حب الظهور

حب الظهور | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

2334 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

حب الظهور مرض وله مظاهر كثيرة:

 

ذكرنا نقلًا عن الذهبي رحمه الله شيئًا منها، ويدخل فيها الناس الذين يحبون أن يظهروا في المجامع والمحافل وحول المشايخ يقال: من طلاب فلان، ومن طلاب فلان، دون مناسبة، ويظهرون عند مكبرات الصوت، أو يرفعون أصواتهم، ويفعلون حركات استعراضية، وبعضهم عندما تأتي كاميرة تليفزيون لتصور تجد بعض الناس وضع وجهه أمام الكاميرا، ليقال ماذا؟ ليقال: ظهر في التليفزيون، هذا من حب الشهرة، هذا داء يمكن أن يولد للإنسان المهالك.
 
روي أن أعرابيًا بال في ماء زمزم، فقام الناس عليه فأمسكوا به، وقالوا: ما حملك؟ قال: أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعنات، يعني: المهم عنده الصيت، ولذلك هذا المرض الخطير يمكن أن يجعل الإنسان يعمل من البلايا ما الله به عليم، لأجل فقط أن يخرج صيته، يعمل أي شيء، له حاجة أوليس له حاجة، له داع أو ليس له داعٍ، يحرك ساكنًا ويسكن متحركًا المهم أن يخرج صيته أمام الناس.

 

المراءاة والتسميع بالأعمال

 

ولا شك أن هذا المرض يفضي إلى الرياء والسمعة؛ لأن الذي يطلب الصيت والشهرة، سيسمع بأعماله، يقول: والله إني اليوم صليت في الجماعة، وأنا صائم، وجاء والله ذاك اليوم واحد يجمع تبرعات الحمد لله تصدقنا بألف وأعطيناه وكفلنا يتيمًا، ونحن هل رأيت المسجد هذا الذي في الحارة، نحن قائمون فيه من أوله إلى آخره، يسمع بأعماله، ولذلك يقع في التسميع الذي يقول النبي عليه الصلاة والسلام في خطورته: (من سَمَّع، سَمَّع الله به) ماذا يعني سمع الله به؟ جاء في الحديث سمع الله به: مسامع خلقه وصغره وحقره، يعني يوم القيامة: يفضحه على رءوس الأشهاد، جزاء وفاقًا والجزاء من جنس العمل، هو أراد الشهرة في الدنيا، وأراد الصيت، قيل له يوم القيامة: يا منافق يا مرائي على الملأ! فعلت ما فعلت وقلت ما قلت رياءً وسمعةً، فيقال على مسامع الناس يوم القيامة على مشهد من جميع الخلق: هذا المرائي فلان: من سمع في الدنيا بأعماله سمع الله به يوم القيامة فشهر به وجعل ذكره سيئًا في الأولين والآخرين.
 
ويمكن أن يكون هناك عند بعض من يطلب العلم شيء من هذا، عنده دافع طلب العلم من أجل الشهرة، كيف؟ يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله في النار) فهو تعلم لأي شيء؟ ليقعد فيسأل فيجيب، فيقال: الله! فلان عنده جواب، أو ليتصدر فيتكلم ويدرس ويقال: فلان صاحب علم! قد لا يُظهر لنا نحن شيئًا، فنظن أنه إنسان يتكلم بكلامٍ طيب، ما هو الفرق بين إنسان يتقدم ليحمل الأمانة ويعلم الأمة؛ يتعلم العلم لأجل سد الفراغ، فالناس في جهل، والمسلمون يحتاجون إلى علماء وطلبة علم، وبين هذا الرجل المذكور في الحديث؟!
 
الفرق: (إنما الأعمال بالنيات) هذا نيته في التعلم إصلاح نفسه وإصلاح الخلق، أن يعبد الله على بصيرة ويعلم الناس، هذا مأجور مثابٌ على فعله، من ورثة الأنبياء، وهذا تعلم لكي إذا ناقشه عالم يأخذ ويبين له للعلم أنا اطلعت وقرأت كذا وقرأت كذا وعندي خبر من الذي تقوله، أو يماري به السفهاء، يجلس مع الناس ويماريهم ويتشاكس معهم ويتناقش، ويقال: فلان عنده ذخيرة وعنده اطلاع وعنده حصيلة.
 
أو يصرف به وجوه الناس إليه ويتصدر المجالس ويتكلم ويلعلع بصوته قصده الشهرة، والصيت، وقصده أن يرفع من نفسه.
 
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: من طلب العلم لله كان الخمول أحب إليه من التطاول؛ فإذا طلب الإنسان العلم لله فعلًا يكون الخمول عنده أحب إليه من التطاول.

 

تصدر المجالس

 

ومن مظاهر حب الظهور أيضًا تصدر المجالس: العمل لكي يكون مشتهرًا -كما قلنا- بكثرة الكلام والتسميع والتعليق والظهور أمام الملأ وتصدر المجالس، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اتقوا هذه المحاريب) يعني: صدور المجالس؛ فإذا جاء الإنسان يسلم على القوم فعليه أن يجلس حيث انتهى به المجلس، ولا يقيم إنسانًا ويجلس مكانه، أما أن يقول: أنا بصدر المجلس، ما أجلس إلا في صدر المجلس، فهذه المحاريب مذابح، هذه مذابح تذبح الإخلاص وتذبح الدين، وتذبح العلاقة التي تكون بين الإنسان وربه؛ لأنه يجعلها حطامًا محطمة، من أجل أن يكون المكان عنده بين الناس.
 
وكثرة الكتابات والظهور في القنوات المختلفة، ومن مظاهرها الفرح بالمدح وإن كان باطلًا؛ الفرح بالمدح وإن كان باطلًا، هذا موضوع حب الظهور والسعي لنشر ذلك ونشر مناقبه أو ما تكلم الناس به عنه، والتألم لفوات المديح، لو فاته مدح، يتألم، والغضب من النصيحة، هذه من علامات الذين يحبون الظهور والغضب من النصيحة، فلو وجهت له النصيحة جادل وراءى وقال: ليس عندي هذا الكلام الذي تقوله وهذه الصفة والخصلة غير موجودة في نفسي ويدافع عن نفسه بالباطل.

 

افتعال المواقف لإبراز النفس

 

ومن مظاهر حب الشهرة: افتعال المواقف لإبراز النفس، ونسج القصص والخيالات التي تحكي من البطولات المكذوبة ويكثر في كلامهم قول: أنا.. أنا.. أنا.. ولي، عندي مثل ما قال فرعون وهامان وقارون، والمبالغة في وصف مواقفه وسرعة بديهته وذكائه وفطنته وتخلصه ومقدرته، ويقول لك: حصل، ويعطيك أشياء يظهر فيها بطولته ومواقفه ومآثره ومناقبه، أو أنه قد يشترك في عمل مع آخر فينسب الفضل له، ولا يذكر الآخر بشيء، ويستغل في الذكر مع أن فعل غيره ربما يكون أجود من فعله، وربما يكون غيره هو الذي أنقذ الموقف في الحقيقة، لكنه ينسبه إلى نفسه.

 

أن ينسب إليه أعمالًا ليست له

 

ظهر الآن انتحال المؤلفات الذين يسرقون علم السلف أو علم العلماء وينسبونه إلى أنفسهم، ويقول: فلان كذا، ومن الأشياء المضحكة أن بعضهم مثلًا: ينتحل كتابًا لغيره والكاتب هذا يكون قد مات قبل أن يولد صاحبنا؛ صاحب الكتاب الأصلي مات قبل أن يولد صاحبنا المنتحل الذي يريد الشهرة والصيت، والكاتب يقول: ولقيتٌ فلانًا فقال لي كذا وكذا، وهناك من يمسح اسم المؤلف الحقيقي ويضع اسمه، ويصبح عند الناس مضحكة، ويلعنونه يقولون: هذا كذب ووضع اسمه على الكتاب وداخل الكتاب يقول: لقيت فلانًا وهو ولد بعد ما مات صاحب القصة، كيف هذا؟!!
 
وكثير من يسرقون مجهودات الآخرين، فهذا من المرض سرقة مجهودات الآخرين، عملية أو مشروع أو بحث كتاب أو رسالة، سرقة مجهودات الآخرين من قضية حب الشهرة، وحب الصيت، وهؤلاء من صفاتهم أنهم يتحرجون قولة لا أعلم، بل إنه لا يقولها أصلًا كلمة لا أعلم ليست واردة على لسانه.

 

مصاحبة قليلي الخبرة

 

وكذلك من صفاتهم مصاحبة حدثاء السن، قليلي الخبرة والتجربة ليظهر بينهم ويبرز عليهم، ليس غرضه نصحهم وتربيتهم، ليته فعل ذلك وكان قصده ذلك، لكنه قصده يعاشر هؤلاء الصغار حتى يكون بارزًا عليهم ويكون له بينهم شأن.

 

انتقاص الآخرين بقصد رفع نفسه

 

وكذلك من صفات الذي يريد الشهرة: انتقاص الآخرين ليرفع نفسه، ويؤثر أن يبقى من معه على جهلهم ولا يدلهم على من هو أفضل منه، ليبقى دائمًا هو الأفضل في نظرهم ومن سماته: الحسرة إذا منع من الظهور وفاته المجال والمناسبة، فإذا فاتهم المجال بالمناسبة كان يمكن لتصدر وفات عليهم قال: لقد فاتني، يا ليتني كنتُ هناك فأفوز فوزًا عظيمًا، وهؤلاء من سماتهم أيضًا: إضفاء هالات الأهمية الزائفة كادعاء المواعيد الكاذبة والانشغالات التافهة، تجده دائمًا يقول: مشغول.. مشغول... عندي مواعيد أنا غير فاض لك... هذا حاله يريد أن يقول: أنا رجل مهم، عندي مواعيد وانشغالات وهو كذاب ما عنده شيء، يمكن أن يذهب ويختبئ في غرفته ويقفل على نفسه الباب، أو يذهب يلعب ويقول: عندي مواعيد، وعندي انشغالات، فهذا المرض منتشر.
 
أيها الإخوة، هذا من الأمراض الاجتماعية المنتشرة في المجتمع: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، يقول: كنت مع الشيخ فلان، وهو ما كان معه، وحصل لي الموقف الفلاني وهو ما حصل له، ويدعي بطولات زائفة.

 

لبس ملابس الشهرة ومراكبها

 

وكذلك من صفاتهم: أنهم يلبسون ملابس الشهرة، ويركبون مراكب الشهرة.
 
قال شهر بن حوشب رحمه الله: من ركب مشهورًا من الدواب ولبس مشهورًا من الثياب أعرض الله عنه وإن كان كريمًا. قال الذهبي رحمه الله معلقًا: من فعله بذخًا وتيهًا وفخرًا أذله الله، وأعرض عنه، فإن عوتب ووعظ فكابر وادعى أنه ليس بمختال ولا متباهٍ فأعرض عنه فإنه أحمق مغرورٌ بنفسه، هذا لابس ثوب شهرة، وهذا في النساء كثير أن يقال عنها: صاحبة الثوب الفلاني، أو أنهم يعملون حفلة زفاف ما سمع بها الأولون والآخرون ليقال: إن هؤلاء عملوا، ليشتهر ذكرهم بين الناس.
 
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعلن النكاح) لكن ما قال: أسرفوا وابذخوا وارموا الطعام وغالوا في الملابس، والفقراء من المسلمين يموتون من فقرهم، لا. فلذلك هذه قضية الشهرة وأن يذيع صيتٌ بين الناس ويتكلمون عن حفلته وعن وليمته وما حصل فيها.

 


 

المصدر:

  1. https://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=101689#232301
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حب-الظهور
اقرأ أيضا
النزوع الفطري لقيمة الرحمة | مرابط
تعزيز اليقين

النزوع الفطري لقيمة الرحمة


الناس أسيرة لفكرة الرحمة عندها تعلق غير طبيعي بوجود رب رحيم.. التقي والعاصي المطيع والمتهاون المحسن والمسيء.. لديهم هذا الخوف الفطري من الجزاء الأخروي! هذا النزوع الفطري لقيمة الرحمة والتعلق بها أليس أحد دلائل وجود الله تعالى؟! إذ هي قيمة لا يمكن تصورها إلا بين طرفين هما واهب الرحمة عز وجل ومستحقي الرحمة؟!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
271
عن يوم عرفة | مرابط
تعزيز اليقين

عن يوم عرفة


في هذا اليوم أطل الدعاء والمناجاة اليوم اشك همك وبثك إلى الله أزح الهموم عن كاهليك وفوض أمرك إليه وكن على يقين من الإجابة إما أن يعطيك ما سألت أو يعطيك ما هو خير لك منه والله يعلم وأنتم لا تعلمون وتوسل إلى بابه بكلمة التوحيد كلمة لا يكذبها العمل فعلق قلبك به وحده ولا تطلب غير وجهه ولا تقصد سوى بابه ولا تعدل برضاه شيئا ..

بقلم: كريم حلمي
371
الرد على من قال بمساواة المرأة بالرجل | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

الرد على من قال بمساواة المرأة بالرجل


من الدعوات الهدامة التي انتشرت في بلادنا الإسلامية: دعوة المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء وكان ذلك نتاج تصاعد الموجة الليبرالية والنسوية والتي وصلت إلى بلادنا وتغلغلت في نفوس المسلمين وفي هذا المقتطف من كتاب حكم الجاهلية يرد الشيخ أحمد شاكر على هذه الدعوة

بقلم: أحمد شاكر
1095
براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات

براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة الجزء الأول


شكل المذهب الأشعري منهجا جديدا مختلفا عما كان عليه السلف المتقدمون منذ أول لحظة من ظهوره حيث إن الأشعري اعتمد طريقة ابن كلاب ومنهجه في تأسيس العقائد ومن حين أن ظهر المذهب الأشعري باعتباره مذهبا عقديا له أصول وعقائد خاصة اتخذ منه أئمة أهل السنة والجماعة الذين هم أخبر بمذهب الأئمة المتقدمين وأعلم بمدلولاتها موقفا واضحا وعدوه من الفرق الخارجة عن السنة التي كان عليها الصحابة وتلاميذهم ومن جاء بعدهم من الأئمة المتبوعين نتيجة لما تلبس به من أخطاء منهجية وعقدية وفي هذا المقال يضع الكاتب أمامنا أهم...

بقلم: سلطان العميري
1595
فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة


إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار والمثال السابق يشبه تماما ما لو قال قائل: أعطونا مثالا واحدا على أن أحد الصحابة قال: هذا فاعل وهذا مفعول به وهذا مفعول للتمييز وهذا للحال.. إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة

بقلم: الألباني
578
في القرآن كفاية الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

في القرآن كفاية الجزء الأول


في القرآن كفاية تأتي هذه الشبهة في مقولة تظهر صاحبها في صورة المكتفي بالقرآن مصدرا للحجة والاستدلال فإذا استدللت لحكم شرعي بدليل من السنة النبوية قذف بهذه المقولة في وجهك مدعيا كفاية القرآن في إقامة الدين دون الحاجة لمصدر آخر وقد يعضد صاحب هذه المقولة مقولته ببعض الأدلة القرآنية كمثل قوله تعالى: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء أو قوله سبحانه: ما فرطنا في الكتاب من شيء

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2462