
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل سمعت سابقا عن دين الكوكتال، إذا لم تسمع هذا الاسم من قبل، فاعلم أنك تعيش عصره.. قد تقول: ما دين الكوكتال، أقول لك: سيجيبك علماء الاجتماع أنه تدين انتشر في الغرب، يختار فيه المتدين من دين أجداده أو دين بلاده ما يوافق مزاجه ويرضي الثقافة الغالبة في عصره، هو دين لا يلتزم أحكام كتاب مقدس أو منزل، ولا عقائد مذهب ولا إرث أمة.. هو دين يُخضع العقيدة إلى المذاق الخاص والمزاج العام، وقد ذكرت بعض هذا الأمر في عجالة، في كتاب العالمانية طاعون العصر.. ببيان ما عليه تدين اليوم في أوروبا، ودعني أقرأ لك سريعًا ما في الصفحة 273 في هذه الصفحة هناك سبر ذكره جريف دايفي، في مقالته "أوروبا، الاستثناء الذي يثبت القاعدة".. ذكر فيه أمر هام جدًا، يتعلق بالتدين الأوروبي اليوم على الصورة التي تتعقب العقائد الكبرى، ثم يقول: نسبة الأوروبيين الذين يؤمنون بهذه العقيدة... والأصل أن يكون هؤلاء إذا آمنوا بالنصرانية أن تكون أصول النصرانية كلها على نفس النسبة يعني مثلا 70% يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويؤمنون بالجنة والنار وغير ذلك.. لكن الأمر مختلف.. إنه دين الكوكتال.
النسبة في أوروبا عامة، المعدل الأوروبي، الإيمان بالله 70% الإيمان بالروح بعد الموت 61%، الإيمان بالجنة 41%، الإيمان بالشيطان 25%، جهنم 23%، لاحظ الأرقام تنزل، هناك ضعف شديد في الإيمان بالغيب، وهناك ملاحظة كبيرة جدًا هي أن الأمور التي تتعلق بسلطان الله في العقوبة والجزاء، تنخفض النسبة بشكل كبير لأنه في دين الإنسانوية الإنسان هو المركز، ولا سلطان لإله حتى يُعطي ويمنع ويخفض ويرفع -عياذا بالله من هذه العقائد الخربة-
لو ذهبنا إلى التفاصيل ستجد في بلجيكا مثلا 63% من البلجيكيين يؤمنون بالله، 52% يؤمنون بالروح بعد الموت، 30% يؤمنون بالجنة، 17% يؤمنون بالشيطان، 15% يؤمنون بجهنم.
فرنسا 57% يؤمنون بالله، 50% يؤمنون بالروح بعد الموت، 30% الجنة، 19% الشيطان، 16% جهنم.. ولو ذهبنا إلى إيطاليا باعتبارها دولة متدينة مقارنة بفرنسا، تجد نسبة عالية 83% يؤمنون بالله، 67% يؤمنون بالروح بعد الموت، 45% الجنة، 35% الشيطان، 35% جهنم، 44% القيام بعد الموت.
لو ذهبنا إلى هولندا 61% يؤمنون بالله، 63% يؤمنون بالروح بعد الموت، 34% الجنة، 17% الشيطان، 14% جهنم.. طبعا أكبر تشابه عقدي تجده في السويد.. هناك 15% فقط يؤمنون بالله، ثم ترتفع النسبة فيما يتعلق بالحياة بعد الموت، إذ تجد 59% يؤمنون بذلك.. لاحظ ارتفاع الرقم، 12% يؤمنون بالجنة، 9% يؤمنون بالشيطان، 3% يؤمنون بجهنم.. لذلك ستجد في السويد قضية قتل الرحمة، يعني الشخص يشيخ أو يكبر في السن، ثم يطلب من الدولة أن تعينه على قتل نفسه.
هذا هو ما أدى إلى ظهور ما يعرف بظاهرة "الروحيون غير المتدينين" يعني التدين خارج المؤسسة الدينية، الآن هل تعتقد أن لدين الكوكتيل وجود في بلاد المسلمين؟ أو لنقل في البلاد العربية حتى يكون حديثنا عن أمرن نعرفه.. ولا نستبعد أن يكون هذا النمط هو السائد في العالم الإسلامي كله باعتبار أن العالم كله أصبح متقاربا جدًا .. من الواضح أن دين الكوكتال في انتشار وتمدد، وإن كان قد يتلبس بدين الكوكتال أيضًا متشدد لا يرى ولا يعتبر ما في هذا الدين من رحمة.
دين الكوكتال.. قد تأخذ منه الولاء وتترك البراء، وربما تترك الولاء والبراء على أساس التوحيد، لتوالي وتعادي على أساس العرق أو الأرض أو الوطن أو المزاج الليبرالي.. دين الكوكتال قد تأخذ منه الصوم وتترك الصلاة، وربما تترك الصوم والصلاة، هو دين قد تأخذ منه الحجاب وتترك حرمة الاختلاط، وربما تترك الحجاب وتقبل الاختلاط.. هو تدين يبيح لك أن تدخل المشركين الجنة بل يبيح لك أن تنفي الشرك عن المشركين أصلا .. هو تدين يجعل ذوق الفرد والجماعة فوق حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هو تدين ليس فيه من الدين شيء، ﻷن الدين هو الاستسلام لله سبحانه وتعالى، تصديقًا والتزاما، هو تدين أدانه الله سبحانه في قوله "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"
هذه تذكرة حتى لا تكون فتنة، فالفتنة أن يكون بعض الدين لله وبعضه للأهواء.