شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج1

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج1 | مرابط

الكاتب: شنوف عبدالهادي

2202 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها [1]

 

ملخص:

هـذه دراسة نقدية، تبرز أهم الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية وما يتعلق به، ولقد حاولت ذكر أبرز الشبهات المتداولة حديثًا بين أوساط الحداثيين والعقلانيين، وبينت بطلان هذه الشبهات معتمدًا في ذلك على جملة من الأدلة العقلية والنقلية، ومستعينا بأقوال جملة من أهل العلم ممن درسوا هذه الشبهات وبينوا زيفها، متتبعين في ذلك سقطاتهم، ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم، وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها، والله الموفق والمستعان، وعلى نبيه الصلاة السلام.

 

مقدمة:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

فإن الله قد اختار لهذه الأمة خير نبي مرسل، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وتكفل الله بحفظ دين نبيه الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وسخّر رجالًا على مر العصور كان همهم وشغلهم الشاغل حفظ هذا الدين والدفاع عنه، ومنذ اللحظة الأولى من عصر الخلافة أمر أبو بكر الصديق - رضي الله عنه- الصحابة بجمع القرآن وتدوينه، وما فتئ الزمان حتى قام الخليفة الثالث عثمان بإرساء لبنة راسخة في حصن الإسلام الحصين؛ فنسخ القرآن في مصحف واحد وأرسل به للمدائن والبلدان، وبقي أمر السنة النبوية المطهرة محفوظًا في القلوب والعقول، حتى بدأت بذرة التدوين، وبزغ عصر الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها من المصنفات، وما رافقها من أجواء الحفظ والنقد، والتدقيق والتحقيق، وما نتج عن ذلك من تصفية لكتب السنة التي بقيت حتى عصرنا هذا حاملة في طياتها كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك العصر تأسست أجواء الفهم والتحليل لنصوص الوحي، ودراستها، واستنطاق عباراتها، وتحليل إشاراتها، وحراسة مدلولاتها، وفهمها وتأويلها ضمن قوانين مضبوطة، وقواعد مشدودة ومناهج راسخة، مرتبطة بمقتضيات اللغة ومحتكمة للشرع وحدوده، خوفًا من أي تأويل مجازف، أو استنباط مخالف، وصيانة لنصوص الوحي من الإسفاف، والبعد عن قوانين التأويل المجانبة لقواعد اللغة والشرع، فتشكلت منظومة متناغمة من أصول الدين والفقه، تحمل قواعد مستندة إلى أدلة شرعية ولغوية معلومة لكل مشتغل في هذا الفن.

ولقد بقي الأمر كذلك، حتى برز عدد من الباحثين العرب؛ تناولوا نصوص القرآن والسنة بقراءة جديدة تُسمى ب"الحداثة"؛ وهي قراءة تأويلية خارجة عن نطاق المعهود المنطقي، مستمدة آلياتها من تجارب الغرب في فهم نصوصهم المقدسة، غير مكترثين لنتاجات نصوصهم العقدية والفقهية بقدر ما تتوق إليه أنفسهم من النقد، باستخدام "نظريات عقلية" والتي كانت وليدة الصراع الحداثي الغربي مع الدين، مما يؤدي إلى إلغاء مصادر الدين وإسقاط عصمتها، والثورة عليها، والتحرر منها، وعزلها عن قائلها، والتعامل معها من منطلق عقلي تجريبي بحت.

ولقد أثار الحداثيون العرب عدة شبهات حول السنة النبوية، شبهات يشككون بها في ثبوت السنة، ويتعسفون في تأويل نصوصها، ويقللون من الجهود الضخمة المبذولة في خدمتها، ومن أهم المواضيع التي كثر كلامهم حولها موضوع تدوين السنة النبوية، وتأخر كتابتها، والكيفية التي تم بها جمعها.

وأمام هذا الواقع الصعب جاء هذا البحث بعنوان: " شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها " ليجيب عن التساؤل التالي:

• ماهي أبرز الأطروحات التي يتبناها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية؟ وكيف نرد على هذه الأطروحات ونبين بطلانها؟

وللإمام بثنايا هذا الموضوع الطويل في حدود الاشكالية المطروحة قسمت المداخلة إلى تمهيد عرفت فيه بالحداثة وتاريخ نشأتها عند العرب، وثلاث مطالب تناولت في كل مطلب شبهة من الشبهات المثارة حول تدوين السنة وما يتعلق به والرد عليها؛ فكان المطلب الأول لشبهة " عدم كتابة السنة في عهد النبي والصحابة التابعين " وخصصت المطلب الثاني لشبهة "حجية السنة النبوية فلو كانت حجة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها " أما المطلب الثالث فكان للحديث عن شبهة " الإسناد منافٍ للعقل ومناقض للمنهج القرآني ".

 

وهناك عدة أسباب دفعتني لاختيار هذا الموضوع والكتابة فيه من أهمها:

1- تعالي أصوات المدرسة الحداثية المعاصرة لإعادة قراءة التراث ونقده، مدّعين أنهم يقفون موقف المدافع عن الإسلام وإخراجه من الزاوية الضيقة التي وضع نفسه فيها.

2- تغير شريحة المستهدفين من الخطاب الحداثي العقلي، فبعد أن كانت كتابات الحداثيين العرب في الماضي عبارة عن مقالات يعبر فيها الكاتب عن رأيه، أضحت اليوم هذه الكتابات تستهدف نخبة المجتمع الاسلامي، حتى تأثرت شريحة كبيرة من المثقفين العرب بل وحتى بعض طلاب العلوم الشرعية بهذه الأفكار.

3- الهجمة الكبيرة التي تتعرض لها السنة النبوية قصد الانقاص من قيمتها وحجيتها.

4- كثرة الشبهات المثارة حول تاريخ تدوين السنة النبوية، إذ يعد هذا الموضوع مدخلا لكل ناقد للسنة النبوية.

5- أما عن سبب اختيار هذه النماذج المذكورة من الشبهات؛ فذلك لأنها أكثر الشبهات انتشارا بين الحداثيين وأتباع هذا الفكر والمتأثرين به، لذلك وجب التنبيه عليها وبيان زيفها وبطلانها.

 

وتتجلى أهمية هذه الدراسة في توضيح مفهوم الحداثة ونشأتها، ونقد أبرز شبهاتها المثارة حول تاريخ كتابة السنة النبوية وتدوينها، ونقد كل الشبهات المتعلقة بهذا الموضوع، لنوضح أن هذا الفكر الغريب بعيد عن هويتنا وثقافتنا الإسلامية.

وفي الأخير نسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يوفقنا للدفاع عن سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

تمهيد:

قبل الكلام عن أبرز الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول مسألة تدوين السنة، لابد من تعريف مصطلح الحداثة ونشأة هذا الفكر عند العرب والمسلمين وأهم الأسس التي يقوم عليها هذا الفكر.

 

أولًا: تعريف الحداثة:

 

الحداثةَ لغةً مشتقَّة من مادة "ح د ث"، وفي اللغة يُقال: "حدث حدوثًا وحَداثَةً فهو حديث"، ويُقال: (حَدَثَ) نقيض (قَدُم)[2]. ومنه فكلمة حداثة كلمة نسبية؛ إذ كل ما هو قديم كان حديثًا نسبة لما قبله، وكل ما سيكون حديثًا في المستقبل سيؤول إلى قِدَم قياسًا لما سيكون بعده، فالحداثة مصطلح لا يرتبط بنص معين، أو حدث معين[3].

أما في الاصطلاح فإن هذا المصطلح يتّسم بالغموض، ما أدى إلى اختلاف واسع غير منضبط في تعريف الحداثة، فتعددت تعريفاتها بتعدد جوانب النظر إليها، فكان للباحثين في مفهومها تعريفات متعددة، والتعريف المختار للحداثة هو: ( محاولة صياغة نموذج للفكر والحياة يتجاوز الموروث ويتحرر من قيوده -ثوابته- ليحقق تقدم الانسان ورقيه بعقله ومناهجه العصرية الغربية لتطويع الكون لإرادته واستخراج مقدراته لخدمته)[4].

ويمكن تعريف الفكر الحداثي بأنه: (منهج فكري أدبي علماني، مبني على عدة عقائد غربية ومذاهب فلسفية، يقوم على الثورة على الموروث ونقده وتفسيره بحسب وجهة نظر القارئ)[5].

 

ثانيا: أسس الفكر الحداثي

 

إن أصحاب الفكر الحداثي العربي لهم تأثر كبير بالفكر الغربي ومنظريه، لذلك فقد تعامل الحداثيون مع النصوص الشرعية عامة، والسنة النبوية بشكل خاص وفقًا للمعايير الغربية، الملخصة فيما يلي[6]:

1- "أنسَنَة الدِّين"، أي: إرجاء الدين إلى الإنسَان، وإحلال الأساطير محلَّ الدِّين.

2- تطبِيق المبادئ النَّقدية الوَافِدة على النصوص المقدَّسة.

3- وضع العمليَّة أو "العقلانيَّة" والدين على طرفَي نقِيض، على أساس أن: الدِّين فِكر غيبِيٌّ، يتعارض مع التفكير العلمِي والعقلاني.

 

ثالثا: نشأة الفكر الحداثي العربي

 

إن الحداثة -في أصلها ونشأتها- مذهب فكري غربي، ولد ونشأ في الغرب، ثم انتقل منه إلى بلاد المسلمين، نتيجة للملابسات التاريخية التي عانى منها المسلمون في القرن العشرين، من سقوط لسيادتهم، واستعمار بلدانهم، وتوالي الهزائم الفكرية والنكسات العسكرية عليهم أمام الغرب، وفشل التيارات العلمانية، والرأسمالية، والاشتراكية الشيوعية وغيرها في تحقيق ما وعدت به من شعارات التنمية والتحرر، الأمر الذي أجبر العلمانيين على إعادة النظر في أساليب العمل والنضال السابق[7].

ويمكن التأريخ للحداثة العربية ببداية " الصدمة الحضارية " المصاحبة للاحتلال الفرنسي النابليوني لمصر والذي يمثل المرحلة الأولى لظهور الفكر الحداثي العربي، هذه المرحلة سبقتها دراسات الغرب حول الشرق الاسلامي من خلال المستشرقين الذين درسوا العلوم العربية والاسلامية وخرجوا بأفكار عديدة تخدم مصالحهم، في هذه الفترة تصدى العديد من علماء العالم الإسلامي لهذه الأفكار وحاولوا أن يظهروا الإسلام بمظهر المتلائم مع الواقع خاصة الواقع الغربي، وكان من أعلام هذه المرحلة: رافع الطهطاوي، محمد عبده وأحمد رشيد رضا؛ والذين يعدون رواد الحداثة العربية الأوائل[8].

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. إعداد الباحث: شنوف عبد الهادي - طالب سنة ثانية دكتوراه ل.م.د، تخصص: دراسات حديثية معاصرة - جامعة الشهيد حمه لخضر – الوادي.

  2. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة: "حدث"، ج3/ص 75. والفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة حدث.

  3. عبد الغني وائل، سقطة الحداثة والخصوصية الغربية، ص47. بتصرف.

  4. الحارث فخري عيسى عبد الله، الحداثة وموقفها من السنة، ص33.

  5. أنس سليمان المصري، المنطلقات الفكرية والعقدية لدى الحداثيين للطعن في مصادر الدين. ص81.

  6. المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

  7. عبد المجيد الشرفي، الاسلام والحداثة، ص28.

  8. ينظر: الحارث فخري، الحداثة وموقفها من السنة، ص 52، بتصرف.

 

المصدر:

موقع الألوكة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السنة-النبوية #شبهات-حول-السنة
اقرأ أيضا
لفظ القراءة | مرابط
اقتباسات وقطوف

لفظ القراءة


والقراءة أيضا لفظ مشترك المعاني يرا به: أن ينظر المرء في كلام مكتوب في صحيفة فيتلوه سرا أو جهرا. بيد أن النظر في الكلام المكتوب معنى مضاف طارئ على أصل معنى القراءة اكتسبه اللفظ وارتداه بالإلف والعادة حتى غلب عليه. وإنما أصل معنى القراءة: أن تتتبع كلاما قائله غيرك فتجمعه في نفسك وتضم بعضه إلى بعض ثم تلفظه سرا أو جهرا مجموعا يتلو بعضه بعضا كما قاله صاحبه. وأنت تقول: قرأ فلان في صلاته سورة كذا وكذا والمصلي لا ينظر في سورة مكتوبة إنما يتلو ما حفظه وجمعه في صدره غير مبدل لكلماته.

بقلم: محمود شاكر
307
مصارع المغرقين | مرابط
فكر مقالات

مصارع المغرقين


سأل رجل الإمام الشافعي عن مسألة فقال: يروى فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له السائل: يا أبا عبد الله تقول به فرأيت الشافعي أرعد وانتقص فقال: يا هذا أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقل به نعم على السمع والبصر على السمع والبصر

بقلم: فهد بن صالح العجلان
719
جمالية الأمومة | مرابط
مقالات المرأة

جمالية الأمومة


الأمومة في الإسلام مفهوم خاص وكذلك سائر مفاهيم الأسرة كالأبوة والبنوة والعمومة والخؤولة ... إلخ. يخطئ من يظن أن تلك المصطلحات كما وردت في النصوص الشرعية من كتاب وسنة هي بالمعنى البيولوجي التناسلي فقط! كلا! إنها مفاهيم تعبدية! فالأبوة بالمعنى الجنسي أو الأمومة بالمعنى التناسلي كلاهما مفهوم بيولوجي له دلالة جنسية يشترك فيها بالتساوي الإنسان مع سائر البهائم والحيوانات الأهلية والوحشية!

بقلم: فريد الأنصاري
288
ابن تيمية ونصرة مذهب السلف | مرابط
اقتباسات وقطوف

ابن تيمية ونصرة مذهب السلف


كان من الممكن لابن تيمية أن يعيش حياته ككثير من غيره من العلماء يشرح كلام العلماء قبله ويقرر المذاهب كما هي وينحاز لأحدها ويعيش مقلدا راضيا بترديد ما أضافه علماء الكلام للعلوم الشرعية من فلسفة وتكلف وكان سيعيش في سلام مع الآخرين وربما نال حظوة كبيرة بسبب قدراته العلمية واعتراف العلماء بفضليه لكنه فضل طريقا غير ذلك الطريق الأقل سلوكا وهو الانحياز للحق والدليل

بقلم: د راشد العبد الكريم
442
لماذا نصوم الجزء الأول | مرابط
تفريغات

لماذا نصوم الجزء الأول


الصيام من أركان الإسلام عبادة لا يفوتها أي مسلم العالم منهم والعامي ولكن كثيرا من المسلمين لا يعرفون لماذا نصوم وما هي حكمة الصيام وكيف نؤدي هذه العبادة على وجهها الصحيح وبين يديكم تفريغ لمحاضرة هامة لأبي بكر الجزائري يجيب فيها عن هذا السؤال: لماذا يصوم المسلمون

بقلم: أبو بكر الجزائري
741
الإسلام والإيمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام والإيمان


ملخص: مقتطف من كتاب جامع العلوم والحكم يفسر فيه ابن رجب الحنبلي رحمه الله معنى الإسلام ومعنى الإيمان عند إفرادهما وعند الجمع بينهما فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الإسلام هو الأعمال الظاهرة كلها والإيمان هو الأعمال الباطنة وأهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل أي أن الإيمان داخل فيه العمل فكيف هذا يجيبنا ابن رجب رحمه الله على السؤال

بقلم: ابن رجب الحنبلي
2037