الضوابط الشرعية: رؤية ليبرالية

الضوابط الشرعية: رؤية ليبرالية | مرابط

الكاتب: محمد بن أحمد الزهراني

1800 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

كنت شخصيا ممن يرى أن أهل الفضل والعلم -ممن شرفهم الله بالعكوف على البحث والتقصي في معرفة مراد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- قد يكونون وقعوا في شيء من المبالغة في قاعدة سد الذرائع حتى رأوا سيئا ما ليس بالضرورة يؤول إلى محذور شرعي.
 
وكنت أقول في نفسي: رحم الله علماءنا وعفا عنهم، إن حدبهم على هداية الأمة وصلتها بخالقها العظيم وهدي نبيها الكريم أدى بهم إلى التوجس من مآلات وهمية هي أبعد ما تكون عن مجتمعنا النقي الذي قد تضلع بكافة أطيافه بالعقيدة السليمة والرغبة فيتمثل هدي الرسول صلى الله عليه وسلم مظهرا ومخبرا وإن تفاوت الناس بعد ذلك في هذا التمثل قلة واسكثارا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
 

تطور الطرح الإعلامي

والآن وبعد مرور عقد تقريبا على هذه الطفرة الجينية في الخريطة الوراثية لإعلامنا بكافة أجنحته، إلى أين وصلنا؟
 
تتبع معي أخي الكريم مسيرة طرحنا الإعلامي المحلي عبر العقد الماضي واضرب كفًا بكف حينما يتملكك العجب.
 
كانت أكثر المقالات الزئبقية تساق متدثرة بلافتات "حسب الضوابط الشرعية"!
 
كانت البداية الوجلة تبرز قرنها عل هيئة دعوة إلى قبول الآراء الفقهية الأخرى ما دامت حسب الضوابط الشرعية. نعم، فما المانع أن تترك للمرأة الحرية في كشف وجهها ما دام رأيا فقهيا معتبرا يقرها على ذلك؟

وما المانع أن يساهم الشعب في الشركات المساهمة المشتبهة ما دمنا لا نعدم من يفتينا بذلك؟

وما المانع أن نحاور الأديان الأخرى بغية تبيين الحق وإقامة الحجة؟

وما المانع أن يتعلم أفراد الشعب اللعبة الديموقراطية وصناديق الاقتراع ويختارون من يمثلهم في مؤسسات المجتمع المدني؟
 

وفق الضوابط الشرعية

اليوم لم نعد نسمع عبارة "حسب الضوابط الشرعية" فقد وسدت التراب إلى جانب العبارة الشهيرة "نشجب ونستنكر الانتهاكات الصارخة للعدو الصهيوني"، فأحسن الله عزاء الجميع في العبارتين.
 
نعود إلى طرحنا الإعلامي لنرى عن ماذا تمخضت هذه الدعوات المتنسكة بالضوابط الشرعية؟ حرب شعواء ضد الجهة الوحيدة المخولة لوضع هذه الضوابط الشرعية، إسقاط لرموز أرباب المعرفة بالعلم الشرعي والدعاة إلى الاحتكام لشرع الله المطهر.
 
من منا ينسى تلك الليلة الليلاء التي تقاسم فيها القوم على أن يبيتوا أحد أعلام المعرفة بالضوابط الشرعية التي يتشدقون بها ثم بعد أن جاءوا على قميصه بدم كذب وتم لهم ما أرادوا، خرجوا بكل صفاقة ليقولوا "ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون"!!
 
لا يحتاج الأمر إلى كبير عناء ليعرف مدى كذب دعوى الضوابط الشرعية، بل ليس الأمر أبعد من شخص قدم لك لحم خنزير وقال لك "تفضل، مذبوح بالضوابط الشرعية".
 
وإن أردت الدليل على ما أقول فعليك برصد الجناح المرئي لإعلامنا وكيف أنه قد استحال في كثير من برامجه إلى عروض للأزياء ومتاجرة بهذه المشاهد، فقط لنرفع أسهمنا عند "الآخر" ويشهد لنا بالوسطية والاعتدال كما يراها هو.
 
رجل وامرأة قد لبسا وتزينا و"تمكيجا" ثم "انتصا" ليتحادثان ويتمازحان طوال ساعات الصباح وكأنهما في "صباحية مباركة" ... !! تدشين أول فيلم سينمائي احتشد فيه كل شيء .. إلا الضوابط الشرعية طبعا!!
 
دعوات لصرف قضايا اعتراض على بعض الكتابات والسلوكيات عن مسارها الشرعي إلى مسار خرج من عباءة ثقافة"الفيتو" الغارقة في الظلامية والجاهلية.
 
مهرجانات غنائية أدركتها حمى الطفرة الجينية لتطعم المهرجان الغنائي السنوي بأصوات ناعمة غابت صورها هذا العام، ولو حلفت ما حنثت أنها ستظهر في العام القادم .. وليس الذي يليه
 
احتفالات صيفية على شرف "نجوم ونجمات" الفن الكوميدي في ليلة جنوبية رقصت طوال ساعات الليل على جثمان الضوابط الشرعية.
 
دعوات لحوار الأديان لم تكن إلا دعوة لإخاء الأديان، تبشر بها أجنحة إعلامنا المختطفة بعبارات لا تحتمل تأويلا " نريد الناس أن يتمسكوا بالأديان الإبراهيمية الثلاثة ففيها الخير للإنسانية جمعاء ... قرآن .. توراة .. إنجيل .. "
 
وإن شئت لقلت: إنها دعوة لا تهدف إلا إلى إحراز تقدم سياسي اتخذت من هذه الدعوة وسيلة لا غاية.بل حتى التجربة الخداج لإشراك الشعب في اتخاذ القرار فيمن يمثله وئدت في مهدها والأسباب قيدت ضد مجهول لكن هناك أخبار تؤكد أن الشعب لايزال على قدر من الجهل والسطحية، فلم يكن قادرا على استيعاب التجربة الانتخابية ويؤيد ذلك نتائج الانتخابات!!
 
ولكنه قطعا سيكون أكثر نضجا بعد أن يروض إعلاميا وثقافيا و"ابتعاثيا!!"، وحينئذ ستطرح التجربة مرة أخرى لأن النتيجة ستكون مرضية كما يريدها المخرج!!
 

أيها الضوابطيون

أيها الضوابطيون ومن مكّن لهم، قولوا لنا بربكم من قال من أهل العلم بهذه الصور التي تزعمون أنها لا تخرج من عباءة الشريعة؟
 
ثم هنا سؤال آخر يلح بشدة، لو استوردنا لكم أراء فقهية من الخارج، هل ستستوعب هذه الآراء تطلعاتكم ورؤاكم المستقبلة؟ أجزم أنكم ستقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم.
 
وهل أجدت أراء علماء الشام ومصر فيما يتعلق بحجاب المراة وعملها وما يتعلق بالفن والتمثيل والحرية الدينية والعقدية، هل أجدت شيئا أمام المد الشرس الذي مارسه أسلاف هؤلاء "الضوابطيين"؟
 
ما عليك إلا أن تنظر بأم عينك إلى واقع تلك المجتمعات التي باتت تردد: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
 
والله لا على ضوابطكم وثوابتكم أبقيتم، ولا بالديموقراطية رضيتم!! {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}.
 
اللهم إني أبرأ إليك من هذه الانتهاكات التي ترتكب باسم الضوابط الشرعية.
 
اللهم إني أعتذر من عجز الثقات وأبرأ إليك من جلد الفاجر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الضوابط-الشرعية
اقرأ أيضا
في الفرق بين الحكم والفتوى | مرابط
فكر

في الفرق بين الحكم والفتوى


تخيل أن تذهب إلى شيخمفتي في عام 2000م فتسأله عن حكم ارتداء قميص عليه ألوان قوس قزح أو جعلها شعارا لشركتك أو متجرك. ثم تذهب لنفس المفتي في عام 2022 م لتسأله نفس السؤال. ثم يشاء الله أن تنحسر الغمة قبل عام 2040م أو أن يتغير شعارها وينفصل تماما عن قوس قزح فتذهب لنفس المفتي- أطال الله بقاءه وبقاءك- فتسأله نفس السؤال.

بقلم: معتز عبد الرحمن
322
شبهة حول الجنة والخمر | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة حول الجنة والخمر


من الشبهات السطحية التي يروجها العلمانيون حول الإسلام يقولون إذا كان الله لا يجعل المحرم جزاء للمؤمنين فما باله جعل الخمر جزاء لهم وفي هذا المقال الموجز يقف بنا الدكتور منقذ السقار حول حقيقة هذه الشبهة ويفصل لنا الرد عليها

بقلم: منقذ السقار
889
كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟ | مرابط
أبحاث

كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟


يعتمد كثير من الباحثين في الحديث عن نشأة العلوم وتطورها على التدوين والكتابة في العلوم فتراه يحدد نشأة العلوم ومراحلها بناء على حالة التدوين فيها فيحكم على أن علما ما نشأ في وقت كذا لأجل أن كتابا معينا ألف في مسائله ويحكم على أنه تطور إلى مرحلة ما لأجل أن نوعا من الكتب ظهر في معالجة مسائله. ولا شك أن حالة التدوين والكتابة في العلم تعد معلما من أهم المعالم المفسرة لنشأة العلوم وتطورها ولكنها ليست المعلم الوحيد فهناك مكونات أخرى لا بد من مراعاتها في دراسة نشأة علم العقيدة وتحديد مراحل تطوره.

بقلم: سلطان العميري
412
مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج3 | مرابط
مناظرات

مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج3


اشتهر أبو بكر الباقلاني بمفصاحته وقدرته على المناظرة والبيان والذب عن الإسلام وقد ناظر في عهده الكثير من النصارى أشهر هذه المناظرات كانت لما أرسله عضد الدولة إلى ملك الروم الأعظم ليظهر له رفعة الإسلام ويناظره في معتقده وبالفعل جرت المناظرة بينهما واستعان ملك الروم بكثير من علماء النصارى حتى يقدروا عليه وكان المناظرة سبب في إسلام الكثير من النصارى وأظهر الباقلاني فصاحة عالية ورؤية ثاقبة وقدرة مبهرة على الرد والبيان

بقلم: القاضي عياض
2177
ليست السنة كلها تشريعا ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ليست السنة كلها تشريعا ج2


إن تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية يمكن قبوله كإجراء فني اصطلاحي لفرز طبائع التصرفات النبوية وما يتصل بها من أحكام لكن المشكلة هو في تحقيق طبيعة الحدود الفاصلة بينهما وتحريك تلك الحدود ليخرج بعض ما كان محلا للتشريع عن أن يكون كذلك فليس صحيحا أن تخرج تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم من إطار الشريعة بذريعة صدور الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بتعدد أدواره الحياتية وإنما المحكم في تحديد ما يدخل في إطار التشريع منها وما يخرج هو الشريعة نفسها والتي كشفت عن هذه المسألة بدقة ووضوح

بقلم: عبد الله العجيري وفهد بن صالح العجلان
822
النسبية المعرفية والأخلاقية | مرابط
اقتباسات وقطوف

النسبية المعرفية والأخلاقية


في محاولة تفسير هذه الظاهرة وجدت أن النسبية المعرفية والأخلاقية التي كان من المفروض فيها أنها ستحرر الإنسان وتفسح له المجال لتأكيد فرديته أدت إلى العكس فالنسبية تنزع القداسة عن العالم الإنسان والطبيعة وتجعل كل الأمور متساوية

بقلم: عبد الوهاب المسيري
424