اللغة الشاعرة هي اللغة العربية.

اللغة الشاعرة هي اللغة العربية. | مرابط

الكاتب: عباس محمود العقاد

570 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

اللغة الشاعرة هي اللغة العربية.
وليس في اللغات التي نعرفها، أو نعرف شيئًا كافيًا عن أدبها، لغة واحدة توصف بأنها لغة شاعرة غير لغة الضاد، أو لغة الأعراب، أو اللغة العربية.

وتقدم أننا لا نعني باللغة الشاعرة ما يوصف أحيانًا باللغة الشعرية، فإن الكلمة قد تكون شعرية صالحة للنظم في موقعها من السمع، ولكنها لا تكون مع ذلك جارية مجرى الشعر في نشأتها ووزنها واشتقاقها، بل تكون كأنها الطعام الذي يصلح لتركيب البنية، ولكنه هو في ذاته ليس بالبنية الحية، وليس باللحم والدم الذي يتركب منه أجسام الأحياء.

كذلك لا نريد باللغة الشاعرة أنها لغة يكثر فيها الشعر والشعراء، فإن كثرة الشعراء تتوقف أحيانًا على كثرة عدد المتكلمين باللغة، فلا عجب أن تكون الأمة التي ينتسب لها خمسون مليونًا أكثر شعرًا من أمة ينتسب إليها عشرة ملايين، ولو لم تكن في لغتها مزية شعرية تفوق بها سائر اللغات، وليس من العجب أن يكثر الشعر والشعراء في لغة صالحة للتعبير على اختلاف الموضوعات، التي يتناولها التعبير المنظوم أو المنثور.

لغة بنيت على نسق الشعر

إنما نريد باللغة الشاعرة أنها لغة بنيت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية، فهي في جملتها فن منظوم منسق الأوزان والأصوات، لا تنفصل عن الشعر في كلام تألفت منه، ولو لم يكن من كلام الشعراء.

وهذه الخاصة في اللغة العربية ظاهرة من تركيب حروفها على حدة، إلى تركيب مفرداتها على حدة، إلى تركيب قواعدها وعباراتها، إلى تركيب أعاريضها وتفعيلاتها في بنية القصيد.

وفي هذا المقال نبدأ من البداءة وهي حروف الهجاء، أو الحروف التي اشتهرت باسم الحروف الأبجدية، واجتمع منها بعد ترتيبها الأخير ثمانية وعشرون.

الأبجدية العربية

ليست الأبجدية العربية أوفر عددًا من الأبجديات في اللغات الهندية الجرمانية، أو اللغات الطورانية أو اللغات السامية، فإن اللغة الروسية - مثلًا - تبلغ عدة حروفها خمسة وثلاثين حرفًا، وقد تزيد ببعض الحروف المستعارة من الأعلام الأجنبية عنها.

ولكنها على هذه الزيادة في حروفها لا تبلغ مبلغ اللغة العربية في الوفاء بالمخارج الصوتية على تقسيماتها الموسيقية؛ لأن كثيرًا من هذه الحروف الزائدة إنما هو حركات مختلفة لحرف واحد، أو هو حرف واحد من مخرج صوتي واحد، تتغير قوة الضغط عليه كما تتغير قوة الضغط في الآلات، دون أن يستدعي ذلك افتنانًا في تخريج الصوت الناطق من الأجهزة الصوتية في الإنسان.

فهناك حرف ينطق «يا» وحرف ينطق «يو» وحرف ينطق «تسي»، وآخر ينطق «تشي»، وحروف أخرى هي في حقيقتها تثقيل لحروف الباء والفاء والجيم، ليس فيها تنويع نطقي يدل على التصرف الحي في استخراج الأصوات الكلامية من مخارجها المتعددة، ولكنها تنويع آلي مادي لدرجة الضغط على المخرج الواحد بغير كسب للأجهزة الناطقة في تصريفاتها المتعددة.

وبمثل هذا الاختلاف في الضغط أو الاختلاف في الحركة يمكن أن تبلغ حروف الأبجدية خمسين وستين، ولا تدل على تنويع مفيد لمخارج النطق الإنساني على حسب الملكة الموسيقية الكامنة في استعداده.

وتظل اللغة العربية بعد ذلك أوفر عددًا في أصوات المخارج التي لا تلتبس، ولا تتكرر بمجرد الضغط عليها، فليس هناك مخرج صوتي واحد ناقص في الحروف العربية، وإنما تعتمد هذه اللغة على تقسيم الحروف على حسب موقعها من أجهزة النطق، ولا تحتاج إلى تقسيمها باختلاف الضغط على المخرج الواحد، كما يحدث في الباء الخفيفة والباء الثقيلة التي يميزونها بثلاث نقط من تحتها بدلًا من النقطة الواحدة، أو كما يحدث في الفاء ذات النقطة الواحدة والفاء ذات النقط الثلاث (V)، أو كما يحدث في الجيم المعطشة وغيرها.

حروف العربية

وعلى هذه الصورة تمتاز اللغة العربية بحروف لا توجد في اللغات الأخرى كالضاد والظاء والعين والقاف والحاء والطاء، أو توجد في غيرها أحيانًا، ولكنها ملتبسة مترددة لا تضبط بعلامة واحدة.

وعلى هذه الصورة أيضًا استغنت اللغة العربية عن تمثيل الحرف الواحد بحرفين مشتبكين أو متلاصقين، كما يكتبون الثاء والذال والشين وغيرها في بعض اللغات.

ذلك ما نعنيه باللغة الشاعرة في تقسيم حروفها، فهي لغة إنسانية ناطقة تستخدم جهاز النطق الحي أحسن استخدام يهدي إليه الافتنان في الإيقاع الموسيقي، وليس هنا أداة صوتية ناقصة تحس بها الأبجدية العربية؛ إذ ليس في حروف الأبجديات الأخرى حرف واحد يحوج العربي إلى افتتاح نطق جديد لم يستخدمه، وكل ما هنالك أنه قد يحوجه إلى الضغط الآلي على بعض الحروف المعهودة، وهو ضغط يدل على العجز عن تنويع الأصوات، واستخدام أجهزة الحياة الناطقة على أحسن الوجوه، وأقربها إلى التنويع والتفصيل.

وقد كانت سليقة اللغة العربية هي الهداية النافعة لعلمائها فيما اختاروه من ترتيب الأبجدية على وضعها الأخير، فإن هناك تناسبًا موسيقيًّا فنيًّا بين الحروف المتقاربة لا مثيل له في الأبجديات الأعجمية، التي تلحق فيها السين بالباء، أو التي يمكن ترتيبها على غير هذا الوضع دون تغيير في دلالات الألفاظ أو دلالات الأشكال.

أما اللغة العربية فخذ منها - مثلًا - حروف الباء والتاء والثاء، فإن الباء قريبة من مخرج التاء، وأن التاء والثاء لتتقاربان حتى ليقع بينهما الإبدال في كثير من الكلمات.

وخذ مثلًا حرفي الحاء والخاء، أو حرفي الدال والذال، أو حرفي السين والشين، أو حرفي الصاد والضاد، أو حرفي الطاء والظاء، أو حرفي العين والغين، أو القاف والكاف، أو حروف اللام والميم والنون، فإن التقارب بينها في النسق يشبه التقارب بينها في اللفظ كما يشبه التقارب بينها في الشكل كلما امتنع اللبس عند تكرار الأشكال.

وهذه هي اللغة الشاعرة في حروفها قبل أن تتألف منها كلمات، وقبل أن تتألف من الكلمات تفاعيل، وقبل أن تتألف من التفاعيل بيوت وبحور.

فإذا كان الشعر روحًا يكمن في سليقة الشاعر حتى يتجلى قصيدًا قائم البناء، فهذا الروح في الشعر العربي يبدأ عمله الأصيل مع لبنات البناء، قبل أن تنتظم منها أركان القصيد.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#اللغة-العربية
اقرأ أيضا
عدالة الصحابة رضي الله عنهم | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

عدالة الصحابة رضي الله عنهم


اتفق أهل السنة على عدالة الصحابة رضي الله عنهم واستدلوا على ذلك بدلائل من الكتاب ومن السنة ومن واقع الصحابة وسيرتهم وهذا الباب من أكثر الأبواب الشرعية التي نقل فيه إجماع أهل السنة ويطول المقام جدا بتتبع الإجماعات فيه وفي هذا المقتطف طائفة يسيرة من هذه الإجماعات

بقلم: أحمد يوسف السيد
1249
الاحتجاج بزلل العلماء والفقهاء | مرابط
مناظرات اقتباسات وقطوف

الاحتجاج بزلل العلماء والفقهاء


لا ينبغي أن يقف المسلم عند زلة العالم ويحتج بها أو يعتقد فيها رخصة له ليفعل المثل أو يواجه النص الصحيح الثابت بها فهذا ما لا يقبله عقل بالطبع وكل العلماء وكل أهل العلم لهم زلاتهم ولو وقف الواحد منا عند كل ذلة لأنشأ لنفسه دينا جديدا بعيدا عما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2165
خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج2 | مرابط
فكر الديمقراطية

خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج2


إن الديمقراطية رسخت حكم الأقلية - تحت اسم خيار الشعب - فخالف التطبيق على الأرض التنظير المقرر في الكتب وذلك أن قلة من محترفي السياسة هي التي تضطلع بالمهمة في واقع الأمر والشعب - الذي ادعوا أنه يحكم - بعيدا عن سدة الحكم وإنما مهمته التوجه لصناديق الاقتراع مرة كل عدد من السنين ليضفي ما يسمونه الشرعية على حكم هذه الأقلية

بقلم: د عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
7123
أصول أربعة عند الصحابة | مرابط
فكر

أصول أربعة عند الصحابة


وهذه الأربعة هي أخص ما ينبغي أن يحيا في شباب أمة الإسلام فأكثرهم غرته الحياة الدنيا وألهته وشغلته عن طلب العلم بدينه والاستقامة عليه وإرادة الله والدار الآخرة. وكثير منهم لا يطلب الهدى في دينه وعمله من القرآن والسنة أصلا وإذا بلغه حكم عنهما اعترض وجادل فيه وألقى الشبهات والإشكالات عليه فلا يسلم له ولا يحكمه على نفسه.

بقلم: حسين عبد الرازق
486
حديث الدولتين | مرابط
تاريخ فكر مقالات

حديث الدولتين


مقال هام لشيخ العربية محمود شاكر أبو فهر يتحدث عن القضية الفلسطينية وحل الدولتين ودور أمريكا وبريطانيا في ترسيخ أقدام اليهود في أرض فلسطين المباركة يكشف لنا الكثير من المؤامرات والأحداث التاريخية لنعرف كيف وصلنا إلى وضعنا الحالي

بقلم: محمود شاكر
2249
وسائل التلاعب بالجماهير | مرابط
اقتباسات وقطوف

وسائل التلاعب بالجماهير


إن ما يسمى بوسائل الإعلام الجماهيرية كالصحافة والراديو والتلفزيون هي في الحقيقة وسائل للتلاعب بالجماهير وبين يديكم مقتطف من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب لعلي عزت بيجوفيتش يدور حول هذه النقطة وكيف يمكن السيطرة على الشعوب بأساليب لا تميل إلى العنف وإنما إلى شل الإرادة والتحكم في العقول

بقلم: على عزت بيجوفيتش
731