فمن تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم الشدة والضر وما يلجئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين، ويرجونه لا يرجون أحدًا سواه، وتتعلق قلوبهم به لا بغيره، فيحصل له من التوكل عليه والإنابة إليه وحلاوة الإيمان وذوق طعمه والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض والخوف أو الجدب أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة؛ فإن ذلك لذّات بدنية ونعم دنيوية قد يحصل للكافر منها أعظم مما يحصل للمؤمن.
وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله الدين فأعظم أن يعبّر عن كنهه مقام أو يستحضر تفصيله بال، ولكل مؤمن من ذلك نصيب بقدر إيمانه ولهذا قال بعض السلف: يابن آدم لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب سيدك>
وقال بعض الشيوخ:< إنه ليكون لي إلى الله حاجة فأدعوه فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب أن يعجل قضاء حاجتي خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك؛ لأن النفس لا تريد إلا حظها فإذا قضي انصرفت >.
وفي بعض الإسرائيليات: يابن آدم البلاء يجمع بيني وبينك والعافية تجمع بينك وبين نفسك
المصدر:
شيخ الإسلام ابن تيمية، الفتاوى الكبرى (5/ 284)