النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الثاني

النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

2228 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ويتبقي نقاش أخير:

 

- إن الإيمان بالنسبوية، هو وهم، متناقض، نعاين أثره كل يوم: فالذي يؤمن بنسبوية الحق والأخلاق والقيم والأديان، وبأن إيمانك بمعيار ونموذج تحاكم إليه الناس هو خطأ وتعصب وانغلاق =يعتبرك ضالا مضلًا، لأنك تخالف معياره الذي لا يوجد فيه حق مطلق ولا صواب مطلق ولا معيار أبدي للمعرفة!

 

إذن هو نفسه يملك معيارا يقيس سلوكك وعقائدك عليه، فإن خالفته هاجمك وآمن بأنك من المفسدين! هو نفسه يؤمن بوجود النهي عن المنكر الذي تصنعه بسلوكك الناتج عن عقيدتك وإيمانك وأصوليتك المتطرفة، وأمرك بالمعروف الذي هو الصواب الإنسانوي من وجهة نظره ومعياره، ودعوتك إلى اتباع مذهبه النسوي، وعدم الرضا عن مذهبك اليقيني الدوغمائي!

 

ذاك التناقض الذي لا يرتفع هو أشهر ما يواجه النسبية ويُذيبها في لحظة، ولا مفر منه! فالنسبوية تضع هي ذاتها معيارا تحاكم إليه الناس! وإن شئت الصدق أكثر، قلت أن النسبوية غير موجودة في الواقع على التحقيق، وليست إلا آلة فلسفية موطِّئة لتمكين فلسفة مضادة عن طريق تفكيك سابقتها..

 

فلا توجد نسبوية في القوانين مثلا، بل التشريعات ملزمة، ولا حق لأحد أن يطلب الإفلات من العقاب مثلا في ولاية أمريكية، لأنه تزوج بقاصر، حتى إن كانت الولاية التي ينتمي إليها لا تمنع ذلك. فلكل ولاية تشريعاتها الملزمة والتي يجب على المقيم فيها احترامها وإن لم يؤمن بها.

 

مآلات أخرى للنسبوية

 

-ويُلزم تطبيق النسبوية اللوطي بتناقضات أشنع، عند تطبيقها في كافة المجالات، وقد حدث هذا في حالات ننتقي منها ثلاثة فقط، لندرك حجم سُخف ذلك الزعم 

 

1- في الولايات المتحدة الأمريكية، قام شخص أبيض يدعى Jadu بتعريف نفسه أنه (ترانس راسيال/عابر للعرق) مؤكدًا أنه أعاد تعريف عرقه ليصبح فيليبينيا، وله مجموعة مؤيّدة مشابهة تُنكر العرق الذي ولدت به، وتؤكد أنها أعادت تعريف عرقها وتحديد هويّته ليصبح عرقًا آخر، وبناء على أساس الهوى المحض والراحة الشخصية لا غير، فقد سمع (جا) عن الأكل الفليبيني، وعادات الفليبينيين، وقرر أنه سيصبح من العرق الفليبيني، بناء على هذا!

 

وقد كان (جا) مسبوقًا بامرأة بيضاء، هي Rachel Dolezal التي ظلت لعشر سنوات تُعرّف نفسها بأنها (امرأة سوداء) لا بيضاء، داعية المجتمع إلى الاعتراف بالترانسراسيال، كما اعترفوا بالترانسجندر (الخناث) 

 

2- ولنتوقف لحظة عند حديث رتشيل، الرئيسة السابقة لإحدى المنظمات الحقوقية المساندة للسود، فهي أكثر تماسكا من الترانس (جا). تقول للصحافة: إن الجندر ليس ثنائيًا (ذكر وأنثى) بل ليس حتى بيولوجيا (بناء على العضور الجنسي).. أما ما صدمني حقًا، هو أن العرق أيضًا ليس بيولوجيًا! إن ما أدعو إليه هو أن يكون العرق سائلًا هو الآخر Racial fluid، بنفس الطريقة التي سُمح بها للجندر أن يكون سائلًا Gender fluid.

 

ولرتشيل منطق: فالعرق حقا مفهوم أكثر سيولة من الناحية البيولوجية من الجندر، وما دمنا قد أسلنا الجندر وقبلنا بهذا فلماذا نرفض نفس الأمر مع العرق؟!

 

تقول رتشيل: إن العرق كذبة، إذا كيف نكذب حول كذبة"؟!

 

3- إميل راتلباند، عجوز في التاسعة والتسعين مفتون بالتفكير الإيجابي، قام برفع قضية لتخفيض عشرين عاما من عمره دفعة واحدة.
يقول إميل: إ،نا نعيش في زمن يمكن فيه تغيير الاسم والجندر، فما الذي يمنع تغيير العمر أيضًا؟!

 

التزام اللوازم

 

- ما الذي يجمع تلك الحالات كافة؟! إنه إنكار محسوس مشاهد بمحض الهوى والإحساس الداخلي، تماما كما يفعل الخناث اللوطيون، فلماذا يُنكر الناس التزام اللوازم؟ أليست النسبوية هي الحق، والإحساس الداخلي للإنسان هو فقط المحدد لأول عناصر تكوين هويته في تلك الدنيا وأشدها وضوحًا، ألا وهو العنصر الجنسي، فما معنى التعصب ضد النسبوية في العمر والعرق كذلك؟

 

بل إن مفاهيم العمر والعرق أقل وضوحًا وأكر نسبية من العنصر البيولوجي الجنسي؛ وإن كان الجنس هو أكذوبة مجتمعية وتاريخية كبرى، فلماذا لا يكون العمر والعرق كذلك؟

 

آفاق جديدة من النوع

 

إن هذا سيدعونا إلى آفاق جديدة من التنوع: فلماذا لا تنفصل الدول في تعريف الإنسان ذاته، فيعرّف أحدهم نفسه بأنه سمكة أو طائر لقلق؟ إن لجأنا للعلم فالتشريح لا يعترف بغير النوعين مع وجود حالة ثالثة مركبة فيها خلل وهي الخنثى، فلا يمكن التحجج بالعلم، ولن يبقى إلا الفكر والنفس = وهنا لا يصبح هناك معنى لمنع من يعرف نفسه بأنه سمكة أو طائر لقلق!

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات، ص33
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
خطر حب الشهرة | مرابط
فكر تفريغات

خطر حب الشهرة


حب الشهرة والصيت هذا المرض موجود في نفوس الكثيرين وهذا المرض موجود عند الفسقة وقد يكون موجودا أيضا عند بعض أهل الدين فعند الفسقة الآن هناك شيء اسمه عالم الأضواء وعالم الشهرة ويقال: فلان أو فلانة من الممثلين والممثلات دخل عالم الشهرة بفلم كذا وفلانة من المغنيات دخلت عالم الشهرة بأغنية كذا وفلان من اللاعبين دخل عالم الشهرة وعالم الأضواء بهدف من الأهداف الرياضية بمباراة كذا وهكذا من أنواع الشهرة الدنيوية المذمومة القبيحة المضيعة للوقت الصارفة للجهد بغير طاعة الله والمورثة للإثم والعدوان والمثي...

بقلم: محمد صالح المنجد
2342
التعرف على الله من خلال آية الكرسي | مرابط
تعزيز اليقين

التعرف على الله من خلال آية الكرسي


تعد آية الكرسي أفضل آية في كتاب الله إذ كل ما فيها متعلق بالذات الإلهية العلية وناطق بربوبيته تعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه وهذه الآية تملأ القلب مهابة من الله وعظمته وجلاله وكماله فهي تدل على أن الله تعالى منفرد بالألوهية والسلطان والقدرة قائم على تدبير الكائنات في كل لحظة لا يغفل عن شيء في السماوات والأرض

بقلم: علي محمد الصلابي
2084
بلا وصاية | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

بلا وصاية


لفظ الوصاية أصبح من الألفاظ المنفرة عند كثير من الناس حتى أنك لو نصحت أحدهم بشيء أو أمرته بمعروف أن نهيته عن منكر يقول لك: أنت لست وصيا علي أو على الناس وتجاوز الأمر ووصل إلى بعض الأوامر الشرعية التي يرفضها الناس تحت نفس المبدأ وفي هذا المقال تحقيق وتمحيص لهذه الشبهة ورد عليها

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2293
الخطاب النسوي وإشكالية عمل المرأة | مرابط
النسوية المرأة

الخطاب النسوي وإشكالية عمل المرأة


قرأت مقالا لإحدى النساء تضع فيه مقتطفات من محاضرة للدكتورة هبة رؤوف عزت تذم فيها انشغال النسوة بأعمال البيت المعقدة صناعة المحشي في المثال وتحاكمهن لمجتمع الصحابيات الذي كان مشغولا بالحياة العامة وتضرب الأمثلة على وظائف خير النساء ففلانة خطيبة وفلانة تاجرة وعائشة متعددة الوظائف وهكذا. وقد أحببت أن أكتب ردا بالغ الإيجاز لا تمكث في تحريره ولا تأن في بحثه فليعتبره القارئ مجرد اعتراض مختصر.

بقلم: عمرو عبد العزيز
727
ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا | مرابط
تفريغات

ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا


الإيمان بالإسلام كتابا وسنة هو الذي يوفق أفق المؤمن وعقله وتفكيره والعكس بالعكس تماما لهذا نحن ندعو دائما وأبدا إلى اتباع الكتاب والسنة ليس على طريقة التأويل -هذه الطريقة التي ابتدعها الخلف- وإنما على طريقة التسليم التي سلكها السلف ولذلك نكرر دائما وأبدا: نحن لا ندعو إلى الكتاب والسنة فقط بل إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
618
حين يتشاغل الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

حين يتشاغل الناس


عن أنس بن سيرين قال: بلغنا بالكوفة أن مسروقا كان يفر من الطاعون فأنكر ذلك محمد وقال: انطلق بنا إلى امرأته فلنسألها فدخلنا عليها فسألناها عن ذلك فقالت: كلا والله ما كان يفر ولكنه كان يقول: أيام تشاغل فأحب أن أخلو للعبادة فكان يتنحى فيخلو للعبادة قالت: فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه قالت: وكان يصلي حتى تورم قدماه

بقلم: إبراهيم السكران
315