صفحات تاريخية مشرقة من سيرة القائد ألب أرسلان

صفحات تاريخية مشرقة من سيرة القائد ألب أرسلان | مرابط

الكاتب: علي محمد الصلابي

430 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

هو السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغر بيك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُقاق بن سلجوق التركماني، الغُرِّي، من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، ملك بعد عمه طغرل بك، وكان عادلًا سار في الناسِ سيرة حسنة، كريمًا رحيمًا، شفوقًا على الرعية، رفيقًا على الفقراء، بارًّا بأهلهِ، وأصحابهِ، ومماليكهِ، كثيرالدعاء بدوام ما أنعم بهِ عليه، كثير الصدقات، يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل يقنع من الرّعايا بالخراج في قسطين رفقًا بهم.

 

كان ألب أرسلان  كعمه طغرل بك ـ قائدًا ماهرًا مقدامًا، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمهِ في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته، كما كان متلهفًا للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدول المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن، وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان، وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيمًا للجهاد، وحريصًا على نصرة الإسلام، ونشره في تلك الديار، ورفع راية الإسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية.(عبد الله، 1995، ص20)

 

وضع السلطان ألب أرسلان نصب عينيه تحقيق هدفي السلاجقة، وهما: التوسع باتجاه الأراضي البيزنطية، وطرد الفاطميين مِنْ بلاد الشام، والحلول مكانهم، ثم استخلاص مصر منهم، وقد أثاره احتمال تقارب بين البيزنطيين والفاطميين، فحرص على أن يحمي نفسه من بيزنطة بفتح أرمينية، والاستقرار في ربوعها قبل أن يمضي في تحقيق الهدف الثاني، وهو مهاجمة الفاطميين.

 

والواقع أنه كان من الصعب على السلطان السلجوقي، من الناحية العسكرية والسياسية أن يتجاوز محور الرها إلى جنوب بلاد الشام، ثم مصر دون تقدير الموقف البيزنطي من جهة، ومواقف أمراء الجزيرة وبلاد الشام من جهة أخرى؛ إذ إن أي اضطراب في العلاقة مع هذه الأطراف من شأنه أن يهدِّدَ بقطع خط الرجعة على جيشه الذي سيكون بعيدًا عن قواعد الخليفة (مصطفى، 1998، ج2، ص131)

 

لقد بقي سبع سنوات يتفقد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسع خارجي، وعندما اطمأنَّ على استتباب الأمن، وتمكن حكم السلاجقة في جميع الأقاليم، والبلدان الخاضعة له؛ أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية (العبيدية)  في مصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنية ونفوذ السلاجقة، فأعد جيشًا كبيرًا اتجه به نحو بلاد الأرمن، وجورجيا فافتتحها، وضمَّها إلى مملكته، كما عمل على نشر الإسلام في تلك المناطق. (عبد الله، 1995، ص20)

 

وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة (414 هـ)، وأجبر أميرها محمود بن صالح ابن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي، بدلًا من الخليفة الفاطمي العبيدي سنة (462 هـ) ، (شبارو، 1994،ص25) ثم أرسل قائد الترك أتسز بن أوق الخوارزمي، في حملة إلى جنوب الشام؛ فانتزع الرملة، وبيت المقدس من الفاطميين العبيديين، ولم يستطع الاستيلاء على عسقلان التي تعتبر بوابة الدخول إلى مصر، وبذلكَ أضحى السلاجقة على مقربة من قاعدة الخليفة العباسي، والسلطان السلجوقي داخل بيت المقدس (بن قزاغلي، 1951، ص161)

 

وفي سنة (462 هـ)  ورد رسول صاحب مكة محمد بن أبي هاشم إلى السلطان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم وللسلطان، وإسقاط خطبة مصر (العبيدي، وترك الأذان بحي على خير العمل)، فأعطاهُ السلطان ثلاثين ألف دينار، وقال له: إذا فعل أميرُ المدينة كذلكَ أعطيناه عشرين ألف دينار، وكان حريصًا على إقامة العدل في رعاياه، وحفظ أموالهم وأعراضهم. بلغه: أن غلامًا من غلمانهِ أخذ إزارًا لبعض التجار، فصلبه فارتدع سائر المماليك به خوفًا من سطوته، وكتب إليهِ بعض السُّعاةِ في نظام الملك، فاستدعاه.

 

وقال لهُ: إن كان هذا صحيحًا فهذّب أخلاقكَ، وأصلح أحوالك، وإن لم يكن صحيحًا فاغفر لهم زلتهم بمُهمٍّ يشغلهم عن السعاية بالناس.(ابن كثير، 1998،ج16، ص39) وكان كثيرًا ما يقرأ عليهِ تواريخ الملوك وادابهم، وأحكام الشريعة، ولمَّا اشتهر بين الملوك بحُسن سيرته، ومحافظته على عهوده؛ أذعنوا له بالطاعة والموافقة بعد الامتناع، وحضروا عنده من أقاصي ما وراء النهر إلى أقاصي الشام.(ابن الأثير، 1978، ج6، ص253)

 

ومن الدروس مما مضى: أهمية دراسة التاريخ للقادة السياسيين، وزعماء الأمة، فمن خلاله يتعرفون على  سنن الله، وعوامل نهوض الدول، وأسباب سقوطها، فقد كانَ ألب أرسلان مهتمًا بدراية تاريخ الأمم.

 


 

مراجع البحث:

  1. علي محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، مؤسسة إقرا، القاهرة، 2006، ص 89-92
  2. شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاغلي،مراة الزمان في تاريخ الأعيان، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الهند 1370هـ  1951م.
  3. ابن كثير، البداية والنهاية، مركز البحوث والدراسات بدار هجر مصر، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1998
  4. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ط دار الفكر، بيروت، 1398 هـ  1978م.
  5. عبد اللطيف عبد الله، قيام الدولة العثمانية، الطبعة الثانية، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة.1416 هـ  1995م.
  6. شاكر مصطفى.في التاريخ الشامي، دار طلاس للدراسات والنشر، 1419-1998م.
  7. عصام محمد شبارو، السلاطين في المشرق العربي، دار النهضة العربية بيروت، لبنان.1414ه-1994م.
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ألب-أرسلان
اقرأ أيضا
من أخلاق الكبار: ابن هبيرة | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: ابن هبيرة


ترفعوا أيها الإخوة وارتفعوا إلى أعلى وحلقوا النفس يجذبها الطين فتجردوا من الأهواء والحظوظ النفسانية هذا في مسائل العلم أما في أمور المعاش والعلاقات الاجتماعية والتجارية وغير ذلك مما يعايشه الإنسان صباح مساء ولا بد أن يجد فيه ما يجد من تقصير في حقه ومظلمة وإساءة وكلمة لربما لا يتحملها كثير من الناس فكيف يصنع؟ اسأل نفسك أنت ولا تبحث في ذهنك وتذهب إلى إنسان آخر اسأل نفسك ما موقفك حينما يبلغك أن فلانا من الناس يتكلم في حقك ويقع في عرضك كيف تصنع؟

بقلم: خالد السبت
478
اللسان العربي والعلوم العقلية | مرابط
لسانيات

اللسان العربي والعلوم العقلية


تغيرت طبيعة التعبير اللغوي بتأثير من العلوم العقلية المتغلغلة في الأمة وقد ظهر هذا الأثر في مجالين كبيرين: الأدب والعلوم الشرعية وهناك الكثير من الشواهد التي لا تحصى على تغير اللسان وابتعاده عن اللسان الأول بسبب تأثر العبارة الشرعية بالمنطق اليوناني خصوصا وبالعلوم العقلية عموما

بقلم: البشير عصام المراكشي
608
مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن ج3 | مرابط
مناقشات

مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن ج3


تعتبر مقالات محمد الخضر حسين من أهم ما قدم في الرد على كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي وهذه المقالات تفند جميع مزاعمه وترد عليها وتبين الخطأ أو ربما الأخطاء والمغالطات التي انطوت عليها نظريته التي قدمها فيما يخص الشعر الجاهلي وكيف أن هذه الأخطاء تفضي إلى ما بعدها وبين يديكم أحد أهم مقالاته في الرد على كتاب طه حسين حول موضوع الحياة الجاهلية وهل نلتمس ملامحها من القرآن أم من الشعر

بقلم: محمد الخضر حسين
931
من آثر الدنيا واستحبها | مرابط
اقتباسات وقطوف

من آثر الدنيا واستحبها


كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشبهات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرا فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق

بقلم: ابن القيم
919
علمانية الحكم الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات العالمانية

علمانية الحكم الجزء الأول


امتدت العلمانية إلى كل مجالات الحياة تقريبا بداية من الحكم مرورا بالاقتصاد وصولا إلى الأخلاق والشعور بل وحتى عالم الفن والأدب والكتابة اجتاحته العلمانية كذلك وفي هذا المقال يفصل لنا الكاتب سفر الحوالي علمانية الحكم وبداياتها في القرون الوسطى في ظل تمتع الكنيسة بسلطاتها الكبيرة رغم ذلك كان الحكم علمانيا حتى لو كان ظاهريا تحت مظلة الكنيسة

بقلم: د سفر عبد الرحمن الحوالي
2196
المادية تنهدم | مرابط
فكر مقالات

المادية تنهدم


إن الفلسفة المادية لن تنهدم من ناحية التفكير وحده ولا من ناحية الدماغ المفكر دون النظر إلى مادة بدنه ومادة الكائنات الطبيعية من حوله بل تنهدم الفلسفة المادية لا محالة من كل نظرة واقعية ننظرها إلى حقيقة تركيبها مستقلة عن الفكر بل عن الدماغ وهو محمول على المادة من بعض نواحيه

بقلم: عباس محمود العقاد
2300