تعظيم السلف

تعظيم السلف | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

2209 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الإحداث في دين الله

ينبوع الإحداث في دين الله كله ناشئ بسبب "ضعف تعظيم السلف" في عمق علمهم وكمال ديانتهم، وصحة تدين المرء واهتداؤه في دين الله فرع عن تعظيم السلف واعتقاد كونهم أكمل منا دينًا وعلمًا.

 

تأمل في جمهور الطوائف الكلامية التراثية الضالة كالأشاعرة والماتريدية ونحوهم، تجدهم كلهم يرون أن (كلام السلف أسلم وكلام الخلف أعلم وأحكم)
وتأمل في كلام الطوائف الفكرية المعاصرة كلهم تجد أحسنهم قولًا يقول (تجربة السلف غنية وناجحة لكن لاتلزمنا)
أما فجّار هذه الطوائف فيعتقدون أن السلف "دراويش" !

 

كمال الهداية وكمال العلم

فبالله عليكم كيف تشهد عشرات النصوص القرآنية ومئات الأحاديث النبوية بكمال اهتداء الصحابة، وبخيرية القرون المفضلة، ومع ذلك يكون من بعدهم أبصر بدين الله منهم؟! كيف يكونون أكمل اهتداء لكنهم أجهل من غيرهم؟! كيف يكون هذا في العقل؟!

 

أليس كمال الهداية فرع عن كمال العلم؟! وهل يكون كمال الهداية مع الجهل؟!
حسنًا إذا كان أصحاب رسول الله معلمهم وشيخهم وأستاذهم هو الرسول نفسه الموحى إليه صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون معلموكم أصح من تعليم رسول الله؟! هذا طعن في كمال قيام النبي بأمانة تعليم الكتاب والحكمة.

 

والتابعون معلموهم أصحاب رسول الله، فكيف يكون معلموكم أصح من معلمين تخرجوا على يدي رسول الله؟! وهكذا فيمن بعدهم.

 

من كلام شيخ الإسلام

تأمل في ملاحظة ابن تيمية هذه:

(وإنما يوجد تعظيم السلف عند كل طائفة؛ بقدر استنانها وقلة ابتداعها) الفتاوى 4/156

 

وهذه ملاحظة صحيحة بلا ريب من رجل خبر الطوائف بدقة، فكل طائفة تقترب من الاهتداء في دين الله بقدر قربها من السلف، وتبتعد بقدر بعدها عنهم.
 
وتأمل كيف يلاحظ ابن تيمية أن مؤدى اعتقادهم الحقيقي هو اعتقاد أن السلف كانوا كالدراويش، أو الصالحين من العوام، لكن لم يكونوا في غاية الدقة العلمية، كما يقول في الفتوى الحموية الكبرى:

 

(اعتمدوا على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه، فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي)

 

بالله عليك فتش في كلام الطوائف البدعية التراثية، وفي كلام الطوائف الفكرية الضالة اليوم، تجدهم مطبقين على اعتقاد أن السلف كانوا بمنزلة "صالحي العامة" وليسوا أدق من المعاصرين في تفسير النصوص، بل بعضهم يقول تطورت العلوم الانسانية وصرنا أدق من السلف في فهم النصوص! فصار مؤدى كلامهم أن هؤلاء الذين درسو اللسانيات ونحوها أفقه في معنى القرآن والحديث من أبي بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود، فأي زندقة في دين الله أكثر من ذلك؟!
 
ومن أعجب استدلالات ابن تيمية أنه لما ناقش مقولة ابن سينا التي لمز فيها الصحابة بضعف عقولهم وعظم فيها الفلاسفة حين قال ابن سينا:

(فإن المبرزين المنفقين أيامهم لسرعة الوقوف على المعاني الغامضة يحتاجون في تفهم هذه المعاني إلى فضل وشرح وعبارة فكيف غتم العبرانيين وأهل الوبر من العرب ؟)

 

فرد ابن تيمية على هذه العبارة ردًا مطولًا وفيه شدة، ثم عقب بعد ان انتهى من الرد بأن هذه الشدة إنما كانت في مقابلة هذا التطاول من ابن سينا، ومن أجمل ما في رد ابن تيمية على عبارة ابن سينا هذا الاستدلال حيث يقول:

 

(وكل أحد يعلم أن عقول الصحابة والتابعين وتابعيهم أكمل عقول الناس، واعتبر ذلك بأتباعهم، فإن كنت تشك في ذكاء مثل مالك، و الأوزاعي، والليث بن سعد، و أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل، والشافعي، و أحمد بن حنبل، و إسحاق بن إبراهيم، وأبي عبيد، وإبراهيم الحربي، وعبد الملك بن حبيب الأندلسي، و البخاري، و مسلم، وأبي داود، وعثمان بن سعد الدارمي، بل: ومثل أبي العباس بن سريج، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي القاسم الخرقي، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، وغيرهم من امثالهم، فإن شككت في ذلك: فأنت مفرط في الجهل أو مكابر؛ فانظر خضوع هؤلاء للصحابة، وتعظيمهم لعقلهم وعلمهم، حتى انه لا يجترئ الواحد منهم أن يخالف الواحد من الصحابة، إلا أن يكون قد خالفه صاحب آخر، وقد قال الشافعي في الرسالة "أنهم فوقنا في كل عقل وعلم وفضل ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا) [درء التعارض:5/72-73]

 


 

المصدر:

http://www.saaid.net/Doat/alsakran/21.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #السلف-الصالح
اقرأ أيضا
العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

العلم


مقتطفات متفرقة عن أربعة من العلماء يظهر فيها قدر العلم عندهم وحقيقته التي قد يغفل عنها الكثير من الناس فليس العلم أبدا هو كثرة الرواية أو كثرة الحفظ ولا يكون العلم علما إلا إذا أثمر طاعة وانقيادا إلى الله عز وجل وهربا من الهوى والبدعة وأصحابهما

بقلم: مجموعة علماء
1525
إشكالات حول الحدود الشرعية | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

إشكالات حول الحدود الشرعية


باب الحدود الشرعية من أكثر الأبواب التي تتعرض لهجوم العلمانيين وأعداء الملة والدين على مدار التاريخ ولا تجد حدا من حدود الله إلا وقد أثاروا فيها الخلاف وحاولوا النبش في كل التراث الإسلامي أملا في الوصول إلى رأي يدعم موقفهم وفي هذا المقال نقف أمام حد الرجم والردة وهما من أكثر الحدود تعرضا للنقد

بقلم: أحمد يوسف السيد
2087
من هم التنويريون | مرابط
فكر مناقشات

من هم التنويريون


مراجعة لكتاب: التنوير الإسلامي في المشهد السعودي عبد الوهاب آل غظيف مركز تأصيل الطبعة الأولى 1434ه وهو أول كتاب قدم استعراضا وتحليلا وتقييما علميا لموجة التنوير في السعودية وعرف بها وأهم أفكارها ومقولاتها والتطورات التي لحقت بها خلال الحقبة السابقة وهو كتاب الأخ الشيخ عبد الوهاب آل غظيف بعنوان التنوير الإسلامي في المشهد السعودي الصادر عن مركز تأصيل الطبعة الأولى 1434ه ويقع في 150 صفحة

بقلم: إبراهيم السكران
1218
النساء: مفصل الصراع بين الإسلام والغرب | مرابط
فكر المرأة

النساء: مفصل الصراع بين الإسلام والغرب


يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.. والحقيقة أن المرأة في الأسرة هي بمثابة هذا القلب إذا صلحت صلح أبناؤها وقامت الأسرة وإذا فسدت فسد أبناؤها وانهارت المنظومة الأسرية

بقلم: محمود خطاب
488
العلم أعمال وسرائر وليس أقوالا ومظاهر | مرابط
تفريغات

العلم أعمال وسرائر وليس أقوالا ومظاهر


من هاب الخلق ولم يحترم خلوته بالحق فإنه على قدر مبارزته بالذنوب وعلى مقادير تلك الذنوب يفوح منه ريح الكراهة فتمقته القلوب فإن قل مقدار ما جنى قل ذكر الألسن له بالخير وبقي مجرد تعظيمه وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه

بقلم: إبراهيم الدويش
421
أثر الإيمان في بناء الأمم ج2 | مرابط
تفريغات

أثر الإيمان في بناء الأمم ج2


محاضرة هامة عن عن أثر الإيمان في بناء الأمم والأفراد -والكلام القادم- سيكون عن أسباب انهيار الأمم ولماذا تنهار أمم وشعوب ولماذا تبقى غيرها فالأمر يحتاج إلى وقت طويل ولكن خطورة الأمر وأهميته هي التي تجعلنا نتحدث عنه بما يفتح الله تبارك وتعالى به علينا

بقلم: د سفر الحوالي
438