القوامة.. بين الإسلام والنسوية

القوامة.. بين الإسلام والنسوية | مرابط

الكاتب: محمود خطاب

479 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

ينتشر مؤخرا تعريف عجيب للقوامة؛ مفاده: أن القوامة هي الخدمة، أي أن يبالغ الزوج في خدمة زوجته.. ولا نعرف، حقيقة، من أين جاء هذا التعريف، وإلى أي أصل يرجع؟ ولكن يبدو أن غلبة المزاج النسوي على كثير من النساء = هو الأصل الذي انبثق عنه هذا التعريف.

فلم تعد النسوية محصورة في أصحاب هذا التيار فقط؛ وإنما تم الترويج للأفكار النسوية عبر مضامين ووسائل غير مباشرة؛ فصار مألوفًا أن ترى من ظاهرها الاستقامة، ولكنها نسوية من الناحية الفكرية، تجد ذلك في نظراتها للأمور ومواقفها وطموحاتها وغير ذلك.

القوامة التي استقرت الأمة الإسلامية على معناها ومقتضاها، وجاءت مناسبة للفطرة الإنسانية، متماشية معها.. يُراد لها الآن أن تنحرف عن هذا المسار؛ لتناسب الذوق الجديد.

قد يبدو هذا الكلام -في الصورة- مضحكًا للوهلة الأولى؛ ولكن للأسف تنخدع به كثير من النساء المسلمات، ويكون لسان حالهنّ:
أليس الرجل يُطالب بالإنفاق على الزوجة وحمايتها ورعايتها؟ إذن القوامة هي المبالغة في الخدمة ومعناها أن يخدم الرجل زوجته.

وهذا تلبيس.. 

نعم؛ الرجل يُطالب بالإنفاق على زوجته وحمايتها وكفايتها ورعايتها.. ولكن ذلك يأتى من باب أنه هو القيّم عليها، وله اليد العليا، يقودها ولا تقوده، فهو سيّدها الذي له الحق أن يأمرها وينهاها بالمعروف، وهي مأمورة بطاعته ولزوم أمره، وهذا هو مفهوم القوامة.

أي أن الإنفاق والحماية والرعاية والكفاية في التعريف الصحيح للقوامة = مقرون بطاعة الزوجة وحسن تبعّلها لزوجها.

يقول ابن كثير في مفهوم القوامة وعلّتها:

"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت..،

(مَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم..، (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيما عليها.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الرجال قوامون على النساء) يعني: أمراء؛ عليها أي تطيعه فيما أمرها به من طاعته”

 إذن؛ هذين مفهومين مختلفين للإنفاق والقوامة..

إذا تأملت حال من يروّجن هذا المفهوم النسوي للقوامة ستُدرك الكثير من الحقائق التي ينطوي عليها كلامهن، وسترى الوجه القبيح الذي يحاولن إخفاؤه..

إذا تأملت حالهن -حتمًا- سترى حالة من التبرج القبيح؛ تريد المرأة أن تخرج وقتما تشاء، وتعود وقتما يحلو لها، وتختلط بالرجال، وتتبرج، ولا تأتمر إلا بأمر هواها، لا بأمر زوجها.. ثم في النهاية يُنفق عليها زوجها، ويطالب بكفايتها ورعايتها، وليس له أن يأمرها وإلا رمته بالتسلط.

إذن؛ المفهوم النسوي للقوامة يُفضي بشكل مباشر إلى تأنيث الرجل وسلبه رجولته وقوّامته الحقيقية.

وأما المفهوم الثاني فهو كما وضحنا؛ ينبني على أسايبن:
1- رجل قوّام، يأمر وينهى بالمعروف، وله حق التوجيه والتأديب والإرشاد بما شرع الله، وينفق على زوجته ويكفيها حاجاتها ويرعاها.
2- زوجة قانتة طائعة، تعرف حق زوجها عليها، تطيعه وتأتمر بأمره في المعروف، لا تخالط الرجال ولا تتبرج، وتلتزم إذنه في أمرها كلّه.   

وإليك مزيد تفصيل لابن جرير، رحمه الله، يقول في معنى القوامة:

يعني بذلك جل ثناؤه (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهم لله ولأنفسهم (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سَوقهم إليهم مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم، وكفايتهم إياهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قُوامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن، فيما جعل الله إليهم من أمورهن

وشتان بين القوامة الأولى والثانية، وشتّان بين الإنفاقين..

وإليكم إضاءات سريعة حول القوامة حتى لا يُشكل على أحد ما ذكرناه:

ضوابط القوامة:

لا تقتضي القوامة بأي حال من الأحوال = التعسف والتسلط والمغالاة ﻷن الله قال “وعاشروهن بالمعروف” يقول السعدي:

“وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال”.

ولكن لأننا في زمن المفاهيم المطاطية؛ فربما تفسّر إحداهن مقتضيات القوامة الطبيعية على أنها التجبّر والتسلّط.
فإذا أمرها زوجها بالمعروف = قالت متسلط
وإذا أراد أن يكون القيّم عليها = قالت متعسّف!
وإذا نشزت فأدبها = قالت متجبّر
فهذا مما لا يُلتفت إليه أصلًا.. فكل ما سبق ليس تعسّفًا ولا تجبّرًا.

وإنما نعني به أن يأمرها الرجل بغير المعروف، كأن يأمرها بمعصية ويجبرها على فعلها، أو يمنعها عن الخير والبر، أو يضربها ضربًا مبرّحًا، إلخ.. كل ما يتجاوز حدود القوامة التي عرفناها في الإسلام = هو تجبّر وتسلّط مرفوض.

القوامة بين التفريط والإفراط

كما ذكرنا أن القوامة لا تقتضي التعسف والتجبر، وهذا هو جانب الإفراط، نقول هنا أن هناك من الرجال من يفرّط في القوامة بشكل كامل، وقد رأينا من النساء من يتحدّثن عن (دعم) أزواجهنّ لهن أثناء العمل.

ربما يدعمها زوجها قبل مقابلة أو لقاء مع مديرها أو صديق العمل، وربما يتجاوز الأمر ذلك؛ وقد رأينا من تقول أن زوجها كان يعينها على السفر بمفردها، ويعتني هو بالأطفال لأسبوع أو أكثر، حتى تحقق أحلامها وتجوب العالم كلّه!

والأمر لا يحتاج إلى مزيد بيان لنعرف أن هذا النموذج مفرّط في القوامة، فاقد للرجولة..

ذكر الأصفهاني في الأغاني: أن المغيرة بن شعبة قال: النساء أربع، والرجال أربعة:

  • رجل مذكر، وامرأة مؤنثة، فهو قوام عليها.
  • ورجل مؤنث، وامرأة مذكرة، فهي قوامة عليه.
  • ورجل مذكر، وامرأة مذكرة، فهما كالوعلين ينتطحان.
  • ورجل مؤنث، وامرأة مؤنثة، فهما لا يأتيان بخير ولا يُفلحان
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
يؤمنون بالشريعة إلا قليلا | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

يؤمنون بالشريعة إلا قليلا


أين من يقرأ في نصوص الشريعة ويبحث في أحكامها لينظر في مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم لأجل أن يؤمن به ويعمل بمقتضاه ويؤمن بعد ذلك كله أن هذا هو العقل والمصلحة ويعتمد في سبيل ذلك على أقاويل الصحابة وتفاسير التابعين ومذاهب الفقهاء واللغويين حتى يهتدي إلى مراد الله و مراد رسوله صلى الله عليه وسلم أين هذا ممن يضع أحكاما عقلية مسبقة و مصالح دنيوية معينة يرى أنها بحسب هواه وعقله القاصر هي العقل و المصلحة التي لا تأتي الشريعة بما ينافيها فإذا وجد آية محكمة أو حديثا صحيحا يهز بعض جوانب هذه...

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2216
مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج2 | مرابط
مناظرات

مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج2


أما بعد.. فقد كتبت ما حضرني ذكره في المشهد الكبير بقصر الإمارة والميدان بحضرة الخلق من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء العامة وغيرهم في أمر البطائحية يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة خمس أي بعد السبعمائة لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس على الاطلاع عليه. فإن من كان غائبا عن ذلك قد يسمع بعض أطراف الواقعة ومن شهدها فقد رأى وسمع ما رأى وسمع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
538
مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها | مرابط
مناظرات تعزيز اليقين

مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها


في هذا المقال جزء من مناظرة الإمام الشافعي رحمه الله مع أحد المنتسبين إلى طائفة ردت الأخبار كلها وفي هذا المقتطف يدور الحديث حول إثبات أن الحكمة هي السنة وأنها وحي من عند الله وأن الله فرض علينا ان نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم

بقلم: الإمام الشافعي
1929
المذاهب الهدامة | مرابط
فكر مقالات

المذاهب الهدامة


يقول كارل ماركس وأتباعه: إن الأديان أفيون الشعوب وإن الناس يقبلون على الدين لأنه يخدرهم ويلهيهم عن شقاء الحياة وهذا القول الهراء عن الدين آخر وصف يمكن أن ينطبق عليه وأول وصف ينطبق على مذهب كارل ماركس بجميع معانيه إنه يرفع عن الضمير شعوره بالمسئولية لأنه يلقي بالمسئوليات كلها على المجتمع ويقول ويعيد للعجزة وذوي الجرائم والآثام إنهم ضحاياه المظلومون وإن التبعة كلها في عجزهم وإجرامهم واقعة عليه

بقلم: عباس محمود العقاد
2228
شبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام


تقول الشبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام فكيف يتفق ذلك وما جاء في القرآن حيث علمنا أنه ألقى سيدنا إبراهيم عليه السلام في القرآن بينما استنادا إلى بعض المصادر وعلى رأسها الكتاب المقدس نجد أنه لم يكن موجودا بعصر إبراهيم بين يديكم في هذا المقال الرد على الشبهة

بقلم: محمد عمارة
1121
بين منهجين: ابن تيمية والرازي | مرابط
فكر

بين منهجين: ابن تيمية والرازي


الرازي وابن تيمية ليسا مجرد عالمين بينهما اختلاف في بعض المسائل التي يسوغ فيها الخلاف بحيث ينظر إلى أن كلا منهما يحسن ما لا يحسنه الآخر وأن أحدهما إذا أصاب في مسألة أو في جانب من جوانب العلم فإن الآخر قد يكون معه الصواب في مسألة أخرى أو جانب آخر من جوانب العلم وإنما الخلاف بينهما هو في حقيقة الحال امتداد للخلاف بين منهجين متضادين ومدرستين متعارضتين.

بقلم: عبد الله القرني
337