حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج2

حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج2 | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

750 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

واستباح هولاكو مدينة الإمام أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعي، واستباح مدينة الرشيد الذي كان يحج عامًا ويجاهد عامًا، والمعتصم الذي سيّر جيشًا من بغداد إلى عمورية لنجدة امرأة مسلمة واحدة صفعها رجل رومي فقط ولم يقتلها.

قتل هولاكو عليه لعنة الله من أهل بغداد ألف ألف مسلم أو يزيدون، ما بين رجال ونساء وأطفال، حرب إبادة جماعية هائلة رهيبة، مأساة من أشد مآسي التاريخ ضراوة، ووجد جندي أربعين طفلًا حديثي الولادة في شارع جانبي من شوارع بغداد، قد قتلت أمهاتهم جميعًا فقتلهم في عنف وبشاعة وقلوب أشد قسوة من الحجارة.

واستمر القتل في المدينة أربعين يومًا، لا يرفع فيها مسلم سيفًا؛ لأنه يعتقد أن التتار لا يهزمون لا يجرحون، بل لا يموتون، فما الفائدة من بذل الجهد في المقاومة؟ نساء التتار يقتلن رجال المسلمين، إذا نادت تترية على مسلم قف! وقف وقد تيبست قدمه في الأرض، حتى يأتي التتري ويقتله ذلة وخزيًا وعارًا.

اتجه التتار إلى كنوز العباسيين واستخرجوا كنوز السنين، وقد يفهم هذا، ولكن الذي لا يفهم أنهم اتجهوا بعد ذلك إلى مكتبة بغداد، فأخرجوا الكتب منها وألقوا بها جميعًا في نهر دجلة، مئات الألوف من العلوم الثمينة التي لا تقدر بثمن، تخيل هذا الكم الضخم من تراث الحضارة والمدنية والإنسانية يلقى بها بهذه الصورة في نهر دجلة، حتى تلون لون النهر إلى اللون الأسود، تدمير لكل ما هو حضاري.

مثل ذلك فعل الصليبيون الأسبان بمكتبة قرطبة، حين أحرقوا كل كتبها لما سقطت قرطبة، حروب إبادة لكل ما هو حضاري أو مفيد للإنسانية، كل هذا وما زال هولاكو يقول: إنه ما جاء إلى هذا المكان إلا لإرساء قواعد الأمن والعدل والحرية.

وبعد أربعين يومًا وقف القتل في المدينة، وقد تناثرت الجثث المتعفنة في شوارع حضارة الإسلام، وأعلن هولاكو أمنًا حقيقيًا؛ ليخرج المختبئون من المسلمين؛ ليرفعوا الجثث بعد أن انتشرت الأوبئة، فخرج الذين كانوا مختبئين في الخنادق، والذين كانوا مختبئين في الديار المهجورة، والذين كانوا مختبئين في المقابر، خرجوا جميعًا للمدينة المدمرة بغداد يرفعون جثث أهلهم وذويهم.

وانسحب هولاكو بجيشه خارج المدينة لتجنب الأوبئة.

وقتل هولاكو الخليفة المستعصم بالله ، ووضع على رأس الحكم في بغداد الوزير العلقمي الشيعي، وجعل معه مستشارين من التتار، أو قل: جعل معه مراقبين من التتار، وأغدق هولاكو بالهدايا على البطريرك ماكيكا وأعطاه قصرًا من قصور الخلافة، وسقطت بغداد بعد أن فتحت بالإسلام منذ أكثر من (640) سنة، على يد الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

ودب الرعب في أوصال العالم الإسلامي بأسره، وفقد معظم المسلمين الأمل في قيامه، وظهر اعتقاد عجيب في تلك الآونة، وهو أن هذا الأمر من علامات الساعة القريبة جدًا، وأن المهدي سينزل قريبًا جدًا، وشعر الناس أنهم لا طاقة لهم بـهولاكو وجنوده، فأرادوا النصر عن طريق معجزة، فإما أن يخسف بجيش التتار، وإما أن ينتظروا المهدي فينتصر على التتار، أما أن يتحرك المسلمون بدون المهدي فهذا أمر محال، هزيمة نفسية بشعة وغياب كامل للوعي الإسلامي الصحيح.

وكان سقوط بغداد متزامنًا مع سقوط قرطبة وإشبيلية في الأندلس، فإن قرطبة سقطت سنة (636هـ) قبل بغداد بعشرين سنة، وإشبيلية سقطت سنة (646هـ) قبل بغداد بعشر سنين، وها هي بغداد تسقط في صفر سنة (656هـ).

 

ولاء ملوك الشام وشمال العراق والأناضول لهولاكو بعد سقوط بغداد

أما ملوك الشام وشمال العراق والأناضول من المسلمين فماذا فعلوا؟ لقد أسرعوا إلى هولاكو يقدمون فروض الولاء والطاعة، الأمير بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل، والأمير فيكاوس الثاني، والأمير قلج أرسلان من منطقة الأناضول، والأمير الناصر يوسف أمير حلب ودمشق حفيد صلاح الدين الأيوبي، أرسل ابنه العزيز ليكون في صف هولاكو، والأمير الأشرف الأيوبي كل أمراء الشام فعلوا ذلك إلا القليل، كل أمراء الشام سلموا أنفسهم لـهولاكو ؛ ليظلوا في أماكنهم، أو على الأقل ليظلوا على قيد الحياة، فهل تركهم هولاكو ؟ أبدًا.

 

اجتياح هولاكو بجيشه بلاد الشام

جاء الدور بعد العراق على سوريا، انطلق هولاكو بجيشه إلى بلاد حلفائه المسلمين، وبدأ بحلب بلد الناصر يوسف الذي بعث ابنه؛ ليكون في جيش هولاكو ، وأباد هولاكو حلب وقتل أهلها، وذلك في صفر سنة (658هـ) بعد سنتين من سقوط بغداد، ثم انتقل إلى دمشق في سنة (658هـ) أيضًا في ربيع أول بعد أيام من سقوط حلب، وألقى القبض هناك في دمشق على الناصر يوسف الذي كان يعاونه من قبل، ودخل المدينة العظيمة دمشق عاصمة الخلافة الأموية السابقة، وثغر من أعظم ثغور المسلمين، وتقدم صفوف التتار قائد المقدمة التتري كتبغا وهو نصراني في جيش التتار، فتقدم وعن يمينه أمير أرمينيا النصراني وعن يساره أمير أنطاكية النصراني، وأول مرة يشاهد أهل دمشق ملوك النصارى يدخلون أرض دمشق يتبخترون على خيولهم، أول مرة يرون ذلك منذ أن فتحت هذه البلاد على يد أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد رضي الله عنهما أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ودمرت دمشق بكاملها، واستبيحت البلاد وقتل العباد، ودمرت الحضارة الإسلامية في دمشق، كما دمرت قبل ذلك بغداد.
ثم توغل التتار إلى الجنوب إلى فلسطين واحتلوا نابلس، ثم واصلوا تقدمهم إلى غزة واحتلوها، ولم يقتربوا في كل ذلك من الإمارات النصرانية الموجودة في عكا وحيفا وبيت المقدس وصيدا، وأصبح معلومًا لدى الجميع أن الخطوة القادمة هي مصر، كيف كان الوضع في مصر في ذلك الوقت؟

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التتار #الدولة-العباسية
اقرأ أيضا
كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج2


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1078
الإمبريالية كمقولة تحليلية | مرابط
مقالات

الإمبريالية كمقولة تحليلية


من الملاحظ أن البلاد التي ظهر فيها المجتمع المدني هي أساسا البلاد صاحبة المشروع الاستعماري. ولم تنجح ألمانيا في تأسيس مجتمع مدني ربما بسبب إجهاض تجربتها الاستعمارية على يد الدول الاستعمارية الأخرى. ويلاحظ أن معظم بلاد شرق أوربا واتحاد دول الكومنولث المستقلة الاتحاد السوفيتي سابقا دول لا يوجد فيها مجتمع مدني ولا مشروع استعماري أو لم يظهر إلا متأخرا فلم تتم عملية النهب في روسيا القيصرية بشكل منهجي كفء وهو ما جعل المشروع الاستعماري مكلفا بالنسبة لهم. ثم قامت الثورة الاشتراكية وأخذ الاستعمار ال...

بقلم: عبد الوهاب المسيري
569
آثار العالمانية في الغرب: موت العالم والنفع المادي | مرابط
فكر مقالات العالمانية

آثار العالمانية في الغرب: موت العالم والنفع المادي


مثلت العالمانية علامة فارقة في تاريخ الغرب إذ نقلته من عصر السلطان الكنسي إلى عصر سلطان العالم المادي والفجوة بين العصرين هائلة حتى لا يكاد يربط الزمن الأول بالزمان الآخر كثير لكنهما يشتركان في التيه بعيدا عن حقيقة الإنسان وجوهر حاجته إلى ما يروي غلته والنظر عن كثب في حال الغرب المتعلمن في زمن ما بعد الحداثة يكشف أن الآلة الدعائية الخارجية للغرب وآلة التجميل لأقنانه في بلاد المسلمين قد نقلا عن عمد صورة تكاد تكون عديمة الصلة بالعالمانية الغربية وأدوائها القاتلة

بقلم: د سامي عامري
2537
شدة نفور الصحابة رضوان الله عليهم من البدع | مرابط
تفريغات

شدة نفور الصحابة رضوان الله عليهم من البدع


فقد كان إحساس الصحابة بالبدعة ونفورهم منها فوق كل تصور وعندما نعرض بعض النماذج المبتدعة في زمن الصحابة نحن الآن نراها من المستحبات وكانت عندهم من البدع لأن الأمر كما قالت عائشة رضي الله عنها: يا ويح لبيد كيف قال: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب فالذي عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى هذا النور وعاش بعده الزمان الغدر يكون من أشد الناس غربة لذلك فمحنة الصحابة في المعارك التي حدثت بينهم كانت شديدة كان الواحد منهم مع أخيه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم إخوة متحابين لا مشاكل...

بقلم: أبو إسحق الحويني
929
الثمار المرة لدعاة تحرير المرأة | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر المرأة

الثمار المرة لدعاة تحرير المرأة


ما زال دعاة تحرير المرأة في بلادنا ينعقون بضرورة تخليص المرأة المسلمة من قيود العادات والتقاليد -على حد زعمهم- ولم يسلم الدين من هذه الدعاوى ضاربين المثل بالمرأة الغربية وكيف أنها استطاعت تحقيق ذاتها وإثبات شخصيتها والحصول على حقوقها بخروجها من بيتها ومنافسة الرجل في كافة الميادين وهم في كل هذا متغافلين عن ذكر الواقع المرير الذي تعيشه المرأة في البلاد الغربية في هذا المقال رد على دعاة تحرير المرأة واستعراض للواقع الحقيقي

بقلم: منى الشريف
2028
حكم الأنام إذا عمهم الحرام | مرابط
اقتباسات وقطوف

حكم الأنام إذا عمهم الحرام


مقتطف هام لإمام الحرمين أبو المعالي الجويني من كتاب غياث الأمم في التياث الظلم يتحدث فيه عن حكم الأنام إذا عمهم الحرام هل يؤول الأمر إلى المساواة بينهم وبين حكم المضطر في تعاطي الميتة وما مآلات هذا القول إذا طبق بشكل عملي في الواقع

بقلم: أبو المعالي الجويني
2039