شرح حديث إذا أنا مت فأحرقوني ج1

شرح حديث إذا أنا مت فأحرقوني ج1 | مرابط

الكاتب: محمد ناصر الدين الألباني

618 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

حديثنا في هذه الليلة يبدأ بالحديث الرابع من باب الترغيب في الخوف وفضله، والحديث صحيح كما سيدلكم تخريجه.

قال المؤلف رحمه الله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا، فلما مات فُعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك. ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك، فغُفر له).

وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مت فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله تعالى له) رواه البخاري و مسلم، ورواه مالك و النسائي بنحوه.

هذا الحديث يتضمن من غرائب الحوادث والوصايا التي كانت تقع في الزمن السابق ما قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يقع فيه من الغرائب والعجائب التي إما أنه لم يعد يقع مثلها بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لحكمةٍ أرادها الله، وإما أنه قد يقع شيء منها ولكن لا يبلغنا خبرها؛ لأنه ليس لنا هناك من يستقصي هذه الأخبار إلا الخالق لأصحابها وأصحاب العلاقات بها، ثم هو يوحي بها إلى نبينا المعصوم عليه الصلاة والسلام، ثم هو يبلغها أمته موعظةً وذكرى.

من أجل ذلك أخرج البخاري و مسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار).

الشاهد هو الفقرة الوسطى من هذا الحديث، ألا وهي قوله عليه السلام: ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) وإن من خير ما يحدث به أحدنا اليوم عن بني إسرائيل هو ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما صحت الأسانيد بذلك عنه عليه الصلاة والسلام.

فهذا الحديث -كما سمعتم- فيه عجيبة من تلك العجائب، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت ) في رواية أخرى: (لم يعمل خيرًا قط) وفي هذه الرواية الأولى استمر في إسرافه على نفسه، وظلمه لها، حتى حضره الموت، أي: لم يكن من أولئك الذين يقضون شطرًا من حياتهم في الإسراف في الفسق والفجور، ثم قبيل وفاتهم يرجعون إلى الله تبارك وتعالى ويتوبون إليه، هذا الإنسان لم يكن كذلك، وإنما استمر في إسرافه وفي ظلمه لنفسه ومعصيته لربه حتى حضره الموت، لكنه لم يكن من أولئك الناس المغرورين الذين يسيئون العمل ثم يرجون من الله تبارك وتعالى المغفرة، هكذا كثير من المسلمين اليوم مع الأسف الشديد، يتواكلون على مغفرة الله عز وجل، ولا يتعاطون من الأعمال الصالحات ما بها يستحقون مغفرة الله تبارك وتعالى.

فهذا الرجل كان معترفًا بتقصيره وبجنايته على نفسه، ومع ذلك فيبدو من هذه القصة العجيبة أنه كان إيمانه لا يزال حيًا في قلبه، وكان لا يزال فيه شيء استحق به أن ينال مغفرة الله تبارك وتعالى، مع أنه سلك سبيلًا ربما لم يسلكه أحدٌ قبله ولا أحدٌ بعده، ذلك أنه أوصى بهذه الوصية الجائرة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (فلما حضره الموت، قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني) ولم يقنع بهذا، ثم قال: (اطحنوني) تصورًا منه أن الحرق قد لا يأتي على عظامه كلها، فيبقى هناك شيء قائم من هذه العظام، فتأكيدًا لما خيل له من وسيلة للنجاة من عذاب الله عز وجل، قال لهم: (اطحنوني) وهذا باعتبار ما كان، كان إنسانًا قويًا، فمات فأمرهم بأن يحرقوه بالنار، ثم أكد لهم ذلك بأن يطحنوه، ثم يأخذوا الحاصل من ذلك الحرق والطحن وهو أن يصبح رميمًا، قال: (ثم ذروني في الريح).

وفي رواية أخرى فيها توضيح كما سمعتم وسيأتي أيضًا: أنه أمر بأن يذَرُّوا، أو يذْروا -روايتان- نصف الرماد هذا في البر ونصفه في البحر، مبالغة في أن يضيع على الله عز وجل في زعمه الضال، قال: (ثم ذروني في الريح) لماذا أوصى بهذه الوصية الجائرة الغريبة؟

حلف وبين فقال: (فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا) أي: من المسرفين على أنفسهم، (فلما مات فعل به) وهنا يظهر نوع من الطاعة من الأولاد للآباء، طاعة متناهية، ولكن يظهر أنه لم يكن عندهم في شرعهم أن مثل هذه الوصية هي وصيةٌ جائرة لا يجوز الإيصاء بها، وإذا ما أوصى بها جائرٌ كهذا فلا يجوز للموصى له أن ينفذها؛ لأنها مخالفة لشريعة الله عز وجل، فتنفيذ هؤلاء الأبناء لوصية أبيهم هذا يحمل على وجه من وجهين:

الأول: أنه ربما لم يكن في شرعهم أن هذا لا يجوز.

الوجه الآخر: أنه إذا كان ذلك في شرعهم فهؤلاء لم يكونوا على علم بذلك، ولذلك بادروا فنفذوا وصية أبيهم هذه.

قال عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث: (فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك) بعد أن تفرقت ذرات هذا الإنسان المحرق بالنار والمذرو في الريح وفي البحر، قال لكل من البحر والأرض اليابسة: اجمعي ذرات فلان، وقال لها: كوني فلانًا، فكانت بشرًا سويًا، فقال سبحانه وتعالى مخاطبًا لهذا الإنسان بعد أن أعاده كما كان: (ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك، فغفر له) وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مت فحرقوه ) انتقل من الخطاب إلى الغائب، قال: (إذا مت فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله تعالى له).

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
عن القوامة والنشوز وضوابط تعامل الزوج معه | مرابط
المرأة

عن القوامة والنشوز وضوابط تعامل الزوج معه


الله جل وعلا قد خلق كل جنس ونوع على وفق مقتضى حكمته البالغة ثم هداه لوظيفته التي تلائم ذلك الخلق ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ومن ذلك أن الله جل وعلا خلق الرجل أقوى جسدا وأجسر قلبا وأشد تحملا للمشاق وأحسن تدبيرا وثباتا في مخاطر الحياة وأعظم تغليبا للعقل على المشاعر والانفعالات وهذا كله يؤهله لوظيفة القوامة والحفظ والحماية والرعاية والكسب.

بقلم: كريم حلمي
336
مراجعة لكتاب الاسترقاق القيمي | مرابط
مناقشات

مراجعة لكتاب الاسترقاق القيمي


العناصر التي تعزز أي مشروع تغريبي هي كتلة مقومات ومنها: التغطية السياسية والشرعية والنخبة الثقافية المسوقة وضعف الممانعة الشعبية وذكر ستة نماذج لمشروعات تغريبية وقام بتفصيلها وإبراز هذه العوامل الفاعلة فيها

بقلم: إبراهيم السكران
2303
ماذا يعلمك القرآن؟ | مرابط
تعزيز اليقين

ماذا يعلمك القرآن؟


يعلمك القرآن أن التميز يصنع الأعداء حتى من أقرب الناس إليك كما في قصة يوسف فإياك أن تدخل معارك مع حاسديك مهما كنت قادرا على الانتصار فالحاسد مشروعه إيقافك ونجاحه في أن تلتفت إليه ولذلك حدد هدفك بوضوح وكل معركة ليست على جبهة هذا الهدف لا تلتفت إليها.

بقلم: د. نايف بن نهار
342
السعادة الحقيقية | مرابط
تفريغات

السعادة الحقيقية


أغلب الناس وكل واحد منهم سوف يقول: أريد أن أعيش سعيدا مرتاحا مطمئنا أبحث عن شيء يسمى السعادة والراحة كل الناس يلهث ويتعب وراءها وينصب من أجلها من أجل أن يعيش سعيدا في هذه الحياة الدنيا. انظر إلى من يجمع الأموال: الملايين .. العمارات .. العقارات .. والأرصدة لا يعدها ولا يستطيع حسابها هل حصل على السعادة؟!

بقلم: نبيل العوضي
501
الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي | مرابط
الجندرية

الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي


شاع استعمال مصطلح الجندر أو الجندرة في أدبيات العديد من الأقلام -خاصة النسائية وتم تداوله على نطاق كبير بمعنى مخالف لمعناه الحقيقي والغريب في الأمر أن غالب هذه الأقلام لا يعوزها سعة الإطلاع ولا حسن الفهم الشيء الذي يجعل تغليب حسن الظن أمرا متكلفا فما الدافع ترى لهذا التزييف أهو تمرير أجندة مشبوهة تحت ستار تقدمي مقبول أم هو استجابة لشهوة حب الظهور في المقاعد الأمامية لقطار النظام العالمي الجديد والانشغال بالتلويح باليدين -للجمهور المتفرج- عن النظر لما بداخل القطار

بقلم: نزار محمد عثمان
3000
تعدد طرق الضلال | مرابط
اقتباسات وقطوف

تعدد طرق الضلال


الشبهات هي شبهات عظيمة في ذاتها وشبهات هي يسيرة في ذاتها ولكنها عظيمة في قلب الإنسان لقلة معرفته بالحق فالله سبحانه وتعالى جعل للإنسان طريقا مختصرا بينا يميز به الإنسان الخير من الشر ويجعل هذا الطريق هو طريق الفيصل بين الطرق كلها وقد ذكر الله عز وجل في هذه الآية أن الصراط صراط واحد وأما السبل فهي متعددة لأن طريق الحق هو طريق واحد كحال العافية فالعافية واحدة وأما الأمراض فمتعددة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
368