المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج2

المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج2 | مرابط

الكاتب: فهد بن صالح العجلان

1329 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

(5) المناورة بين معنيين:

روح الكتاب ضعفت إذن عن الإجابة الكافية عن هذا السؤال المركزي، بل في الحقيقة أثارت إشكالًا موضوعيًا عن استبطان المعنى الفاسد.
لهذا فمن أول صفحة في الكتاب كان ثم ممارسة غريبة في استعمال مصطلح السلفية، حيث صار يستعمل بمعنى يدخل فيه الإيمان والأقوال والأعمال جميعًا، مع أن محل الخلاف والبحث هو في المكون العقدي الذي جرى الافتراق فيه بين الأمة.

تأتيك في فاتحة الكتاب عبارة حاسمة أن:
"من زعم اكتمال سلفيته=كذب" 9
مع أني لم أسمع حتى ساعتي هذه رجلًا يقول: إن سلفيته بمعنى الإيمان والقول والعمل هي مكتملة! فقائل مثل هذا فاقد التكليف مرفوعٌ عنه القلم، ولا يقول مثل هذا عاقل، فهي معركة مع طرف معدوم.
لأن السلفية التي يُدعى وجودها هي سلفية الاعتقاد والأصول الكلية، وليس هذا المفهوم، فالحماسة لإدراجه في فاتحة الكتاب غريب جدًا.

فالسلفية إذن لها معنيان:
المعنى الأول: السلفية الجامعة لكل أبواب الدين وشرائعه، والقائمة بالامتثال الشرعي لكل الأوامر والنواهي والنوافل.
المعنى الثاني: السلفية المتعلقة بالجانب الاعتقادي، التي سلكت منهج القرون المفضلة في هذه الأبواب.
فالكتاب يوظف المعنى الأول في سياق بحث مخصص للمعنى الثاني، بما يثير الاشتباه والالتباس.
حين جاء مثلًا موضوع الفرقة الناجية تم تأويل الحديث تأويلًا عطل دلالة الحديث تمامًا بسبب هذه الإشكالية، فأصبح دلالة الحديث تدل على مفهوم ذهني للفرقة الناجية، فكل أحد ينجو بحسب ما يحقق من الدين، بسبب أن العقيدة لوحدها لا تكفي للنجاة.

فهو ينفي أن يكون الحديث متعلقًا بالمعنى الثاني بسبب عدم تحقق المعنى الأول! لأن النجاة في العقيدة لا تعني النجاة في أبواب الدين الأخرى؟
وهذا معنى صحيح لا غبار عليه، لكن من قال أن ثم أحدًا ينازع في هذا، اللهم إلا صاحبنا الذي يقول سلفيتي مكتملة في القول والعمل والاعتقاد، فهو خلاف مع فريق ليس له إلا وجود ذهني!

إذن، فالاتجاه السلفي يؤمن بأمرين:
1- يؤمن بحديث الفرقة الناجية وأنه يعبر عن مكون عقدي امتاز به أهل السنة والجماعة هو سبب للنجاة، ومن تركه فهو مستحق للعقاب، مع استحضار أن الاستحقاق لا يعني وقوع العذاب.
2- يؤمن أيضًا بأن النجاة تتطلب القيام بالأوامر واجتناب النواهي، فمن قصر فيها فهو مستحق للعقاب.
الذي حصل، أن الكتاب هدم المعنى الأول بسبب ظنه أنه يعارض المعنى الثاني، بينما كان الفقه السلفي أعمق فهمًا فأعمل النصوص جميعًا ولم يعطل شيئًا منها، فهو يُعمل مفهوم الفرقة الناجية، ويعمل أيضًا ببقية النصوص الأخرى.

الملفت أنه جاء في آخر الفصل:
"الحق مفرق في أمة محمد، لا يجمعه كله واحد بعينه ولا جماعة بعينها ولا يفوت جميعه الأمة كلها حتى لا يدركه أحد فالحق كله فيهم كلهم وليس واحدًا منهم يجمعه كله" 67.
السؤال هنا، هل الحق الموزع هو المعنى الأول المتعلق بأبواب الدين كلها؟ أم المعنى الثاني المتعلق بجانب أصول العقائد؟
إن كان المعنى الأول فهو تحصيل حاصل، فلا شك أن مراتب الإيمان موزعة بين الناس، فلا يقول أحد إنه قد جمع الحق كله، ولا أن ثم أحدًا من المسلمين يخلو من جزءٍ من الحق.
إنما الكلام هل مسائل الاعتقاد كذلك، وهو السؤال محل الخلاف ومعقد الافتراق.

تبقى هذه إشكالات ملتبسة لمن يحسن الظن بالكاتبين ويعرف مسبقًا أصولهما العقدية، وأما من لا يعرف ذلك فربما يكون المعنى الفاسد هو المتبادر إلى ذهنه.
ومع كل هذا، فإذا كنتَ تعتقد أن الحق لا يمكن أن يخرج عن أهل السنة والجماعة، فأنت قائل ولا محالة بمفهوم الفرقة الناجية وإن عطلتَ دلالته.

لأنك تقرر نجاتهم في هذا الباب، وأما بقية الأبواب فهي تحتاج لقيامٍ بالأوامر وتركٍ للنواهي، حتى تكتمل النجاة، ففي النهاية ثم جماعة قد حققت المكون العقدي فهي ناجية، وبقية الجماعات المخالفة لم تحققه، فثم باب خاص من الدين يوجد عند جماعة دون جماعة، وأما بقية الأبواب فلا يمكن وجود باب يكون غائبًا بالكلية عن الجماعة التي حققت باب العقيدة، ففي النهاية إذا أقررتَ بصحة اعتقادهم فأنت تسلم بمفهوم الفرقة الناجية لزومًا وإن عطلت دلالته.

يأتي ذات الإشكال في الخلط بين المعنى الأول للسلفية والمعنى الثاني عند الحديث عن أفول السلفية، ولا إشكال في كون التيارات السلفية تتعرض للأفول، فهو تحليل ممكن واقعًا وشرعًا، إنما الإشكال هنا أن الكتاب أجاب عن سؤال كون الدين قد تكفل الله بحفظه.

كان من الجواب:
"الحق أن حفظ الدين ليس مستلزمًا لحفظ السلفية، لأنه ليس موقوفًا عليها من كل وجه، فحفظ الدين يحصل في شعب عديدة في الاعتقاد والأعمال وليس كل ما تتبناه التحققات التاريخية للسلفية من اختيارات في تلك الأبواب يمكن القطع أنه هو الدين الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم وفهمه الصحابة" 637

وفي هذا ذات الإشكالية في اللبس بين المعنيين، السؤال تحديدًا عن المكون العقدي القطعي عند أهل السنة والجماعة هل هو من الدين الذي يحفظه الله أم لا؟
فيمكن أن تزول التيارات السلفية المعاصرة، أو تتشظى، ليس السؤال عن هذا، إنما عن الأصول القطعية للسلفية أليس حفظها من حفظ الدين، أم لا وجود لأصول قطعية يختص بها أهل السنة لا توجد عند غيرهم؟

الجواب هو الأول ولا شك، وحينئذ يبقى سؤال حفظ الدين وعلاقته بالسلفية ما يزال قائمًا، فهو سؤال علمي موضوعي وليس ناتجًا عن "وهاء المكون الميتافيزيقي في الفكر السلفي المعاصر" 636

وبما أن الكتاب فيه إجمال والتباس في هذا الموضوع، فقد يكون من المناسب هنا أن نلحق إجابة للشيخ أحمد في برنامج الآسك، حيث قال:
"أن تنتمي للإسلام العام وأن تجتهد في طلب ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا تفارق بينة الوحي ولا إجماع الصحابة، وحيث لا يمكنك الإجتهاد=قلد من تثق بعلمه ودينه ولا تتبع هواك.
ولا تسلم لأية منظومة أفكار وأقوال من أي اتجاه حتى تظهر لك بينتها ولا تقلد من أو ما لا تطمئن لصحته".

وإجابته في الحقيقة تثير إشكالات عدة:
فهي أولًا: تقرر أن المهم هو اتباع إجماع الصحابة على كل حال، وتغفل عن واقع أن المسائل العقدية التي تستند إلى إجماع الصحابة قد جرى الخصام فيها بين السلفية وخصومها، وتم الافتراق بناءً عليها، فالمفترض أن لا يعيد السائل إلى المربع الأول، فهل ثم مسائل أجمع عليها الصحابة تخالف ما هو مقرر في الأصول السلفية؟
ألا يوجد إجماعات ظاهرة للصحابة يجب على الشخص أن يلتزم بها، أم يكفي مجرد الاجتهاد في البحث عن هذه الإجماعات بغض النظر عما يصل إليه؟
الكلام هنا يقال فيه ذات ما يقال في فكرة إسلام ما قبل التقسيم.

فمن يريد العودة إلى الإسلام قبل الافتراق والانقسام بين المسلمين حتى يتبع الحق الذي كان قبل الاختلاف، ويريح نفسه من كافة الخصومات التي حدثت بعد ذلك.
يقال له: فإذا جاءت القضايا التي أثارت الاختلاف فافترق الناس بسببها إلى صوفية ومعتزلة وأشاعرة وباطنية وغيرها، ماذا سيكون موقفك؟ ففي النهاية سيعرف أنه ما صنع شيئًا.

ويقال هنا مثل هذا الكلام، فإذا جاءت القضايا التي تنازعت فيها هذه الطوائف، فإجماع الصحابة سيكون في أي هذه الأقوال؟
فالمسائل الاعتقادية قد قتلت بحثًا، وحررت مسائلها، وافترقت الأمة بناءً على ذلك إلى مدارس واتجاهات، فيجب أن يكون الموقف واضحًا في تحديد الحق مع أي اتجاه، لا أن تجرد المسألة ذهنيًا، وكأن هذه المسائل تمر علينا للوهلة الأولى.

الإشكال الثاني: أنه جعل العامي يتبع من يثق في دينه وعلمه، وكأن قضايا الاعتقاد من قبيل مسائل الفقه التي يكفي العامي اتباع أي مجتهد، فهل يسوغ أن يتعبد الإنسان ربه بأي مذهبٍ بدعي ما دام أن ثم شيخًا يقلده!
أليس ثم قطعيات شرعية في باب الاعتقاد؟

الإشكال الثالث: أنه نهى العامي عن اتباع أي منظومة، فالعامي يتبع أي شيخ، لكنه لا يتبع أي منظومة بشكل مطلق حتى يظهر له صحتها، فالنهي مطلق عن أي منظومة أفكار من أي اتجاه.
وها هنا شيء في غاية الغرابة، فالعامي يتبع أي شيخ من دون قيد التأكد من الصحة.

وأما منظومة أفكار فلا يتبع أي أحد حتى يتأكد من صحتها!
ذات إشكالية التجريد الذهني تأتي هنا، أليس ثم منظومة أفكار موجودة وقطعية وظاهرة الصحة يمكن دلالة السائل عليها بدلًا من تحذيره من اتباع أي منظومة إلا بعد التأكد، بل ويجعل التأكد راجعًا له أيضًا، وهو شيء من التحوط والقيد لم يذكر في فيمن يريد اتباع أي شيخ!

 

(6) إشكالية التجريد العقلي في البحث العقدي:

تدعونا هذه الإجابة إلى معالجة نقطة مهمة من إشكالات الكتاب، وهي:
أن مسائل الاعتقاد في المنهج السلفي قررت من قرون، وأقيمت الحجج والبراهين على كل مسائلها، فالموقف الصحيح أن تفحص هذه المسائل وتبين هل ثم شيء من هذه المسائل يخالف إجماع الصحابة؟
أو لم يقم الدليل على قطعيته؟
أو هو مبني على إجماع التابعين ولم يثبت له إجماع الصحابة؟
الحقيقة أن الكتاب لا يعالج أي شيء من هذه الأسئلة الملحة المهمة.

إنما تجد في الكتاب التأصيل لإجماع الصحابة بطريقة عقلانية تجريدية محضة، مبنية على حساب عقلي لم يعتمد على البحث التفصيلي للمسائل، ولا النظر إلى كيفية ثبوت مسائل الاعتقاد السلفية.
ولهذا فمن السهل جدًا قلب المنطق العقلي، فما اعتبروه دليلًا على حجية الصحابة هو نفسه يدل على حجية التابعين! وما أشكلوا به على حجية التابعين هو نفسه يشكل على حجية الصحابة!

فإجماع الصحابة مبني على هيئة تركيبية من:
"دلالة ظاهر النص على المعنى الذي ينسبه السلفي للدين مع أقوال للصحابة ولو قلَّت الأقوال تؤيد أن هذا كان فهم الصحابة للنص وعدم النقل من مخالف من الصحابة رغم قيام المقتضي للنقل" 86

وهذه هي الهيئة توجد بذاتها مع التابعين، وغاية ما يقال أنها لا توجد كما هي عند الصحابة، وهذا ربما أضعف قطعيتها لا أن يلغي الاحتجاج بها، وأيضًا فقد يعضد إجماع التابعين من كثرة المنقول عنهم وتظافر النصوص واشتهار المسائل ما يكون أكثر قطعًا مما هو منقول عن إجماع الصحابة =طبعًا وهذه كلها حسابات تجريدية محضة.

وعند نفي الحجية عن إجماع التابعين نجد أن السبب:
"وإنما تنضبط هذه الحجة إذا استطعنا القطع بأنه لا يوجد قول آخر عنهم لم ينقل إلينا في المسألة ولا يكاد ينضبط الحكم بهذا القطع إلا في قرن الصحابة دون غيرهم" 48
وهذا القطع الذي من أجله نفي عن التابعين حجية إجماعهم موجود مثله في إجماع الصحابة، فمن العسير أن تنفي وجود قول عن الصحابة بمجرد وجود 4 أو 5 آثار عن بعض الصحابة، ولو جعلت أن السكوت دليل على الموافقة، فهو ليس دليلًا على انعدام أي قول آخر، فالاشكال هناك يأتي هنا.

لهذا فليس في الكتاب ذكر لأي مسألة سلفية كانت معتمدة على إجماع التابعين فقط وهي غلط لأنها لم تعتمد على إجماع الصحابة، وبناء عليه فهذا التأصيل الكلي هو تجريد ذهني عقلي محض.
يستمر التجريد الذهني في الحديث عن وجوب:
"مراجعة بعض قضايا الاعتقاد التي تم تعظيمها وتبديع المخالف فيها في التحققات السلفية المتتالية منذ أحمد" 50

وتكررت الدعوة:
"إلى وجوب مراجعة قضايا الاعتقاد التي تم تعظيمها وتبديع المخالف فيها في التحققات السلفية المتتالية منذ أحمد رحمه الله، والحال أنها مجرد نظر اجتهادي لا يمكن القطع بأن الصحابة كانوا سينظرون نظرًا من جنسه، وغاية ما يمكن هو تصحيح هذا القول دينًا مع تجويز خطئه، لا أن يساق مساق أصول الاعتقاد الثابتة التي يجعل المخالف فيها من جنس فرق الأهواء الكبرى" 94

وهذا يعيد ذات السؤال:
هل هناك مسائل معينة أجمع عليه الإمام أحمد وطبقته وهي مخالفة لإجماع الصحابة، أو وجود فيها خلاف في عصر الصحابة؟
حين تجزم أن إجماع التابعين ومن بعدهم، ثم إجماع أحمد ومن في طبقته لا يعبر عن إجماع الصحابة، فهل تملك مثالًا تطبيقيًا لهذه الصورة ثبت لك من خلالها وجود مثل هذه الصورة؟ وأنها دخلت على المعتقد السلفي من جراء خطئه في اعتبار حجية ما ليس بحجة.

أم أن البحث كله متعلق بالإمكان العقلي والتجريد الذهني فقط!
خاصة أن التفريق بين إجماع الصحابة وإجماع من بعدهم، ليس مجرد أمر عارض في الكتاب، بل أصل منهجي حاكم للكتاب كله، ويلقى عند المؤلفين ارتياحًا لكونه اجتهادًا مميزًا ، حيث يبديان التأكيد على قصور السلفية المعاصرة عن الوصول لمستوى فهمه:

"ولا ينبغي أن ننسى أن السلفية المعاصرة في عمومها قد تعتمد أي تحقق تاريخي أو فردي سلفي لتدعيم السلفية، وأن التأصيل الذي طرحناه حول الفرق المنهجي بين ما اتفق عليه الصحابة وما اختلفوا فيه فضلًا عن حجية اتفاق من بعدهم=هو باب من التحقق شبه المنعدم بين التيارات السلفية المعاصرة" 530
لا أريد أن أعلق على جزئية التمييز بين إجماع الصحابة واختلافهم، وأنه من بدهيات البحث عند التيارات السلفية المعاصرة فليس هو من قبيل نفائس العلم، إنما أعيد التأكيد على سؤال البحث عن أمثلة لهذه القواعد التأصيلية خاصة مع كل هذا الاحتفاء بها.

لهذا فالإشكال في الحقيقة ليس في القول بحجية إجماع الصحابة فقط دون حجية من بعدهم، الإشكال في التجريد العقلي الذي بنى على هذا التفريق أوهامًا ظن بها أن قوله هذا فرقانًا في فهم السلفية، ويتجلى ذلك بشرح نقطتين مركزيتين:

النقطة الأولى:
أن القول بحجية إجماع الصحابة فقط، لا يختلف كثيرًا عن القول باعتبار حجية إجماع القرون المفضلة من بعدهم، ففي النهاية لا يمكن أن ينعقد إجماع التابعين ومن بعدهم في مسائل الاعتقاد، إلا ومعهم نصوص قطعية من الكتاب والسنة، ولا يمكن بعد هذا أن يكون هذا مخالفًا لقول الصحابة ولا أن يخلو منه أي أثر عن الصحابة، فما كان للتابعين أن يجمعوا إلا على ذات مدرسة الصحابة، ولهذا لا يمكن أن تأتي بمثال صحيح معتمدٍ على إجماعٍ للتابعين في مسألة عقدية ظاهرة ولا تجده متقررًا في إجماع الصحابة تصريحًا أو تخريجًا.
ولا يعترض على هذا بوجود إجماعات محكية عن التابعين أو من بعدهم كانت منقوضة أو لم تكن قاطعة، فهذا الإشكال يأتي على كل الإجماعات، فكذلك إجماعات الصحابة يرد عليها ما يرد على إجماع التابعين.

النقطة الثانية:
أن إجماع الصحابة أو إجماع غيرهم هو طريق موصل إلى القطع، لكنه ليس هو الطريق الوحيد، بل ولا الطريق الأصل لذلك، إنما الطريق هو في دلائل الكتاب والسنة، فهي الأصل للمعتقدات السلفية، والإجماعات هي عاضدة لقطع محل النزاع، لكن لا يلزم من عدم ثبوتها قطعًا أن تزول القطعية عن الدليل.

وبناءً عليه فالأصل في الأصول الكلية العقدية لأهل السنة والجماعة أنها معتمدة على دلائل ظاهرة من الكتاب والسنة، ظهور هذه الدلائل جعلها محل اتفاق بين علماء الأمة، من عصر الصحابة فمن بعدهم، فحينئذ فالأصل القطعي ثابت سلفًا والإجماع عاضد له وقاطع لمحل النزاع، ولولا هذه الدلائل لما كان ورود بعض الآثار عن الصحابة قاطع لمحل النزاع.
ولهذا كان من مسلك ابن تيمية رحمه الله في مدافعة بعض دعاوى الإجماع ضد اجتهاداته الفقهية، التأكيد على أن هذه الدعاوى لا تقاوم النصوص، فكيف يكون النص بعد ذلك تابعًا للإجماع.

إذا استحضر هذا زال الفرق الكبير بين القول بحجية إجماع الصحابة أو حجية من بعدهم، فالاعتبار في الأساس للدليل، والإجماع هنا أو هناك هو عاضد ومؤكد.
سيقال هنا: أن فهم النصوص الشرعية يعارض بفهوم أخرى، والجواب عنه أن هذه المعارضة توجد ذاتها أيضًا في الإجماعات، فكل دليل موصل إلى الحق يوجد من يعارضك في حجيته، ويعارضك في ثبوته، ويعارضك في دلالته، وليس هذا خاصًا بالنص القرآني والنبوي، ولهذا تأتي الدلائل الأخرى لتثبت قطعية الاستدلال وفساد الاحتمالات الواردة.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ما-بعد-السلفية
اقرأ أيضا
أين الآباء من أولادهم؟ | مرابط
مقالات

أين الآباء من أولادهم؟


أيها الآباء لا حاجة لأولادكم في الثوب الجديدأو المصروف الكبيرأو الميراث الوفير إذا لم تؤسسه بحضورك على حب الله ومراقبته وتكتشف مواطن الخير فيه فتتعهدها وتنميها وتعرف مكامن الشر في نفسه فتنتزعها وتنقيها..

بقلم: خالد حمدي
495
دير ياسين والتطهير العرقي | مرابط
توثيقات

دير ياسين والتطهير العرقي


إن مذبحة دير ياسين والمذابح الأخرى المماثلة لم تكن مجرد حوادث فردية أو استثنائية طائشة بل كانت جزءا أصيلا من نمط ثابت ومتواتر ومتصل يعكس الرؤية الصهيونية للواقع والتاريخ والآخر حيث يصبح العنف بأشكاله المختلفة وسيلة لإعادة صياغة الشخصية اليهودية وتنقيتها من السمات الطفيلية والهامشية التي ترسخت لديها نتيجة القيام بدور الجماعة الوظيفية

بقلم: عبد الوهاب المسيري
769
اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الآخروي | مرابط
اقتباسات وقطوف

اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الآخروي


وأما اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الأخروي فظاهر وجعل الله التسوية بين المحسن والمسيء حكما سيئا منافيا للحق الذي خلقت به السماوات والأرض والواقع أن هذا التفريق الذي يقتضيه عدل الله تعالى وحكمته غير متحقق تماما في الدنيا

بقلم: د سعود عبد العزيز العريفي
971
براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة الجزء الثاني


شكل المذهب الأشعري منهجا جديدا مختلفا عما كان عليه السلف المتقدمون منذ أول لحظة من ظهوره حيث إن الأشعري اعتمد طريقة ابن كلاب ومنهجه في تأسيس العقائد ومن حين أن ظهر المذهب الأشعري باعتباره مذهبا عقديا له أصول وعقائد خاصة اتخذ منه أئمة أهل السنة والجماعة الذين هم أخبر بمذهب الأئمة المتقدمين وأعلم بمدلولاتها موقفا واضحا وعدوه من الفرق الخارجة عن السنة التي كان عليها الصحابة وتلاميذهم ومن جاء بعدهم من الأئمة المتبوعين نتيجة لما تلبس به من أخطاء منهجية وعقدية وفي هذا المقال يضع الكاتب أمامنا أهم

بقلم: سلطان العميري
2561
إن الحلال بين وإن الحرام بين | مرابط
اقتباسات وقطوف

إن الحلال بين وإن الحرام بين


قد يقع الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر وهو أن من الأشياء ما يعلم سبب حله وهو الملك المتيقن. ومنه ما يعلم سبب تحريمه وهو ثبوت ملك الغير عليه. فالأول لا تزول إباحته إلا بيقين زوال الملك عنه اللهم إلا في الأبضاع عند من يوقع الطلاق بالشك فيه كمالك أو إذا غلب على الظن وقوعه كإسحاق بن راهويه. والثاني: لا يزول تحريمه إلا بيقين العلم بانتقال الملك فيه.

بقلم: ابن رجب
612
فرية ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر: رد على عدنان إبراهيم ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات

فرية ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر: رد على عدنان إبراهيم ج1


ادعى الدكتور عدنان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ضرب عمار بن ياسر رضي الله عنه بقدمه في محاشه أي عورته حتى كان عمار لا يحتبس بوله واستدل على ذلك بما رواه ابن شيبة في تاريخ المدينة الجزء الثالث وطبعا نعلم جميعا ما لدى الدكتور عدنان من خلط وحقد يمرره بشكل ناعم في حلقاته وفي هذا المقال يناقش أبو عمر الباحث هذه الشبهة ويرد عليها

بقلم: أبو عمر الباحث
6228