المؤثرون الذين لا يؤثرون

المؤثرون الذين لا يؤثرون | مرابط

الكاتب: محمد بن سعد العوشن

914 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

مقدمة

ما أعظمها من مصيبة حين يتحول الإيجابيون والمؤثرون وطلبة العلم والدعاة والمستشارون من الإنتاج‏ المعرفي والعلمي، والتطبيق العملي وتحقيق الأهداف، وخدمة المجتمع إلى الاستهلاك فحسب!
 

وحين يتحول هؤلاء الصفوة من البحث عن الدقائق الضائعة؛ طمعا في توظيفها والاستفادة منها إلى إهدار الساعات الطوال على توافه شبكة "الإنترنت"!

وحين يكتفي القادرون على التأثير والتغيير بمجرد المتابعة و"الرتويت" والتفضيل وكتابة تعليق هنا أو هناك!

إنها مصيبة حين يصبح هم الواحد من هؤلاء -الذين آتاهم الله شيئا من العلم أو الفهم أو الوعي- وهجيراه: متابعة "الواتساب" و"السناب" و"تويتر" و"إنستغرام" للإحاطة بـ «ماجريات الشبكة العنكبوتية».

وحين يكون وقت أحدهم الذي يمضيه على جواله أكثر من الوقت المعطى لكتابه وتلاميذه وصلاته وتلاوته وأهله وأهدافه.

وحين يقدم أولئك «القدوات» أنموذجا سيئا، وقدوة غير حسنة في التعامل مع مضيعات الأوقات وترتيب الأولويات والتعامل مع التقنيات.

وحين يتساوى أفاضل القوم وأراذلهم، ويتساوى مثقفوهم وعامتهم في أسلوب التعاطي السلبي والتأثر التبعي بما يتم طرحه في شبكات التواصل.

 

إنها مصيبة حين يظن أولئك أنهم فاعلون ومؤثرون لمجرد كونهم رجع صدى لما يطرحه الآخرون، وردة فعل لمبادرات الغير.

وحين يظن الواحد منهم أن هذه الإضاعة -المجرمة شرعا- هي من باب فقه الواقع أو الاهتمام بأمور المسلمين، وهي لا تعدو أن تكون إدمانا بكل ما للكلمة من معنى، وتطبيقا فعليا لحديث المنهيات الثلاثة (قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) .

وحين يتواطأ هؤلاء على التساكت عن هذا الإدمان الإلكتروني؛ لأنهم واقعون فيه، فيشرعنونه بدلا من أن يعالجوه في أنفسهم وفي غيرهم.

 

 

أيها المباركون:

ما أحوجنا لثورة ضد هذا الإدمان الإلكتروني الخطير، يقودها القدوات التائبون ضد هذا الانسياق السلبي الأعمى مع التقنية والشبكات وما يدور فيها!

وما أحوجنا إلى وضع الأطر والأسيجة والعلامات التحذيرية أمام هذا التعلق والهيام والعشق والذوبان في شبكات التواصل مهما تلبس بلبوس حسن، وبدعوى المكاثرة والمزاحمة!

وما أحوجنا إلى مواصلة الإنكار على هذا الإدمان، وتطوير أدوات الإنكار وتنويع أساليبه، وعدم القبول بالأمر تحت ذريعة «ماعمت به البلوى»!

 

تنويهات لا بد منها:

1- هذا الحديث السابق.. موجه مني إليك أنت -أيها القارئ- شخصيا! وليس لرجل ثالث تتوهم أنني أقصده وأعنيه؛ فإحدى مشكلاتنا: شعور الواحد منا بأن هذا الكلام ينطبق على (أولئك) وليس عليه (هو)، كما تقوله «نظرية الرجل الثالث» في التأثير الإعلامي، والتوهم بأنك أنت تقدم نموذجا للاعتدال والاتزان المزعوم في التعامل مع التقنية، مع أنك في الواقع لست كذلك.

 

2- حذار من أن تعتبر حديثي هذا موجها للأسماء الشهيرة التي ذاع صيتها، من المشايخ والدعاة المعروفين، بل حديثي لك أنت؛ فكم من أدوار ومهام وأعمال تنتظر هبتك، ووقتك، وهمتك، وكم من مساحات من التأثير تحتاج لمثلك كي يقوموا بها، ويؤثروا من خلالها؛ فلم تعد صغيرا على التأثير، ونظرتك لنفسك على أنك لست الشخص المناسب للتأثير، هي مشكلة أخرى تحتاج إلى أن تتعالج منها.

 

3-  إنما يقاس حجم المشكلة بالتفكير في الفرص البديلة؛ فكم من الوقت تمضيه على جوالك؟ وما المهام التي كان بالإمكان إنجازها لو انقطعت شبكة "الإنترنت" لمدة أسبوع عن العالم كله؟

4- أستثني من بعض حديثي هذا من كانت مشاريعهم الدعوية والتعليمية قائمة على توظيف تلك التقنيات لإيصال رسالتهم بشكل جاد ومستمر وممنهج؛ فهؤلاء على ثغر عظيم يمكنهم من خلاله إنقاذ من يمكن إنقاذه، وتوظيف التقنية لخدمة أهدافهم، بدلا من أن توظفهم التقنية لخدمة أهدافها.

 

5- حديثي عن هذه المشكلة لا يعني بحال من الأحوال أنني سالم منها، وأنني الطبيب الذي يصرف وصفات العلاج لمرضاه وهو معافى، بل أنا واحد منكم، أصابني من هذا الداء ما أصابكم، لكنني لم أجد بدا من أن أقوم من بين الصفوف واعظا لنفسي ولأحبتي؛ لكي يتحقق فينا قول الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110]، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)).

 

وما أسعدني برسالة لاحقة منك تبشرني فيها بدخولك مع نفسك في برنامج علاجي فعلي، ووصولك لمرحلة التشافي من هذا الوباء.

دمت مؤثرا فاعلا إيجابيا، وجعلك الله مباركا أينما كنت.

 

وتقبل كل تقديري ومحبتي وودي، واعتذاري و قسوة عبارتي؛ فإنني أرجو أن تكون قد صدرت من قلب محب مشفق.

 

وألقاك على خير.

 


 

المصدر:

موقع الدرر السنية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
مقاييس الجمال وانتحار الفتيات | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

مقاييس الجمال وانتحار الفتيات


لم تتعلم الفتاة من والديها ولا في مدرستها ولا مجتمعها أن قيمتها هي في دينها وجمال خلقها ورجاحة عقلها وطيبة قلبها وهي كلها أمور مكتسبة لا تحتاج معها إلى مساحيق ولا عمليات ولا تزداد مع الأيام إلا جمالا بخلاف جمال المظهر الذي قد يخبو ويذبل

بقلم: د إياد قنيبي
816
الساعة الخامسة والسابعة صباحا | مرابط
تعزيز اليقين

الساعة الخامسة والسابعة صباحا


في الساعة الخامسة صباحا والتي تسبق تقريبا خروج صلاة الفجر عن وقتها تجد طائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر إما تسبح وإما تستاك في طريقها بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لا يزالون في فرشهم بل وبعض البيوت تجد الأم والأب يصلون ويدعون فتيان المنزل وفتياته في سباتهم وما إن تأتي الساعة السابعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج- وبدأ وقت الدراسة والدوام إلا وتتحول الرياض وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار حركة موارة وطرقات تتدافع ومتاجر يرتطم الناس فيه...

بقلم: إبراهيم السكران
1835
أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم | مرابط
تفريغات

أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم


إن المشكلة ليست مشكلة دولة أو مجتمع أو فرد وإنما هي مشكلة أمة كاملة أمة عاشت سنوات تقود غيرها فإذا بها اليوم تقاد أمة رفعت رأسها قرونا فإذا هي اليوم تطأطئ رأسها للشرق وللغرب أمة ظلت دهرا تعلم الناس الخير وتضرب لهم الأمثال في الأخلاق وتأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل فإذا بها بعد أن عرفت طريق الهدى وعرفت به تتبع هذا وذاك وهذه مشكلة خطيرة

بقلم: د راغب السرجاني
825
أصول الانحراف الدرس الأول ج1 | مرابط
تفريغات

أصول الانحراف الدرس الأول ج1


سلسلة ماتعة للدكتور أحمد عبد المنعم تدور حول أصول الضلال أو أصول الانحراف من خلال أصول الوحي نريد أن نتكلم عن الضلال الذي وقع فيه كثير من الناس فالضلال وقع فيه كثير من الناس لماذا ما هي الأصول التي حذر منها القرآن والتي لو وقع فيها الإنسان -في هذه الأصول- ينحرف والعياذ بالله

بقلم: أحمد عبد المنعم
467
الرزق الحلال واستجابة الدعاء | مرابط
اقتباسات وقطوف

الرزق الحلال واستجابة الدعاء


مقتطفات من كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم للإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب رحمه الله وهو من أشهر وأبرز المؤلفات الجامعة لأصول وكليات الدين

بقلم: ابن رجب الحنبلي
509
المرأة في عصر النبوة | مرابط
المرأة

المرأة في عصر النبوة


ولم تكن حياة النساء في العصر الأول كحياتهن في هذا العصر مضطربة حائرة أو متبذلة ساخرة بل كانت إلى الفطرة أقرب وإلى الطهر أدنى. ولم يكن يمنعهن الحياء الذي يتحلين به -والحياء من الإيمان- أن يتفقهن في الدين ويسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عما جهلن منه ولم تكن رعايتهن البالغة بحقوق الزوج والبيت والولد لتحول بينهن وبين المنافسة في الهدى والخير إلى المثوبة والبر ابتغاء رضوان الله ورسوله

بقلم: طه محمد الساكت
295