ولم تكنْ حياة النساء في العصر الأول كحياتهنَّ في هذا العصر، مُضْطربةً حائرة، أو متبذلة ساخرة؛ بل كانت إلى الفطرة أقرب، وإلى الطُّهر أدنى.
ولم يكن يمنعهنَّ الحياء الذي يَتَحَلَّيْنَ به - والحياءُ من الإيمان - أن يتفقَّهن في الدين، ويسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عمَّا جَهِلْنَ منه؛ ولم تكنْ رعايتهنَّ البالغة بحقوق الزوج والبيت والولد، لِتحولَ بينهنَّ وبين المنافسة في الهدى والخير، إلى المثوبة والبر، ابتغاء رضوان الله ورسوله
قُلنَ يومًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، غلبَنا عليك الرجال، فاستأثروا بك، وذهبوا بحديثك، فاخْتَر لنا يومًا من تلقاء نفسك نأتيك فيه، فتعظنا بمواعظ الله، وتعُلِّمنا ممَّا علَّمك الله، فقال: ((موعدكنَّ بيت فلانة))، فاجتمعن فيه.
أدبٌ في الخطاب، وكَرَمٌ في الجواب، وحِرْصٌ على الوفاء، رغبةً في العلم والتعليم، ورجاوة للفقه في الدين، وهذا بعض ما كان منه ومنهنَّ، صلوات الله عليه، ورضوان الله عنهن.
اجتمعن في الموعد المضروب، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدَّثَهُنَّ وعَلَّمَهُنَّ، وتخيَّر من الحديث ما هُنَّ أحوج إليه، وما هو أمسُّ بهنَّ، وأزكى لهنَّ، وكذلك الداعي إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يحدِّث كلَّ أحد بما هو أصلح وأجدر به.
واقتصر أبو سعيد رضي الله عنه على تلك البِشارة العظيمة التي سنذكرها بعدُ، ولم يبيِّن لنا ماذا أمرهُنَّ به في هذا اليوم؟ إما لعنايته بهذه البشارة وجليل شأنها عند الناس ولا سيما النساء، وإما لأنه لم يبلَّغ ما وجَّه إليهنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أمر.
ومن يتتبَّع عظاته للنساء صلوات الله عليه يطمئن إلى أنه أمرهنَّ فيما أمرهنَّ بالصَّدقة، جَبْرًا لنقصهنَّ، وتطهيرًا لقلوبهنَّ، وتكفيرًا لسيئاتهن.
على أنَّ أبا سعيد نفسه هو الذي روى عنه الشيخان أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج في أضحى أو فطر إلى المُصَلَّى فمرَّ على النساء، فقال: ((يا معشر النساء، تَصَدَّقْنَ، فإنِّي أُريتُكُنَّ أكثَرَ أَهل النار))، فقلن: وَبِمَ يا رسولَ الله؟ قال: ((تُكثرن اللعنَ وتكفُرن العشير[1]؛ ما رأيتَ من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ!))، قلن: وما نقصانُ ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تصم؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان دينها)).
وفي رواية لمسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال: ((تصدَّقْنَ فإنَّ أكثركنَّ حَطَبُ جهنم))؛ [فقامت امرأةٌ مِنْ سطة النساء، سفعاءُ الخدَّين، فقالت: لِمَ يا رسول الله]؟ قال: ((لأنكنَّ تُكْثِرنَ الشَّكاة، وتكفرن العشير))[3]، قال: فَجَعَلنَ يَتَصَدَّقْنَ من حُليِّهنَّ، يُلقينَ في ثوب بلال من أقراطِهنَّ[4] وخَوَاتمهنَّ.
ولا يعيبُ المرأةَ أن يكون النقص في أصل تكوينها وخلقها؛ لأنها لا يدَ لها فيه، وإنما هو لحكمةٍ عالية أرادها العليمُ الحكيمُ، ليكتب على الرجل وَلايتها ورعايتها، وبَذْل الجهد في إكرامِها والإحسان إليها؛ ومن أجل ذلك لم يُحمِّلها ما لا طاقة لها به، بل نهاها أن تتعاطى ما لا تُحسنه من كلِّ ما لا يتَّفق مع جِبلَّتها وتكوينها، وقلَّما وَليَتْ أمرًا ليس من شأنها إلا باءت هي وأنصارها بخسران مقيم، وخزيٍ أليم، على أنها إذا تأمَّلت في هذا النقص وجدته من نِعَمِ الله عليها ورحمته بها؛ إذ رفعَ عنها إصْرًا لا تقوم به، وَوِزْرًا لا تحملُه، وقد يُعوِّضُها الله بصالح الأعمال ما تسبق به كثيرًا من الرجال.
المصدر:
شبكة الألوكة