مناظرة ابن عباس مع الخوارج

مناظرة ابن عباس مع الخوارج | مرابط

الكاتب: النسائي

4115 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

ملخص: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، حريصًا على رجوع الخوارج إلى جماعة المسلمين، فربما أنهم انحازوا عن صفوص المسلمين لشبهة أو شيء أشكل عليهم، ومن هنا قرر أن يرسل إليهم ابن عباس، رضي الله عنهما، ليناظرهم ويجلي لهم الحق، وهو ما حدث فعلا.. وفي هذا المقال نص المناظرة التي دارت بينه وبينهم، والشبه التي ألقوها عليه ورده، رضي الله عنه، عليها.

 

يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فخرجت إليهم ولبست أحسنَ ما يكون من حلل اليمن، وترجَّلت ودخلت عليهم في دارٍ نصف النهار -وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا- فقالوا: مرحبًا بك يا بن عباس؛ ما هذه الحُلَّة؟ قال: ما تعيبون عليَّ؟ لقد رأيت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن ما يكون من الحلل، ونزلت: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف:32].

 

قالوا: فما جاء بك؟

 

قال: قد أتيتُكم من عند صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار؛ من عند ابن عمِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصهرِه، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد؛ لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون.

فانحنى لي نفر منهم.

 

قلت: هاتوا ما نقمتُم على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه.

 

قالوا: ثلاث. قلت: ما هن؟

 

قالوا: أما إحداهن: فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وقد قال الله: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)[الأنعام:57]؛ فما شأن الرجال والحكم؟

قلت: هذه واحدة.

 

قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنَمْ؛ فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيُهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيُهم ولا قتلهم.

قلت: هذه اثنتان، فما الثالثة؟

 

قالوا: محى نفسَه من أمير المؤمنين؛ فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.

قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟

قالوا: حسبنا هذا.

 

قلت لهم: أرأيتُكم إن قرأتُ عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما يرد قولَكم؛ أترجعون؟

قالوا: نعم.

 

قلت: أما قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم من كتاب الله أن قد صيَّر الله حكمَه إلى الرجال في ثُمُن رُبُع درهم، فأمر الله -تبارك وتعالى- أن يحكموا فيه، أرأيتم قول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)[المائدة:95]، وكان من حكم الرجال؛ أنشدكم بالله أفحُكم الرجال في صلاح ذات البَيْن وحقن دمائهم أفضل، أو في أرنب؟

قالوا: بلى، بل هذا أفضل.

 

وفي المرأة وزوجها: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)[النساء:35]؛ فأنشدكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بَيْنهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بُضْع المرأة؟!

خرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

 

قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنَم؛ أفتسْبُون أمَّكم عائشة تستحلُّون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟

 

فإن قلتم: إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها، فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمِّنا فقد كفرتم، والله -عز وجل- يقول: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)[الأحزاب:6]، فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج.

 

أفخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

 

وأما محا نفسَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعليٍّ: "اكتُبْ يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "امحُ يا علي، اللهم إنك تعلم إني رسول الله، امح يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله"، والله لرسولُ الله خيرٌ من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.

 

أخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

 

فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقتلوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون والأنصار

 


 

المصدر:

  1. النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص200
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-عباس #الخوارج #مناظرات
اقرأ أيضا
البيئة قرارك | مرابط
مقالات

البيئة قرارك


لقد قدر الله سبحانه على العباد أحولا قهرية لم يجعل لهم فيها الخيار وذلك لكمال ربوبيته وقدرته ومشيئته فليس للعبد أن يختار هيئته وملامح وجهه ولا انتقاء والديه ونسبه ولا أرض ولادته ونشأته لكن في المقابل منحه الله تعالى حرية الاختيار بين سبيل الرشد وسبيل الغي

بقلم: د. جمال الباشا
457
عن ركعات قيام الليل | مرابط
مقالات

عن ركعات قيام الليل


قيام رمضان لم يؤقت النبي فيه عددا معينا بل كان هو لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد على الركعات

بقلم: حسين عبد الرازق
507
الوسطيتان | مرابط
فكر مقالات

الوسطيتان


من الملاحظ أن مصطلح الوسطية قد كثر استخدامه في الساحات الفكرية والشرعية في بلادنا فيقول لك الإسلام الوسطي والشيخ الوسطي ويبدو أن الأمر يحتاج إلى فحص وتمحيص حتى نعلم مرادهم من هذه الوسطية ومن هنا يأتي المقال الذي بين يدينا للكاتب إبراهيم السكران ويوضح لنا نوعين من الوسطية: أحدهما مطلوب ومحمود والآخر مرفوض ومذموم

بقلم: إبراهيم السكران
2141
تحريف مفهومي الرجولة والأنوثة | مرابط
فكر

تحريف مفهومي الرجولة والأنوثة


كثير من الشباب في هذه الأيام في حاجة إلى إعادة تأهل ليكون رجلا قبل أن يكون زوجا أو صديقا أو موظفا.. الرجولة والشهامة والصلابة في خطر يا رجال. وكذلك كثير من البنات هذه الأيام في حاجة إلى إعادة تأهل لتكون امرأة وأنثى قبل أن تكون زوجة أو صديقة أو مربية.. الأنوثة والأمومة في خطر شديد هذه الأيام.

بقلم: سلطان العميري
282
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج3 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج3


يقول الحسن البصري: اثنان لا يشبعان: طالب دنيا وطالب علم لو أفنيت عمرك كله ما حزت العلم كله ولما شبعت منه وكلما أخذت منه شيئا بقي منه شيء كثير ولن تستطيع الإحاطة به قال تعالى في الآية الكريمة: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا الإسراء:85 فدائما العلم كثير إذا: لن ينتهي العلم أبدا إلا بالموت وإذا مت وقد اجتهدت في العلم تجد الأجر والمثوبة على ما قدمت وطالب الدنيا أيضا لا يشبع والله لو عنده من الأموال كماء البحر فهو كأنه يشرب من البحر لا يرتوي أبدا طالب الدنيا

بقلم: د راغب السرجاني
664
يا حبذا نوم الأكياس | مرابط
اقتباسات وقطوف

يا حبذا نوم الأكياس


فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته ولا ببدنه والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح قال تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب وقال لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال النبي التقوى ههنا وأشار إلى صدره

بقلم: ابن القيم
539