حب الظهور

حب الظهور | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

2511 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

حب الظهور مرض وله مظاهر كثيرة:

 

ذكرنا نقلًا عن الذهبي رحمه الله شيئًا منها، ويدخل فيها الناس الذين يحبون أن يظهروا في المجامع والمحافل وحول المشايخ يقال: من طلاب فلان، ومن طلاب فلان، دون مناسبة، ويظهرون عند مكبرات الصوت، أو يرفعون أصواتهم، ويفعلون حركات استعراضية، وبعضهم عندما تأتي كاميرة تليفزيون لتصور تجد بعض الناس وضع وجهه أمام الكاميرا، ليقال ماذا؟ ليقال: ظهر في التليفزيون، هذا من حب الشهرة، هذا داء يمكن أن يولد للإنسان المهالك.
 
روي أن أعرابيًا بال في ماء زمزم، فقام الناس عليه فأمسكوا به، وقالوا: ما حملك؟ قال: أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعنات، يعني: المهم عنده الصيت، ولذلك هذا المرض الخطير يمكن أن يجعل الإنسان يعمل من البلايا ما الله به عليم، لأجل فقط أن يخرج صيته، يعمل أي شيء، له حاجة أوليس له حاجة، له داع أو ليس له داعٍ، يحرك ساكنًا ويسكن متحركًا المهم أن يخرج صيته أمام الناس.

 

المراءاة والتسميع بالأعمال

 

ولا شك أن هذا المرض يفضي إلى الرياء والسمعة؛ لأن الذي يطلب الصيت والشهرة، سيسمع بأعماله، يقول: والله إني اليوم صليت في الجماعة، وأنا صائم، وجاء والله ذاك اليوم واحد يجمع تبرعات الحمد لله تصدقنا بألف وأعطيناه وكفلنا يتيمًا، ونحن هل رأيت المسجد هذا الذي في الحارة، نحن قائمون فيه من أوله إلى آخره، يسمع بأعماله، ولذلك يقع في التسميع الذي يقول النبي عليه الصلاة والسلام في خطورته: (من سَمَّع، سَمَّع الله به) ماذا يعني سمع الله به؟ جاء في الحديث سمع الله به: مسامع خلقه وصغره وحقره، يعني يوم القيامة: يفضحه على رءوس الأشهاد، جزاء وفاقًا والجزاء من جنس العمل، هو أراد الشهرة في الدنيا، وأراد الصيت، قيل له يوم القيامة: يا منافق يا مرائي على الملأ! فعلت ما فعلت وقلت ما قلت رياءً وسمعةً، فيقال على مسامع الناس يوم القيامة على مشهد من جميع الخلق: هذا المرائي فلان: من سمع في الدنيا بأعماله سمع الله به يوم القيامة فشهر به وجعل ذكره سيئًا في الأولين والآخرين.
 
ويمكن أن يكون هناك عند بعض من يطلب العلم شيء من هذا، عنده دافع طلب العلم من أجل الشهرة، كيف؟ يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله في النار) فهو تعلم لأي شيء؟ ليقعد فيسأل فيجيب، فيقال: الله! فلان عنده جواب، أو ليتصدر فيتكلم ويدرس ويقال: فلان صاحب علم! قد لا يُظهر لنا نحن شيئًا، فنظن أنه إنسان يتكلم بكلامٍ طيب، ما هو الفرق بين إنسان يتقدم ليحمل الأمانة ويعلم الأمة؛ يتعلم العلم لأجل سد الفراغ، فالناس في جهل، والمسلمون يحتاجون إلى علماء وطلبة علم، وبين هذا الرجل المذكور في الحديث؟!
 
الفرق: (إنما الأعمال بالنيات) هذا نيته في التعلم إصلاح نفسه وإصلاح الخلق، أن يعبد الله على بصيرة ويعلم الناس، هذا مأجور مثابٌ على فعله، من ورثة الأنبياء، وهذا تعلم لكي إذا ناقشه عالم يأخذ ويبين له للعلم أنا اطلعت وقرأت كذا وقرأت كذا وعندي خبر من الذي تقوله، أو يماري به السفهاء، يجلس مع الناس ويماريهم ويتشاكس معهم ويتناقش، ويقال: فلان عنده ذخيرة وعنده اطلاع وعنده حصيلة.
 
أو يصرف به وجوه الناس إليه ويتصدر المجالس ويتكلم ويلعلع بصوته قصده الشهرة، والصيت، وقصده أن يرفع من نفسه.
 
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: من طلب العلم لله كان الخمول أحب إليه من التطاول؛ فإذا طلب الإنسان العلم لله فعلًا يكون الخمول عنده أحب إليه من التطاول.

 

تصدر المجالس

 

ومن مظاهر حب الظهور أيضًا تصدر المجالس: العمل لكي يكون مشتهرًا -كما قلنا- بكثرة الكلام والتسميع والتعليق والظهور أمام الملأ وتصدر المجالس، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اتقوا هذه المحاريب) يعني: صدور المجالس؛ فإذا جاء الإنسان يسلم على القوم فعليه أن يجلس حيث انتهى به المجلس، ولا يقيم إنسانًا ويجلس مكانه، أما أن يقول: أنا بصدر المجلس، ما أجلس إلا في صدر المجلس، فهذه المحاريب مذابح، هذه مذابح تذبح الإخلاص وتذبح الدين، وتذبح العلاقة التي تكون بين الإنسان وربه؛ لأنه يجعلها حطامًا محطمة، من أجل أن يكون المكان عنده بين الناس.
 
وكثرة الكتابات والظهور في القنوات المختلفة، ومن مظاهرها الفرح بالمدح وإن كان باطلًا؛ الفرح بالمدح وإن كان باطلًا، هذا موضوع حب الظهور والسعي لنشر ذلك ونشر مناقبه أو ما تكلم الناس به عنه، والتألم لفوات المديح، لو فاته مدح، يتألم، والغضب من النصيحة، هذه من علامات الذين يحبون الظهور والغضب من النصيحة، فلو وجهت له النصيحة جادل وراءى وقال: ليس عندي هذا الكلام الذي تقوله وهذه الصفة والخصلة غير موجودة في نفسي ويدافع عن نفسه بالباطل.

 

افتعال المواقف لإبراز النفس

 

ومن مظاهر حب الشهرة: افتعال المواقف لإبراز النفس، ونسج القصص والخيالات التي تحكي من البطولات المكذوبة ويكثر في كلامهم قول: أنا.. أنا.. أنا.. ولي، عندي مثل ما قال فرعون وهامان وقارون، والمبالغة في وصف مواقفه وسرعة بديهته وذكائه وفطنته وتخلصه ومقدرته، ويقول لك: حصل، ويعطيك أشياء يظهر فيها بطولته ومواقفه ومآثره ومناقبه، أو أنه قد يشترك في عمل مع آخر فينسب الفضل له، ولا يذكر الآخر بشيء، ويستغل في الذكر مع أن فعل غيره ربما يكون أجود من فعله، وربما يكون غيره هو الذي أنقذ الموقف في الحقيقة، لكنه ينسبه إلى نفسه.

 

أن ينسب إليه أعمالًا ليست له

 

ظهر الآن انتحال المؤلفات الذين يسرقون علم السلف أو علم العلماء وينسبونه إلى أنفسهم، ويقول: فلان كذا، ومن الأشياء المضحكة أن بعضهم مثلًا: ينتحل كتابًا لغيره والكاتب هذا يكون قد مات قبل أن يولد صاحبنا؛ صاحب الكتاب الأصلي مات قبل أن يولد صاحبنا المنتحل الذي يريد الشهرة والصيت، والكاتب يقول: ولقيتٌ فلانًا فقال لي كذا وكذا، وهناك من يمسح اسم المؤلف الحقيقي ويضع اسمه، ويصبح عند الناس مضحكة، ويلعنونه يقولون: هذا كذب ووضع اسمه على الكتاب وداخل الكتاب يقول: لقيت فلانًا وهو ولد بعد ما مات صاحب القصة، كيف هذا؟!!
 
وكثير من يسرقون مجهودات الآخرين، فهذا من المرض سرقة مجهودات الآخرين، عملية أو مشروع أو بحث كتاب أو رسالة، سرقة مجهودات الآخرين من قضية حب الشهرة، وحب الصيت، وهؤلاء من صفاتهم أنهم يتحرجون قولة لا أعلم، بل إنه لا يقولها أصلًا كلمة لا أعلم ليست واردة على لسانه.

 

مصاحبة قليلي الخبرة

 

وكذلك من صفاتهم مصاحبة حدثاء السن، قليلي الخبرة والتجربة ليظهر بينهم ويبرز عليهم، ليس غرضه نصحهم وتربيتهم، ليته فعل ذلك وكان قصده ذلك، لكنه قصده يعاشر هؤلاء الصغار حتى يكون بارزًا عليهم ويكون له بينهم شأن.

 

انتقاص الآخرين بقصد رفع نفسه

 

وكذلك من صفات الذي يريد الشهرة: انتقاص الآخرين ليرفع نفسه، ويؤثر أن يبقى من معه على جهلهم ولا يدلهم على من هو أفضل منه، ليبقى دائمًا هو الأفضل في نظرهم ومن سماته: الحسرة إذا منع من الظهور وفاته المجال والمناسبة، فإذا فاتهم المجال بالمناسبة كان يمكن لتصدر وفات عليهم قال: لقد فاتني، يا ليتني كنتُ هناك فأفوز فوزًا عظيمًا، وهؤلاء من سماتهم أيضًا: إضفاء هالات الأهمية الزائفة كادعاء المواعيد الكاذبة والانشغالات التافهة، تجده دائمًا يقول: مشغول.. مشغول... عندي مواعيد أنا غير فاض لك... هذا حاله يريد أن يقول: أنا رجل مهم، عندي مواعيد وانشغالات وهو كذاب ما عنده شيء، يمكن أن يذهب ويختبئ في غرفته ويقفل على نفسه الباب، أو يذهب يلعب ويقول: عندي مواعيد، وعندي انشغالات، فهذا المرض منتشر.
 
أيها الإخوة، هذا من الأمراض الاجتماعية المنتشرة في المجتمع: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، يقول: كنت مع الشيخ فلان، وهو ما كان معه، وحصل لي الموقف الفلاني وهو ما حصل له، ويدعي بطولات زائفة.

 

لبس ملابس الشهرة ومراكبها

 

وكذلك من صفاتهم: أنهم يلبسون ملابس الشهرة، ويركبون مراكب الشهرة.
 
قال شهر بن حوشب رحمه الله: من ركب مشهورًا من الدواب ولبس مشهورًا من الثياب أعرض الله عنه وإن كان كريمًا. قال الذهبي رحمه الله معلقًا: من فعله بذخًا وتيهًا وفخرًا أذله الله، وأعرض عنه، فإن عوتب ووعظ فكابر وادعى أنه ليس بمختال ولا متباهٍ فأعرض عنه فإنه أحمق مغرورٌ بنفسه، هذا لابس ثوب شهرة، وهذا في النساء كثير أن يقال عنها: صاحبة الثوب الفلاني، أو أنهم يعملون حفلة زفاف ما سمع بها الأولون والآخرون ليقال: إن هؤلاء عملوا، ليشتهر ذكرهم بين الناس.
 
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعلن النكاح) لكن ما قال: أسرفوا وابذخوا وارموا الطعام وغالوا في الملابس، والفقراء من المسلمين يموتون من فقرهم، لا. فلذلك هذه قضية الشهرة وأن يذيع صيتٌ بين الناس ويتكلمون عن حفلته وعن وليمته وما حصل فيها.

 


 

المصدر:

  1. https://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=101689#232301
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حب-الظهور
اقرأ أيضا
تصاعد قضية التحرش في البلاد المتحضرة | مرابط
فكر تفريغات المرأة

تصاعد قضية التحرش في البلاد المتحضرة


ماذا عن الفتاة في الجامعة أذكر حين دخلت جامعة هيوستن الأميريكية لإتمام الدكتوراه كيف وزع علينا كتيب فيه إحصائيات منها أن واحدة من كل ثلاث طالبات تتعرض للتحرش وما على الطالبة أن تعمله لتتجنب هذا وإن حصل فعلى أي رقم تتصل والأمر يزداد سوءا والنسب تتضاعف عالميا

بقلم: د إياد قنيبي
526
لئن كان قال ذلك لقد صدق | مرابط
تعزيز اليقين

لئن كان قال ذلك لقد صدق


المتأمل لما قاله أبو بكر رضي الله عنه لئن كان قال ذلك لقد صدق يدرك أن هناك قاعدة تأسس عليها إيمان الصديق رضي الله عنه فهذه العبارة ليست عشوائية ولم تأت اعتباطا لو كان النبي قال كذا فقد صدق إذن أيا كان الذي قاله النبي إنه صادق في كل ما يقول المهم أن يثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ما قال إنه التسليم المطلق للوحي ولمثل هذا كان أبو بكر هو الصديق فالتسليم هو محض الصديقية كما يقول ابن القيم رحمه الله وهذه هي القاعدة التي تأسس عليها إيمان الصديق رضي الله عنه

بقلم: محمود خطاب
949
إشكالية المصطلح النسوي | مرابط
اقتباسات وقطوف النسوية

إشكالية المصطلح النسوي


تظهر إشكالية المصطلح النسوي فيما يتعلق برخاوة الدلالة كحال مصطلح الأدوار النمطية والمقصود به طريقة توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة فهناك ضبابية شديدة في استعمالاته ويستعمل بدون ضبط لدلالاته والسبب في ذلك أنه لا يمكن ضبط دلالته بشكل دقيق

بقلم: د خالد عبد العزيز
802
هل يخشى المسلمون الموت | مرابط
اقتباسات وقطوف

هل يخشى المسلمون الموت


مقتطفات من كتاب وطن الراشدين للكاتب عمرو عبد العزيز وهو من أهم مؤلفات الكاتب ويقدم فيه كما ذكر تصورا مبدأيا عن كليات عدة قضايا معاصرة يتوجب على كل مسلم تكوين تصور عنها مع التزام بإعادة ضبط النغمة السياسية والمجتمعية والمفاهيمية إلى الحالة الأولى لدولة الخلفاء الراشدين العظمى

بقلم: عمرو عبد العزيز
2210
الإسلام الوسطي المعتدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الإسلام الوسطي المعتدل


يتردد على ألسنة كثير من الناس في عصرنا مصطلح الإسلام الوسطي أو الإسلام المعتدل ويقصدون به أننا نتمسك بالإسلام وفق رؤية معتدلة لا غلو فيها ولا تطرف وهذا المعنى من حيث هو ليس محل إشكال فالتمسك بالإسلام باعتدال ونبذ الغلو والتطرف أو التحلل والتفريط مسلك حسن ولا يختلف عليه أحد لكن التعامل مع هذه المقولة لا ينبغي أن يكون بهذه السهولة وأنها مجرد تعبير عن ضرورة التمسك بالإسلام ونبذ الانحراف عنه بالغلو أو الجفاء بل نحن أمام سياقات ومضمرات تتضمنها هذه المقولة لا بد من فحصها وإظهار ما فيها من مشكلات

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2266
لماذا كره السلف علم الكلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

لماذا كره السلف علم الكلام


مقتطف من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية يوضح فيه أن السلف لم يكرهوا علم الكلام بسبب الألفاظ المستحدثة أو المولدة والجديدة فيه وإنما لما تشتمله هذه الألفاظ من المعاني المبطنة والتي تحوي خيرا وشرا وتحوي صوابا موافقا للشريعة وخطأ مضادا للكتاب والسنة

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2041