طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج2

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج2 | مرابط

الكاتب: أبو إسحاق الحويني

883 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أدلة أهل البدع على تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة والرد عليها

احتج أهل البدع على تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، بالحديث الذي رواه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (بينما كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، مجتابي النمار؛ فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم، تمعر وجهه -مما رآهم عليه من الفاقة- فأمر بلالًا فأذن فأقام فصلى، فخطب في الناس ثم قال: ليتصدق أحدكم من صاع بره، من صاع تمره، من درهمه، حتى ذكر شق التمرة، فقام رجل من الأنصار فأتى بصرة كادت يده أن تعجز عن حملها بل عجزت فوضعها، فتتابع الناس كل يأتي بما عنده حتى صار عند النبي صلى الله عليه وسلم كومان من طعام وإهاب، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل كأنه مذهب، ثم قال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).

فهذا الحديث أحد أدلتهم على وجود ما يسمى بالبدعة الحسنة، وأول سؤال يتبادر إلى الذهن: نحن نعلم أن البدعة طريقة في الدين مخترعة، ترى ما الذي اخترعه الأنصاري؟! ما فعل الأنصاري أكثر من أنه جاء بصرة مال اتباعًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: القائل: (ليتصدق... ) إذًا الذي جاء به الأنصاري صدقة، فعندما قيل: (ليتصدق أحدكم) جاء بصدقة، فهل الصدقة ابتدعها الأنصاري أم حض عليها تبارك وتعالى في الكتاب المنزل، وحض عليها النبي عليه الصلاة والسلام في كلامه؟ إذًا ما وجه الاحتجاج بهذا الحديث على وجود البدعة الحسنة؟ إنه لما فصل الكلام عن سياق الموضوع ظهر هذا المعنى الجديد، فليس في هذا الحديث حجة على الذين يقولون بالبدعة الحسنة، لاسيما وكلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يدخله مكذوب قط يمنع من القول بذلك، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة) جملة موجبةٌ كلية، (موجبة) : لم يسبقها ناصب ولا جازم (كلية) : أي مكبرةٌ بلفظ (كل) الذي يفيد العموم والشمول، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: (كل مسلم) فهي جملة من أقوى الجمل، بل هي قاعدةٌ فقهية لشمولها، ولا تسمى القاعدة قاعدة إلا إذا انتظمت كل الجزئيات تحتها.

إذًا لا يصير القول قاعدة إلا إذا كانت جميع الجزئيات تحته، وهذا الحديث قاعدة كلية.

ومما يحتج به أيضًا هؤلاء المبتدعة: قوله عليه الصلاة والسلام: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن، وما رأوه قبيحًا فهو قبيح).

والجواب: أن هذا الحديث لا أصل له مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له وجهٌ صحيح، إنما الصواب: أنه من كلام ابن مسعود، لكن المبتدعة نزعوه من كلام ابن مسعود أيضًا.

فـ ابن مسعود لم يقل هذه الكلمة فقط، بل قال كلامًا قبلها، وإذا قرأت الكلام قبلها علمت كيف لعبوا أيضًا بكلام ابن مسعود ونزعوه من السياق، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله نظر في قلوب العالمين، فاختار قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لرسالته؛ ثم نظر في قلوب العالمين فاختار أصحابه له، فما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو قبيح).

فانظر إلى الجملة عندما وضعت في مكانها هل أفادت ما يحتج به؟ الجواب: لا.

(ثم نظر في قلوب أصحابه فاختارهم له، فما رآه المسلمون) فمن المقصود بالمسلمين هنا؟ إنهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، إذًا لفظ المسلم وإن خرج مخرج العموم فالمقصود به هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام بدلالة السياق، والسياق (أيها المسلمون) من المقيدات وهذه خطورته، وخطورة نزع كلمة أو جملة منه، فكلمة (عين) إذا سمعتها أيها العربي فأول شيء يتبادر إلى ذهنك أنها العين التي تبصر بها، فإذا سمعته يقول: صنعتها على عيني، هل يعني هذا أنه وضع شيئًا في عينه واشتغل فيه؟ (صنعته على عيني) أي: أوليته اهتمامي، والذي جعلك تؤول لفظ العين في المثال الثاني هو السياق، فإذا قلت: أرسلت إلى العدو عينًا، أليس هذا هو الجاسوس؟ تعددت معاني كلمة العين عندما أدخلتها في السياق، والسياق هو الذي يرجح المعنى، لذلك حذف كلمة أو جملة منه جريمة.

الفعل (رغب) يتعدى بحرف الجر (عن) مرة، و (في) مرة، وفي كلا التعديتين مناقضة للأخرى، تقول: رغبت في كذا أي: أردته، ورغبت عنه أي: كرهته، ما الذي حول هذا اللفظ؟ إنه السياق.

ولذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) أي: ما رآه الصحابة، بدلالة السياق؛ لأنه أورد هذا الكلام تعظيمًا لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولئن قلنا: ليس المقصود بالمسلمين خصوص الصحابة، فيكون لفظ المسلمين يفيد إجماع المسلمين، والإجماع حجة شرعية ملزمة إذا ثبتت، وهو أحد الأدلة الأربعة المتفق عليها بين الجماهير، وهي: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، ومن العلماء من يكفر مخالف الإجماع، وأكثرهم يضللونه ويفسقونه.

فيكون اللفظ: (ما رآه المسلمون) أي: ما رآه العلماء المحققون إجماعًا قطعًا هو عند الله حسن، والدلالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة) والسر في ذلك أن أية أمة تبتدع بدعة أو تغير شيئًا في شريعتها كان الله ينزل نبيًا، كما حدث لبني إسرائيل، فلما قضى الله تبارك وتعالى أن نبينا صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، ولو ابتدعت الأمم بدعة أو غيرت شيئًا من شريعتها فلن يرسل رسولًا؛ لأنه عصم الأمة أن تجتمع على ضلالة.

وليس المقصود بالأمة هنا من كانت في مصر أو في الشام، بل المقصود: مجموع الأمة كلها، فلو أجمع الناس في بلدنا على تحليل الخمر مثلًا، فطالما أن هناك في الشام من ينكرها فقد خرق الإجماع، ولا يكون إجماعًا حينئذٍ، ويستحيل أن تجد الأمة مجمعة على تحريم ما أحل الله، أو على تحليل ما حرم الله، وإلا ذهبت حجة الله على الخلق، بل ما من مكانٍ إلا ولله فيه قائم بحجة.

إذًا: قوله: (ما رآه المسلمون حسنًا) لا يستفاد منه إلا تحريم أي شيء من البدع، لا سيما إذا علمنا أن البدعة هي طريقة في الدين مخترعة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة
اقرأ أيضا
الغناء بريد الشيطان | مرابط
تفريغات

الغناء بريد الشيطان


هذا كان يقوله ابن مسعود لما كان الغناء يقع من الجواري والإماء المملوكات يوم أن كان الغناء بالدف والشعر الفصيح يقول: هو رقية الزنا فماذا يقول ابن مسعود لو رأى زماننا هذا وقد تنوعت الألحان وكثر أعوان الشيطان؟! لقد أصبحت الأغاني تسمع -والعياذ بالله- في كل مكان والأغاني طريق لنشر الفاحشة فما يكاد يذكر فيها إلا الحب والغرام بالله عليك هل سمعت مغنيا غنى يوما في التحذير من الزنا أو أكل الربا أو حتى عن صوم النهار وبكاء الأسحار وتعظيم الواحد القهار؟!

بقلم: محمد العريفي
410
الحرية بين الحقيقة والوهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحرية بين الحقيقة والوهم


الحرية هي المعنى الذي يسعى إليه جميع الناس ويريد كل واحد أن يعيشه ويلتذ به ولكن ما هو الطريق المسلوك للوصول إليها هنا نقف أمام مفترق طرق بين الرجل الصادق الذي يدعو إليها وإلى وسائلها وبين الرجل الدجال الذي يخدع الناس ويرشدهم إلى مواطن الخلل التي لا تفضي إلى شيء

بقلم: محمود شاكر
1435
الإيمان الديني: هل هو قائم على التسليم أم البرهنة؟ | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الإيمان الديني: هل هو قائم على التسليم أم البرهنة؟


يقول عدد من أنصار العلموية في العالم العربي ودعاة المذهب الإيمانوي في الغرب إن الاستدلال للإيمان الديني ببرهان الإعجاز العلمي أو أي برهان آخر من أي جنس باطل ضرورة فإن الإيمان الديني قائم على التسليم لا البرهنة كما أن الاستدلال بالوحي للعلم داع لترك البحث العلمي والركون إلى أخبار الأسفار المقدسة التي لم تنزل لصناعة وعي علمي

بقلم: د. سامي عامري
378
لماذا ينكرون السنة؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا ينكرون السنة؟


أولا اعلم أن القرآن لا يدل مطلقا أن الرسول صلى الله عليه ليس له سنة وليس له طاعة مستقلة عن نصوص القرآن بل الظاهر من القرآن أن الله أمر الناس بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه ولو كانت هذه الطاعة فيما تضمنته نصوص القرآن فقط لم يكن لهذا الأمر فائدة ولم يكن لذكر طاعة الرسول في الآيات الكثيرة أي فائدة !

بقلم: فهد الغفيلي
301
الاختلاط بين زمانين: مفارقات مرة وعبرات حارة | مرابط
مقالات المرأة

الاختلاط بين زمانين: مفارقات مرة وعبرات حارة


هذان زمانان.. زمان لزمت فيه المرأة فطرتها السوية وعرفت مكانتها ودورها وأدركت معنى العفة والحياء فلم تزاحم الرجال ولم تخالطهم وسدت من حولها كل الذرائع وأدت ما عليها وحفظت حدود الله فأخرجت للأمة أعلاما شامخة ساد بها الإسلام. وزمان انتكست فيه الفطر وتكسرت فيه الحدود فاختلط الرجال والنساء كاختلاط النار بالحطب وخرجت المرأة من بيتها وتخلت عن دورها تلهث وراء سراب تحسبه ماء فنزعت عنها ثوب الحياء والعفة وتمركزت حول نفسها كأنثى ونسيت دورها في بيتها فأخرجت أجيالا كغثاء السيل.

بقلم: محمود خطاب
348
خواطر حول قصة نجاة موسى عليه السلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

خواطر حول قصة نجاة موسى عليه السلام


كان يقين موسى بوعد الله وكرمه كفيل بنجاة قومه. فأنجى الله جماعة من الناس بسبب يقين شخص واحد. فكذلك الأمر في حالتك فقد تكون حالة واحدة منك فيها يقين بوعد الله وكرمه يصلح الله بها كل حياتك وينجيك من كل همومك.

بقلم: د. سلطان العميري
299