التفسير الباطني للآيات والأحاديث عند المبتدعة
ومن جملة تحريف الكلام عن مواضعه ما يسمونه: التفسير الباطني للموضوع، أو تحريف معنى الكلام نفسه، عندما ذهبت منذُ سنتين إلى أمريكا سمعت بعض الناس يحاضر هناك ويقول: إن الإسلام سيخرج من أمريكا وأوروبا، ومصداق ذلك في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ أحسست أن كل حواسي تشتد إلى هذا المتكلم، ترى أين هذا الدليل الذي أتى به؟ يقول: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تخرج الشمس من مغربها) والشمس هي الإسلام، والمغرب هو أمريكا وأوروبا.
انظر إلى الكلام!! وهذا الحديث لو بحثت عنه -أيها المسلم- في جميع دواوين الإسلام لوجدته في كتاب الفتن، وما معنى كتاب الفتن؟ يعني: علامات الساعة، فهذا الحديث معناه: لا تقوم الساعة -أي: القيامة- حتى تخرج الشمس من مغربها، حينئذٍ تقوم الساعة، هذا هو فهم جميع علماء الإسلام لهذا الحديث، وهم الأولى بفهم الدين منا.
فما الذي ذلل هذا المعنى لهذا الرجل؟! إنه التأويل الباطني، إذ أن ظاهره لا يوحي بذلك، وأكثر من ارتكب هذه الطريقة هم الصوفية المبتدعة، وعلى رأسهم ابن عربي، وهو النكرة ليس المحلى بالألف واللام، لأن عندنا عالم آخر اسمه ابن العربي، وهذا عالم مالكي جليل اسمه: أبو بكر بن العربي، لكن ابن عربي وابن سبعين، وابن الفارض هؤلاء كلهم يدخلون في زمرة الذين قلبوا حقيقة الإسلام بما أسموه بالتأويل الباطني.
وهذا من تحريف الكلام عن مواضعه، ومن أخبث ما ارتكبوه قول ابن عربي في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] قال: نزلت هذه الآية في أهل الورع (إن الذين كفروا) والكلام فيه تقدير لمحذوف، ومعناه: إن الذين كفروا إيمانهم، أي: غطوه وحجبوه، وأصل الكفر هو التغطية، ومنه سميت الكفور كفورًا، هناك بلاد سميت: كفور؛ لأنها عبارة عن مجموعة من البيوت التفت حولها الأشجار فسترتها عن العيون، والذين كفروا إيمانهم أي: غطوه وحجبوه لئلا يحبط بالرياء.
قال تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} * {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فلا يدخلها غيره {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} فلا يسمعون إلا منه، {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} فلا يرون غيره، {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7] أي: من المخالفين، هل هذا هو تفسير القرآن؟!! كان يقول الإمام أحمد بن حنبل ما معناه: (إن القرآن ما وقر في سمع الرجل العامي) فأول ما تسمع القرآن فالمعنى الذي يكون في صدرك من القرآن هذا هو تفسير القرآن؛ لأن الله عز وجل أنزله حجة على كل الخلق على اختلاف طبقاتهم وثقافتهم.
وهذا مما فعله الصوفية بالقرآن الكريم، ولهم مخارج أخرى كثيرة سنتناولها، وهذ هو أس بدعتهم؛ لأنهم يحتجون بالقرآن والسنة، لذلك قلنا كثيرًا ولا نزال نقول حتى نراه في واقع المسلمين: عقيدتنا القرآن والسنة بفهم السلف الصالح، هذا الخير هو الذي يميز أهل السنة والجماعة عن أهل البدعة والضلالة، فهم يحتجون بالقرآن والسنة على فهمهم هم.
هناك رجل من أكثر قرأة القرآن في هذا الزمان، ذهب ليقرأ القرآن في محافظة الشرقية لما ماتت أم أحد الأعيان، فجاء الرجل وجاء الناس من كل صوب ليروا هذا القارئ صاحب الصوت الشجي، فقرأ ولعلع وهاص الناس وانسجموا، وأنهى الثلاثة أرباع، فحلف عليه صاحبه أن يأتي بربع رابع ويحاسبه، فأبى وقال: عندي مواعيد، فقام له صاحبه -وكان يأخذ على الربع آنذاك في عام (75) و (76) أربعمائة جنيه- فقال: أليس هذا بكثير؛ أربعمائة جنيه في ربع؟ فقال: قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة:41].
فهذا قارئ القرآن والقرآن يلعنه، يأخذ حساب الثلاثة أرباع ويضعه في البنك كأنما ما قرأ آية! ربا في القرآن الكريم! ولو جعلت الدنيا كلها ذهبًا في مقابل حرف من كتاب الله، فإنك تكون قد اشتريت به ثمنًا قليلًا، فهو متصور أنه كلما رفع السعر فهو يعظم القرآن، فاحتج بكلام الله على بدعته، وهذه كانت أعظم شوكة في ظهر المسلمين على مدار الأعصار والأزمان، تحريف آيات القرآن الكريم باسم التأويل، وما تعددت طرق المبتدعة في العقيدة وغيرها إلا بسبب هذا الأصل الذي ذكرت، فالتحريف سواء بنزع الكلام من السياق أو بلي أعناق الكلمات، كقول ابن عربي في قوله تبارك وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] قال: ليس المعنى ما يتبادر إلى ذهنك من ظاهر الكلام؛ لأن ظاهر الكلام أن الله تبارك وتعالى يقول: من الذي يشفع عند الله لنفسه أو لغيره إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، هذا هو معنى الكلام، لكن المعنى عند ابن عربي: (من ذا الذي) أي: من ذل نفسه، و (ذي) : اسم إشارة، و (يشفع) من الشفاع، و (عِ) فعل أمر من وعى أي: عِ هذا الكلام واهتم به!! أهذا في كتاب الله؟!! أليس هذا أولى بالقتل من قطاع الطرق؟ أليس هذا أولى بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف من المحاربين لله ورسوله، بل هذا من أعظم الحرب لله ورسوله، ما ضل اليهود والنصارى إلا بعد تحريف الكلام، وما ضل الذين جاءوا من بعد إلا بسبب تحريف الذين سبقوهم للكلام، وتحريف الكلام مستمر.