ماذا يعلمك القرآن؟

ماذا يعلمك القرآن؟ | مرابط

الكاتب: د. نايف بن نهار

328 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

لا يُعلّمك القرآن كيف تعبد الله فقط، بل يعلّمك كيف تعيش حياتك، كيف تجعل نفسك مطمئنة لا تهتز كلما اهتزت الحياة، كيف تكسب الناس، كيف تحيّد أعداءك، متى تواجه ومتى تُعرِض، القرآن باختصار يشرح لك طبائع النفس الإنسانية وقوانين الاجتماع الإنساني بأعجب ما يكون.

يعلمك القرآن كيف تحب الخير للآخرين، وألا تتمنى ما فضلّ الله به الآخرين، وهكذا تعيش مطمئنًا بعيدًا عن قلق المقارنات. يعلمك القرآن أن تحسن الظن بالآخرين؛ ومن جرّب حسن الظن أدرك عظيم تأثيره على اطمئنان النفس وحماية العلاقات الاجتماعية، أما سوء الظن فهو مدخلٌ لكل الآفات.

يعلمك القرآن عند الخلاف {ولا تنسوا الفضل بينكم}، اختلفت مع صديقك، مع زوجتك، مع شريكك في التجارة، تذكر دائمًا هذه القاعدة التي تطالبك في لحظة الغضب أن تفعّل الذاكرة الإيجابية التي جمعت بينكما، وتفعيل هذه الذاكرة ينهي مشاعر الانتقام التي تسيطر على الإنسان عند الاختلاف.

يعلمك القرآن أن تتجاوز ذاتك لتفكّر بالنفع الجماعي، يعلمك أن تبني طموحاتك بناء على احتياجاتك لا رغباتك، يعلمك عزة النفس والكبرياء والأنفة عن الذل والخضوع، يعلمك كيف تكون فاعلاً في مجتمعك، تشاركهم أفراحهم وأحزانهم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتتعاون على البر والتقوى.

يعلمك القرآن أن تواجه الآخرين بأخطائهم، لا أن تكون جبانًا تذكر عيوبهم من وراء ظهورهم، فإن لم تكن شجاعًا في مواجهة الآخرين بأخطائهم فيكفيك الصمت، وإذا وجدت إنسانًا يستمتع بأعراض الناس فيجب أن توقفه، فإن لم تستطع فلا تتفاعل معه على الأقل، صمتك سيخبره مباشرةً بدناءة ما يفعل.

يعلمك القرآن أن التميّز يصنع الأعداء، حتى من أقرب الناس إليك كما في قصة يوسف، فإياك أن تدخل معارك مع حاسديك مهما كنت قادرًا على الانتصار، فالحاسد مشروعه إيقافك، ونجاحه في أن تلتفت إليه، ولذلك حدد هدفك بوضوح، وكل معركة ليست على جبهة هذا الهدف لا تلتفت إليها.

يعلمك القرآن أن تقول للناس حُسنًا، فالكلمة الطيبة فرعها في السماء لا تدري أين يصل تأثيرها، فكم من إنسان تغيرت حياته بسبب كلمة، ولا يوجد مثل سحر الكلمة في تأثيرها على النفس الإنسانية. ويعلمك القرآن أنَّك واجدٌ في الناس من تُحسن إليه فيسيء إليك، لا تحمل همه؛ لأنك ترجو ما عند الله لا ما عنده. 

ويعلّمك القرآن أن كل صفاتك السيئة قابلة للإصلاح، والأمر بيدك أنت {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}، فلا تعتذر بأن هذا هو طبعك. ويعلمك القرآن أن تراكم خذلان صوت الضمير يؤدي إلى صلابة فساد النفس {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}.

يعلمك القرآن ألا تحاور إلا بالتي هي أحسن؛ لأن الأفكار تمر إلى العقول من بوابة المشاعر، فما لم يكن حديثك مراعيًا للمشاعر فستغلق الباب في وجه فكرتك فلا تصل إلى عقل المتلقي. ويعلمنا القرآن أن الحوار إنما يكون مع الصادقين، أما المكابرون فيأمرنا ألا نضيع أوقاتنا معهم {وأعرض عن الجاهلين}.

يعلمك القرآن أن تعالج جذور المشكلات لا نتائجها، ولذلك تجده يصحح التصورات قبل المعتقدات والممارسات، {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} فنحن مستخلفون لا مستقلون، وإذا اقتنع الإنسان أنه مستخلف فمن الطبيعي أن ينفق في سبيل الله، هكذا صحة التصور تقود لصحة الممارسة.

يعلمنا القرآن أن البشر خلقوا متساوين، لا مزية لعرق على آخر، ولا لقبيلة على أخرى، ولا لجنس على آخر، ويعلّمنا أن هذه المساواة ضرورية للانطلاق لفكرة "التعارف"، فمن يعتقد أنه أفضل من الآخرين فلن يرى أهمية للتعارف، وهذا سر بدء الآية بفكرة المساواة ثم ربطها بمقصد التعارف.

كثيرةٌ هي التوجيهات القرآنية التي تجعل حياتنا سعيدة ومطمئنة، ومن يتدبّر معاني القرآن ويوظّفها في إصلاح نفسه ومجتمعه سوف يكون أكثر الناس فرحًا بوجود القرآن؛ لأنه حسم له الطريق الموصلة إلى السعادة، ويدرك حينها معنى قوله تعالى {فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون}.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#القرآن-الكريم
اقرأ أيضا
لحظة فداء | مرابط
فكر مقالات

لحظة فداء


كل ما نعرف من رحمة الأبوة والأمومة بأطفالهم فإنه سيذهب بها هول لحظة مشاهدة النار يوم القيامة فيتمنى الأب العطوف والأم الحنون أن يتخلصوا من هذه النار حتى لو أرسلوا فلذات أكبادهم إليها يقول الحق تبارك وتعالى في مشهد مرعب: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أطفالهم الذين كانوا يفدونهم ويقدمونهم على أنفسهم ستأتي لحظة الفداء الكبرى التي تصعق فيها النفوس من شدة الهلع حين تسمع فوران نار يوم القيامة وشهيق لهبها وهي تأكل الناس والحجارة وأمام ذلك المشهد فإن الوالد يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببني...

بقلم: إبراهيم السكران
1282
معرفة الحق أولا أم الرد على الشبهات؟ | مرابط
فكر

معرفة الحق أولا أم الرد على الشبهات؟


معرفة الحق بدلائله وبراهينه حتى يطمئن إليه القلب وتسكن إليه النفس مقدم على معرفة ما قد يعارضه من الشبهات وكيف يكون الرد عليها إذ لا يمكن دفع الباطل إلا بما تدل براهين الحق على بطلانه ومن عكس الأمر فأشغل نفسه بالشبهات قبل أن يكون قد حصل له التمكن من اليقين بالحق فيخشى عليه أن يضطرب حاله حتى لا يعود يدري ما الحق ولا كيف يدفع ما وقع له من الشبهات.

بقلم: عبد الله القرني
365
الإنصاف عزيز | مرابط
مقالات

الإنصاف عزيز


وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل ولا تغتر باللفظ كما قيل في هذا المعنى

بقلم: ابن القيم
234
فن أصول التفسير ج1 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج1


فالموضوع الذي بين يدي: هو أصول التفسير وكما يقال الآن من المصطلحات المعاصرة لفظة التوظيف لأني سأجتهد في توظيف أصول التفسير وهي مادة نوع ما ممكن تكون متخصصة لكن سأجتهد قدر استطاعتي أن أنزل بالمعلومات إلى ما يمكن أن تستوعبه شرائح متعددة الذي علمه قليل والذي علمه كثير والذي يستوعب استيعابا سريعا والذي يكون استيعابه بطيئا

بقلم: مساعد الطيار
619
شبهات حول الحجاب: الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها


يقول بعض المنكرين والرافضين للحجاب: إن الحجاب هو عدو حرية المرأة وانطلاقها لتعبر عن نفسها إنه يجعل المرأة كخيمة متنقلة ويأسر جمالها ويمنعه من أن يعبر عن حيوية هذا الإنسان المبدع والحقيقة أن هذه شبهة حادثة في عصرنا وإليكم الرد عليها والجواب الكافي المبين لما تنطوي عليه من أباطيل وأخطاء

بقلم: سامي عامري
878
الفروق بين الجنسين | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

الفروق بين الجنسين


ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه الاعتراف بالفوارق بين الجنسين اليوم هو ميل المجتمعات الحديثة إلى قياس قيمة النساء اليوم بمقارنتهن بالرجال بدلا من مقارنتهن بأفضل النسخ الممكنة من أنفسهن أقصى إمكاناتهن الآثار الاجتماعية والنفسية والعاطفية السلبية لهذه المقارنة المضللة مروعة

بقلم: مجلة أوج
413