أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعادة صياغة اللغة

أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعادة صياغة اللغة | مرابط

الكاتب: مثنى أمين الكردستاني

1829 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إعادة صياغة اللغة أو ما يسمى في الغرب بـ Reconstruction of Language

صياغة اللغات الإنجليزية والغربية

وهذه الدعوة تجد مبرراتها في اللغات عامة واللغات الغربية والإنجليزية خصوصًا حيث إن هناك أكثر من دليل على أن صياغتها تعكس النظرة والثقافة الغربية التي لم تنظر إلى المرأة نظرة مساواة وأنها إنسان سوي مثل الرجل، بل كانت الدونية تلاحقها، وبنيت المجتمعات على أساس إقصائها من الحياة وأن تكون وظيفتها خدمة الرجل وإشباع رغباته وحاجاته.

ولإثبات ما يمكن تسميته بالتحيز للذكر يمكن ملاحظة الكلمات الآتية في اللغة الإنجليزية والتي تدل على تبعية المرأة للرجل وعدم إمكان وجودها مستقلًا كإنسان إلا من خلال الرجل:

Wo-man
Hu-man            Man
Man- kind

حيث تكون المرأة مجرد إضافة لفظية إلى الرجل، ولو حذفنا كلمة رجل (man) لضاعت وسائل المرأة من الوجود في اللغة، وكذا مصطلح الإنسان، ومصطلح البشرية. إن الرجل في مركز التكوين اللغوي، وتدور حوله سائر المصطلحات، فهو القطب والمركز ومثلما أنه ضمير اللغة وسر تركيبها المورفولوجي (الفيزيائي والصرفي) (1) وإذا أريد في الإنجليزية مثلا أن يشار إلى كاتبة قالوا (Woman Writer) لأن الأصل فيها هو المذكر (كاتب) ولإجراء التأنيث يجب إلحاق اسم (المرأة) وهكذا (عالم امرأة، فنان امرأة، وعامل امرأة. إلخ) وبسبب اختزال الإنسان في الرجل عند الأوروبيين يقع مترجمونا في التباسات كثيرة عند النقل من إحدى اللغات الأوروبية فيثبتون كلمة (رجل) في مصطلح قد يكون مشتركًا بين الجنسين (2)

ويظهر هذا الانحياز الذكوري في كلمات أخرى كثيرة، في أسماء البشرية أيضًا (fore fathers و average man) وفي أسماء المهن يقال (chair man) بدل (Chair person) و(male man) بدل (male carrier) وأخذت الترجمة الحرفية في العربية فيقال كلمات مثل (رجال الإطفاء، رجال الدين، رجال الأعمال، رجالات الدولة، رجال السياسة.. إلخ)، وكل هذا تقليد للظاهر الوارد في اللغات الأوروبية، وفي الفرنسية ترى هذه الظاهرة بالحكم نفسه فيقال للجنسين (Homes) ويستخدمون تعبير (homme droites de) والذي يدل على حقوق البشر عامة وحقوق الرجل خاصة بدل (l'droits des humains) الشامل للجنسين (3)

وقد تحدثنا فيما سبق عن تحليل كلمة التاريخ (his-story) والتي تعني تاريخ الرجل دون المرأة، ولا شك أن اللغة تعبير عن الثقافة والرؤية المعرفية الخاصة، وتعبر عن مفاهيم الحضارة التي تنشأ فيها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن اللغة أداة خطيرة لتكريس ثقافة معينة وإشاعة معانيها بين الناس وذلك للارتباط المحكم بين الدال والمدلول وتداعي المعاني المرادة للذهن مع النطق بالكلمة.

حملة انتقادات للغات الغربية

في هذه الأجواء وبعد إدراك الغبن الساق في اللغات الأوروبية، وخطورة دور اللغة في التبشير بمفاهيم الأنثوية، فقد سارع دعاة الحركة إلى طرح انتقادات واسعة للغات الغربية والنصوص الأدبية وحتى النصوص المقدسة الدينية، وطالبن بإعادة صياغة اللغة، وإعادة صياغة الكتاب المقدس وضمائر الموجود فيه، وفي هذا المسعى "أسهمت الحركات النسائية في تشجيع إصدار طبعة جديدة من كتب العهد القديم والجديد أطلق عليها الطبعة المصححة، في عام 1994، وتم فيها تغيير الكثير من المصطلحات والضمائر المذكرة، وتحويلها إلى ضمائر حيادية مراعاة للفمنزم، كما خفف تأثير الكلمات التي تصف الشذوذ الجنسي عند الناس" (4)

في عالمنا الإسلامي

وهناك من جهلة المسلمين المتأثرين بهذه النزعة أو بعقدة الأنوثة والذكورة في كل شيء، ولجهلهم بطبيعة اللغة العربية يتساءلون عن سبب استخدام القرآن لضمير المذكر عند الحديث عن الله، وربما يكون هذا وارد في الديانة المسيحية التي حددت جنس الإله (الابن) واستعملت (الأب) لله وغير ذلك، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرًا، وهذا التذكير لله تعالى سبب ولا شك في إحداث لبس في الفكر الغربي كما أنه سبب لتكريس وتقديس السلطة الأبوية بالمفهوم الذي كان سائدًا في المجتمعات الرومانية واليهودية والذي استمر فيها بعد إلى عهد قريب عن طريق انتقال المفهوم للديانة المسيحية والإرث الثقافي الغربي عمومًا، ولكن القرآن نزه الله عن ألفاظ الابن والأب وكل ما يوحي بالذكورة والأنوثة، وضمير المذكر راجع للغظ الجلالة الذي لا توجد فيه علامات التأنيث المعروفة في اللغة العربية.

من يملك السلطة يملك اللغة

وفي هذا السياق تأثرت الأنثوية بالمدارس الفلسفية المعاصرة وخصوصًا مدرسة التفكيكية والتي تذهب إلى نسبية اللغة انطلاقا من شك مطلق في دلالات الألفاظ، واتهام اللغة بأنها تفتقر إلى الصلة بين الدال والمدلول، وأنه لا توجد علاقة حتمية بين الدال والمدلول، الأمر الذي يؤدي إلى مراجعة كل لفظ ومفهوم بشكل كامل ويؤدي للحيلولة دون استقرار المفاهيم وتراكمية العلم.

انطلقت الأنثوية المعاصرة من مقولة ميشال فوكو "أن من يملك السلطة يملك اللغة"، وبهذا فسروا اللغات الأوروبية ونصوص الكتاب المقدس وشككوا فيها لأنها "من صنع الرجل"(5)، وليست هناك خطورة في مراجعات كلمات معينة أو مصطلحات غير دقيقة الصياغة أو كتابة نصوص تحابي المرأة بضمائر التأنيث، وإنما الخطورة تكمن في أن الأنثوية تحاول أن تفرض كلمات معينة ومصطلحات خاصة وجديدة تعبر عن رؤيتها للعالم وفكرها الخاص في كل القضايا التي طرحناها (وهي شاملة ومتعددة الجوانب). وبهذا الشكل بإنها تريد تزييف المعارف الإنسانية والتمهيد لترسيخ ثقافة خاصة بها، وخلق قيم جديدة وتكريسها عبر الوعاء اللغوي وعلاقة الترابط الموجودة بين الدال والمدلول.

إحلال المفاهيم وتأثيره على الفكر والحياة

إن اللغة لا تأتي من فراغ وعملية صياغة وتحرر المصطلحات الآن أصبحت علومًا وتخصصات، وعند صياغة أي مفردة تتم دراسة علاقتها بالجذور الفلسفية وظلالها وإيحاءاتها الفكرية والثقافية وحتى النفسية، ولا بد من دراسة علاقة المصطلح بالبيئة والتجربة التاريخية لمجتمع معين "وهو ما جعل مدخل الغزو الثقافي والتمكين للسيطرة الأجنبية هو إحلال مفاهيم الأمة بمفاهيم الآخر التي يتم تسويقها سياسيا وأكاديميًا، كي يمكن احتلال عقل الأمة ووعيها تمهيدًا لاحتلال أبنيتها واستلاب حضارتها" (6)

يبين الدكتور محمد عمارة طورة أن نأخذ القول القائل "لا مشاحة في الاصطلاح" على عمومه وشموله، وأن لا ننتبه إلى المضامين التي تحملها المصطلحات والتي هي أدوات وأوعية لحمل رسالة معينة، ومضمون معين نشأ وولد وترعرع في سياق فكري وحضاري محدد، ويقول "وإغفال هذا التمايز، عندما تعبر المضامين والمعاني عن التمايز الحضاري للحضارات المختلفة، هو باب واسع للخلط والتشويه المعرفي يجعل من القاموس -المعرب مثلا- والذي لا ينبه على تمايز مضامين المصطلح الواحد في الحضارات المتمايزة أداة لتزييف وعي أبناء الحضارة المتلقية لهذا القاموس، تزييف لوعيهم بالمضامين المتميزة لهذه المصطلحات في حضارتهم وأداة تبعية وإلحاق لهم بالحضارة التي أحل هذا القاموس مفاهيمها لهذه المصطلحات محل المفاهيم المتميزة لها في حضارتهم التي ينتسبون إليها" (7)

ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري "مزاوجة الدال بالمدلول اختيار واجتهاد وتحيز، ولا يهم من منظور هذا البحث (بحثه هو) إن كان التحيز واعيًا أو غير واع"، ويقول "حينما ننتقل إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية فالصورة تصبح مركبة إلى أقصى حد للأسباب التالية:

1- كل دال متجذر في تشكيل حضاري فريد، له لغته المعجمية والحضارية الفريدة، لذا فالدال مرتبط بسياق حضاري محدد ويشير إلى ظواهر بعينها دون غيرها.

2- الدال بطبيعة الحال لا يشير إلى مدلول خارجي وحسب، وإنما يحتوي على وجهة نظر من صكه وزاوية رؤيته واجتهاداته، وتزداد الأمور تعقيدًا إذا كانت الدوال ذات طابع عقائد من مصلحة فريق ما الترويج لها" (8)

النسوية واللغة

عندما تطرح الأنثوية كلمات من مثل: (Gender) لوصف علاقة الجنسين أو كلمة (Partner)، أو (spouse) للتعبير عن الزوج، وكلمة (Feminism) للتعبير عن حركة النساء، و(Biological father) للأب الشرعي، وتسمي أي تدخل للوالدين في صالح أبنائهم وتربيتهم (Patriarchy) وتسمي دعم المرأة (Empowerment) وتسمي الطاعة الزوجية بـ (power relation) وترسخ مفهوم الأسرة (Family) لتكون هناك (Traditional) تقليدية وأسرة غير تقليدية، أو لا نمطية خاصة بالشاذين جنسيًا أو مجموعات إباحية تعيش مع بعض... إلخ

فإن الذي تغير ليس حروفًا أو كلمات وإنما مضامين ومعاني وثقافة وفكر، وإن إشاعة هذه الكلمات وترسيخها والدعوة إليها سوف تؤدي إلى ترسيخ أفكارها وتغير المفاهيم والقيم التي استقرت عليها حتى الآن، والأمر يكون أخطر عندما يتعلق الأمر بصياغة المواثيق الدولية الخاصة بالسكان والمرأة والطفل وغير ذلك، لأنها بعد المصادقة عليها تصبح ملزمة، وتفسر الكلمات الواردة فيها حسب معجم الأنثوية واضعي هذه النصوص والذين يسمون الأشياء بغير أسمائها تمهيدًا لاستباحتها، فلا يقولون الإجهاض وقتل الجنين، وإنما يقولون (حق المرأة في الاختيار) وغير ذلك (9)


الإشارات المرجعية:

  1. عبد الله محمد الغذامي، (المرأة واللغة)، المركز الثقافي، بيروت، 1997، ص22
  2. هادي العلوي (فصول عن المرأة)، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1996، ص10
  3. أندره ميشيل (بيكار باتبعيض حينسي)، ترجمة محمد جعفر بيونده، ص114، وص117
  4. الدكتورة شذى سلمان (المرأة المسلمة)، ص122
  5. هبة رؤوف، المرأة والعمل السياسي، ص70-71
  6. د.شذى سلمان، المرأة المسلمة، ص71
  7. إشكالية التحيز، تحرير الدكتور عبد الوهاب المسيري، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الجزء الأول، ص127
  8. إشكالية التحيز، تحرير الدكتور عبد الوهاب المسيري، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الجزء الأول، ص127
  9. ولقد أشار القرآن في آيتين إلى خطورة التلاعب بالألفاظ عندما تحدث عن أخلاقيات اليهود في هذا المجال “مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا”

المصدر:
مثنى أمين الكردستاني، حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر، ص180

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية
اقرأ أيضا
التوبة من ترك الحسنات | مرابط
اقتباسات وقطوف

التوبة من ترك الحسنات


التوبة من ترك الحسنات أهم من التوبة من فعل السيئات والتوبة رجوع عما تاب منه إلى ما تاب إليه فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله وإلى فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وليست التوبة من فعل السيئات فقط كما يظن كثير من الجهال لا يتصورون التوبة إلا عما يفعله العبد من القبائح كالفواحش والمظالم بل التوبة من ترك الحسنات المأمور بها أهم من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
414
فن أصول التفسير ج8 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج8


مهما جلسنا نستنبط من آيات الله سبحانه وتعالى ونذكر الفوائد والمسائل المتعلقة بالآيات فإننا يمكن أن نجلس من صلاة العشاء إلى الفجر في سورة واحدة ونحن نستخرج هذه الفوائد والنفائس ولا شك أن هذا مما يدل على عظمة القرآن ومجده لأن الله سبحانه وتعالى وصفه بالمجد فهو مجيد في ألفاظه ومجيد أيضا في معانيه ومجد المعاني أي: أن معانيه متسعة

بقلم: مساعد الطيار
657
أيام الصبر | مرابط
تفريغات

أيام الصبر


أهل العلم قالوا: ليس من الممكن أن يستوي من وقف أيام الشدة وأيام الفاقة وأيام الذلة ولما قل الناصر: وقف في ظهر النبي ليقول: أنا هنا مالي موجود وأنا موجود! أنا لن أتخلى عنك! وشخص آخر جاء وقت الرخاء.. نحن الآن في نفس هذه الأيام اليوم الدين ليس له أحد دين الله ليس له أحد الناس تعيش لحياتها أنت تصلي لنفسك وليس لدين الله أنت تصوم لنفسك وليس للدين الدين كل يوم ينقص.

بقلم: محمد سعد الشرقاوي
542
مخالفة المرجئة لمنهج السلف: إخراج العمل عن الإيمان | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين تفريغات مناقشات

مخالفة المرجئة لمنهج السلف: إخراج العمل عن الإيمان


ومنهج أهل السنة والجماعة في قضايا الإيمان والتوحيد أن الإيمان قول وعمل واعتقاد وهذا خلافا للمرجئة فالإيمان بإجماع أهل السنة والجماعة: تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان والإيمان قول وعمل القول باللسان فإذن قول القلب وعمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح الإيمان حقيقة مركبة من هذه الأشياء الأربعة وفي هذا المقال بيان لحقيقة الإيمان وخلاف المرجئة فيه

بقلم: محمد صالح المنجد
1206
أخبار الأنبياء والرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

أخبار الأنبياء والرسل


تعليق لشيخ الإسلام ابن تيمية على تواتر أخبار الرسل التي وصلتنا من طرق مختلفة فجميع أهل الأرض الآن يعلمون أنه كان هناك رسل وهؤلاء الرسل كان لهم أتباع ومخالفون وأن الله في النهاية نصر الفريق الأولى من اتبعوا الرسل وأخزى الفريق الآخر ونقل هذه الأخبار يؤسس معرفية يقينية حتمية

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2223
أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأسرة والزواج | مرابط
مقالات النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأسرة والزواج


كرد فعل لوضع المرأة في الغرب وكرد فعل لقوانين الأحوال الشخصية المسيحية القاسية وكرد فعل لقسوة الرجال وعنفهم وكتحقيق للرغبة الجنسانية المستشرية في الغرب وابتغاء للفردية وعدم التقيد وهروبا من أعباء البيت ومسؤوليات الأسرة واعتقادا بأن الأسرة قيد وعبء ولا ضرورة لها وتصنف المرأة في درجة أدنى واحتجاجا على حصر دور المرأة في الإنجاب والأمومة دون غيرها من الأدواركل هذه الأمور أدت ببعض أجنحة هذه الحركة إلى السعي للتخلص من الأسرة والزواج

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
1898