لكون النقل أو العقل غير صحيح.

 

فهو يريد هذا المعنى سواء قال بالعبارة الأولى أو العبارة الثانية.. فهذا أمره هين، وكما قال العلماء من قديم "لا مشاحة في الاصطلاح" خاصة حين يكون في سياق معين ولا يترتب عليه أي تلبيس. غير أننا حين ندقّق في العبارتين سنجد أن ثم فرقًا كبيرًا بينًا بينهما، وكثير من الناس يختار أحد العبارتين قصدًا وعمدًا لأنه يعرف حقيقة الفرق بين الإطلاقين.

 

الفرق بين العبارتين

 

فالعبارة الصحيحة هي العبارة الثانية التي تقول "العقل الصحيح لا يعارض الإسلام"
وأما العبارة الأولى القائلة "الإسلام الصحيح لا يعارض العقل" فمشكلة وملبسة.

 

لماذا؟

لأن العبارة الأولى الخاطئة جعلت العقل هو المرجع والأصل والأمر الثابت الذي يجب على الإسلام أن لا يخالفه، فإن حصل خلاف فإنه يجب الرجوع إلى الإسلام لمعرفة سبب المشكلة، وحينها فيجب تقييد الإسلام وإخراج الصحيح منه الذي لا يخالف العقل. هذه العبارة لم تقيد العقل، جعلته عقلًا مطلقًا، هو أصل وغاية تحاكم إليه الأمور، وبالتالي فأي معارضة له فلا يمكن أن تكون ذات العقل، بل هي من الشيء الآخر.

 

والخطأ الآخر في العبارة أنها قسّمت الإسلام إلى إسلام صحيح وإسلام غير صحيح. وهذه قد يفهمها بعض الناس على أنّ المقصود بعض التفسيرات الخاطئة للإسلام. لكن هذا خطأ، ومفهوم لا يصحّ لنا أن نقبله، لأن الإسلام واحد، ومصادره محددة، خاصة حين نتكلم عن القطعيات والنصوص الظاهرة، ودور الشخص ليس أن يأخذ من الإسلام الصحيح ويترك الباطل، بل دوره أن يجتهد ليعرف ما ذا يريد الإسلام.

 

ففرق بين قارئ ينظر في الإسلام ليأخذ الصحيح ويترك الباطل. وقارئ يبحث عن ما هو الإسلام ليعمل به.

 

أعرف أن أكثر الناس لا يقصدون به إلا المعنى الصحيح ولا يفطنون لمثل هذه الفروقات، لكنها فروق مقصودة عند بعض الناس، فمن المهم استحضارها،
فأنا حين أقسم العقل إلى صحيح وباطل، فمعناها أنّي لا أؤمن به مطلقًا، بل لديّ مرجعية أعلى منه تجعلني أحاكم هذا العقل وأعرف ما فيه من خطأ وهوى وصواب وقطع، وهو المعنى الذي يسلّم به عامة المسلمين.

 

وهو مؤذٍ كثيرًا لبعض من لديه إشكالية مع النصّ الشرعي، فلا يريدنا أن نتعامل مع العقل بهذه الطريقة، ومن الدهاء العلمي لديهم أن قلبوا الطاولة فأصبحوا يمارسون على النصّ ذات المنهج الذي يمارس على العقل، فأصبحت النصوص بحدّ ذاتها والإسلام بحدّ ذاته لا قيمة له حتى يكون صحيحًا، وكأن الأصل فيه أن لا يكون صحيحًا، وبالتالي فمطالبتك باتباع الإسلام واتباع النص غير مؤثرة، لأن المهم ليس هو الإسلام والنص بل الإسلام الصحيح والنص الصحيح.

 

وهذا الكلام ليس محصورًا على العقل، بل يقال مثله في أشياء أخر، فالإسلام الصحيح لا يعارض الوطنية، والإسلام الصحيح لا يعارض المدنية، والإسلام الصحيح لا يعارض التقدّم والعلم، والإسلام الصحيح لا يعارض التسامح.. ودواليك من المفاهيم المعاصرة، فبدلًا من أن تكون هذه المفاهيم محكومة بالإسلام، فيؤخذ ما فيه من حقّ ويتحفّظ على الباطل، أصبحت هي بحدّ ذاتها مفاهيم مطلقة وكلية ويجب على الإسلام أن لا يعارضها، فإن عارضها فابحث عن المعنى الصحيح، والمعنى الصحيح طبعًا ليس هو ما يدلّ عليه الكتاب والسنة بل ما لا يعارض هذه المفاهيم.

 

الإشكالية الحقيقية

 

الإشكالية أيها الفضلاء إنما تكون في حال التعارض، فحين يتعارض الإسلام مع بعض هذه المفاهيم، فالمنهج الصحيح أن نأخذ بالإسلام ونقيد هذه المفاهيم، وهذا ما تقرره قاعدة "العقل الصحيح لا يعارض الإسلام" فإن حصل تعارض فإن الخطأ حينها سيكون على العقل لأنه لو كان صحيحًا لما عارض، فلما عارض علمنا أن العقل غير صحيح.
وأما حين تقول "الإسلام الصحيح لا يعارض العقل" فإذا حدث تعارض فإن الخلل في الإسلام إذا لو كان صحيحًا لما عارض.

 

والإشكالية الأكبر .. أن معرفة الصحيح من الإسلام وغير الصحيح لن تكون بناءً على نظر في الإسلام ذاته، بل سيكون في الأخذ يما يريده العقل أو غيره، فما في هذه المفاهيم فهو ما يجب على الإسلام قبوله، وهو معنى ينقلب تمامًا حين تكون العبارة "العقل الصحيح" لأن العقل سيقيد بما يوافق الشريعة.

 

وأكرر مرة اخرى .. أن أكثر الناس إنما يقصدون المعنى الصحيح سواء كان العبارة الاولى أو الثانية، ولا إشكال في هذا، لكن من المهم أن يدرك الشخص مثل هذه الفروق خاصة حين يقرأ لبعض من لديه إشكالية في التعامل مع النصّ الشرعي.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alajlan/82.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل-والنقل
اقرأ أيضا
الحكمة من جعل الصلاة على النبي تفريجا للكربات | مرابط
تعزيز اليقين

الحكمة من جعل الصلاة على النبي تفريجا للكربات


لقد خلق الله النبي صلى الله عليه وسلم وصنعه على عينه واصطفاه اصطفاء جديرا بأن يكون له ما لم يكن لغيره لا من جهة خصه بإعلاء اسم الله تعالى وإظهار دينه والعمل بشريعته فقط.. بل أيضا من جهة المحبة واللطف والعناية التي لا توازيها محبة ولطف وعناية..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
442
وظن أنه الفراق | مرابط
مقالات

وظن أنه الفراق


يمكننا تلخيص فكرة الموت بأنها خروج الروح من الجسد وانفصالها عنه بعد التحام وامتزاج دام طوال العمر حيث ابتدأت العلاقة في طور الجنين قبل الإدراك حينما جاء الملك بالروح من عالم الذر ونفخها في تلك المضغة اللحمية في رحم الأم فالإنسان الحي لا يعي حالة الروح المجردة عن الجسد ولا يذكرها البتة.

بقلم: د. جمال الباشا
393
فطرية السببية | مرابط
تعزيز اليقين

فطرية السببية


في عقولنا وفطرنا مبدأ يسمى بمبدأ السببية ويعني أن كل شيء وجد بعد أن لم يكن موجودا -وهو ما يسمى بالحادث- فإنه لا بد من سبب قد أدى إلى وجوده لقد غرس هذا المبدأ في فطرتنا كبشر لا مناص منه لأحد ولا يستطيع الإنسان الاقتناع بخلافه ولا يحتاج إلى إقامة الحجج والبينات على صحته..

بقلم: هادي صبري
429
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج4 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج4


وهذا سعيد بن المسيب رحمه الله سيد التابعين كان يقول: كنت أرحل للحديث الواحد الليالي والأيام هناك مجموعة كثيرة من الناس عاصرت الصحابة لكن ليس كل الناس علماء وليس كل الناس سعيد بن المسيب رحمه الله والإمام البخاري تعلم على يد ألف شيخ سافر إليهم إلى مختلف البلدان في العالم الإسلامي في ذلك الوقت من أجل العلم

بقلم: د راغب السرجاني
695
فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف

فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير


العبد إذا انتبه إلى تماديه في دركات التقصير أو استمع إلى موعظة أزعجت قلبه عن رقدة الغفلة فإن فعل الشيطان معه هو التحسير والتعيير حتى يكبله عن مسالك التدارك بآصار الكآبة والحزن واليأس ولا يزال به حتى يوقعه في أعظم مما كان عليه وهو التنكر لنعم الله الدينية ولطفه بعبده وكرمه ورحمته فيجحد الموجود حسرة على المفقود فيجمع بين الشرين

بقلم: كريم حلمي
652
خير الأمة العربية | مرابط
اقتباسات وقطوف

خير الأمة العربية


لست امرءا قانطا ولا متشائما ولا يائسا من خير هذه الأمة العربية بل لعلني أشد إيمانا بحقيقة جوهرها وطيب عنصرها وكرم غرائزها بل لعلني أشد إيغالا في الإيمان بأنها صائرة إلى السؤدد الأعظم والشرف السرى والغلبة الظاهرة إن شاء الله وأنها هي الأمة التي أرصدها بارئ النسم

بقلم: محمود شاكر
464