شبهة: المدة الزمنية لخلق السماوات والأرض بين العلم والقرآن

شبهة: المدة الزمنية لخلق السماوات والأرض بين العلم والقرآن | مرابط

الكاتب: محمد عمارة

1259 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أصل الشبهة:

توضح كثير من سور القرآن أن السموات والأرض قد خلقت في ستة أيام. وهنا مشكلتان؛ الأولى انه من الثابت علميًا أن خلق السموات والأرض قد استغرق بلايين السنين، والثانية: أنه في التعبير القرآني نفسه كانت مدة الخلق ثمانية أيام بدلًا من ستة (41: 9-12).. فكيف يمكن التوفيق بين هذه الآيات؟

 

الجواب:

في كثير من السور القرآنية تتحدث آيات كثيرة عن خلق الله، سبحانه وتعالى، السموات والأرض وتقدير ما فيهما في ستة أيام.. ومن هذه الآيات:

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (الأعراف: 54 - ويونس: 3).
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (هود: 7).
{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (الفرقان: 59).
{) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (السجدة: 4).
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (ق: 38).
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (الحديد: 4).

 

المدى الزمني لليوم

وليس هناك تعارض بين تحديد زمن الخلق للسموات والأرض في ستة ايام، وبين ما يراه العلم من استغراق ذلك الخلق بلايين السنين، ذلك أن المدى الزمني "لليوم" عند الله، سبحانه وتعالى، ليس هو المدى الزمني القصير "لليوم" في العرف والتقويم الذي تعارف عليه الإنسان في هذه الحياة الدنيا.. وفي القرآن آيات شاهدة على ذلك، منها:

{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّه - (لم يتغير) -ْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا - (أي نرفعها من الأرض لنؤلفها) - ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 259). فبعض اليوم، في حساب الإنسان - هنا - بلغ مائة عام.. أي قرابة 37000 يوم!

وكذلك الحال في قصة أهل الكهف.. فما حسبوه يومًا أو بعض يوم قد بلغ ثلثمائة عام بالتقويم الشمسي وثلثمائة وتسعة أعوام بالتقيم القمري.. {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} (الكهف: 19).. {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} (الكهف: 25-26).

وكذلك الحال يوم ينفخ في الصور - يوم البعث - يحسب بعض المجرمين أن مكثهم في الدنيا لم يتجاوز عشر ليال.. بينما يحسب آخرون منهم أن مكثهم لم يتعد اليوم الواحد: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} (طه: 102-104).

أما عند الله، سبحانه وتعالى، فإن لمصطلح "اليوم" مدى لا يعلم حقيقة طوله وأمده إلا هو: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (الحج: 47).

 

قياس الزمن

والآية لا تحدده بألف سنة مما نعد نحن في تقويمنا.. وإنما تستخدم أداة التشبيه - الكاف - (كألف) - ليظل المدى غير معلوم لنا في هذه الحياة.. وغير ممكن التحديد بوحداتنا نحن في القياس الزمني.. فيوم الدين - الجزاء -.. وأيام الله.. والأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض.. مداها - بمقاييس أيامنا نحن - لا يعلمها إلا الله، سبحانه وتعالى..

ثم إن ما اكتشفه العلم من سرعات للصوت.. وسرعات للضوء.. وزمن الضوء - سنة ضوئية - يجعل تفاوت واختلاف المفاهيم والمقاييس لمصطلح "اليوم" أمرًا مقررًا ومألوفًا..

هذا عن المشكلة الأولى من مشكلتي السؤال..

 

ثمانية أيام أم ستة أيام؟

أما المشكلة الثانية - من مشكلتي السؤال - والخاصة بحديث بعض الآيات القرآنية عن أن الخلق للسموات والأرض قد يفهم أنه استغرق ثمانية أيام، وليس ستة أيام.. - وهي آيات سورة فصلت: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (فصلت: 9-12).

هذه "المشكلة" لا وجود لها: فليس هناك تناقض ولا تفاوت بين المدة الزمنية التي جاءت في هذه الآيات وبين الآيات الأخرى التي ورد فيها تحديد الأيام الستة..

ففي هذه الآيات - من سورة فصلت - نجد أن الله، سبحانه وتعالى،يخبرنا بأنه: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ثم {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} في تمام {أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ}.. أي في يومين آخرين يضافان إلى اليومين اللذين خلق فيهما الأرض، فيكون المجموع أربعة أيام.. وليس واردًا أن يكون خلق الرواسي وتقدير الأقوات قد استغرق أربعة أيام.

ولعل من توهم الشبهة - التي جاءت في السؤال - قد أتت من هناك..

أي من توهم إضافة أربعة أيام إلى اليومين اللذين خلقت فيهما الأرض، فيكون المجموع ستة.. وإذا أضيف إليها اليومان اللذان خلقت فيهما السماء - {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} - يكون المجموع ثمانية أيام، وليس ستة أيام.. لكن إزالة هذه الشبهة متحققة بإزالة هذا الوهم.. فالأرض خلقت في يومين.. وخلق الرواسي وتقدير الأقوات قد استغرق ما تمم اليومين أربعة أيام.. أي استغرق هو الآخر يومين.. ثم استغرق خلق السموات السبع يومين.. فكان المجموع ستة أيام من أيام الله سبحانه وتعالى..

ولقد نبه المفسرون على هذه الحقيقة - المزيلة لهذا الوهم - فقال القرطبي:

" (أربعة أيام) يعني في تتمة أربعة أيام. ومثاله قول القائل: خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما؛ أي في تتمة خمسة عشر يوما." (1)

" «في أيام أربعة سواء» فذلكة لمدة خلق الله الأرض وما فيها كأنه قال: كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان.... وقال الزجاج: في أربعة أيام في تتمة أربعة أيام يريد بالتتمة اليومين." (3)

فهذه الآيات من سورة فصلت تؤكد - هي الأخرى - على أن خلق السموات والأرض إنما تم في ستة أيام.. ومن ثم فلا تناقض بين آيات القرآن ولا تفاوت في مدة الخلق الإلهي للسموات والأرض.. وحاشا أن يكون شئ من ذلك في الذكر الحكيم.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. (الجامع لأحكام القرآن) ج15 ص343، مصدر سابق.
  2. الفذلكة: جملة ما فصل وخلاصته.
  3. (الكشاف) ج3 ص 444، مصدر سابق.

 

المصدر:

محمد عمارة، شبهات حول القرآن الكريم، ص6

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-حول-القرآن
اقرأ أيضا
قاسم أمين وتحرير المرأة | مرابط
تفريغات المرأة

قاسم أمين وتحرير المرأة


إن قضية تحرير المرأة التي تولى كبرها قاسم أمين قضية لها شأن وتستحق أن نقف عندها بعض الوقت لما قرأت مذكرات قاسم أمين ومذكرات سعد زغلول لأن سعد زغلول هو الذي شجع قاسم أمين وقاسم أمين شاب يشع الذكاء من عينيه ذهب إلى فرنسا وأعداؤنا يصطادون المواهب من أمتنا ولا يتصرفون بطريقة تلقائية أو عشوائية كما يظن السذج يعني: مثلا: مسألة الدجاج المذبوح أو المقتول جاء بعض الناس وقال: إنهم يقتلون الدجاج ولا يذبحونها لماذا قال: لأن نسبة من الدم يتجمد في العروق فمع ملايين الدجاج المقتول وتجمد الدم فيها يزداد ال

بقلم: أبو إسحق الحويني
598
من يمتلك الحقيقة | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

من يمتلك الحقيقة


بين النبي صلى الله عليه وسلم للناس ما يجب عليهم اعتقاده كما بين لهم ما يجب عليهم عمله أو تركه ولم يجعل الله تعالى أمور الاعتقاد موكولة للآراء فإنها لا تجمع على شيء في قضايا الاعتقاد ألسنا نرى أن استحسانات بعض الناس قادتهم إلى عبادة الفأر و البقر والحجر والشمس والقمر كما أن آراء أخرى جعلت أصحابها يعتقدون أن دفع الضر مرتبط بخيط يحيط معصم الإنسان

بقلم: أحمد يوسف السيد
2052
ما هو البديل ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ما هو البديل ج2


سؤال ما هو البديل هو أحد أشهر الأسئلة التي ترد عند الاحتساب على منكر معين فيأتي حينها المطالبة بإيجاد بديل مناسب يحل محل المنكر الذي ينهى عنه وهو سؤال مشروع وإيجابي في الجملة ولكن في أغلب الأحيان ينطوي على إشكاليات كثيرة وأباطيل لا بد من الوقوف عليها وهذا ما يقدمه المقال الذي بين يديكم

بقلم: فهد بن صالح العجلان وعبد الله بن صالح العجيري
999
رد الإمام أحمد على الحلولية | مرابط
اقتباسات وقطوف

رد الإمام أحمد على الحلولية


مقتطف من كلام الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أثناء رده على الحلولية حينما زعموا أن الله في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان ونتعلم هنا كيف يلزمهم بلوازم تفضي كلها إلى نتائج محددة ونستقي من كلامه أسلوب المناظرة والمحاورة لأهل الفرق الضالة الأخرى

بقلم: أحمد بن حنبل
2044
كن طبيبا لنفسك | مرابط
اقتباسات وقطوف

كن طبيبا لنفسك


اعلموا أنه من لم يحسن أن يكون طبيبا لنفسه لم يصلح أن يكون طبيبا لنفس غيره ومن لم يحسن أن يؤدب نفسه لم يحسن أن يؤدب نفس غيره. واعلموا أن من لم يعرف ما لله عزوجل عليه في نفسه مما أمر به ونهاه عنه ولم يأخذ نفسه بعلم ذلك كيف يصلح أن يؤدب زوجته وولده وقد أخذ الله عزوجل عليه تعليمهم ما جهلوه؟! وما أسوأ حال من توانى عن تأديب نفسه ورياضتها بالعلم وما أحسن حال من عني بتأديب نفسه وعلم ما أمره الله عزوجل به وما نهاه عنه وصبر على مخالفة نفسه واستعان بالله العلي العظيم.

بقلم: الآجري
184
الهروب عن النص إليه | مرابط
فكر مقالات

الهروب عن النص إليه


إن أردت الظفر بالمعنى والحجة الأكثر حضورا لدى خصوم النص الشرعي في كافة قضاياهم التي يصادمون بها النصوص والأحكام الشرعية فهي - بجدارة - الحجة والبيان القائل: هي مخالفة لفهم معين للنص الشرعي وليست مخالفة لذات النص الشرعي وقد تصاغ بأشكال فنية مختلفة لكن مفعولها إنما يتحرك حين يستشعر أن ثمة تخطيا أو تعديا لنص شرعي ما

بقلم: فهد بن صالح العجلان
687