لا تقترح .. بل انطرح

لا تقترح .. بل انطرح | مرابط

الكاتب: د. جمال الباشا

750 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

هل يُمكنُ للوليّ أن يرى أهوالَ الدنيا وعذاباتِها أمامَ عينَيه ويَضحَك؟! 
قد يكونُ السؤالُ غريبًا لأوَّل وَهْلةٍ فلا تَعجَلْ واقرأ بعينَي قلبِكَ لتمنَحَ روحَكَ جَرعَةً بلسَميَّةً شافيةً وافيَةً، في زمانٍ أوجاعُهُ خطيرةٌ وآلامُهُ مريرةٌ.

نعم.. قد تدمَعُ العينُ رحمةً ويضحَكُ القلبُ ثِقَةً ويقينًا، فقد ضَحِكَ الإمامُ السعيدُ (ابنُ جُبير) والسيفُ مُصلَتٌ فَوقَ عُنُقِه وطاغيَةُ العراقِ حينئذٍ يُتَقطَّعُ غيظًا ويصرَخُ: ما يُضحِكُك؟! فيُجيبُ بهدوءٍ وثِقَةٍ: عجِبتُ من جُرأتكَ على الله وحِلمِ الله عليك..

نعم من نَظَرَ إلى الكونِ من حولِهِ فرآهُ مملكةً صاغِرةً خاضِعةً في قبضَةِ ِملكٍ عظيمٍ مُهيمِنٍ يُدَبّرُ أمرَهُ بحكمةٍ وإحكامٍ، لا يُعجِزُهُ شيءٌ ولا يخفى عليه شيءٌ، كلُّ من فيه له عبيد، ولا يَكونُ في مُلكه وسلطانِه إلا ما يُريد، سكنَتْ نفسُهُ واطمأنَّ قلبُه وهنأَ عيشُهُ واستَعذَبَ مرارةَ الحياةِ، وتذوَّقَ الحياةَ بمذاقٍ عجيبٍ لا يعرفُهُ إلا من جَرَّبَه!! 

ومَن أيقَنَ بأنَّ تدبيرَ اللهِ تعالى له خيرٌ من تدبيرهِ لنفسِه، وأشهَدهُ اللهُ في نفسِه وفيما حولَه أفعالَهُ القاهرَةَ وحكمتَهُ الباهرة، لم يجرؤ أن يُحدّثَ نفسَهُ ولا يُمِرَّ على خاطِرهِ ما يُمْكِنُ أن يُشيرَ إلى استدراكه على سيّدِه ومولاهُ أو اقتراحِهِ عليه ما يَظهَرُ له منه مصلحةٌ ما وكأنَّها خَفيَتْ عليه أو غفَلَ عنها!!

فالذي يُدبّرُ الأَمرَ من السماءِ إلى الأرض بلا ريبٍ هو الأولى بالتدبير. 
كيف يجوزُ للعبد العاجز الجاهلِ أن يقتَرحَ على ربّه العالِم بكلّ شيءٍ القادِر على كلّ شيء، وهو أرحَمُ بالمؤمنين من أمَّهاتهم؟! 
حتى لو كان هذا الاقتراحُ منه حديثَ نفسٍ فإنَّ مَن كمُلَت بالله معرفَتُهُ قد يَعُدُّ ذلك من سوءِ الأدبِ وضَعفِ التفويض.

حذارِ أن تَذهبَ بكَ الظنُونُ إلى التواكُل والكسَل وتركِ الأسبابِ وهجرِ العمَلِ، فتنقلبُ هذه الجرعَةُ إلى جرعةِ تخديرٍ وتثبيط، بدلَ أن تكونَ جرعةَ تحفيزٍ وتثبيت!!

إن لم ينقَدِحْ لك المعنى بعدُ فدونَكَ ذلك الترياقُ المُذهِلُ من ذلك الإمام الربانيّ العارفِ وقد قال كلمةً من أعجب المقولات، ولا أعلمُ مقولةً ظلَّت حاضرةً دائرةً في نفسي تعمَلُ عملَها فيها سنينَ طويلةً مثلَها.

ما الذي جعَلَ يا تُرى قريحَةَ عمرَ بنِ عبد العزيز تجودُ بقوله: (لقد أصبحتُ ومالي من متاعِ الدنيا سرورٌ سوى النظَرِ في مواضِعِ القَدَر).
لله درُّ تلك القريحَةِ ما أجوَدَها!

إنَّه ينظرُ إلى الأحداثِ مِن حولِه حُلوِها ومُرِّها فيلحَظُ قلبُه يدَ اللهِ وتدبيرَهُ فيها فيتذوَّقُها بمذاقٍ واحدٍ يسرُّهُ ولا يضرُّهُ، يُرضيه ولا يُشقيه، بل يُمتِعُهُ ويُبهجُه!!

فهو ينظُرُ إلى لوحةِ الكونِ بألوانها المختلفَةِ نظرةً شاملةً يتخطَّى بتأملاته فيها حدودَ الزمانِ والمكانِ ويتذوَّقُ منها الإبداعَ والجمالَ والكمالَ فلا يملكُ أن يمنعَ خفقاتِ قلبه أن تقولَ له:
يا عبدَ الله، انطَرِح.. انطَرِح.. ولا تقترِح.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
العلم.. بين الإيجاز وكثرة البيان | مرابط
اقتباسات وقطوف

العلم.. بين الإيجاز وكثرة البيان


وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكر وعمر وعلي ومعاذ وابن مسعود وزيد بن ثابت كيف كانوا كلامهم أقل من كلام ابن عباس وهم أعلم منه وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة والصحابة أعلم منهم وكذلك تابعوا التابعين كلامهم أكثر من كلام التابعين والتابعون أعلم منهم. فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال ولكنه نور يقذف في القلب يفهم به العبد الحق ويميز به بينه وبين الباطل ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد.

بقلم: ابن رجب الحنبلي
257
مسائل حول الطلاق والسكنى | مرابط
المرأة

مسائل حول الطلاق والسكنى


أحكام الطلاق والعدد والسكنى أحكام لله لا يجوز الخروج عنها مهما بلغت البغضاء بين الزوجين فأمر الله وحده فوق ذلك كله ومن خالف تلك الحدود من الزوجين فظلمه على نفسه فالله لم يشرع الأحكام إلا لمنفعته ولو جهل ذلك أو غابت عنه حكمته وبيان ذلك في قوله تعالى: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
190
حجة البعوض غير المرئي | مرابط
اقتباسات وقطوف

حجة البعوض غير المرئي


من ضمن من تحدثوا في إشكالية وجود الشر الباحث ألفن بلانتنجا وهو يتحدث عما يسمى بحجة البعوضة غير المرئية ويربطها بشكل مباشر بقصور الإدراك والعقل الإنساني مقارنة بحكمة وأسباب الله وبين يديكم مقتطف يشرح فيه فكرته بشكل كامل

بقلم: ألفن بلانتنجا
385
من الأخطاء الشائعة في تراكيب الجمل | مرابط
لسانيات

من الأخطاء الشائعة في تراكيب الجمل


مقتطفات متفرقة من كتاب معجم الأخطاء النحوية واللغوية والصرفية الشائعة للكاتب خضر أبو العينين يوثق فيه الكثير من الأخطاء اللغوية الشائعة التي يقع فيها الكتاب ويذكر لنا الصواب من الناحية اللغوية مثال ذلك: يقال: فتح فلان لي الباب ثم قال تفضل وهذا خطأ والصواب أن يقال: فتح فلان لي الباب فقال: تفضل إذ إن الفاء حرف عطف يدل على الترتيب والتعقيب فالجملة لا مهلة في ترتيبها بحيث تستعمل حرف ثم كقول الله -عز وجل- الذي خلقك فسواك فعدلك

بقلم: خضر أبو العينين
658
المعرفة بحاسة البصر | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف

المعرفة بحاسة البصر


المعرفة بحاسة البصر معرفة يتساوى فيها الإدراك كما يتساوى إدراك الآلة وإدراك الحيوان فهل هذه هي المعرفة التي تليق بالإنسان المسئول عن ضميره الباحث عن هدايته المترقي بسعيه واجتهاده؟ وهل يطلبون أن يتساوى الناس في مدركات الضمير وحدها أو يطلبون أن يتساووا في مدركات الحواس وملكات الأجسام والأفهام ومقادير الأعمار والأيام

بقلم: عباس محمود العقاد
305
من أخلاق الكبار: زين العابدين | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: زين العابدين


إن جاءك إنسان وشتمك وكنت في مجلس مناسبة أو في صالة أفراح فتسلط عليك إنسان وأسمعك قبيح القول فما موقفك من هذا الإنسان إن كنت من أصحاب النفوس الكبيرة فستتجاوز النفس ولهذا كان بعضهم يقول لمن يشتمه ويبالغ في شتمه: يا هذا لا تفرط في شتمنا وأبق للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.

بقلم: خالد السبت
276