القياس والاجتهاد عند الصحابة

القياس والاجتهاد عند الصحابة | مرابط

الكاتب: ابن القيم

522 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

فالصحابة - رضي الله عنهم - مثلوا الوقائع بنظائرها، وشبهوها بأمثالها، وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها، وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد، ونهجوا لهم طريقه، وبينوا لهم سبيله، وهل يستريب عاقل في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان»، إنما كان ذلك؛ لأن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه، ويمنعه من كمال الفهم، ويحول بينه وبين استيفاء النظر، ويعمي عليه طريق العلم والقصد، فمن قصر النهي على الغضب وحده دون الهم المزعج والخوف المقلق والجوع والظمأ الشديد وشغل القلب المانع من الفهم فقد قل فقهه وفهمه، والتعويل في الحكم على قصد المتكلم، والألفاظ لم تقصد لنفسها وإنما هي مقصودة للمعاني، والتوصل بها إلى معرفة مراد المتكلم، ومراده يظهر من عموم لفظه تارة، ومن عموم المعنى الذي قصده تارة.

وقد يكون فهمه من المعنى أقوى، وقد يكون من اللفظ أقوى، وقد يتقاربان كما إذا قال الدليل لغيره: لا تسلك الطريق فإن فيها من يقطع الطريق، أو هي معطشة مخوفة علم هو وكل سامع أن قصده أعم من لفظه، وأنه أراد نهيه عن كل طريق هذا شأنها؛ فلو خالفه وسلك طريقا أخرى عطب بها حسن لومه، ونسب إلى مخالفته ومعصيته، ولو قال الطبيب للعليل وعنده لحم ضأن: لا تأكل الضأن فإنه يزيد في مادة المرض، لفهم كل عاقل منه أن لحم الإبل والبقر كذلك، ولو أكل منهما لعد مخالفا، والتحاكم في ذلك إلى فطر الناس وعقولهم، ولو من عليه غيره بإحسانه فقال: والله لا أكلت له لقمة، ولا شربت له ماء، يريد خلاصه من منته عليه، ثم قبل منه الدراهم والذهب والثياب والشاة ونحوها لعده العقلاء واقعا فيما هو أعظم مما حلف عليه، ومرتكبا لذروة سنامه؛ ولو لامه عاقل على كلامه لمن لا يليق به محادثته من امرأة أو صبي فقال: والله لا كلمته، ثم رآه خاليا به يواكله ويشاربه ويعاشره ولا يكلمه لعدوه مرتكبا لأشد مما حلف عليه وأعظمه.

وهذا مما فطر الله عليه عباده؛ ولهذا فهمت الأمة من قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} [النساء: 10]، جميع وجوه الانتفاع من اللبس والركوب والمسكن وغيرها.

 


 

المصدر:

ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ص166

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الحلوى القاتلة: الإعلام الترفيهي والانحرافات الفكرية | مرابط
فكر الإلحاد ثقافة

الحلوى القاتلة: الإعلام الترفيهي والانحرافات الفكرية


الإعلام الترفيهي سلاح فكري ذو أثر شديد في نفوس المتلقين وفاعلية هذا الأثر تنجم من كونه يأتي من غير مظنته فليس هذا النوع من الإعلام مقصودا لمتطلب الأفكار الموافقة أو المخالفة ولم يكن حتى عهد قريب سوى آلة قتل للوقت وإلهاء عن الواقع وملء للفراغ ومن ثم تعود المتلقي أن يفتح حصونه أمامه مطمئنا لكونه يروح عن نفسه بما لا يستحق منه كثير تأمل ونظر وبما لا يتحد أفكاره ومسلماته فيفتح طواعية نوافذ لاوعيه لسيل دفاق من المؤثرات السمعية والبصرية

بقلم: ماهر أمير
622
الوسائل المعينة على القيام لصلاة الفجر في جماعة ج1 | مرابط
تفريغات

الوسائل المعينة على القيام لصلاة الفجر في جماعة ج1


نريد أن نصلي الفجر في جماعة كل يوم وهناك وسائل تساعدنا على المحافظة على صلاة الفجر والابتكار في هذه الوسائل يا إخواني مفتوح فأي شخص عنده وسيلة توقظ لصلاة الفجر فلينصح بها وبين يديكم مجموعة من الاقتراحات التي قدمها الدكتور راغب السرجاني في محاضرة هامة عن صلاة الفجر

بقلم: د راغب السرجاني
701
التعرف على الله من خلال آية الكرسي | مرابط
تعزيز اليقين

التعرف على الله من خلال آية الكرسي


تعد آية الكرسي أفضل آية في كتاب الله إذ كل ما فيها متعلق بالذات الإلهية العلية وناطق بربوبيته تعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه وهذه الآية تملأ القلب مهابة من الله وعظمته وجلاله وكماله فهي تدل على أن الله تعالى منفرد بالألوهية والسلطان والقدرة قائم على تدبير الكائنات في كل لحظة لا يغفل عن شيء في السماوات والأرض

بقلم: علي محمد الصلابي
2104
لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الثاني


يتصور البعض أن وجود الشرور في العالم وانتشار بعض صور الخراب والدمار تعني بصورة ما أنه ليس هناك إلها خالقا مدبرا حكيما لهذا الكون وإلا لما كان يوجد هذا الشر المستطير وعلى النقيض يؤمنون أن وجود الخالق مرهون بانتفاء الشر من العالم وهذه شبهة قديمة يرد عليها الدكتور سامي عامري في هذا المقال ويوضح الخطأ فيها

بقلم: د سامي عامري
2232
مشاركة المرأة في الاحتفالات العامة | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

مشاركة المرأة في الاحتفالات العامة


لقد أخطأ المؤلف حينما استخدم مصطلحات معاصرة وأسقطها على أحداث السيرة فالاحتفالات مصطلح معاصر له مدلول يفهمه العامي والمتعلم بمجرد سماعه فتسمية أحداث السيرة بمثل هذه المصطلحات تحريف لها واستدلال في غير محله

بقلم: د عادل بن حسن الحمد
533
لا تصلح النية الصالحة العمل الفاسد | مرابط
مقالات اقتباسات وقطوف

لا تصلح النية الصالحة العمل الفاسد


لا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات فيظن أن المعصية تنقلب طاعة بالنية كالذي يغتاب إنسانا مراعاة لقلب غيره أو يطعم فقيرا من مال غيره أو يبني مدرسة أو مسجدا أو رباطا بمال حرام وقصده الخير فهذا كله جهل والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا ومعصية.

بقلم: أبو حامد الغزالي
191