قاعدة جليلة في التوكل

قاعدة جليلة في التوكل | مرابط

الكاتب: ابن القيم

1346 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قَاعِدَة: التَّوَكُّل على الله نَوْعَانِ؛

أَحدهمَا توكل عَلَيْهِ فِي جلب حوائج العَبْد وحظوظه الدُّنْيَوِيَّة أَو دفع مكروهاته ومصائبه الدُّنْيَوِيَّة

وَالثَّانِي التَّوَكُّل عَلَيْهِ فِي حُصُول مَا يُحِبهُ هُوَ ويرضاه من الْإِيمَان وَالْيَقِين وَالْجهَاد والدعوة إِلَيْهِ.

وَبَين النَّوْعَيْنِ من الْفضل مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله فَمَتَى توكل عَلَيْهِ العَبْد فِي النَّوْع الثَّانِي حق توكله كَفاهُ النَّوْع الأول تَمام الْكِفَايَة وَمَتى توكل عَلَيْهِ فِي النَّوْع الأول دون الثَّانِي كَفاهُ أَيْضا لَكِن لَا يكون لَهُ عَاقِبَة المتَوَكل عَلَيْهِ فِيمَا يُحِبهُ ويرضاه فأعظم التَّوَكُّل عَلَيْهِ التَّوَكُّل فِي الْهِدَايَة وَتَجْرِيد التَّوْحِيد ومتابعة الرَّسُول وَجِهَاد أهل الْبَاطِل فَهَذَا توكل الرُّسُل وخاصة أتباعهم

التَّوَكُّل تَارَة يكون توكل اضطرار وإلجاء بِحَيْثُ لَا يجد العَبْد ملْجأ وَلَا وزرا إِلَّا التَّوَكُّل كَمَا إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَسْبَاب وَضَاقَتْ عَلَيْهِ نَفسه وَظن أَن لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ وَهَذَا لَا يتَخَلَّف عَنهُ الْفرج والتيسير الْبَتَّةَ وَتارَة يكون توكل اخْتِيَار وَذَلِكَ التَّوَكُّل مَعَ وجود السَّبَب المفضي إِلَى المُرَاد فَإِن كَانَ السَّبَب مَأْمُورا بِهِ ذمّ على تَركه وَإِن قَامَ السَّبَب وَترك التَّوَكُّل ذمّ على تَركه أَيْضا فَإِنَّهُ وَاجِب بِاتِّفَاق الْأمة وَنَصّ الْقُرْآن وَالْوَاجِب الْقيام بهما وَالْجمع بَينهمَا وَإِن كَانَ السَّبَب محرما حرم عَلَيْهِ مُبَاشَرَته وتوحد السَّبَب فِي حَقه فِي التَّوَكُّل فَلم يبْق سَبَب سواهُ فَإِن التَّوَكُّل من أقوى الْأَسْبَاب فِي حُصُول المُرَاد وَدفع الْمَكْرُوه بل هُوَ أقوى الْأَسْبَاب على الْإِطْلَاق وَإِن كَانَ السَّبَب مُبَاحا نظرت هَل يضعف قيامك بِهِ التَّوَكُّل أَو لَا يُضعفهُ فَإِن أضعفه وَفرق عَلَيْك قَلْبك وشتت همك فَتَركه أولى وَإِن لم يُضعفهُ فمباشرته أولى لِأَن حِكْمَة أحكم الْحَاكِمين اقْتَضَت ربط الْمُسَبّب بِهِ فَلَا تعطل حكمته مهما أمكنك الْقيام بهَا وَلَا سِيمَا إِذا فعلته عبودية فَتكون قد أتيت بعبودية الْقلب بالتوكل وعبودية الْجَوَارِح بِالسَّبَبِ الْمَنوِي بِهِ الْقرْبَة وَالَّذِي يُحَقّق لتوكل الْقيام بالأسباب الْمَأْمُور بهَا فَمن عطلها لم يَصح توكله كَمَا أَن الْقيام بالأسباب المفضية إِلَى حُصُول الْخَيْر يُحَقّق رَجَاءَهُ فَمن لم يقم بهَا كَانَ رجاؤه تمنيّا كَمَا أَن من عطّلها يكون توكله عَجزا وعجزه توكلا

وسر التَّوَكُّل وَحَقِيقَته هُوَ اعْتِمَاد الْقلب على الله وَحده فَلَا يضرّهُ مُبَاشرَة الْأَسْبَاب مَعَ خلو الْقلب من الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا والركون إِلَيْهَا كَمَا لَا يَنْفَعهُ قَوْله توكلت على الله مَعَ اعْتِمَاده على غَيره وركونه إِلَيْهِ وثقته بِهِ فتوكل اللِّسَان شَيْء وتوكل الْقلب شَيْء كَمَا أَن تَوْبَة اللِّسَان مَعَ إِصْرَار الْقلب شَيْء وتوبة الْقلب وَإِن لم ينْطق اللِّسَان شَيْء فَقَوْل العَبْد توكلت على الله مَعَ اعْتِمَاد قلبه على غَيره مثل قَوْله تبت إِلَى الله وَهُوَ مصر على مَعْصِيَته مرتكب لَهَا

 


 

المصدر:

ابن قيم الجوزية، الفوائد، ص86

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-القيم
اقرأ أيضا
موانع قبول الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

موانع قبول الحق


مقتطف رائع لابن قيم الجوزية من كتاب هداية الحيارى يشير فيه إلى موانع قبول الحق التي تحول بين الشخص وبين الانقياد للحق حتى لو أنه ليس جاهلا به فهناك الكثير من المحاور الأخرى أو الأسباب الأخرى التي تمنع ذلك وهنا يستعرضها لنا بشكل دقيق

بقلم: ابن القيم
2245
هل يحق للنسويات انتقاد وضع المرأة في الإسلام؟ | مرابط
النسوية

هل يحق للنسويات انتقاد وضع المرأة في الإسلام؟


وأما النسوية الليبرالية فليس لها أيضا انتقاد مكانة المرأة ولا أحكامها في الإسلام لأن الليبرالية تقرر نسبية الحقيقة أي الحق عندي ليس بالضرورة هو كذلك عندك وهذه سفسطة يقررها عامة الليبراليين يقول راسل: إن الفيلسوف الليبرالي لا يقول: هذا حق بل يقول في مثل هذه الظروف: يبدو لي أن هذا الرأي أصح من غيره

بقلم: حمود بن ثامر
428
مقصود طلب العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقصود طلب العلم


كثير من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رياسة أو مال ولكل امرئ ما نوى وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله فهو مقصود عندهم لمنفعته لهم وحاجتهم إليه في الدنيا والآخرة كما قال معاذ بن جبل في صفة العلم: إن طلبه لله عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة به يعرف الله ويعبد ويمجد الله ويوحد

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
490
طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج2 | مرابط
تفريغات

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج2


من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله فقاموا بتفنيد هذه الشبه وفضح أهل البدع بكل ما أوتوه من قوة وبيان

بقلم: أبو إسحاق الحويني
998
بالمساواة يتحقق العدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

بالمساواة يتحقق العدل


المساواة هي الشعار البراق اللامع الذي يرفعه الكثير من الناس ويقدمونها كأنها قيمة مثالية عليا متى تحققت صلح الواقع وبالتالي فلا يحق لأحد معارضتها أو إنكارها ولكن الحقيقة أن هذا الشعار البراق هو محض وهم فالمساواة ليست دائما حسنة ومن هنا يقف بنا المقال عند قيمة العدل وقيمة المساواة للتفريق بينهما وفهم ميدان عمل كل واحد منهما

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2289
الوحي بين المحكم والمتشابه | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الوحي بين المحكم والمتشابه


الوحي كما أخبر الله فيه النص المحكم الذي يجب التزامه والنص المتشابه الذي يلزم رده إلى المحكم فإذا غاب عن الباحث قاعدة المحكم والمتشابه فلن يتميز له المراد الإلهي وسيبقى مترددا متذبذبا يقفز مع كل أطروحة ويركبه كل اعتراض

بقلم: عبد الله العجيري
481