الضوابط الشرعية: رؤية ليبرالية

الضوابط الشرعية: رؤية ليبرالية | مرابط

الكاتب: محمد بن أحمد الزهراني

1701 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

كنت شخصيا ممن يرى أن أهل الفضل والعلم -ممن شرفهم الله بالعكوف على البحث والتقصي في معرفة مراد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- قد يكونون وقعوا في شيء من المبالغة في قاعدة سد الذرائع حتى رأوا سيئا ما ليس بالضرورة يؤول إلى محذور شرعي.
 
وكنت أقول في نفسي: رحم الله علماءنا وعفا عنهم، إن حدبهم على هداية الأمة وصلتها بخالقها العظيم وهدي نبيها الكريم أدى بهم إلى التوجس من مآلات وهمية هي أبعد ما تكون عن مجتمعنا النقي الذي قد تضلع بكافة أطيافه بالعقيدة السليمة والرغبة فيتمثل هدي الرسول صلى الله عليه وسلم مظهرا ومخبرا وإن تفاوت الناس بعد ذلك في هذا التمثل قلة واسكثارا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
 

تطور الطرح الإعلامي

والآن وبعد مرور عقد تقريبا على هذه الطفرة الجينية في الخريطة الوراثية لإعلامنا بكافة أجنحته، إلى أين وصلنا؟
 
تتبع معي أخي الكريم مسيرة طرحنا الإعلامي المحلي عبر العقد الماضي واضرب كفًا بكف حينما يتملكك العجب.
 
كانت أكثر المقالات الزئبقية تساق متدثرة بلافتات "حسب الضوابط الشرعية"!
 
كانت البداية الوجلة تبرز قرنها عل هيئة دعوة إلى قبول الآراء الفقهية الأخرى ما دامت حسب الضوابط الشرعية. نعم، فما المانع أن تترك للمرأة الحرية في كشف وجهها ما دام رأيا فقهيا معتبرا يقرها على ذلك؟

وما المانع أن يساهم الشعب في الشركات المساهمة المشتبهة ما دمنا لا نعدم من يفتينا بذلك؟

وما المانع أن نحاور الأديان الأخرى بغية تبيين الحق وإقامة الحجة؟

وما المانع أن يتعلم أفراد الشعب اللعبة الديموقراطية وصناديق الاقتراع ويختارون من يمثلهم في مؤسسات المجتمع المدني؟
 

وفق الضوابط الشرعية

اليوم لم نعد نسمع عبارة "حسب الضوابط الشرعية" فقد وسدت التراب إلى جانب العبارة الشهيرة "نشجب ونستنكر الانتهاكات الصارخة للعدو الصهيوني"، فأحسن الله عزاء الجميع في العبارتين.
 
نعود إلى طرحنا الإعلامي لنرى عن ماذا تمخضت هذه الدعوات المتنسكة بالضوابط الشرعية؟ حرب شعواء ضد الجهة الوحيدة المخولة لوضع هذه الضوابط الشرعية، إسقاط لرموز أرباب المعرفة بالعلم الشرعي والدعاة إلى الاحتكام لشرع الله المطهر.
 
من منا ينسى تلك الليلة الليلاء التي تقاسم فيها القوم على أن يبيتوا أحد أعلام المعرفة بالضوابط الشرعية التي يتشدقون بها ثم بعد أن جاءوا على قميصه بدم كذب وتم لهم ما أرادوا، خرجوا بكل صفاقة ليقولوا "ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون"!!
 
لا يحتاج الأمر إلى كبير عناء ليعرف مدى كذب دعوى الضوابط الشرعية، بل ليس الأمر أبعد من شخص قدم لك لحم خنزير وقال لك "تفضل، مذبوح بالضوابط الشرعية".
 
وإن أردت الدليل على ما أقول فعليك برصد الجناح المرئي لإعلامنا وكيف أنه قد استحال في كثير من برامجه إلى عروض للأزياء ومتاجرة بهذه المشاهد، فقط لنرفع أسهمنا عند "الآخر" ويشهد لنا بالوسطية والاعتدال كما يراها هو.
 
رجل وامرأة قد لبسا وتزينا و"تمكيجا" ثم "انتصا" ليتحادثان ويتمازحان طوال ساعات الصباح وكأنهما في "صباحية مباركة" ... !! تدشين أول فيلم سينمائي احتشد فيه كل شيء .. إلا الضوابط الشرعية طبعا!!
 
دعوات لصرف قضايا اعتراض على بعض الكتابات والسلوكيات عن مسارها الشرعي إلى مسار خرج من عباءة ثقافة"الفيتو" الغارقة في الظلامية والجاهلية.
 
مهرجانات غنائية أدركتها حمى الطفرة الجينية لتطعم المهرجان الغنائي السنوي بأصوات ناعمة غابت صورها هذا العام، ولو حلفت ما حنثت أنها ستظهر في العام القادم .. وليس الذي يليه
 
احتفالات صيفية على شرف "نجوم ونجمات" الفن الكوميدي في ليلة جنوبية رقصت طوال ساعات الليل على جثمان الضوابط الشرعية.
 
دعوات لحوار الأديان لم تكن إلا دعوة لإخاء الأديان، تبشر بها أجنحة إعلامنا المختطفة بعبارات لا تحتمل تأويلا " نريد الناس أن يتمسكوا بالأديان الإبراهيمية الثلاثة ففيها الخير للإنسانية جمعاء ... قرآن .. توراة .. إنجيل .. "
 
وإن شئت لقلت: إنها دعوة لا تهدف إلا إلى إحراز تقدم سياسي اتخذت من هذه الدعوة وسيلة لا غاية.بل حتى التجربة الخداج لإشراك الشعب في اتخاذ القرار فيمن يمثله وئدت في مهدها والأسباب قيدت ضد مجهول لكن هناك أخبار تؤكد أن الشعب لايزال على قدر من الجهل والسطحية، فلم يكن قادرا على استيعاب التجربة الانتخابية ويؤيد ذلك نتائج الانتخابات!!
 
ولكنه قطعا سيكون أكثر نضجا بعد أن يروض إعلاميا وثقافيا و"ابتعاثيا!!"، وحينئذ ستطرح التجربة مرة أخرى لأن النتيجة ستكون مرضية كما يريدها المخرج!!
 

أيها الضوابطيون

أيها الضوابطيون ومن مكّن لهم، قولوا لنا بربكم من قال من أهل العلم بهذه الصور التي تزعمون أنها لا تخرج من عباءة الشريعة؟
 
ثم هنا سؤال آخر يلح بشدة، لو استوردنا لكم أراء فقهية من الخارج، هل ستستوعب هذه الآراء تطلعاتكم ورؤاكم المستقبلة؟ أجزم أنكم ستقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم.
 
وهل أجدت أراء علماء الشام ومصر فيما يتعلق بحجاب المراة وعملها وما يتعلق بالفن والتمثيل والحرية الدينية والعقدية، هل أجدت شيئا أمام المد الشرس الذي مارسه أسلاف هؤلاء "الضوابطيين"؟
 
ما عليك إلا أن تنظر بأم عينك إلى واقع تلك المجتمعات التي باتت تردد: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
 
والله لا على ضوابطكم وثوابتكم أبقيتم، ولا بالديموقراطية رضيتم!! {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}.
 
اللهم إني أبرأ إليك من هذه الانتهاكات التي ترتكب باسم الضوابط الشرعية.
 
اللهم إني أعتذر من عجز الثقات وأبرأ إليك من جلد الفاجر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الضوابط-الشرعية
اقرأ أيضا
محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الأول


من أظهر الأمور الدينية: أن المهمة الأولى لدعوة الرسل والهدف المركزي فيها هو تعبيد الناس لله تعالى وغرس التعلق به في كل حياتهم كما قال تعالى:ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة النحل:36 فمقصد بعثة الرسل وأساس دعوتهم ومنتهى أعمالهم وغاية جهادهم وقطب الرحي في حياتهم والفكرة التي حولها يدندنون ومنها يقصدون وإليها يرجعون وفيها يبذلون هي: عبادة الله وحده وغرس فكرة العبودية في عقول الناس وقلوبهم وإنكار عبادة كل الأوثان

بقلم: سلطان العميري
2460
الدنيا تغيرت الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الدنيا تغيرت الجزء الأول


الدنيا تغيرت توظف هذه المقولة للاعتراض على بعض المقررات الشرعية بذريعة أن النصوص الشرعية ثابتة والواقع متغير ولذا لا يمكن أن نجمد على الثابت وقد يسعى بعضهم إلى مقاربة تظهره بمظهر المعظم للشريعة فهو يتحدث عن حجم استجابة الشريعة لمتغيرات الواقع وتقلباته فهي ليست مجرد نصوص جامدة صلبة لا تقبل الزحزحة أو التطوير بل هي تتطور مع تتطور الواقع للتفاعل معه والذي يؤول في الحقيقة إلى جعل الواقع حكما على الوحي وفي المقال فحص لهذه الشبهة ورد عليها

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
1239
حب الظهور | مرابط
فكر تفريغات

حب الظهور


روي أن أعرابيا بال في ماء زمزم فقام الناس عليه فأمسكوا به وقالوا: ما حملك قال: أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعنات يعني: المهم عنده الصيت ولذلك هذا المرض الخطير يمكن أن يجعل الإنسان يعمل من البلايا ما الله به عليم لأجل فقط أن يخرج صيته يعمل أي شيء له حاجة أوليس له حاجة له داع أو ليس له داع يحرك ساكنا ويسكن متحركا المهم أن يخرج صيته أمام الناس

بقلم: محمد صالح المنجد
2270
الثمار المرة لدعاة تحرير المرأة | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر المرأة

الثمار المرة لدعاة تحرير المرأة


ما زال دعاة تحرير المرأة في بلادنا ينعقون بضرورة تخليص المرأة المسلمة من قيود العادات والتقاليد -على حد زعمهم- ولم يسلم الدين من هذه الدعاوى ضاربين المثل بالمرأة الغربية وكيف أنها استطاعت تحقيق ذاتها وإثبات شخصيتها والحصول على حقوقها بخروجها من بيتها ومنافسة الرجل في كافة الميادين وهم في كل هذا متغافلين عن ذكر الواقع المرير الذي تعيشه المرأة في البلاد الغربية في هذا المقال رد على دعاة تحرير المرأة واستعراض للواقع الحقيقي

بقلم: منى الشريف
1934
قضايا يدور حولها الجدل: الحرية | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

قضايا يدور حولها الجدل: الحرية


إن رسالة الرسل كان فيها من معاني الحرية ما هو أكثر من ذلك وهي تخليص الإنسان من معاني العبودية الخفية التي لا يشعر بها كالخضوع للمال وعبادته أو للشهوة وعبادتها وفي هذا المقال يقف بنا المؤلف على مفهوم الحرية لفحص ما أثارته من الجدل وتوضيح معناها السليم

بقلم: أحمد يوسف السيد
1789
مسارات دراسة الدين من منظور جندري | مرابط
النسوية الجندرية

مسارات دراسة الدين من منظور جندري


وفي الغالب ما تعنيه النسويات بالأديان لا يتضمن بالضرورة فكرة النبوة والاعتقاد الحقيقي بوجود إله خالق للكون ولكنه بشكل أكبر يحيل إلى الجانب الروحاني من الوجود البشري المتضمن داخل تجارب الأفراد وبذلك يكون الحديث عن إعادة بناء الأديان أو تأسيس أديان خاصة متعارضا بشكل كامل مع المعنى المعروف للأديان والنبوة

بقلم: الحارث عبد الله بابكر
589