مناظرة ابن عباس مع الخوارج

مناظرة ابن عباس مع الخوارج | مرابط

الكاتب: النسائي

3414 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ملخص: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، حريصًا على رجوع الخوارج إلى جماعة المسلمين، فربما أنهم انحازوا عن صفوص المسلمين لشبهة أو شيء أشكل عليهم، ومن هنا قرر أن يرسل إليهم ابن عباس، رضي الله عنهما، ليناظرهم ويجلي لهم الحق، وهو ما حدث فعلا.. وفي هذا المقال نص المناظرة التي دارت بينه وبينهم، والشبه التي ألقوها عليه ورده، رضي الله عنه، عليها.

 

يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فخرجت إليهم ولبست أحسنَ ما يكون من حلل اليمن، وترجَّلت ودخلت عليهم في دارٍ نصف النهار -وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا- فقالوا: مرحبًا بك يا بن عباس؛ ما هذه الحُلَّة؟ قال: ما تعيبون عليَّ؟ لقد رأيت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن ما يكون من الحلل، ونزلت: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف:32].

 

قالوا: فما جاء بك؟

 

قال: قد أتيتُكم من عند صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار؛ من عند ابن عمِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصهرِه، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد؛ لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون.

فانحنى لي نفر منهم.

 

قلت: هاتوا ما نقمتُم على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه.

 

قالوا: ثلاث. قلت: ما هن؟

 

قالوا: أما إحداهن: فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وقد قال الله: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)[الأنعام:57]؛ فما شأن الرجال والحكم؟

قلت: هذه واحدة.

 

قالوا: وأما الثانية، فإنه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنَمْ؛ فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيُهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيُهم ولا قتلهم.

قلت: هذه اثنتان، فما الثالثة؟

 

قالوا: محى نفسَه من أمير المؤمنين؛ فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.

قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟

قالوا: حسبنا هذا.

 

قلت لهم: أرأيتُكم إن قرأتُ عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما يرد قولَكم؛ أترجعون؟

قالوا: نعم.

 

قلت: أما قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم من كتاب الله أن قد صيَّر الله حكمَه إلى الرجال في ثُمُن رُبُع درهم، فأمر الله -تبارك وتعالى- أن يحكموا فيه، أرأيتم قول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)[المائدة:95]، وكان من حكم الرجال؛ أنشدكم بالله أفحُكم الرجال في صلاح ذات البَيْن وحقن دمائهم أفضل، أو في أرنب؟

قالوا: بلى، بل هذا أفضل.

 

وفي المرأة وزوجها: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)[النساء:35]؛ فأنشدكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بَيْنهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بُضْع المرأة؟!

خرجت من هذه؟ قالوا: نعم.

 

قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنَم؛ أفتسْبُون أمَّكم عائشة تستحلُّون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟

 

فإن قلتم: إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها، فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمِّنا فقد كفرتم، والله -عز وجل- يقول: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)[الأحزاب:6]، فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج.

 

أفخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

 

وأما محا نفسَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعليٍّ: "اكتُبْ يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "امحُ يا علي، اللهم إنك تعلم إني رسول الله، امح يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله"، والله لرسولُ الله خيرٌ من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.

 

أخرجتُ من هذه؟ قالوا: نعم.

 

فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقتلوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون والأنصار

 


 

المصدر:

  1. النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص200
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-عباس #الخوارج #مناظرات
اقرأ أيضا
قضية اللغة العربية الجزء الثالث | مرابط
فكر مقالات لسانيات

قضية اللغة العربية الجزء الثالث


قبل كل شيء ينبغي أن نعلم أن حياة هذا العالم العربي الإسلامي كانت تسير على نمط مألوف معروف لا يكاد يستنكره أحد: في العقيدة العامة التي تسود الناس وفي الدراسة في جميع معاهد العلم العريقة وفي التأليف والكتابة وفي حياة الناس التي تعيش بها عامتهم وخاصتهم من تجارة وصناعة كل ذلك كان نمطا مألوفا متوارثا فجاء هؤلاء الخمسة ليحدثوا يومئذ ما لم يكن مألوفا وشقوا طريقا غير طريق الإلف وبيان ذلك يحتاج إلى تفصيل ولكني سأشير إليه في خلال ذكرهم إشارة تعين على تصور موضع الخلاف

بقلم: محمود شاكر
2172
مفاهيم تحتاجها الأمة ج1 | مرابط
تفريغات

مفاهيم تحتاجها الأمة ج1


وأنا سأطرح بعض المفاهيم التي أشعر أن الأمة بحاجة لها وأخاطب بها كل مسلم رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا حاكما كان أو محكوما عربيا كان أو عجميا قريبا كان أو بعيدا يعيش في بلد محتل أو حر

بقلم: د راغب السرجاني
625
مشهد السفينة واللجوء إلى الله | مرابط
مقالات

مشهد السفينة واللجوء إلى الله


هذه الصورة التي يكررها القرآن عن السفر بالسفن واليخوت انقلها بحذافيرها إلى وسيلة نقل مشابهة كالطائرة أو القطارات أو السيارات وتأمل كيف يكون الإنسان فيها قلقا وخصوصا إذا مر بظروف طبيعية كرياح تثير الاضطراب ثم إذا نزل على الأرض نسي استكانته وتضرعه وعزيمته على الاستقامة.. تذكر هذه الصورة التي نمر بها وأعد قراءة آية يونس وآية الإسراء السابقتين تنكشف لك من معاني الإيمان والتعلق بالله مالم يخطر ببالك..

بقلم: إبراهيم السكران
189
أساليب الخطاب في القرآن الكريم | مرابط
تفريغات

أساليب الخطاب في القرآن الكريم


وهذا الزمان الذي كثرت فيه الأخطاء ووقعت فيه المصائب على الأمة تعالوا ننظر إلى لغة الحوار والخطاب من الدعاة إلى المدعوين ومن العلماء إلى من يعلمون ومن المدرسين إلى تلامذتهم ومن الأزواج إلى زوجاتهم ومن الآباء إلى أبنائهم نعلم أن هناك أخطاء كثيرة وجسيمة ولكن هل هذا الزمان زمان التقريع وعد الأخطاء وجلد الظهور بالسياط وإبراز هذه المشاكل الضخمة بصورة قد تقعد صاحبها عن الحركة وعن العمل وعن إعادة الإصلاح من جديد أم زمن مد اليد وبث الأمل والتفاؤل في النفوس وإعطاء الأمة فرصة جديدة للقيام وهي لا شك ست

بقلم: د راغب السرجاني
643
الخصوصية العيدية | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الخصوصية العيدية


الأعياد من جملة الشرائع والمناهج والمناسك التي قال الله لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر

بقلم: إبراهيم السكران
410
الزهد: بين ما نؤمن به وما نعيشه | مرابط
فكر

الزهد: بين ما نؤمن به وما نعيشه


هل تريد أن نستمتع بالدنيا بدرجة من الرفاه والعلو؟ هل تريد أن تمتلك الدنيا بيديك وفي جيبك وتزهو يمنة ويسرة؟ قد لا يكون هذا حراما إذا أخذت حيطتك من الحرام والعلو في الأرض. لكن عليك أن تقر بمنزلة أخرى هي خير من منزلتك فأنت تنكرها. أنت تنكر أن يكون بعض الزهد هو هجر متاع الدنيا وعدم تملكه من الأساس. وبناء عليه تقول لتصرفات بعض الزهاد: إنهم متنطعون.. متشددون.. يحرمون زينة الله التي أخرج لعباده..

بقلم: خالد بهاء الدين
371