
هناك فكرة جميلة يسمونها في الغرب (اسرق مبدعا)، وليس معنى ذلك أن تسطو على أعماله وتنسبها لنفسك، وإنما معناه أن تقصد إلى نتاج مبدع في مجاله وفنه، وتعكف عليه عكوف المتبتل لا تدير وجهك عنه حتى تتشربه، وتقف عليه وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه حتى تهضمه ويسلس لك قياد أعماله.
وميزة هذه الطريقة أنها تمدك بأفكار ومناهج بحث و تفكير وأسلوب معالجة كبير من حيث تشعر أو لا تشعر، وستجد أنك ستتشرب كثيرا من الأدوات التي كان يستعملها في كتبه ومؤلفاته ومعالجاته، وستصل بك إلى نتائجه نفسها أو قريب منها.
- فإذا كنت شاعرا تصبو إلى النظم وتهفو نفسك إليه فاعكف على ديوان المتنبي أو أحمد شوقي، واقرأه واحفظ منه، وتأمل كيف يصف ويشبه ويري، ثم انسج على منواله.
- وإذا كنت تروم الأدب، فدونك الجاحظ أو الرافعي، تأمل في تراثهما، واقرأه حرفا حرفا حتى تتشربه، وتجري أساليبهما في عروقك.
- وإذا كنت تميل إلى الفقه، وتريد معرفة كيفية الاستدلال الصحيح وبناء الحجج والبراهين وفهم أسرار التشريع؛ فاعمد إلى الشافعي أو ابن تيمية، وتأمل في كتبهم والتقط أنفاسك من بين ثقوبها.
- وإذا كنت أصوليا، فاقصد بحر الجويني أو الغزالي أو ابن دقيق العيد أو الشاطبي، وعبّ من تراثهم عبا.
هذه أمثلة يراد منها تقريب الفكرة، لأن هذا المفهوم يصلح أن يستعمل في شتى مجالات الحياة وفنونها، ولا يقتصر على مجال واحد. وإنك إن فعلت ذلك اختصرت الطريق على نفسك، وقفزت قفزات هائلة فيما تريد.
قال أحمد الزيات في إشارة ذكية له: (لذلك كان من الخير للبادئين من الناشئين أن يطيلوا النظر في مذهب المنتهين من الشيوخ، فإن ذهاب الشباب مذهب الناجحين الناجين؛ أجدى عليهم من اعتساف الطريق أو اختلاط الحيرة).
وقال الرافعي: (وما أرى أحدا يفلح في الكتابة والتأليف إلا إذا حكم على نفسه حكما نافذا بالأشغال الشاقة الأدبية، كما تحكم المحاكم بالأشغال الشاقة البدنية، فاحكم على نفسك بهذه الأشغال سنتين أو ثلاثا في سجن "الجاحظ" أو "ابن المقفع" أو غيرهما).