الملاحدة وإله الصدفة

الملاحدة وإله الصدفة | مرابط

الكاتب: عبد الله بن صالح العجيري

2255 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

كل شيء حدث بالصدفة

من القضايا التي تتأسس عليها الفكرة الإلحادية مبدأ الصدفة، إذ أنها بإنكارها لوجود الخالق، والذي يخلق بعلم وحكمة، لجأت إلى الصدفة والاحتمالات العشوائية كمفسر كثير من الظواهر المعقدة، وهو ما يتكرر كثيرًا في حججهم ومناقشاتهم.

 

كيف حدث الكون؟ بالصدفة. كيف ابتدأت الحياة؟ بالصدفة. كيف انضبطت هذه القوانين والسنن؟ بالصدفة... إلخ.

 

مبدأ الوعي والإدراك

فدوكنز مثلا حين يتحدث عن مبدأ الحياة والوعي والإدراك يجعل ذلك من قبيل ضربة حظ واحدة وقعت بالصدفة، ودانيل دينيت حين أراد تفسير مبدأ  الوعي والإدراك تحدث ثم قال "ثم وقعت المعجزة"

 

قدرات الصدفة

بل أمر الإيمان بقدرات الصدفة يتجاوزها هذا بكثير، تأمل في هذا المثال المعبر عن إيمان دوكنز العميق بقدرات الصدفة في الفعل والعمل، والذي يجعل من تلك الأسئلة المعقدة المتعلقة ببداية الكون والحياة أسئلة سهلة بالنسبة لدوكنز، يمكن أن يكون جوابها المحتمل إن لم يكن هو الجواب الصحيح: الصدفة، يقول في كتابه صانع الساعات الأعمى

 

"المعجزة هي شيء يحدث، ولكن على نحو مفاجئ جدًا، فلو أن تمثالا رخاميا لمريم العذراء قام بالتلويح لنا بيده فجأة فينبغي أن نتعامل مع الأمر كمعجزة، ﻷن معرفتنا وخبرتنا تخبرنا بأن الرخام لا يتصرف على هذا النحو"

 

مثال التمثال

ثم يقول موضحًا موقفه من هذا التمثال:

 

"وفي حالة التمثال الرخامي، الجزيئات في الرخام الصلب تقوم باستمرار بالتدافع ضد بعضها باتجاهات عشوائية، وتدافع هذه الجزئيات المختلفة على هذا النحو يلغي أثر هذا التدافع ولذا يبقى يد التمثال في وضع ثابت.

 

ولكن لو حصل بالصدفة المحضة أن جميع الجزئيات قامت بالتحرك بنفس الاتجاه في نفس اللحظة، لتحركت اليد. ولو أنها بعد ذلك تحركت في الاتجاه المعاكس لعادت اليد إلى موضعها السابق، بهذه الطريقة فمن الممكن لتمثال رخامي أن يلوح لنا.

 

من الممكن أن يحدث.. الاحتمالات ضد وقوع مصادفة من هذا النوع مرتفعة على نحو يفوق الخيال، لكنها ليست مرتفعة على نحو لا يمكن حسابه إحصائيًا. أحد الزملاء الفيزيائيين قام بالتفضل بحسابه لي، الرقم كبير بحيث أن عمر الكون كله سيكون قصيرًا جدًا عن مجرد كتابة الأصفار! إنه لمن الممكن نظريا لبقرة أن تقفز فوق القمر باحتمال مشابه.

 

والنتيجة التي نريد التوصل إليها في هذه الحجة أن بإمكاننا حساب مناطق المعجزات غير المحتملة بشكل أكبر بكثير مما نتخيل أنه معقول"

 

نفي الاستحالة عند دوكنز

وقد كرر المثال والكلام في كتابه الأحداث وهم الإله ص 373، ومثل هذا الكلام يكشف عن إيمان عميق فعلا بإمكانات الصدفة، وأنه من الممكن أن يُحدث أي شيء، فوجود احتمال ولو ضئيل جدا جدا جدا بشكل لا يوصف لا يجعله عند دوكنز أمرًا مستحيلًا أو يستدعي التوصيف بالمعجزة، بل يظل ممكنا ما دام بالإمكان حسابه إحصائيًا. وإذا تقبل الإنسان مثل هذا الأمر تحت ذريعة أنه ممكن وإن كان احتمالية تحققه في الواقع ضئيلة جدًا فسيكون في الحقيقة قابلًا لأي شيء.

 

ولو أضفنا هذا الكلام إلى ما سبق ذكره من تشكيك الملاحدة بالمبادئ العقلية الأولية فكيف ستكون حال المعرفة الإنسانية البشرية؟ فالبدائه العقلية محل تشكيك، وما نستفيده من خبراتنا بالنظر في هذا الكون هو الآخر محل تشكيك، وهو مشهد معرفي وعلمي شديد القتامة، لا يلتزمه أحد باطراد في الحقيقة وهو كاف في الكشف عن خلله العميق

 


 

المصدر:

  1. عبد الله بن صالح العجيري، ميليشيا الإلحاد، ص 170
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد #الصدفة
اقرأ أيضا
طريقة مخالفي الرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

طريقة مخالفي الرسل


وقد علم بالاضطرار أن الوجود لا بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه قديم أزلي لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم فوصفوه بما يمتنع وجوده فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم فوصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
719
التوجس من كل جديد | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

التوجس من كل جديد


هذه إحدى المقولات الشائعة أو بالأصح هي انطباع شائع عند كثير من الناس عن العلماء والمشايخ في عصرنا وعن الخطاب الديني بشكل عام وهو أنه يتوجس من كل جديد فيبادرون إلى تحريمه ومنعه ويبالغون في الحكم عليه خشية من الذرائع المترتبة عليه ثم لا تلبث الأيام أن تكشف خطأهم وتبين عن قصور وعيهم وتشدد مواقفهم فيعودون بعد ذلك ليجيزوا ما كانوا يحرمونه

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2107
شخصية القدوة | مرابط
فكر

شخصية القدوة


وأعلى الناس مقاما من حيث المطالب والوسائل والصبر والسعي هم أولو العزم من الرسل ومن بعدهم سائر الأنبياء وأتباعهم وهم درجات عند الله. وأحسن الناس اتباعا لهم ذلك الذي يطلب الطريق الذي سلوكها كلها فيعرف واقع كل منهم وحال قومه وإلى ماذا دعاهم وكيف ومن أين بدأ وكيف تلقوا دعوته وماذا لاقاه من المحن والابتلاءات وكيف تصرف فيها وبماذا كان يتصبر وبماذا كان يدعو الله ويسأله إياه وحاله في السراء والضراء..

بقلم: حسين عبد الرازق
303
لم نفعلها وحسبت علينا | مرابط
فكر مقالات

لم نفعلها وحسبت علينا


حين يقف الإنسان في اليوم الآخر لحظة تسليم الصحائف والاطلاع على محتوياتها فإن الإنسان ربما لن يتفاجأ كثيرا من خطايا نفذها فعلا وقام بها فهو قد علم مسبقا بأنه سيراها في صحيفته ولكن المفاجأة المذهلة أن يجد الإنسان في صحيفته خطايا لم يفعلها هو ومع ذلك يجدها مدونة في كتاب أعماله ربما يجد الإنسان في صحيفته خطايا لعشرات الأشخاص بل ربما لمئات الأشخاص بل ربما لملايين الأشخاص وكلها محسوبة في صحيفة سيئاته وسيحاسبه الله عليها

بقلم: إبراهيم السكران
1268
حقوق الأبناء على الآباء والأمهات | مرابط
تفريغات

حقوق الأبناء على الآباء والأمهات


فإذا اختارت الأم بعلها واختار الزوج زوجته فإن الله سائلهما فأول حقوق الولد عليك -أيها الأب-: أن تحسن الاختيار لأمه فكم من أم نشأت وربت وأصلحت لما أحسن البعل اختيارها وكم من أم أفسدت وأشقت وأضلت حينما أساء الزوج اختيارها فالله الله في اختيار الأزواج والزوجات إن اختيار الآباء والأمهات مسئولية عظيمة على الأزواج والزوجات فليتق العبد بارئه وليعلم أنه ملاقيه وسائله عن اختياره لزوجه وولده

بقلم: محمد مختار الشنقيطي
1835
من أخلاق الكبار: عبد الله بن مسعود | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: عبد الله بن مسعود


وسل نفسك لو أنك رجعت إلى بيتك ووجدت أن البيت قد كسر وأن المتاع قد سرق أو وضعت يدك في جيبك فوجدت أن ما تحتفظ به من نقود وأوراق ووثائق قد نشلت وسرقت أو خرجت إلى سيارتك فإذا هي قد كسرت وأخذ ما بها ونثر زجاجها على قارعة الطريق ماذا تصنع؟

بقلم: خالد السبت
355