صفحات تاريخية مشرقة من سيرة القائد ألب أرسلان

صفحات تاريخية مشرقة من سيرة القائد ألب أرسلان | مرابط

الكاتب: علي محمد الصلابي

155 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

هو السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغر بيك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُقاق بن سلجوق التركماني، الغُرِّي، من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، ملك بعد عمه طغرل بك، وكان عادلًا سار في الناسِ سيرة حسنة، كريمًا رحيمًا، شفوقًا على الرعية، رفيقًا على الفقراء، بارًّا بأهلهِ، وأصحابهِ، ومماليكهِ، كثيرالدعاء بدوام ما أنعم بهِ عليه، كثير الصدقات، يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل يقنع من الرّعايا بالخراج في قسطين رفقًا بهم.

 

كان ألب أرسلان  كعمه طغرل بك ـ قائدًا ماهرًا مقدامًا، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمهِ في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته، كما كان متلهفًا للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدول المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن، وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان، وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيمًا للجهاد، وحريصًا على نصرة الإسلام، ونشره في تلك الديار، ورفع راية الإسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية.(عبد الله، 1995، ص20)

 

وضع السلطان ألب أرسلان نصب عينيه تحقيق هدفي السلاجقة، وهما: التوسع باتجاه الأراضي البيزنطية، وطرد الفاطميين مِنْ بلاد الشام، والحلول مكانهم، ثم استخلاص مصر منهم، وقد أثاره احتمال تقارب بين البيزنطيين والفاطميين، فحرص على أن يحمي نفسه من بيزنطة بفتح أرمينية، والاستقرار في ربوعها قبل أن يمضي في تحقيق الهدف الثاني، وهو مهاجمة الفاطميين.

 

والواقع أنه كان من الصعب على السلطان السلجوقي، من الناحية العسكرية والسياسية أن يتجاوز محور الرها إلى جنوب بلاد الشام، ثم مصر دون تقدير الموقف البيزنطي من جهة، ومواقف أمراء الجزيرة وبلاد الشام من جهة أخرى؛ إذ إن أي اضطراب في العلاقة مع هذه الأطراف من شأنه أن يهدِّدَ بقطع خط الرجعة على جيشه الذي سيكون بعيدًا عن قواعد الخليفة (مصطفى، 1998، ج2، ص131)

 

لقد بقي سبع سنوات يتفقد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسع خارجي، وعندما اطمأنَّ على استتباب الأمن، وتمكن حكم السلاجقة في جميع الأقاليم، والبلدان الخاضعة له؛ أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية (العبيدية)  في مصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنية ونفوذ السلاجقة، فأعد جيشًا كبيرًا اتجه به نحو بلاد الأرمن، وجورجيا فافتتحها، وضمَّها إلى مملكته، كما عمل على نشر الإسلام في تلك المناطق. (عبد الله، 1995، ص20)

 

وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة (414 هـ)، وأجبر أميرها محمود بن صالح ابن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي، بدلًا من الخليفة الفاطمي العبيدي سنة (462 هـ) ، (شبارو، 1994،ص25) ثم أرسل قائد الترك أتسز بن أوق الخوارزمي، في حملة إلى جنوب الشام؛ فانتزع الرملة، وبيت المقدس من الفاطميين العبيديين، ولم يستطع الاستيلاء على عسقلان التي تعتبر بوابة الدخول إلى مصر، وبذلكَ أضحى السلاجقة على مقربة من قاعدة الخليفة العباسي، والسلطان السلجوقي داخل بيت المقدس (بن قزاغلي، 1951، ص161)

 

وفي سنة (462 هـ)  ورد رسول صاحب مكة محمد بن أبي هاشم إلى السلطان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم وللسلطان، وإسقاط خطبة مصر (العبيدي، وترك الأذان بحي على خير العمل)، فأعطاهُ السلطان ثلاثين ألف دينار، وقال له: إذا فعل أميرُ المدينة كذلكَ أعطيناه عشرين ألف دينار، وكان حريصًا على إقامة العدل في رعاياه، وحفظ أموالهم وأعراضهم. بلغه: أن غلامًا من غلمانهِ أخذ إزارًا لبعض التجار، فصلبه فارتدع سائر المماليك به خوفًا من سطوته، وكتب إليهِ بعض السُّعاةِ في نظام الملك، فاستدعاه.

 

وقال لهُ: إن كان هذا صحيحًا فهذّب أخلاقكَ، وأصلح أحوالك، وإن لم يكن صحيحًا فاغفر لهم زلتهم بمُهمٍّ يشغلهم عن السعاية بالناس.(ابن كثير، 1998،ج16، ص39) وكان كثيرًا ما يقرأ عليهِ تواريخ الملوك وادابهم، وأحكام الشريعة، ولمَّا اشتهر بين الملوك بحُسن سيرته، ومحافظته على عهوده؛ أذعنوا له بالطاعة والموافقة بعد الامتناع، وحضروا عنده من أقاصي ما وراء النهر إلى أقاصي الشام.(ابن الأثير، 1978، ج6، ص253)

 

ومن الدروس مما مضى: أهمية دراسة التاريخ للقادة السياسيين، وزعماء الأمة، فمن خلاله يتعرفون على  سنن الله، وعوامل نهوض الدول، وأسباب سقوطها، فقد كانَ ألب أرسلان مهتمًا بدراية تاريخ الأمم.

 


 

مراجع البحث:

  1. علي محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، مؤسسة إقرا، القاهرة، 2006، ص 89-92
  2. شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاغلي،مراة الزمان في تاريخ الأعيان، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الهند 1370هـ  1951م.
  3. ابن كثير، البداية والنهاية، مركز البحوث والدراسات بدار هجر مصر، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1998
  4. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ط دار الفكر، بيروت، 1398 هـ  1978م.
  5. عبد اللطيف عبد الله، قيام الدولة العثمانية، الطبعة الثانية، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة.1416 هـ  1995م.
  6. شاكر مصطفى.في التاريخ الشامي، دار طلاس للدراسات والنشر، 1419-1998م.
  7. عصام محمد شبارو، السلاطين في المشرق العربي، دار النهضة العربية بيروت، لبنان.1414ه-1994م.
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ألب-أرسلان
اقرأ أيضا
حال النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه | مرابط
اقتباسات وقطوف

حال النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب الرسالة الصفدية يوضح فيه على حال النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه وكيف أن ظواهرهم كانت موافقة لبواطنهم وما يعتقدونه في قلوبهم وجاء ذلك في معرض الحديث عن نفاة الصفات الذين ادعوا مخالفة الظواهر للبواطن وأن الصحابة اعتقدوا أمورا لم تظهر عليهم

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
920
آراء المذاهب الفقهية في اختلاط الرجال بالنساء | مرابط
تعزيز اليقين إنفوجرافيك المرأة

آراء المذاهب الفقهية في اختلاط الرجال بالنساء


اهتمت المذاهب الفقهية بشكل بالغ بمسألة الاختلاط بين الرجال والنساء ويبدو أن معالجة الموضوع تكررت وترددت في مختلف الكتب المعتمدة في المذاهب وبين يديكم نضع بعض النقولات من المذاهب الفقهية فيما يخص موضوع الاختلاط ونعرضه في شكل إنفوجراف تيسيرا على القراء

بقلم: إبراهيم السكران
973
ما أورثني علم الكلام إلا حيرة! | مرابط
اقتباسات وقطوف

ما أورثني علم الكلام إلا حيرة!


واعلم أني عند الاشتغال بعلم الكلام وممارسة تلك المذاهب والنحل لم أزدد بها إلا حيرة ولا استفدت منها إلا العلم بأن تلك المقالات خزعبلات فقلت إذ ذاك مشيرا إلى ما استفدته من هذا العلم: وغاية ما حصلته من مباحثي... ومن نظري من بعد طول التدبر .. هو الوقف ما بين الطريقين حيرة... فما علم من لم يلق غير التحير .. على أنني قد خضت منه غماره... وما قنعت نفسي بدون التبحر

بقلم: الإمام الشوكاني
124
الاغترار بصوم عاشوراء | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاغترار بصوم عاشوراء


فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقوى على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم يوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها؟! هذا محال.

بقلم: ابن القيم
155
حكاية السينما والمتشددين | مرابط
فكر مقالات

حكاية السينما والمتشددين


قصة السينما في هذه الأيام تبدو كنموذج مجهري لانكشاف حقيقة هذا العبث المستتر بالضوابط الشرعية وتعرية متقنة للممارسة السلبية الخفية التي تنافق هذا المجتمع المبارك فلا تقدر على تمرير المحرمات إلا عبر بوابة التأكيد على الالتزام بقيود الشريعة السمحة

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1806
مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي ج2 | مرابط
فكر مقالات الديمقراطية

مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي ج2


من المقدمات المنهجية الأساسية التي ينبغي التنبه لها في البدء أن قضايا النهضة والإصلاح والتغيير يجب أن يكون منطلقها منطلقا إسلاميا شرعيا وإذا كان المنطلق غير إسلامي ولا شرعي فإنه لن يتحقق شيء من ثمراتها بمعناها الشامل والمشروع والمرضي لله تعالى وربما تتحقق بعض المكاسب الدنيوية والانتصارات المؤقتة لكنها ليست النهضة والإصلاح المطلوبة من المسلم

بقلم: الدكتور عبدالرحيم بن صمايل السلمي
880