فن أصول التفسير ج6

فن أصول التفسير ج6 | مرابط

الكاتب: مساعد الطيار

717 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

قوله والبيت المعمور

ثم قال:  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4]، هذا القسم رقم ثلاثة، فقوله:  وَالطُّورِ [الطور:1]، هذا القسم الأول،  وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ [الطور:2-3]، وهذا القسم الثاني، وإلى الآن ما هناك تحديد، مع التقييدات التي وردت بها الأوصاف؛ لأنه ما تحدد المراد بالكتاب ما هو.

المراد بالبيت في قوله: (والبيت المعمور)
قال:  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4]، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان له بأنه في السماء السابعة، وأن إبراهيم عليه السلام يتكئ بظهره عليه، فهذا الخبر الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لما تكلم، هل كان يفسر لنا:  وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:1-4]، أو هو خبر مطلق؟

نعم، هو نقلي اجتهادي، بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن البيت المعمور، لم يكن قصده أن يفسر لنا قوله:  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4]، لكن لما وجد في السنة  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4] مصطلح البيت المعمور، وكذلك في القرآن:  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4] فنربط بينهما بأن المراد البيت الذي في السماء، ولذا ورد عن الحسن وغيره، أن المراد بالبيت المعمور الكعبة، ولو تأملنا من حيث المعنى، هل الكعبة بيت معمور أو ليست بيتًا معمورًا؟ معمور، لكن هل هي المراد بالآية أو لا؟ هذا هو الخلاف، والجمهور على أن المراد بالبيت المعمور البيت الذي في السماء، والحسن ومن قال بقوله: على أن المراد بالبيت المعمور الكعبة.

وهنا نسأل: هل ورد ذكر البيت المعمور الذي في السماء في غير هذه الآية؟ ما ورد.

نظائر ذكر البيت المعمور في القرآن
هل ورد البيت المعمور إذا قلنا بأنه الكعبة في القرآن؟

ورد بتسميته بالبيت، قال تعالى:  وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ [البقرة:125]، وهذا هل يدل على معنى المعمور؟ ويكون له نظائر في المعنى أو ما يكون؟

معنى الآية أنهم يأتون إليه مرةً بعد مرة. فالمعنى متقارب، يعني: من حيث المعنى هناك نظائر في المعنى، هذا لو قلنا: بأن المراد بالبيت المعمور الكعبة، لو كنا على صيغة الوجوه والنظائر، فمرة نجعل البيت المعمور وجهًا، والمراد به الذي في السماء، ومرة نقول: البيت المعمور: الكعبة، ولن نستدل بمثل هذه الآية، نقول: نظيرها قوله تعالى كذا، أو نقول: البيت في القرآن لو تأملنا بالمعنى الواسع: البيوت المسكونة، وهذا له أدلته أمثلة نظائره، والبيت الكعبة، والبيت المساجد، والبيت المعمور، فيمكن ونحن نتكلم عن البيت أن نقول: البيت الكعبة:  وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ [البقرة:125].

ونظيره قوله تعالى:  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4]، على وجه، من أجل أن نفهم أن هناك وجهًا آخر، وإلا فما نأتي للبيت المعمور الذي في السماء نقول:  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4]، فمرة جعلناه هنا، ومرة جعلناه لتعدد الأقوال، هذا منهج لو أردنا أن نستخدمه، لكن المقصد من ذلك أن قوله:  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4]، الأظهر والأشهر أن المراد به البيت الذي في السماء، الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ وهو الذي ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين، وأتباع التابعين، فالأولى اتباع الحديث، وقول الجمهور.

إذًا صار عندنا مثال في تحديد المدلول بالسنة النبوية. وبعض المتصوفة، وذكره عنهم أبو عبد الرحمن السلمي، قالوا:  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4]، هذا والله قلب رسول الله، قد عمره الله بالطاعة. وهذا المعنى صحيح بلا خلاف، لكن هل المراد بالبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم؟ نقول: لا، لا علاقة بين هذا المعنى المذكور وبين الآية، فالمعنى المذكور من حيث هو صحيح، لكن الآية لا تدل عليه بأي وجه من الوجوه، ولهذا يعتبر هذا من التفسير الإشاري الخطأ الذي لا يقبل.

 

قوله والسقف المرفوع

قال تعالى:  وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ [الطور:5]، هذا القسم رقم أربعة، ما المراد بالسقف من حيث المعنى اللغوي؟ السقف هو ما على مثل سقف البيت، لكن ما السقف المرفوع؟ المراد سقف البيت أو سقف آخر.

لكن هل هناك آية في القرآن تدل على أن السقف المرفوع هو السماء؟

الجواب: قوله تعالى: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا[الأنبياء:32]، إذًا هذا نعتبره من تفسير القرآن بالقرآن؛ لأنه بين لنا المراد بالسقف المرفوع؛ لأن لفظ السقف المرفوع يحتمل أن المراد به ما علاك من السقوف، لكن لما قال: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا)، دل على أن المراد بالسقف المرفوع هنا السماء.

وهكذا فعل علي بن أبي طالب، فقد فسر السقف المرفوع بقوله: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا[الأنبياء:32].

والسقف من ناحية استخدام القرآن، سنجد أنه استخدم سقف البيوت، واستخدم السقف الذي هو المراد به السماء.

والمفسر الصوفي السابق لما جاء عند السقف قال: هذا والله رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأسه عالٍ في السماء. وهذا القول أشد من الأول.


قوله والبحر المسجور

قال:  وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ [الطور:6]، هذا القسم رقم خمسة. ‏

أوصاف البحر الواردة في القرآن
وهنا فائدة عند النظر في البحر ومدلولاته وأين ما ورد فيه في القرآن من أوصاف، أو.. أو.. إلى آخره ستجد أشياء كثيرة، مثل: كون ماء البحر مالحًا، اللحم الطري الذي في البحر، فوائد البحر التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، علاقة البحر بموسى عليه السلام، علاقة البحر بالطوفان، أمثلة كثيرة ممكن تتـأملها وأن تقرأ فيما يتعلق بالبحر ووروده في القرآن، والمنافع أو الأشياء التي في البحر، لكن نريد الآن غير هذا، هنا قال:  وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ [الطور:6]، هل وردت آية شبيهة بهذا؟

نعم، قوله:  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، وليس لها أيضًا نظير، يعني ما وردت في القرآن مادة سجر في غير هذين الموطنين.

معنى سجر
وعندما نأتي إلى مادة سجر، نجد فيها اشتراكًا لغويًا، فبعضهم قال: سجر بمعنى أوقد، وبعضهم قال: سجر، بمعنى امتلأ، وبعضهم قال: سجر بمعنى غاض وانتهى ماؤه، وبعضهم قال: المسجور: المحبوس، وكلها دلالتها لغوية، لكن كيف نتعامل مع هذا الخلاف، ونربط بين الآيات؟ هل الآيات بينها تشابه في الزمن؟ لما قال:  وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ [الطور:6]، هل هو إقسام ببحر موجود، أو بحر سيوجد؟ موجود، فقوله:  وَالطُّورِ [الطور:1]، عطف عليه،  وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ [الطور:2]، وعطف عليه،  وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ [الطور:4]، وعطف عليه،  وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ [الطور:5]، وعطف عليه،  وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ [الطور:6]، أي: أن هذا الشيء موجود، فقوله:  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، فهل هذا موجود أو غير موجود وسيقع؟

بناءً على هذا لو جاء مفسر وفسر البحر المسجور بغير:  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، هل نقول: إن المفسر تناقض قوله؟ لا ما نقول: تناقض قوله، فإذا جاء الطبري عند قوله:  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، وقال: المسجور: المملوء، ولما جاء عند قوله:  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، قال: الموقدة، فيقول: هذا فيه تناقض، لماذا لم يتواءم قوله في المسجور مع قوله في وإذا البحار سجرت، نقول: لا؛ لأن قوله:  وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ [الطور:6]، هو حديث عن البحر الموجود،  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، حديث عما سيكون في البحار، فإذًا اختلف الزمن، وإن كان مدلول المسجور وسجرت من حيث المعنى اللغوي قد يكون بينهما تقارب كما سيأتي.

إذًا قوله:  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، الطبري رحمه الله تعالى لما أراد أن يستدل على رأيه، بأنه البحر الموجود بين يدينا من هذه البحار، نظر ما هو الوصف الذي يصلح لها؟ هل هي محبوسة؟ هل هي ملأى؟ هل هي موقدة؟ هل هي فارغة؟ أي وصف ممكن ينطبق عليها من هذه الأوصاف الأربعة؟ ملأى، وأيضًا محبوسة، لكن دلالة الامتلاء أشهر من دلالة الحبس، فإذًا قدمنا دلالة الامتلاء لأمرين: لكونها الآن مملوءة، ولكون الامتلاء أشهر في الإطلاق من الحبس، فكأنه قال: والبحر المملوء ماءً، وهو الحدث الذي نشاهده اليوم، يعني: كل الناس يرون البحر ممتلئًا بالماء.

وإذا اخترنا أنها أوقدت يعني ملئت فأوقدت فيبست، على أنها مراحل لها؛ لأنها إذا امتلأت فجر بعضها على بعض؛ لأنه قال:  وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ [الانفطار:3]، فإذا تفجرت البحار بعضها على بعض تكون بحرًا واحدًا ممتلئًا، ثم تحصل مرحلة الإيقاد فيها، ثم يحصل لها مرحلة اليبس؛ فالماء إذا تعرض للنار يتبخر ويفنى ويذهب، فكأنها إشارة إلى مراحل تقع للبحار، ويكون هذا من بلاغة القرآن في اختيار اللفظة الواحدة الدالة على هذه المراحل (سجرت).

لكن على العموم المقصد أن ننتبه إلى أن قوله:  وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ [الطور:6] وقوله:  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، فبينهما علاقة من جهة، لكن أيضًا بينهما اشتراك من جهة أخرى.

فإذًا هذا القسم قسم بالبحر الموجود عندنا الآن والذي نشاهده، ونحن نشاهد البحر الآن ممتلئًا، فيكون كأنه قسم بالبحر المملوء، وسبق أن لفظة المسجور لم ترد في القرآن بأكثر من هذا الموطن.


التأمل والتدبر في الآيات

الآن عندنا تلك الإقسامات التي في هذه الآيات الست، وهذا جزء مما يمكن أن يتدبر فيه، وأن يتأمل، وخذ يقينًا لو أن كل واحد منا جلس يتأمل ويتدبر وكان عنده أيضًا من المعلومات الشيء الكثير، سيظهر له أشياء وأشياء غير ما يظهر للآخر، وتصور لو كل واحد منّ الله عليه بمثل هذه التدبرات فيكتبها ويتدارسها مع غيره، ثم تنشر هذه التدبرات، فكم من المعاني والاستنباطات واللطائف ستخرج عندنا، مثلًا قول الله تعالى:  قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ [يوسف:37]، كنت أستمع للشيخ عبد الوهاب الطريري وهو يعلق على هذه القصة، فسبحان الله تعجبت كيف وقف عند ترزقانه! ولماذا قال: ترزقانه؟ مع أن المعنى بدونها تام؛ وقصد يوسف عليه السلام أن يخبرهم بأن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه هذه القدرة على معرفة هذا الغيب الذي سيأتيه، فكانت الفائدة من ذكر (ترزقانه) التنبيه على نعمة الرزق، وأن هذا الطعام رزق من الله سبحانه وتعالى لكم، فلاحظ مجيء هذه اللفظة كيف دلت على هذه الدلالة؟ فكأنه يدعوهم إلى الله الذي يرزقهم، وهو الآن في مقام الدعوة، فالحقيقة انبهرت من هذه اللطيفة التي تنبه لها الشيخ الدكتور عبد الوهاب، وألمح إليها، مع أن الواحد يمكن أنه قرأ هذه مرة ومرتين وعشرًا، فما التفت إلى هذه الفائدة اللطيفة.

المقصد مما سبق أن العبد المسلم إذا سخر نفسه لمثل هذه الأمور تبدأ تتوالد عنده الأفكار والاستنباطات البديعة جدًا، ولكن كما قلنا سابقًا أن الذي ليس عنده علم، لا يتسور على هذه الأمور ويتبناها، وإنما يتدارسها مع أهل العلم، ويسأل عما فهمه من القرآن؛ لأنه قد يكون فهمه خطـأ، فيكون قد قال على الله بغير علم، ومن قال على الله بغير علم فإنه يدخل في قوله:  قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33]، ثم ختم الآية بقوله:  وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

ومع أننا ندعو إلى التدبر، فإننا أيضًا ندعو إلى ترشيد هذا التدبر، ولا يكون كل واحد يتدبر ويروح يخرج لنا كتابًا فتخرج لنا أشياء من الطوام بسبب أن الأساس فيه جهل، فلا بد أن يكون هناك نوع من المدارسة لمثل هذه الأمور.

وقد وردت أحاديث في أن النار تحت البحر، والأحاديث في ذلك ضعيفة، وورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سأل يهوديًا، قال: أين جهنم؟ قال: البحر، يشير إلى أن جهنم تحت البحر، فقال علي رضي الله عنه: ما أراه إلا صادقًا،  وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ [الطور:6]  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، قرأها هكذا بالتخفيف، فـ علي بن أبي طالب يستدل ويصحح قول اليهودي بالقرآن، وهذا يجب أن ننتبه له فلا يقول قائل: هذا قول يهودي، فكلامه الذي ذكره يوافق ما قاله الله في معنى: (وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ)، (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)، وعلي فهم من السجر الإيقاد، الذي هو أحد معاني السجر.

وفي العلم المعاصر اكتشفوا أنه تحت البحر نار أو كذا، وإذا ثبت هذا ثبوتًا يقينيًا، فهو لا يمنع ولا يضر، بل يقوي المعنى المذكور بقضية البحر المسجور، الذي هو أحد المعاني الواردة، وليس معنى ذلك أن المعاني الأخرى ليست صحيحة، بل هي صحيحة.

 

قوله إن عذاب ربك لواقع

ثم قال تعالى:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7].

علاقة (إن عذاب ربك لواقع) بما قبلها من الآيات
ما علاقة:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7] بما قبلها من الآيات؟ هذا نسميه جواب القسم، وقتادة رضي الله عنه عنده عبارة دائمًا يرددها يقول: هنا وقع القسم، وهي التي سماها العلماء الذين جاءوا بعده بجواب القسم، وجواب القسم هنا ظاهر، ولك أن تبحث الأقسام في القرآن التي ظهر جوابها في الآيات، وأقسام القرآن التي حذف جوابها، فجواب القسم، إما أن يكون ظاهرًا، وإما يكون محذوفًا، ومثال الآيات التي يكون جواب القسم فيها محذوفًا: قوله سبحانه وتعالى:  وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا [النازعات:1]، يقدر جواب القسم،  لَتُبْعَثُنَّ ))، ومثله أيضًا:  وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2]، ومثله أيضًا:  وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1].

أما أمثلة الآيات التي يكون جواب القسم فيها ظاهرًا فقوله تعالى:  وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2].

وقوله: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى[الليل:1]، جواب القسم  إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل:4]، وقوله:  وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1] جواب القسم  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، إذًا عندنا أمثلة كثيرة.

نظائر قوله تعالى: (إن عذاب ربك لواقع) في القرآن
وقوله:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7]، هل ورد نظير لهذا المعنى في القرآن؟

نعم في سورة الذاريات قال تعالى:  إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ [الذاريات:5]، لكن ما معنى صادق، قال في الآية بعدها: وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ [الذاريات:6]، الذي هو الجزاء، وهنا قال:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7].

وقوله:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7]، (إن) هذه مؤكدة، يعني: الخبر مؤكد بالقسم، ثم مؤكد بـ (إن)، ثم مؤكد باللام في قوله: (لَوَاقِعٌ).

دلالة استخدام اسم الرب
ومن اللطائف التي تمر كثيرًا، استخدام اسم الرب في هذا الموطن، وهو أول الأسماء ظهورًا لمحمد صلى الله عليه وسلم لما نبئ كقوله تعالى:  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[العلق:1] وقوله:  يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر:1-3]، وفي قصة موسى عليه السلام في سورة طه، قال:  إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12]، قصدي من ذلك أنا ننتبه إلى هذه القضية.

ومن الأشياء التي يمكن أن تبحثها: أن في قصة موسى عليه السلام في سورة طه قال:  فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:11-12]، فبدأ بالربوبية، ثم ثنى بالألوهية.

وفي سورة النازعات قال:  إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى [النازعات:16]، نلاحظ أن الظهور الأول باسم الربوبية، وهذا له معاني متعددة، ومن المعاني معنى التربية والرعاية، يعني لما ذكر اسم الرب، كأنه يشير إلى ما في هذا الاسم من معنى التربية والرعاية له عليه الصلاة والسلام؛ لأنه الألوهية معناها التكليف والعبودية، ولم يأتِ بعد التكليف والعبودية، فظهر له أولًا باسم الرب.

وعند النظر في قوله:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7]، كيف قيل: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ)؟ هل العذاب من آثار الربوبية؟

أنت إذا تأملت الأصل، تجد أن المربي يغلب جانب الإصلاح، وجانب الرفق، فلما جعل العذاب من جانب الربوبية، دل على أن الخطأ الذي وقع، خطأ عظيم، مثلما يقولون: اتقِ غضبة الحليم إذا غضب، فلو قال: إن عذاب العزيز لواقع، إن عذاب الجبار لواقع، فهذا متناسق ظاهر، لكن كونه يقول:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7]، كأن فيه إشارة إلى عظم الذنب الذي وقع، وهو قضية إنكار البعث، لأنهم هم لا يؤمنون بالبعث.

كذلك ما قال: إن عذاب ربهم، وإنما قال:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ [الطور:7]، فأضاف اسم الربوبية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإضافة اسم الربوبية إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا المقام فائدتها: الأمر الأول: تشريف النبي صلى الله عليه وسلم، أي: ربك أنت.

الأمر الثاني: قضية الرعاية، فكأن فيه تطمينًا للنبي صلى الله عليه وسلم، بأن هؤلاء الكفار سينتقم منهم، قال: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ)، ولو قيل: إن عذابنا لواقع، أو غيره من أسماء الربوبية، أو أسماء الله سبحانه وتعالى، لاحتمل صحيحًا، لكن اختيار هذا الاسم يجعلنا نبحث عن العلة والفائدة من اختيار هذا الاسم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أصول-التفسير
اقرأ أيضا
التأويل المذموم | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

التأويل المذموم


مصطلح التأويل من أكثر المصطلحات تداولا لدى الفرق العقدية وأكثرها حضورا في كتبهم وأقوالهم إذ كان من حججهم الكبار في تحريف النص وفي هذا المقال يناقش الدكتور فهد بن صالح العجلان قضية التأويل ويوضح لنا ماهية التأويل الفاسد وكلام العلماء عنه وكيف يصل في النهاية إلى تحريف النصوص الواضحة عن معناها ومقصدها

بقلم: فهد بن صالح العجلان
3268
العربي اليوم | مرابط
اقتباسات وقطوف

العربي اليوم


العربي اليوم هو أعظم الناس حملا للتكليف لأنه يحمل وزر ما هو فيه من ضعف ينبغي أن ينفض عن نفسه آصاره ويحمل حق أجيال مقبلة توجب عليه أن يعمل ويمهد لها في هذه الأرض ويحمل أيضا أمانة آباء وأجداد وأسلاف مهدوا له هذه الدنيا التي يسكنها من أطراف الهند إلى أقصى مراكش ومن حدود تركيا إلى أقصى السودان

بقلم: محمود شاكر
555
شبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام


تقول الشبهة أن نمروذ لم يكن حيا في زمن إبراهيم عليه السلام فكيف يتفق ذلك وما جاء في القرآن حيث علمنا أنه ألقى سيدنا إبراهيم عليه السلام في القرآن بينما استنادا إلى بعض المصادر وعلى رأسها الكتاب المقدس نجد أنه لم يكن موجودا بعصر إبراهيم بين يديكم في هذا المقال الرد على الشبهة

بقلم: محمد عمارة
1113
المرأة المسلمة ج1 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة المسلمة ج1


المرأة إذا فسدت وانحرفت غدت فتنة لكل مفتون وسببت الفساد والدمار في المجتمع وركزوا على المرأة لأن المرأة هي التي تتخرج على يديها الأجيال التي ينتظر منها أن تبعث مجد الأمة والتي يتخرج على يديها الشباب الذين سوف يملئون الفراغ الذي وقعت به الأمة الإسلامية

بقلم: سلمان العودة
523
مدمنو البيانات | مرابط
ثقافة

مدمنو البيانات


شبكة الإنترنت خلقت نوعا جديدا من السلوك القهري يشتمل على الإفراط في تصفح الشبكة والبحث في قواعد المعلومات وهؤلاء الأفراد يبددون كمية غير مناسبة من الوقت في البحث وجمع وتنظيم المعلومات وهو ما يسمى بالإفراط في تحميل المعلومات

بقلم: إبراهيم السكران
453
موقف من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه | مرابط
تفريغات

موقف من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه


إن كل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو داع إلى الله وهو آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولهذا كان الصحابة الكرام جميعا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر وأول وأعظم من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هم أعظم أكابر الصحابة في الإيمان والتقوى كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما

بقلم: سفر الحوالي
482