عندما تقع حالات منع بعض النساء من حجابهم الكامل، فيفرض عليهم كشف الوجه .. يقارن بعض الناس بين فرض الحجاب بالكامل، وبين فرض الكشف، فيتحدث عنهما في سياق واحد من حيث الغلو والتجاوز، ليبقى قوله متوسطًا بين الطرفين.
وهذه الطريقة في حب التوسط بين الفرقاء توقع الشخص في نزعة تطرف قبيحة؛ فالإلزام بالحجاب الكامل هو في أقل أحواله إلزام بأمر مشروع بإجماع العلماء، فلا أحد يقول بأنه مجرد أمر مباح مستوي الطرفين، بل الجميع متفق على مشروعيته، والخلاف في إباحته.
وحتى على القول بالإباحة ثم من يوجبه في حال وجود فتنة، وعليه يفسرون ما نقل من اتفاق أئمة المسلمين على منع خروج النساء حاسرات الوجوه، فيرون هذا من المنع السياسي المعتبر، ويحكون عليه الإجماع.
ومن يلزم به أيضًا هو يلزم برأي فقهي، وليس في الإلزام برأي فقهي في بعض المسائل بأمر مستغرب، بل هذا هو جادة المذاهب كلها، فكل مذهب وإن كان لديهم اعتبار واسع للخلاف والاجتهاد، فعندهم إلزام بمذهبهم في بعض الأمور لاعتبارات فقهية او مصلحية.
كيف تسوي هذه القضية مع كل هذا -حتى ولو غلَّطتَ أصحابها- بمن يعتدي على المرأة المسلمة فيفرض عليها ترك ما تدين الله به وتعتقد وجوبه؟
وهو من الأمور المشروعه بالاتفاق، فهو عدوان على الشريعة، وعدوان محض على الناس، يرفضه حتى من لا يعتد بالشريعة.
فما مثل من يضع هذه المقارنات إلا مثل من يقول: من يلزم الناس بالصلاة في الجماعة، وينهى عن التفريط فيها، هو في غلو، مقارن لغلو من ينهى عن الصلاة مطلقا ويعاقب على فعلها!
فوجود منع في كلا المسألتين، لا يضعنا بين طرفين، ينبغي البحث بينهما عن وسط. ! هي نزعة توسط مغالية في المقارنة، لا يبرئها من نزعة الغلو كونها تسعى لعلاج الغلو، ولا يعفيها من ذلك أن تتعذر بأنها لم تساو بين الطرفين في الحكم، فيكفي وضعهما في سياق واحد، وجعل الوسط المعتبر بينهما.
الوسطية الشرعية هي ثمرة اتباع الشريعة، وليست موقفًا متوسطًا بين فرقاء، وفقه هذا مما يزهد الشخص في كثير من المقارنات المعاصرة، والتي يتكلف أصحابها وضعَ أقوالهم وخصوماتهم في المكان الوسط!