طريقة مخالفي الرسل

طريقة مخالفي الرسل | مرابط

الكاتب: شيخ الإسلام ابن تيمية

707 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم -أي الرسل- من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب، ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية، والقرامطة الباطنية، ونحوهم فإنهم على ضد ذلك، يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل، ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل، وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان، فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل، فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات، ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات.

فغاليتهم يسلبون عنه النقيضين، فيقولون: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم - بزعمهم - إذا وصفوه بالإثبات شبّهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبّهوه بالمعدومات، فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بدائه العقول، وحرّفوا ما أنزل الله تعالى من الكتاب، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقعوا في شرّ مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات، إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات.

وقد علم بالاضطرار أن الوجود لا بدّ له من موجد، واجب بذاته، غني عما سواه، قديم، أزلي، لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم. فوصفوه بما يمتنع وجوده، فضلاً عن الوجوب أو الوجود أو القدم. وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم، فوصفوه بالسلوب والإضافات، دون صفات الإثبات، وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق.

وقد عُلم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات، وجعلوا الصفة هي الموصوف، فجعلوا العلم عين العالم، مكابرة للقضايا البديهيات، وجعلوا هذه الصفة هي الأخرى فلم يميزوا بين العلم والقدرة والمشيئة جحدًا للعلوم الضروريات.

وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتّبعهم فأثبتوا له الأسماء دون ما تضمنته من الصفات، فمنهم من جعل العليم والقدير والسميع والبصير كالأعلام المحضة المترادفات، ومنهم من قال: عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بصير بلا سمع ولا بصر، فأثبتوا الاسم دون ما تضمّنه من الصفات. والكلام على فساد مقالة هؤلاء وبيان تناقضها بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول مذكور في غير هذه الكلمات.

وهؤلاء جميعهم يفرون من شيء فيقعون في نظيره وفي شر منه، مع ما يلزمهم من التحريفات والتعطيلات، ولو أمعنوا النظر لسوّوا بين المتماثلات، وفرقوا بين المختلفات، كما تقتضيه المعقولات، ولكانوا من الذين أوتوا العلم الذين يرون أن ما أنزل إلى الرسول هو الحق من ربه ويهدي إلى صراط العزيز الحميد، ولكنهم من أهل المجهولات المشبَّهة بالمعقولات، يسفسطون في العقليات، ويقرمطون في السمعيات.

 


 

المصدر:

شيخ الإسلام ابن تيمية، التدمرية: تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، ص16

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الرجولة الحديثة | مرابط
مقالات

الرجولة الحديثة


الرجولة الحديثة يتم نسونتها وغيبت عنها معاني الخشونة وتحمل شظف العيش ونزعة العنف والصراع والصبر على الأذى والجلد كما محيت معاني تحمل المسؤولية ورعاية الضعيف والعناية بالأهل والنخوة والشهامة والمروءة والترفع عن صغائر الأمور.

بقلم: إسماعيل عرفة
316
عداء اليهود للمسلمين الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

عداء اليهود للمسلمين الجزء الثاني


تمكن المسلمون من فتح الأندلس ثم خرجوا منها وليس ذلك بسبب قوة أعدائهم وإنما بتفرق كلمتهم وتجزئهم وانقسامهم فأزال الله سبحانه وتعالى دولتهم وخرجوا من تلك الديار بعد أن عمروها مئات السنين واليوم في وسط بلاد المسلمين تقوم دولة لليهود اغتصبت جزءا من ديار المسلمين في أول الأمر ثم زادت عليه فأخذت فلسطين كلها وأخذت أجزاء أخرى من بلاد المسلمين وهي تطمع غدا في احتلال الأردن وسوريا ومصر والعراق وتصل إلى منابع النفط وإلى المدينة المنورة وإلى خيبر حيث كان يقيم آباؤهم وأجدادهم في الماضي

بقلم: عمر الأشقر
666
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1 | مرابط
توثيقات

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1


دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسة ونتيجة لفرقة المسلمين وتشتتهم وهي أرض إسلامية خالصة ولقد فصلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان قصة الإسلام في الصين كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها وهذا في مقال آخر بعنوان كنوز التركستان الشرقية وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأ...

بقلم: راغب السرجاني
691
تشوش دور المرأة | مرابط
المرأة

تشوش دور المرأة


قبل فترة وجدت نفسي في مجموعة على الفيس بوك للنساء فكلما دخلت واحدة لتعرف عن نفسها تسرد إنجازاتها في دراستها وعملها إلى أن دخلت واحدة على استحياء لتقول أنها خجلة لكونها لا تملك ما تحدثنا عنه سوى أنها أم وربة منزل! لقد تحول دور المرأة تحولا شوه دورها وشوه تلك المخرجات التي بتنا نراها أولادا بلا تربية وبيوتا بلا ترتيب وطناجر فخمة دون استعمال وصارت إحداهن تطبخ للكاميرة لا لأولادها.

بقلم: د. مؤمنة العظم
280
قصة العلمانية المؤسلمة | مرابط
مقالات العالمانية

قصة العلمانية المؤسلمة


يستعرض المقال عددا من الرؤى التجديدية في الفكر السياسي كما يعرضها بعض المعاصرين ويفحصها جميعا من خلال مقارنتها ب المضمون العلماني ليكشف عن وجه الاختلاف الذي تفترق فيه هذه الرؤى عن المضمون العلماني حين نفحص هذا الوعاء نجد أن المبادئ العامة أمور كلية فطرية متفق عليها بين جميع الناس فلا وجود لمنظومة فكرية ذات بال تقول إنها ترفض الحرية أو العدالة أو المساواة وإنما الخصومة والنزاع دائما في التفصيلات والتشريعات الجزئية

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2270
كيف تعرف صدق النبوة ج1 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج1


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1070