انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم

انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

879 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

 

نقف وقفة ونسأل: لماذا هذا التباين الرهيب بين ما عليه شباب أمة الإسلام الآن، وبين ما ينبغي أن يكون عليه؟ من المؤكد أن الخطأ لم ينبع من الشباب وحدهم، لكن الخطأ خطأ مركب، فهذه منظومة كاملة حدث فيها نوع كبير من الاضطراب والخلل، أحصي لكم في هذه المحاضرة أربعة أسباب لانهيار مستوى الشباب:

 

غياب التربية الإسلامية الواعية

أولًا: غياب التربية الإسلامية الواعية، التربية أساسًا تكون في البيت والمدرسة، وغياب معنى مراقبة الله عز وجل هو سبب رئيس وراء انهيار مستوى الشباب، من افتقاد قيمة الآخرة، وافتقاد الولاء لهذه العقيدة، إذا لم يكن البيت والمدرسة حريصين على ربط كل سلوكيات الأطفال والشباب بالعقيدة، فهناك خطورة كبيرة جدًا على هوية شباب أمة الإسلام، والطامة الجديدة الكبرى هي إلغاء مادة الدين، رأينا هذا الكلام يحدث في هذا الوقت، استبدلت مادة الدين بمادة القيم والأخلاق، وبذلك توجه كل الأخلاق إلى عموميات لا ترتبط بالله عز وجل ولا بالآخرة، كن صادقًا؛ لأن الصدق شيء جميل، نعم هذا معنى، ولكن أعظم منه: كن صادقًا؛ لأن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، اكفل يتيمًا؛ لأن المجتمع يجب أن يتعاون، نعم هذا جميل، ولكن أجمل منه: اكفل يتيمًا لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى)، وهكذا كل القيم والأخلاق إن لم ترتبط بالآخرة وبرضا الله عز وجل؛ فسيحدث لها مثل ما يحدث في كل المناهج العلمانية، إذا اختفى الرقيب ضاعت الأخلاق، ما أسهل الزنا في أمريكا، ما أسهل القتل في أمريكا، ما أسهل شرب الخمر في أمريكا، ما أسهل قتل الشعوب وسفك الدماء ونهب الثروات في أمريكا، أهذا ما تريدونه للشباب، أم من الأفضل أن يرتبط بمن يغير ولا يتغير سبحانه وتعالى، وأن يرتبط بالنعيم الذي لا يزول أبدًا، بدلًا من أن يكون أقصى أحلامه أن يستمتع سنوات معدودات ثم يموت ويفنى؟!

غياب التربية الإسلامية الواعية في البيت والمدرسة من أهم وسائل تحطيم شباب أمة الإسلام.

 

غياب القدوة الصالحة

ثانيًا: غياب القدوة الصالحة، قاعدة: ليس هناك تربية بغير قدوة، كيف يمكن للأب أن يأمر أولاده بعدم شرب السجائر والسجارة لا تفارق يده، أو بحسن معاملة الجار وهو في شجار دائم معه، أو بحفظ اللسان وهو يتناول كل من حوله بالسباب والشتائم؟!

كيف يمكن للمدرس في المدرسة أن يزرع في الشباب الرحمة وعدم التركيز على المال، وهو يهمل في التدريس في حصة المدرسة، ليستنزف أموالهم بعد ذلك في الدروس الخصوصية؟!

أو كيف يربيهم على الحرص على المال العام، والأمانة في العمل، وهو يهرب من حصص المدرسة؟! كيف يمكن لنظام الأمن في البلاد الإسلامية أن يأمر الشباب بعدم العنف وعدم الإرهاب، بينما هو يتعامل بكل قسوة وعنف وكل إرهاب مع عموم الشعب؟!

غياب القدوة أمر خطير، من هم قدوة شباب أمة الإسلام؟! أتراه فنانًا ماجنًا أقرب إلى النساء منه إلى الرجال؟!ة أتراه لاعبًا أنفق زهرة شبابه في اللعب؟!

أتراه مليونيرًا سرق أموال البلاد والعباد؟!ة أتراه مرتشيًا تسلق على أكتاف الشعب إلى أعلى الدرجات؟! أتراه زعيمًا ماركسيًا أو قائدًا ملحدًا أو أديبًا فاسقًا؟!

أتراه شيوعيًا أم يهوديًا أم هندوسيًا أم بغير ملة؟! أتراه واحدًا من هؤلاء، أم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! كم من شباب أمة الإسلام الآن يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة له؟!

كم من الشباب يقتدي بـالزبير، وطلحة، وسعد، والأرقم، وزيد ؟! كم منهم يقتدي بـأسامة، ومعاذ بن عمرو بن الجموح؟! كم منهم يضع نصب عينيه حياة محمد الفاتح، أو محمد القاسم، أو صلاح الدين، أو عبد الرحمن الناصر رحمهم الله جميعًا؟

يا شباب الأمة أفيقوا! خلف من تسيرون وإلى أي غاية تريدون الوصول؟ القدوة يا شباب أمة الإسلام.

إذًا: هناك مشكلتان كبيرتان في هذا الوقت: مشكلة غياب التربية الإسلامية الواعية، ومشكلة غياب القدوة الصالحة.

 

الإحباط النفسي

ثالثًا: الإحباط الذي انتاب الشباب نتيجة التردي في حال الأمة الإسلامية، من الناحية السياسة، والعسكرية، والاقتصادية، والعلمية، بل والأخلاقية، فالشاب يشعر أنه لا فائدة ولا أمل؛ لأن الفجوة هائلة بيننا وبين معظم شعوب الأرض، هائلة بيننا وبين أمريكا، بيننا وبين أوروبا، بيننا وبين الصين، بيننا وبين اليابان، بيننا وبين الهند، بيننا وبين كوريا الشمالية، يأس وإحباط، ومستحيل مع وجود هذا اليأس أن يشعر الشاب بهويته وبقيمته.

 

الإعلام ودوره في انهيار مستوى الشباب

رابعًا: دور الإعلام في منتهى الخطورة، من زرع الشهوات في النفس، وهذا يحتاج إلى مجاهدة لتصرف هذه الشهوات والطاقات إلى الجهة المشروعة، ومع ذلك تجد أن هناك كوادر لا تحصى هدفها تأجيج هذه الشهوات، وإثارة هذه الفتن، هناك بالفعل نار داخل الشباب، ثم يأتي من يدعي أنه يسعى لإطفاء النار، فيسكب عليها البترول، كبعض الفنانين أو بعض الإعلاميين الذين يتخصصون في الفنون الإباحية والمثيرة، ثم هو يقول: إنه يقدم رسالة تربوية لشباب الأمة، مع أنه يقوم بعمل فيلم أو مسرحية تحض الشباب على الاستهزاء بالمدرسين، وعلى الاستهتار بالآباء والأمهات، أو بعمل فيلم أو مسرحية أو مقال يعلم الشباب أن البنات ليس لهن هم إلا البحث عن الرجال، والرجال ليس لهم هم إلا البحث عن البنات، الخلاعة في الملبس، السوقية في الألفاظ، الإباحية في الحركات، إلى أين نسير يا من بيده الأمر؟

ومع كل ذلك أنا لا أعفي الشباب من المسئولية، فمع غياب التربية، وغياب القدوة، وتردي حالة الأمة، وإباحية الإعلام، إلا أن الشباب ليس مضطرًا أن يضحي بعمره ودنياه وآخرته من أجل أخطاء الآخرين، نعم، موقف الشباب صعب، لكن الإصلاح ليس مستحيلًا، بل هو مطلوب منهم شرعًا، بل هو متحتم عليهم شرعًا: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. المسئولية الفردية يا شباب أمة الإسلام، الحساب يوم القيامة فردي تمامًا: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94].

من أجل هذا أنا أريد من الشباب أن يسمعوا مني الكلام التالي بإنصات وبإخلاص وبصدق، تعالوا نقف وقفة صادقة مع النفس، تعالوا نسأل أنفسنا أسئلة مهمة، ونجاوب عليها بيننا وبين أنفسنا، أخي الشاب أسألك سؤالًا غريبًا جدًا: هل تؤمن بالله؟ هل تؤمن حقيقة بالله؟ إن كانت الإجابة: لا، فالقصة انتهت هنا، وإن كانت الإجابة: نعم، وإن شاء الله هي نعم، فهل تؤمن أنه مطلع عليك ومراقب لك؟ هل تؤمن بطلاقة سمعه وبصره؟ هل تؤمن بعدله، وأنه لا بد أن يجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته؟ هل تؤمن بحكمته؟ إن كنت تؤمن بحكمته فلا بد أنك تعرف لماذا خلقك؟ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، هل خلقنا الله عز وجل للمتعة، وللسهر، وللانبساط؟ هل خلقنا الله لجمع المال وكنز الثروات؟ هل خلقنا الله للصراع والتشاحن والتقاتل؟ هل خلقنا الله دون غاية؟

اسمع إلى كلام الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، أنا عارف أنك تعرف الآية، وأنك قد سمعتها كثيرًا، لكن يا ترى ما معنى العبادة؟ لا تظن أن معنى العبادة هي الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج فقط، لا، هذا جزء من العبادة، العبادة هي قول الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، كل شيء في حياتك لله عز وجل، صلاتك وصيامك لله عز وجل، عملك لله عز وجل، مالك لله عز وجل، علاقاتك لله عز وجل، سلطاتك لله عز وجل، شبابك وهرمك لله عز وجل، صحتك وعافيتك لله عز وجل، كل ذرة في حياتك، وكل لحظة في عمرك لله عز وجل حتى الموت يكون في سبيل الله عز وجل، هذا هو مفهوم العبادة: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، حياة كاملة منذ التكليف إلى الممات لله عز وجل.

يا ترى يا شباب أمة الإسلام هل أنتم تعبدون الله بهذه الصورة؟! يا ترى يا شاب أمة الإسلام كم ستعيشون؟! هل تضمن أن تعيش عشر سنوات في المستقبل، أو سنة واحدة في المستقبل، أو حتى دقيقة واحدة من هذا الوقت؟!

كم شباب في السنة الماضية انتهت أعمارهم وأغلقت صفحات حياتهم، وأصبحوا في باطن الأرض بدلًا من ظهرها؟ كثير، وإذا كان الموت يأتي بغتة وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [الأعراف:34]، إذا كان ذلك أليس من الحكمة ألا نضيع وقتًا ولا جهدًا ولا فكرًا في أشياء تزول ونترك الذي يبقى؟ وحتى إن لم تمت أليست الأيام والشهور والسنوات الضائعة خسارة؟!

أليست خسارة أن تأتي يوم القيامة فتجد أن عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة من عمرك ليس لها وزن، أو في ميزان السيئات؟! يا شباب أمة الإسلام: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى:47].

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #الشباب
اقرأ أيضا
من مقومات المجتمع المسلم: اتباع السنة | مرابط
فكر تفريغات

من مقومات المجتمع المسلم: اتباع السنة


كان السلف الصالح رضوان الله عليهم ينكرون أشد الإنكار على ما ظهر من بدع في أيامهم كما أنكر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه على بدع في التسبيح فعلها بعض القراء ثم لما ظهرت الفرق المبتدعة وتميز أهل السنة رأينا كيف كانت عقوبتها

بقلم: سفر الحوالي
431
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثالث ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثالث ج2


نحن لا نفهم قيمة العلوم الحياتية حقيقة وبالذات الشباب الملتزم الذي له واجهة إسلامية واضحة فهو لا يعطي هذا الأمر قدرا وقد ساهم في ذلك -وللأسف الشديد- بعض علماء المسلمين فبعض علماء المسلمين قديما وإلى الآن يسير على نهجهم البعض صنفوا العلوم إلى علوم شرعية وحياتية إلى علوم دينية ودنيوية أو علوم أخروية ودنيوية فقالوا: علوم الدين كالفقه والتوحيد والتفسير والحديث وما إلى ذلك وقالوا: علوم الدنيا كالطب والهندسة والفلك وغيرها من العلوم فما الذي نتج عن ذلك نتج أن الإنسان الملتزم بدينه يشعر بحرج شديد أ...

بقلم: د راغب السرجاني
695
رسائل من واقع الشباب | مرابط
مقالات

رسائل من واقع الشباب


من يعرف واقع الشباب اليوم وما يحيط بهم من تحديات وفتن وعقبات يدرك أن تمسكهم بالدين واجتنابهم المحرمات وسعيهم لتعلم أمور دينهم وخدمة أمتهم أمر في غاية الصعوبة والشدة والعسر.. وباستحضار ذلك كله فهذه مجموعة من الرسائل والتوصيات.

بقلم: أحمد يوسف السيد
337
الرد على بعض شبهات الصوفية | مرابط
تفريغات

الرد على بعض شبهات الصوفية


قد تجد أهل الباطل والضلال عندهم جميع الإمكانات التي ينشرون بها ضلالهم وتجد أهل الحق ضعافا لا يملكون شيئا ومع ذلك يصل الحق إلى الناس ولا يصل الباطل بالرغم من الإمكانات لأن قوة الحق في كونه حقا بل نقذف كأن الحق قذيفة بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه الأنبياء:18

بقلم: أبو إسحق الحويني
407
أهمية العلم ولزوم الدليل | مرابط
مقالات

أهمية العلم ولزوم الدليل


ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك: إما على خيال صوفي أو قياس فلسفي. أو رأي نفسي. فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدثنا إلا شبهات المتكلمين. وآراء المنحرفين وخيالات المتصوفين وقياس المتفلسفين. ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل. ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة. وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم.

بقلم: ابن القيم
451
أهل العزة | مرابط
اقتباسات وقطوف

أهل العزة


إن العزة قد تكون في الحق فيكون صاحبها عزيزا ولو كان ضعيفا مستضاما لا يذل للخلق ولا يتنازل عن شيء من دينه.. عزيز بعزة الله تعالى لأنه قد شرف بعبوديته له والانتساب لدينه والفخر بإسلامه وتطبيق شريعته ولو سخر منه الساخرون واستهزأ به المنافقون

بقلم: د. إبراهيم بن محمد الحقيل
504