
"هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ" [آل عمران:138].
هذا البيان الذي جاء من عند الله تعالى ببيان سننه وببيان المعادلة الواضحة بين الحق والباطل، وبيان الفرق الشاسع بين أهل الجنة وأهل النار، بيان أي: إيضاح يحتاج الناس إليه، فهو علم من علم الله تعالى وهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، (هذا بيان للناس).
إقامة الحجة
وهو بيان لجميع الناس من كان مصدقًا منهم ومن كان مكذبًا، فمن كان مصدقا ًفهو حجة له وتثبيت ومن كان مكذبًا كان حجة عليه، وكان دامغًا له بالمعجزة الظاهرة الباهرة، "هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ" [آل عمران:138].
ومع ذلك فإن الحجية التي له تأخذ بألباب أهل الإيمان إذا أراد الله لهم الهداية، ففي هذا القرآن هداية لهم وهذا البيان سبب لهداية كثير من الناس، فالله سبحانه وتعالى يهدي به من شاء من عباده ويضل عنه من شاء منهم، فلهذا قال: "هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران:138].
وعظ المتقين
والهدى إنارة طريق الحق، وهو اسم مصدر الهداية، وهو قسمان: هداية توفيق وهداية إرشاد. فهداية التوفيق: أن يأخذ الله بناصية العبد إلى الخير، وهداية الإرشاد هي أن يقيم عليه الحجة، وأن يريه المحجة ببعثة الرسل وتنزيل الكتب، وهداية الإرشاد مثبتة، أثبت الله القدرة عليها للأنبياء، وهداية التوفيق إلى الله وحده.
وهداية التوفيق هي التي نسألها ربنا في كل ركعة من ركعات صلاتنا: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" [الفاتحة:6]. وهداية الإرشاد هي التي بين الله أنه أعطى ثمود فلم يأخذوا بها: "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى" [فصلت:17].
ولذلك بين الله تعالى قدرة النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الإرشاد فقال: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [الشورى:52]. وبين أنه لا يستطيع هداية التوفيق فقال: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" [القصص:56]، "وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران:138].
هذا البيان أيضًا فيه موعظة للمتقين، والموعظة مفعلة من الوعظ، والوعظ هو تحفيز النفس للطاعة أي: لامتثال الأمر واجتناب النهي، سواء كان ذلك بترقيق القلب أو كان بالترغيب والترهيب، أو كان ببيان الحكم، فالوعظ ثلاثة أقسام إما بترقيق القلب بذكر الموت وذكر الدار الآخرة، وذكر صفات الله سبحانه وتعالى وتمام قدرته.
والقسم الثاني من الوعظ: هو الوعظ ببيان الحكم، أي: ببيان الأحكام، "فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ" [البقرة:275]، أي: جاءه أمر أو نهي من ربه، فهذا النوع يسمى وعظًا أيضًا.
والقسم الثالث: هو الوعظ بالترغيب أو بالترهيب، فكل ذلك أيضًا يشمله الوعظ، فهي ثلاثة أقسام إذًا، فلذلك قال: "وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران:138]. فالموعظة أهلها المنتفعون بها انتفاعًا كاملًا هم أهل الإيمان والتقوى، أما من سواهم فانتفاعهم بها ناقص، ولهذا قال الله تعالى: "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ" [يس:11]. وقال تعالى: "فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا" [الأعلى:9-13].
المصدر:
محاضرة تقويم الله لغزوة أحد، الجزء الأول