الحروب الصليبية هي سلسلة الحروب التي شنَّها المسيحيون الأوربيون على الشرق الأوسط للاستيلاء على بيت المقدس، ومنذ أن انتصرت القوات الإسلامية على القوات البيزنطية في معركتي اليرموك وأجنادين في عام 13 هجريًا، منذ ذلك الوقت والإسلام يهاجم الصليبيين ويفتح أراضيهم، وظل الصليبيون يترقبون الفرصة والزمن المناسب للأخذ بالثأر ورد الفعل، وهكذا كانت أحسن الفرص للانتهاز في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، فحدث هذا الهجوم الصليبي الشرس على بلاد المسلمين واستمر قرنين من الزمان، وما هو في حقيقة الأمر إلا استمرار للصراع الطويل الذي قام منذ العصور القديمة بين الشرق والغرب، واتخذ في كل عصر شكلًا معينًا يتلاءم مع مقتضيات الظروف، هذا الهجوم الصليبي الشرس كان يحمل الحقد على الإسلام والمسلمين، ولذا ارتكب جرائم بشعة جدًا وأهلك الزرع والضرع أثناء سيره.
حالة المجتمع الإسلامي قبيل الحروب الصليبية
كانت حالة المجتمع الإسلامي قبيل نشوب الحروب الصليبية حالة يرثى لها من الفوضى والانحلال، فمصر الفاطمية كانت نهبًا للثورات والمنازعات الداخلية، ولم تكن تسكن فيها الفتنة حتى تنشب الأخرى، كما كانت المجاعات والأوبئة تنهك من قواها، أما الخلافة العباسية فلم تكن أحسن حالًا حيث كانت تسيطر عليها الثورات، كما كان يسودها حالة من الفتن المذهبية والحوادث التي تملأ البلاد رعبًا وهولًا، إضافة إلى الضعف الشديد الذي كان يتسم به الخلفاء الذين تولوا الحكم خلال هذه الفترة.
أيضًا الدولة السلجوقية التي امتدت امتدادًا عظيمًا في عهد عظماء سلاطينها لم تدم عظمتها كثيرًا وانقسم البيت السلجوقي على نفسه، ولم يكن وضع المجتمع الإسلامي في إفريقيا والأندلس أفضل، بل اشتعلت الثورات والمعارك والاضطرابات الداخلية من ناحية، وعم الفساد والفتن من ناحية أخرى، وهكذا انتهز الصليبيين الفرصة السانحة التي كان ينتظرونها منذ زمن بعيد، وهكذا ما حان موعد الحروب الصليبية حتى كان المشرق الإسلامي في غاية الفوضى والارتباك والتنازع.
الدعوة للحروب الصليبية
في سنة 480هـ= 1088م تولى الكرسي البابوي البابا أوربان الثاني، وكان أوربان الثاني هذا رجلًا له طموح كبير وأحلام واسعة بأن يكون هو الزعيم الأكبر والأوحد للمسيحيين جميعًا في العالم، وذلك من خلال توحيد الكنيستين الغربية والشرقية، وسرعان ما أتته الفرصة لتحقيق هدفه، ففي سنة 487هـ= 1095م أرسل إليه الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين وفدًا يطلب منه المساعدة لنصرته ضد السلاجقة المسلمين، فتحمَّس البابا كثيرًا لهذا الطلب وأخذ يُعِدَّ العدة لأخذ التدابير اللازمة لغزو الشرق الإسلامي.
عقد البابا أوربان الثاني مؤتمرًا موسعًا في مدينة كليرمون الفرنسية دعا فيه الملوك والأمراء وعامة الشعب إلى التوجه عسكريًّا إلى الشرق الإسلامي، وقد لبَّت جموع هائلة من الناس دعوة البابا، بل إن البابا تواصل بنفسه مع المجامع الدينية، وقام بتكليف أحد الرهبان ويُدعى بطرس الناسك بالقيام بجولات مكثفة في أوربا لتحميس الناس، وجعل الثالث والعشرين من شعبان سنة 489هـ/ الخامس عشر من أغسطس سنة 1096م، هو الموعد المحدد لجمع المقاتلين في القسطنطينية لغزو الشرق الإسلامي.
أسباب ودوافع الحروب الصليبية
للحروب الصليبية عدة أسباب ودوافع، والمؤرخين والمحللين انقسموا في ذلك إلى فرق شتى، فمنهم من يؤكد الدافع الديني، وآخرون يؤكدون الدوافع الاقتصادية، وفريق ثالث يؤكد الدوافع السياسية، وفريق رابع يؤكد الأبعاد الأخلاقية لهذه الحرب، وهذه بعض الدوافع:
أولاً: الدافع الديني:
كان الدافع الديني للحروب الصليبية واضحًا عند البابا، والقساوسة والرهبان، وعند بعض الأمراء والقوَّاد، كما أنه كان الهدف المعلن للحرب، فإنقاذ الدولة البيزنطية من المسلمين كان السبب المتداول بين الناس وذلك لتحميس الجيوش والشعوب.
ثانيًا: الدافع الاقتصادي:
الدافع الاقتصادي أيضًا من أهم الدوافع للحروب الصليبية، فالجموع الهائلة من العامة خرجت لإحباطها التام من الحصول على أي قسط من رغد الحياة في أوربا، كما أن الأمراء الإقطاعيون ما خرجوا إلا من أجل الثراء والتملك، لأن القانون الأوربي آنذاك كان يمنع تقسيم الميراث على كل الأبناء، بل كانت تنتقل الإقطاعية بكاملها إلى الابن الأكبر بعد وفاة الأب الأمير.
ثالثًا: الدافع السياسي:
أما الدافع السياسي كان دافعًا رئيسيًّا عند البابا أوربان الثاني نفسه، فكان يطمح بأن يكون هو الزعيم الأكبر والأوحد للمسيحيين جميعًا في العالم، ولذلك كان يرى أن فرصته لتحقيق هدفه هي انتصاره على المسلمسن وتوحيد الكنيستين الغربية والشرقية تحت زعامته.
أيضًا كان ملوك أوربا يرون أن الدولة البيزنطية دخلت طورًا من أطوار الضعف، ولو سقطت فإن هذا قد يضعهم بين قوتين من المسلمين، السلاجقة في الشرق والمسلمين في الأندلس؛ لذلك سارعوا للمشاركة، بل ذهب بعضهم بنفسه على قيادة جيشه.
رابعًا: الدافع الاجتماعي:
كان الفلاحون والعبيد في أوربا قبيل الحروب الصليبية، يعيشون حياة مذلة ولم يكن لهم حقوق بالمرة، ولذلك رأى العوام الفلاحون في أوربا أن هذه فرصة لتغيير نظام حياتهم، والخروج المحتمل من قيود العبودية المذلَّة؛ ولذلك خرج الفلاحون في الحروب الصليبية بنسائهم وأولادهم.
المصدر:
موقع قصة الإسلام