
ينتشر مؤخرا تعريف عجيب للقوامة؛ مفاده: أن القوامة هي الخدمة، أي أن يبالغ الزوج في خدمة زوجته.. ولا نعرف، حقيقة، من أين جاء هذا التعريف، وإلى أي أصل يرجع؟ ولكن يبدو أن غلبة المزاج النسوي على كثير من النساء = هو الأصل الذي انبثق عنه هذا التعريف.
فلم تعد النسوية محصورة في أصحاب هذا التيار فقط؛ وإنما تم الترويج للأفكار النسوية عبر مضامين ووسائل غير مباشرة؛ فصار مألوفًا أن ترى من ظاهرها الاستقامة، ولكنها نسوية من الناحية الفكرية، تجد ذلك في نظراتها للأمور ومواقفها وطموحاتها وغير ذلك.
القوامة التي استقرت الأمة الإسلامية على معناها ومقتضاها، وجاءت مناسبة للفطرة الإنسانية، متماشية معها.. يُراد لها الآن أن تنحرف عن هذا المسار؛ لتناسب الذوق الجديد.

قد يبدو هذا الكلام -في الصورة- مضحكًا للوهلة الأولى؛ ولكن للأسف تنخدع به كثير من النساء المسلمات، ويكون لسان حالهنّ:
أليس الرجل يُطالب بالإنفاق على الزوجة وحمايتها ورعايتها؟ إذن القوامة هي المبالغة في الخدمة ومعناها أن يخدم الرجل زوجته.
وهذا تلبيس..
نعم؛ الرجل يُطالب بالإنفاق على زوجته وحمايتها وكفايتها ورعايتها.. ولكن ذلك يأتى من باب أنه هو القيّم عليها، وله اليد العليا، يقودها ولا تقوده، فهو سيّدها الذي له الحق أن يأمرها وينهاها بالمعروف، وهي مأمورة بطاعته ولزوم أمره، وهذا هو مفهوم القوامة.
أي أن الإنفاق والحماية والرعاية والكفاية في التعريف الصحيح للقوامة = مقرون بطاعة الزوجة وحسن تبعّلها لزوجها.
يقول ابن كثير في مفهوم القوامة وعلّتها:
"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت..،
(مَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم..، (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيما عليها.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الرجال قوامون على النساء) يعني: أمراء؛ عليها أي تطيعه فيما أمرها به من طاعته”
إذن؛ هذين مفهومين مختلفين للإنفاق والقوامة..
إذا تأملت حال من يروّجن هذا المفهوم النسوي للقوامة ستُدرك الكثير من الحقائق التي ينطوي عليها كلامهن، وسترى الوجه القبيح الذي يحاولن إخفاؤه..
إذا تأملت حالهن -حتمًا- سترى حالة من التبرج القبيح؛ تريد المرأة أن تخرج وقتما تشاء، وتعود وقتما يحلو لها، وتختلط بالرجال، وتتبرج، ولا تأتمر إلا بأمر هواها، لا بأمر زوجها.. ثم في النهاية يُنفق عليها زوجها، ويطالب بكفايتها ورعايتها، وليس له أن يأمرها وإلا رمته بالتسلط.
إذن؛ المفهوم النسوي للقوامة يُفضي بشكل مباشر إلى تأنيث الرجل وسلبه رجولته وقوّامته الحقيقية.

وأما المفهوم الثاني فهو كما وضحنا؛ ينبني على أسايبن:
1- رجل قوّام، يأمر وينهى بالمعروف، وله حق التوجيه والتأديب والإرشاد بما شرع الله، وينفق على زوجته ويكفيها حاجاتها ويرعاها.
2- زوجة قانتة طائعة، تعرف حق زوجها عليها، تطيعه وتأتمر بأمره في المعروف، لا تخالط الرجال ولا تتبرج، وتلتزم إذنه في أمرها كلّه.
وإليك مزيد تفصيل لابن جرير، رحمه الله، يقول في معنى القوامة:
يعني بذلك جل ثناؤه (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهم لله ولأنفسهم (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سَوقهم إليهم مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم، وكفايتهم إياهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قُوامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن، فيما جعل الله إليهم من أمورهن
وشتان بين القوامة الأولى والثانية، وشتّان بين الإنفاقين..

وإليكم إضاءات سريعة حول القوامة حتى لا يُشكل على أحد ما ذكرناه:
ضوابط القوامة:
لا تقتضي القوامة بأي حال من الأحوال = التعسف والتسلط والمغالاة ﻷن الله قال “وعاشروهن بالمعروف” يقول السعدي:
“وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال”.
ولكن لأننا في زمن المفاهيم المطاطية؛ فربما تفسّر إحداهن مقتضيات القوامة الطبيعية على أنها التجبّر والتسلّط.
فإذا أمرها زوجها بالمعروف = قالت متسلط
وإذا أراد أن يكون القيّم عليها = قالت متعسّف!
وإذا نشزت فأدبها = قالت متجبّر
فهذا مما لا يُلتفت إليه أصلًا.. فكل ما سبق ليس تعسّفًا ولا تجبّرًا.
وإنما نعني به أن يأمرها الرجل بغير المعروف، كأن يأمرها بمعصية ويجبرها على فعلها، أو يمنعها عن الخير والبر، أو يضربها ضربًا مبرّحًا، إلخ.. كل ما يتجاوز حدود القوامة التي عرفناها في الإسلام = هو تجبّر وتسلّط مرفوض.
القوامة بين التفريط والإفراط
كما ذكرنا أن القوامة لا تقتضي التعسف والتجبر، وهذا هو جانب الإفراط، نقول هنا أن هناك من الرجال من يفرّط في القوامة بشكل كامل، وقد رأينا من النساء من يتحدّثن عن (دعم) أزواجهنّ لهن أثناء العمل.
ربما يدعمها زوجها قبل مقابلة أو لقاء مع مديرها أو صديق العمل، وربما يتجاوز الأمر ذلك؛ وقد رأينا من تقول أن زوجها كان يعينها على السفر بمفردها، ويعتني هو بالأطفال لأسبوع أو أكثر، حتى تحقق أحلامها وتجوب العالم كلّه!
والأمر لا يحتاج إلى مزيد بيان لنعرف أن هذا النموذج مفرّط في القوامة، فاقد للرجولة..
ذكر الأصفهاني في الأغاني: أن المغيرة بن شعبة قال: النساء أربع، والرجال أربعة:
- رجل مذكر، وامرأة مؤنثة، فهو قوام عليها.
- ورجل مؤنث، وامرأة مذكرة، فهي قوامة عليه.
- ورجل مذكر، وامرأة مذكرة، فهما كالوعلين ينتطحان.
- ورجل مؤنث، وامرأة مؤنثة، فهما لا يأتيان بخير ولا يُفلحان