فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

فضل العشر الأوائل من ذي الحجة | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

3408 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
 
ففي الحديث الذي رواه الطبراني قال صلى الله عليه وسلم: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدًا»، وعشر ذي الحجة من مواسم الخير التي ينبغي على المسلم أن يتعرّض فيها لنفحات رحمة الله عز وجل وذلك بالإكثار من العمل الصالح في هذه الأيام من صيام وقيام وقراءة القرآن، وتسبيح وتهليل واستغفار.
 

أيام يعظم فيها العمل الصالح

من مواسم الطّاعة العظيمة العشر الأول من ذي الحجة التي فضّلها الله تعالى على سائر أيام العام فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر». قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله! قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء» (أخرجه البخاري: [2/457]).
 
وعنه أيضًا رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجرًا من خير يعمله في عشر الأضحى» قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» (رواه الدارمي: [1/357]، وإسناده حسن كما في الإرواء: [3/398]).
 
فهذه النصوص وغيرها تدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها، حتى العشر الأواخر من رمضان.
 
ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل لاشتمالها على ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، وبهذا يجتمع شمل الأدلة (انظر تفسير ابن كثير: [5/412]).
 

فضيلة العشر من ذي الحجة

واعلم -يا أخي المسلم- أن فضيلة هذه العشر جاءت من أمور كثيرة منها:
 
1- أن الله تعالى أقسم بها: والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه، قال تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2]، قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف: إنها عشر ذي الحجة. قال ابن كثير: "وهو الصحيح" (تفسير ابن كثير: [8/413]).
 
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد بأنها أفضل أيام الدنيا كما تقدّم في الحديث الصحيح.
 
3- أنه حث فيها على العمل الصالح: لشرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار، وشرف المكان -أيضًا- وهذا خاص بحجاج بيت الله الحرام.
 
4- أنه أمر فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» (أخرجه أحمد: [7/224]، وصحّح إسناده أحمد شاكر).
 
5- أن فيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود الذي أكمل الله فيه الدّين وصيامه يكفّر آثام سنتين، وفي العشر أيضًا يوم النحر الذي هو أعظم أيام السنّة على الإطلاق وهو يوم الحجّ الأكبر الذي يجتمع فيه من الطّاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره.
 
6- أن فيها الأضحية والحج.

 

في وظائف عشر ذي الحجة:

 

إن إدراك هذا العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يقدّرها حق قدرها الصالحون المشمّرون. وواجب المسلم استشعار هذه النعمة، واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشر بمزيد من العناية، وأن يجاهد نفسه بالطاعة. وإن من فضل الله تعالى على عباده كثرة طرق الخيرات، وتنوع سبل الطاعات ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازمًا لعبادة مولاه.
 
فمن الأعمال الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في عشر ذي الحجة:

 

1- الصيام:

 

فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر، والصيام من أفضل الأعمال. وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي: «قال الله: كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» (أخرجه البخاري: [1805]).
 
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة. فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين" (أخرجه النسائي: [4/205]، وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود: [2/462]).

 

2- التكبير:

 

فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر. والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهارًا للعبادة، وإعلانًا بتعظيم الله تعالى.
 
ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:28].
 
والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: "الأيام المعلومات: أيام العشر"، وصفة التكبير: «الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد»، وهناك صفات أخرى.
 
والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة ولا سيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيرًا للغافلين، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده وليس المراد التكبير الجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع.
 
إن إحياء ما اندثر من السنن أو كاد فيه ثواب عظيم دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا» (أخرجه الترمذي: [7/443]، وهو حديث حسن لشواهده).

 

3- أداء الحج والعمرة:

 

إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرم، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب -إن شاء الله- من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج: «المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

 

4- الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا:

 

لأن العمل الصالح محبوب إلى الله تعالى وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله تعالى، فمن لم يمكنه الحجّ فعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بطاعة الله تعالى من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة.

 

5- الأضحية:

 

ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي واستسمانها واستحسانها وبذل المال في سبيل الله تعالى.

 

6- التوبة النصوح:

 

ومما يتأكد في هذا العشر التوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب، والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى وترك ما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا ندمًا على ما مضى، وتركا في الحال، وعزمًا على ألا يعود والاستقامة على الحقّ بفعل ما يحبّه الله تعالى.
 
والواجب على المسلم إذا تلبس بمعصية أن يبادر إلى التوبة حالًا بدون تمهل لأنه:

أولًا: لا يدري في أي لحظة يموت.
 ثانيًا: لأنّ السيئات تجر أخواتها.
 
وللتوبة في الأزمنة الفاضلة شأن عظيم لأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير فيحصل الاعتراف بالذنب والندم على ما مضى. وإلا فالتوبة واجبة في جميع الأزمان، فإذا اجتمع للمسلم توبة نصوح مع أعمال فاضلة في أزمنة فاضلة فهذا عنوان الفلاح إن شاء الله. قال تعالى: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} [القصص:67].
 

مواسم الخير

فليحرص المسلم على مواسم الخير فإنها سريعة الانقضاء، وليقدم لنفسه عملا صالحًا يجد ثوابه أحوج ما يكون إليه: " فإن الثواب قليل، والرحيل قريب، والطريق مُخْوِف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمآب {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8].
 
الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عِوَضٌ ولا تُقدَّر بقيمة، المبادرةَ المبادرةَ بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، وقبل أن يندم المفرّط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرّجعة فلا يُجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المؤمِّل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء محبوسًا في حفرته بما قدَّم من عمل.
 
والله أعلم.

 


 

المصدر:

  1. http://iswy.co/e10077
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العشر-من-ذي-الحجة #وليال-عشر
اقرأ أيضا
التغريب: الأهداف والأساليب ج7 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج7


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2186
ما هي مرتبة الحضارة في الوحي الإلهي؟ | مرابط
فكر مقالات

ما هي مرتبة الحضارة في الوحي الإلهي؟


إننا يجب أن نكسب انتماء الناس إلى الإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما هم في ذاتهم أي كما كانوا فعلا لا كما جعلناهم نحن عبر عمليات إعادة التصنيع والتشكيل طبقا لميول المستهلك الإسلام في نسخته الحقيقية الصادقة لا الإسلام الذي يميل إلى سماعه المخاطبون النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما عاش فعلا بين حرات طابة لا صورة النبي المصممة للذوق الفرانكفوني.

بقلم: إبراهيم السكران
711
كيف بدأت قصة الإسراء والمعراج | مرابط
مقالات

كيف بدأت قصة الإسراء والمعراج


رحلة الإسراء والمعراج هي أعجب رحلة في التاريخ حيث نقل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجسده من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات العلا ثم عاد به إلى بيت المقدس ثم أخيرا إلى مكة كل ذلك في جزء يسير من الليل

بقلم: د راغب السرجاني
566
إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة | مرابط
مقالات

إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة


يوافق يوم عرفة هذا العام يوم الجمعة وتلك مزية عظيمة تزيد هذا اليوم فضلا على فضله وشرفا على شرفه وتجعل المسلم أشد استعدادا وتهيؤا له وحشدا لحاجاته ورغباته كي يلهج بها لربه سبحانه وتعالى في هذا اليوم المبارك

بقلم: أحمد قوشتي
350
الإنسان المترقب وأزمة ترحيل المهام | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإنسان المترقب وأزمة ترحيل المهام


الإنسان المترقب قد يكون يرفل في ربيع العمر ويحرق سنواته الذهبية بلا مبالاة من يشعل سيجارة لصديق وضع يده على جيبه ولم يجد ولاعته وأخذ ينفث الزمن في الهواء الإنسان المترقب حدث تحول مهم في حياته كان يتابع الجدل والردود المتبادلة ونقائض التيارات عبر المنتديات الإلكترونية ثم صار اليوم يتابعها عبر شبكات التواصل هذا كل ما في الأمر

بقلم: إبراهيم السكران
463
عقول الصحابة والتابعين | مرابط
اقتباسات وقطوف

عقول الصحابة والتابعين


بين يدي القارئ اقتباس لامع لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من كتابه الماتع درء تعارض العقل والنقل يتحدث فيه عن عقول الصحابة الكرام رضي الله عنهم وعقول التابعين ومن تابعهم من العلماء الأجلاء وكيف أنها تفوق الناس جميعا ولا يسع أحد مخالفتهم

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2161