النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الثاني

النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

1969 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

ويتبقي نقاش أخير:

 

- إن الإيمان بالنسبوية، هو وهم، متناقض، نعاين أثره كل يوم: فالذي يؤمن بنسبوية الحق والأخلاق والقيم والأديان، وبأن إيمانك بمعيار ونموذج تحاكم إليه الناس هو خطأ وتعصب وانغلاق =يعتبرك ضالا مضلًا، لأنك تخالف معياره الذي لا يوجد فيه حق مطلق ولا صواب مطلق ولا معيار أبدي للمعرفة!

 

إذن هو نفسه يملك معيارا يقيس سلوكك وعقائدك عليه، فإن خالفته هاجمك وآمن بأنك من المفسدين! هو نفسه يؤمن بوجود النهي عن المنكر الذي تصنعه بسلوكك الناتج عن عقيدتك وإيمانك وأصوليتك المتطرفة، وأمرك بالمعروف الذي هو الصواب الإنسانوي من وجهة نظره ومعياره، ودعوتك إلى اتباع مذهبه النسوي، وعدم الرضا عن مذهبك اليقيني الدوغمائي!

 

ذاك التناقض الذي لا يرتفع هو أشهر ما يواجه النسبية ويُذيبها في لحظة، ولا مفر منه! فالنسبوية تضع هي ذاتها معيارا تحاكم إليه الناس! وإن شئت الصدق أكثر، قلت أن النسبوية غير موجودة في الواقع على التحقيق، وليست إلا آلة فلسفية موطِّئة لتمكين فلسفة مضادة عن طريق تفكيك سابقتها..

 

فلا توجد نسبوية في القوانين مثلا، بل التشريعات ملزمة، ولا حق لأحد أن يطلب الإفلات من العقاب مثلا في ولاية أمريكية، لأنه تزوج بقاصر، حتى إن كانت الولاية التي ينتمي إليها لا تمنع ذلك. فلكل ولاية تشريعاتها الملزمة والتي يجب على المقيم فيها احترامها وإن لم يؤمن بها.

 

مآلات أخرى للنسبوية

 

-ويُلزم تطبيق النسبوية اللوطي بتناقضات أشنع، عند تطبيقها في كافة المجالات، وقد حدث هذا في حالات ننتقي منها ثلاثة فقط، لندرك حجم سُخف ذلك الزعم 

 

1- في الولايات المتحدة الأمريكية، قام شخص أبيض يدعى Jadu بتعريف نفسه أنه (ترانس راسيال/عابر للعرق) مؤكدًا أنه أعاد تعريف عرقه ليصبح فيليبينيا، وله مجموعة مؤيّدة مشابهة تُنكر العرق الذي ولدت به، وتؤكد أنها أعادت تعريف عرقها وتحديد هويّته ليصبح عرقًا آخر، وبناء على أساس الهوى المحض والراحة الشخصية لا غير، فقد سمع (جا) عن الأكل الفليبيني، وعادات الفليبينيين، وقرر أنه سيصبح من العرق الفليبيني، بناء على هذا!

 

وقد كان (جا) مسبوقًا بامرأة بيضاء، هي Rachel Dolezal التي ظلت لعشر سنوات تُعرّف نفسها بأنها (امرأة سوداء) لا بيضاء، داعية المجتمع إلى الاعتراف بالترانسراسيال، كما اعترفوا بالترانسجندر (الخناث) 

 

2- ولنتوقف لحظة عند حديث رتشيل، الرئيسة السابقة لإحدى المنظمات الحقوقية المساندة للسود، فهي أكثر تماسكا من الترانس (جا). تقول للصحافة: إن الجندر ليس ثنائيًا (ذكر وأنثى) بل ليس حتى بيولوجيا (بناء على العضور الجنسي).. أما ما صدمني حقًا، هو أن العرق أيضًا ليس بيولوجيًا! إن ما أدعو إليه هو أن يكون العرق سائلًا هو الآخر Racial fluid، بنفس الطريقة التي سُمح بها للجندر أن يكون سائلًا Gender fluid.

 

ولرتشيل منطق: فالعرق حقا مفهوم أكثر سيولة من الناحية البيولوجية من الجندر، وما دمنا قد أسلنا الجندر وقبلنا بهذا فلماذا نرفض نفس الأمر مع العرق؟!

 

تقول رتشيل: إن العرق كذبة، إذا كيف نكذب حول كذبة"؟!

 

3- إميل راتلباند، عجوز في التاسعة والتسعين مفتون بالتفكير الإيجابي، قام برفع قضية لتخفيض عشرين عاما من عمره دفعة واحدة.
يقول إميل: إ،نا نعيش في زمن يمكن فيه تغيير الاسم والجندر، فما الذي يمنع تغيير العمر أيضًا؟!

 

التزام اللوازم

 

- ما الذي يجمع تلك الحالات كافة؟! إنه إنكار محسوس مشاهد بمحض الهوى والإحساس الداخلي، تماما كما يفعل الخناث اللوطيون، فلماذا يُنكر الناس التزام اللوازم؟ أليست النسبوية هي الحق، والإحساس الداخلي للإنسان هو فقط المحدد لأول عناصر تكوين هويته في تلك الدنيا وأشدها وضوحًا، ألا وهو العنصر الجنسي، فما معنى التعصب ضد النسبوية في العمر والعرق كذلك؟

 

بل إن مفاهيم العمر والعرق أقل وضوحًا وأكر نسبية من العنصر البيولوجي الجنسي؛ وإن كان الجنس هو أكذوبة مجتمعية وتاريخية كبرى، فلماذا لا يكون العمر والعرق كذلك؟

 

آفاق جديدة من النوع

 

إن هذا سيدعونا إلى آفاق جديدة من التنوع: فلماذا لا تنفصل الدول في تعريف الإنسان ذاته، فيعرّف أحدهم نفسه بأنه سمكة أو طائر لقلق؟ إن لجأنا للعلم فالتشريح لا يعترف بغير النوعين مع وجود حالة ثالثة مركبة فيها خلل وهي الخنثى، فلا يمكن التحجج بالعلم، ولن يبقى إلا الفكر والنفس = وهنا لا يصبح هناك معنى لمنع من يعرف نفسه بأنه سمكة أو طائر لقلق!

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات، ص33
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
المؤثرون الذين لا يؤثرون | مرابط
فكر

المؤثرون الذين لا يؤثرون


ما أعظمها من مصيبة حين يتحول الإيجابيون والمؤثرون وطلبة العلم والدعاة والمستشارون من الإنتاج المعرفي والعلمي والتطبيق العملي وتحقيق الأهداف وخدمة المجتمع إلى الاستهلاك فحسب وحين يتحول هؤلاء الصفوة من البحث عن الدقائق الضائعة طمعا في توظيفها والاستفادة منها إلى إهدار الساعات الطوال على توافه شبكة الإنترنت

بقلم: محمد بن سعد العوشن
648
نشوء دولة التتار ج1 | مرابط
تفريغات

نشوء دولة التتار ج1


في هذه المحاضرة ألخص ما حدث في هذه الفترة من أحداث وأسأل الله عز وجل أن يمكننا من استعراض كل الأمور بإيجاز نتحدث اليوم عن ظهور قوة جديدة على سطح الأرض في القرن السابع الهجري هذه القوة أدت إلى تغييرات هائلة في العالم بصفة عامة وفي العالم الإسلامي بصفة خاصة قوة بشعة أكلت الأخضر واليابس ولم يكن لها هدف في حياتها إلا التدمير والإبادة

بقلم: د راغب السرجاني
344
لا تجتمع البدعة مع سنة | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا تجتمع البدعة مع سنة


ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام ونظائر هذه كثيرة

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
112
شبهة: هل رويت السنة باللفظ أم بالمعنى؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: هل رويت السنة باللفظ أم بالمعنى؟


والذين أجازوا الرواية بالمعنى إنما أجازوها بشروط وتحوطات بالغة فقالوا: نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ أما العالم بالألفاظ الخبير بمعانيها العارف بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل والظاهر والأظهر والعام والأعم فقد جوزوا له ذلك وإلى هذا ذهب جماهير الفقهاء والمحدثين.

بقلم: محمد أبو شهبة
68
ماذا تركت لأجلي؟ | مرابط
مقالات

ماذا تركت لأجلي؟


ويقول الشاب التائب: لأجلك ربي تركت رفقاء الطيش وطريق الهوى وآثرت طريق العفاف والهدى وصبرت على مقاومة كل وسائل الجذب والإغراء حتى صرت بين الشباب غريبا في مظهري ومخبري. وتقول أمة الله: لأجلك ربي تركت التبرج والزينة التي أحب وخالفت بيئتي المتحررة التي فيها نشأت ونالني فيك السخرية والأذى.

بقلم: د. جمال الباشا
123
مختصر قصة الأندلس الجزء الرابع | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة الأندلس الجزء الرابع


سلسلة مقالات مختصرة تطوف بنا حول الأندلس لنعرف قصتها من البداية حتى النهاية من الفتح إلى السقوط سنعرف كل ما دار من أحداث بين لحظة الفتح والصعود ولحظة الانهيار والأفول والهدف من ذلك أن ندرك ونعي تاريخنا بشكل جيد وأن نتعلم منه حتى نبني للمستقبل

بقلم: موقع قصة الإسلام
1092