مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها

مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها | مرابط

الكاتب: الإمام الشافعي

1931 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

في هذا المقال جزء من مناظرة الإمام الشافعي، رحمه الله، مع أحد المنتسبين إلى طائفة ردّت الأخبار كلها.. وفي هذا المقتطف يدور الحديث حول إثبات أن الحكمة هي السنة وأنها وحي وأن الله فرض علينا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

قال الإمام الشافعي، رحمه الله:

 

قلت: قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2]

قال: فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة؟

قلت: سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه

قلت: تعني بأن يبين لهم عن الله عز وعلا مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي لسان نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: إنه ليحتمل ذلك

قلت: فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال: فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟

قلت: وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا؟

قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت، كتابا وسنة، فيكونا شيئين، ويحتمل أن يكونا شيئًا واحدًا.

قلت: فأظهرهما أولاهما. في القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف ما ذهبت إليه

قال: وأين هي؟

قلت: قال: الله عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} [الأحزاب: 34] . فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.

قال: فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة؟

قلت: إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها.

قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.

 


 

وقلت: افترض الله علينا إتباع نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال: وأين؟

قلت: قال الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65]

وقال عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: من الآية80]

وقال {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: من الآية63]

قال: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كان بعض ما قال أصحابنا أن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قلت: لقد فرض الله عز وجل علينا اتباع أمره فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .

 قال: إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهي عما نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال: قلت: والفرض علينا وعلى من هو من قبلنا ومن بعدنا واحد؟

قال: نعم.

قلت: فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؟

قال: نعم.

قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في اتباع أوامر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بالخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 
 قال: وقلت له أيضا: يلزمك في ناسخ القرآن ومنسوخه.

قال: فاذكر منه شيئا

قلت: قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] .

وقال في الفرائض: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: من الآية11]

 فزعمنا بالخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

قال: هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد صرت إلى قبول الخبر لازم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه في كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال: عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بأن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيت الحق.

 


 

المصدر:

  1. الإمام محمد بن إدريس الشافعي، جماع العلم، ص9
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الشافعي #إنكار-السنة
اقرأ أيضا
الاحتجاج بالخلاف في مواجهة النص | مرابط
تفريغات

الاحتجاج بالخلاف في مواجهة النص


تفريغ لمحاضرة للشيخ إبراهيم السكران يتحدث فيها عن موضوع الخلاف وكيف تحول في زماننا إلى حجة يقفون بها أمام النص فكلما ذكرت لأحد نصا أو أمرا شرعيا يقول لك فيه خلاف وهذا الخلاف عنده يساوي الإباحة أي أن هناك الكثير من الأحكام الشرعية قد تعطلت بحجة الخلاف وهذا ما يناقشه الشيخ في المحاضرة

بقلم: إبراهيم السكران
2942
القرآن متضمن لأدوية القلب | مرابط
اقتباسات وقطوف

القرآن متضمن لأدوية القلب


جماع أمراض القلب هى أمراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هى عليه وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية

بقلم: ابن القيم
746
مسارات دراسة الدين من منظور جندري | مرابط
النسوية الجندرية

مسارات دراسة الدين من منظور جندري


وفي الغالب ما تعنيه النسويات بالأديان لا يتضمن بالضرورة فكرة النبوة والاعتقاد الحقيقي بوجود إله خالق للكون ولكنه بشكل أكبر يحيل إلى الجانب الروحاني من الوجود البشري المتضمن داخل تجارب الأفراد وبذلك يكون الحديث عن إعادة بناء الأديان أو تأسيس أديان خاصة متعارضا بشكل كامل مع المعنى المعروف للأديان والنبوة

بقلم: الحارث عبد الله بابكر
633
لحظة فداء | مرابط
فكر مقالات

لحظة فداء


كل ما نعرف من رحمة الأبوة والأمومة بأطفالهم فإنه سيذهب بها هول لحظة مشاهدة النار يوم القيامة فيتمنى الأب العطوف والأم الحنون أن يتخلصوا من هذه النار حتى لو أرسلوا فلذات أكبادهم إليها يقول الحق تبارك وتعالى في مشهد مرعب: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أطفالهم الذين كانوا يفدونهم ويقدمونهم على أنفسهم ستأتي لحظة الفداء الكبرى التي تصعق فيها النفوس من شدة الهلع حين تسمع فوران نار يوم القيامة وشهيق لهبها وهي تأكل الناس والحجارة وأمام ذلك المشهد فإن الوالد يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببني...

بقلم: إبراهيم السكران
1299
حاضر العالم الإسلامي | مرابط
فكر مقالات مناقشات

حاضر العالم الإسلامي


رغم التطورات التكنولوجية الجديدة في عالمنا المعاصر إلا أن الأمة الإسلامية تزداد بعدا وتفرقا وتشتتا ويزداد المسلمون شقاقا وخلافا فيما بينهم وقلما تجد مسلما يعرف شيئا كبيرا من أخبار إخوانه وجيرانه المسلمين وهذا بجانب ما ضربته وفرضته الحدود من شقاق فوق الشقاق القائم فصار المسلمون متشرذمون متباعدون لا يجمعهم الدين كما كان سابقا وفي المقال يتحدث العلامة محمود شاكر عن هذا الأمر من وحي كتاب حاضر العالم الإسلامي

بقلم: محمود شاكر
2377
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثاني ج1 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثاني ج1


ما حال أمتنا في العلوم الحياتية ما حال أمتنا في علوم الطب والهندسة لا شك أن أمتنا تعاني حالة من التردي في العلوم الحياتية وليس هذا كلاما عاطفيا إنما هناك ظواهر ومشاهدات واستقراءات نريد أن نتحدث عنها اليوم فأي مشكلة لها حل وأول وسائل الحل أن تعرف الواقع ليست هذه دعوة للإحباط ولا دعوة للتشاؤم فعندما يأتي إلينا مريض يعالج من مرض كذا أو كذا لابد أن تعرف واقع المريض: هل عنده أمراض أخرى عمره كم سنة ما هي ظروفه هل عمل عمليات قبل ذلك أم لا أخذ أدوية أو لم يأخذ

بقلم: د راغب السرجاني
711