قصة الحروب الصليبية الجزء الثاني

قصة الحروب الصليبية الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: موقع قصة الإسلام

2156 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

سلسلة الحروب الصليبية

لم تكن الحروب الصليبية معروفة بهذا الاسم طيلة الفترة التي حدثت فيها، وكان الجميع يطلق عليها أسماء أخرى مثل: الحملة، أو رحلة الحجاج، أو الرحلة للأراضي المقدسة، أو الحرب المقدسة، ويبلغ عددها ثمانية حروب.

 

الحرب الصليبية الأولى (490- 493هـ= 1096- 1099م)

بدأت هذه الحرب بكتائب شعبية من المشاة والنساء والأطفال بقيادة بطرس الناسك، إضافة إلى جمع عظيم من الجنود يشمل مئات الآلاف بقيادة أربعة من كبار القادة في أوربا، وقد نعت بعضهم قوة الجيش الصليبي بقوله " كانت الجيوش الصليبية عبارة عن شعب كامل يسير"، و" يخيل أن أوروبا اقتلعت من أصولها"، واستولت الجيوش الصليبية على مدينة نيقية عاصمة السلطان السلجوقي قلج أرسلان، ثم استولت على الرها وأنطاكية وبيت المقدس وعكا وطرابلس.
وكان من أهم أسباب نجاح الصليبيين في احتلالهم لتلك المدن ما كان عليه المجتمع الإسلامي من الانحلال والنزاع، حيث كان الأخوة ملوك آل سلجوق (بار كيارق، محمد، سنجر) لاهين بالحروب الداخلية العائلية فيما بينهم، والخليفة العباسي المستظهر لم يجتهد في التأليف بين هؤلاء الاخوة الثلاثة والاتحاد معهم على محاربة الصليبيين.

 

الحرب الصليبية الثانية (542- 544هـ= 1147- 1149م)

دعا إليها الراهب الفرنسي سان برنارد بعد أن استولى عماد الدين زنكي على مدينة الرها، نظرًا لما لهذه المدينة من الحرمة والقداسة عند الصليبيين، وكان عماد الدين زنكي حينئذ يتزعم الدفاع عن الإسلام، ولكنه تُوفِّى قبل أن يطرد الصليبيين، وخلفه ابنه نور الدين محمود الذي هيَّج بانتصاراته عواطف أوروبا، فأُعلنت هذه الحرب بقيادة كونراد الثالث ملك ألمانيا ولويس السابع ملك فرنسا لتتصدى له، ولكنها باءت بالفشل لاحتدام الخلاف بين قادتها.

 

الحرب الصليبية الثالثة (585- 590هـ= 1189- 1193م)

قادها ثلاثة من أشهر ملوك أوربا وهم ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا، وفيليب أغسطس ملك فرنسا، وفريدريك بربروسا إمبراطور ألمانيا، وكان مصير هذه الحرب الفشل بسبب غرق إمبراطور ألمانيا وموته في النهر وهو في الطريق، فتشتت جيشه من بعده، بينما نشب الخلاف بين ملك فرنسا وملك إنجلترا، ومن ثم رحل ملك فرنسا إلى بلاده، وظل ريتشارد يقاتل صلاح الدين الأيوبي إلى أن تم توقيع صلح الرملة بين الطرفين في سنة 588هـ= 1192م، وكان صلاح الدين هو الذي تسلم راية الجهاد ضد الصليبيين بعد نور الدين محمود وقد انتصر عليهم في معركة حطين الفاصلة التي فتحت الطريق لتحرير بيت المقدس في سنة 583هـ= 1187م.

 

الحرب الصليبية الرابعة (599- 604هـ= 1202- 1204م)

كان الدافع لهذه الحرب هو الدافع العام للحروب التي سبقتها، وهو دافع استرجاع بيت المقدس من المسلمين، وقد أثيرت هذه الحرب تحت إشراف البابا اينوسان الثالث، وكان داعيتها فولك دونويي، واستجاب لدعوته كثير من الإقطاعيين والأشراف بفرنسا، وكان عزم الصليبيين أن يتجهوا إلى مصر باعتبارها صاحبة السيادة على بيت المقدس، إلا أنها اتجهت نحو القسطنطينية واحتلتها، ولكنها لم تلقى غرضها وفشلت، بل أظهرت للناس أن الحروب الصليبية كانت وحشية ومعبأة بالحقد والضغينة على المسلمين وكان من نتائجها أن ترك بعض الصليبيين بلاد الشام واتجهوا إلى قبرص واليونان، كما زادت من الخلاف بين النصارى البيزنطيين والنصارى الغربيين.

 

الحرب الصليبية الخامسة (614- 618هـ= 1217- 1221م)

دعا إليها البابا هونوريوس الثالث، وكان هدفها الاستيلاء على مصر، وقيل: إنقاذ بيت المقدس واستخلاصها من أيدي المسلمين، وكانت بقيادة دوق النمسا ليوبولد الثاني وملك المجر أندرو الثاني، حاصر الصليبيون خلالها دمياط مدة طويلة، ولكن في النهاية ركنوا إلى الاستسلام والانسحاب بدون مقابل، ورحلوا جميعًا عن أرض مصر ولم يحققوا شيئًا.

 

الحرب الصليبية السادسة (626- 627هـ= 1228- 1229م)

كانت الحربة الصليبية السادسة بزعامة إمبراطور ألمانيا الأنبرور فريدريك الثاني وكان سياسيًا داهية فلم يدخل في حرب مع المسلمين، بل فاوض الملك الكامل الأيوبي سلطان مصر حينذاك، وانتهت الحملة بعقد معاهدة كان من شروطها: التخلّي عن الناصرة وبيت لحم والقدس للصليبيين، واستمرت هذه المعاهدة عشر سنين إلى أن تُوفِّى الملك الكامل سنة 1239م وخلفه ابنه الملك الصالح الذي أعلن الحرب على الصليبيين، واحتل بيت المقدس ليعيدها إلى حوزة الإسلام مرة أخرى.

 

الحرب الصليبية السابعة (646- 652هـ= 1248- 1254م)

كان لاسترجاع الملك الصالح بيت المقدس رد فعل في أوروبا، فدعت الكنيسة لهذه الحرب عندما رأت ضعف المسلمين واختلاف بعضهم مع بعض، وتولى قيادتها لويس التاسع ملك فرنسا وتوجه إلى مصر وتمكن من احتلال دمياط، وفى هذا الوقت تُوفِّى الملك الصالح سلطان مصر، إلا أن َّ زوجته شجرة الدر أخفت موته وأخذت تُصدر الأوامر باسمه حتى انهزم الصليبيون وأُسر قائدهم لويس التاسع هو وجميع من معه من الرجال ولم يُطلق سراحه إلا بعد أن دفع فدية عظيمة عن نفسه وعن جماعته، وتعهد بأن لا يعود إلى مصر.

 

الحرب الصليبية الثامنة (669هـ= 1270م)

عاد لويس التاسع إلى فرنسا ونسي ما قطعه من عهد بعدم الرجوع إلى محاربة المسلمين وقرر أن يقوم بحرب صليبية أخرى وكانت وجهته هذه المرة إلى تونس، وهنا يختلف المؤرخون فقيل: أنَّ لويس التاسع مات وهو في الطريق، وقيل: أنه وصل إلى تونس وقاتله المسلمون قتالًا شديدًا، وطالت محاصرة الصليبيين حتى نالهم التعب، وتفشَّت فيهم الأمراض والأوبئة ولم يسلم لويس التاسع نفسه من الوباء فمات بالطاعون، ثم بعد موته جرت المفاوضات بين الطرفين انتهت بهما إلى الاتفاق والصلح.
تلك ثماني حروب أغار بها الغربيون على الشرقيين مدة قرنين من الزمان أفنى بعضهم بعضًا، ثم تحرر الشرق الأدنى وانسحب الصليبيون، ولكن بعد أن تركوا الديار الإسلامية خرابًا يبابًا.

 

نتائج الحروب الصليبية

فشل الصليبيون في استعمار الشرق الإسلامي خلال العصور الصليبية التي دامت قرنين من الزمان، ولكنهم كسبوا ألوانًا من الفوائد الثقافية والدينية والاجتماعية منها:
- اقتباس الثقافة الإسلامية، وتصحيح فكر الغربيين عن المسلمين.
 - أخلاق جديدة عاد بها الصليبيون إلى أوربا بعد هذه الحروب.
- أيضًا تقليد المسلمين في التجارة والصناعة وصك النقود.
 - وضعت الحروب الصليبية نواة الاستشراق، وانتهى بانتهائها النظام الإقطاعي.
 - كانت الحروب الصليبية عاملًا هامًا من عوامل تحرير رقيق أوربا.
- أدرك المسلمون أن هزائمهم الأولى كانت بسبب جهلهم بمعرفة أخبار عدوهم ولذلك عملوا على تلافي هذا النقص باستقصاء أخبار الصليبيين.
- من نتائج هذه الحروب أيضًا إلحاق الضرر بالمسلمين كتدمير المدن الإسلامية، كما فتَّحت هذه الحروب عيون الأوربيين على الاستعمار للبلاد العربية والإسلامية[1].

 


 

الإشارات المرجعية:

[1] محمد كُرد علي: خطط الشام، مكتبة النوري، دمشق، الطبعة الثالثة، 1403هـ= 1983م، 1/ 247- 276، 2/ 17- 300، وراغب السرجاني: كتاب قصة الحروب الصليبية، ومحمد العروسي المطوي: الحروب الصليبية في المشرق والمغرب، دار الغرب الإسلامي، 1982، ص45- 197، ومحمد جميل بهيم: فلسفة التاريخ العثماني، مكتبة صادر، بيروت، 1334هـ= 1925م، ص83- 87، ومحمود شاكر: التاريخ الإسلامي، المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1421هـ= 2000م، 6/ 316- 323، وأحمد شلبي: موسوعة التاريخ الإسلامي، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة السابعة، 1986، 5/ 793- 805.

 

المصدر:

موقع قصة الإسلام

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الحروب-الصليبية
اقرأ أيضا
فساد الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

فساد الدين


يقع فساد الدين من طريقين اثنين الأول يأتي من جهة الاعتقاد الخاطئ فهذا هو الأساس وبما أن الخلل قد أصابه فالطبع سيلزم عنه فساد في الدين والثاني هو العمل بما يخالف الحق مع العلم به وهنا مقتطف من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الأمر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2220
كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج2


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1078
شبهات حول الحجاب: الحجاب شريعة رجعية 2 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب شريعة رجعية 2


كثيرا ما طرق آذان المسلمات قول صارخ منتفش ودعوى فجة مغرورة أن مطالبة المرأة العربية بارتداء الحجاب في القرن الواحد والعشرين حيث تطور العالم وبلغ في ابتكاراته العلمية الذروة وتطور المجتمع وأصبح أكثر انفتاحا ونضجا لهو دعوة صريحة إلى الانتكاس والعودة إلى القرون الوسطى عصور الظلام

بقلم: سامي عامري
921
الرجولة الحديثة | مرابط
مقالات

الرجولة الحديثة


الرجولة الحديثة يتم نسونتها وغيبت عنها معاني الخشونة وتحمل شظف العيش ونزعة العنف والصراع والصبر على الأذى والجلد كما محيت معاني تحمل المسؤولية ورعاية الضعيف والعناية بالأهل والنخوة والشهامة والمروءة والترفع عن صغائر الأمور.

بقلم: إسماعيل عرفة
411
كسوف الشمس وإثبات النبوة | مرابط
تعزيز اليقين

كسوف الشمس وإثبات النبوة


أريدك أن تتخيل معي دجالا كذابا يدعي أنه مرسل من عند الله ويموت ولده ويوم موت ولده تنكسف الشمس وحين تنكسف الشمس يقول الناس: إن الشمس انكسفت من أجل ولده.. أريد منك أن تقلب هذا الأمر ظهرا لبطن وبطنا لظهر وترى كيف سيتصرف هذا الدجال؟ أعمل عقلك كثيرا في هذه المسألة ور كيف سيتصرف دجال وضع في هذه الفرصة الذهبية للترويج لنفسه!

بقلم: د. حسام الدين حامد
325
القياس الفاسد لشرعنة الاختلاط | مرابط
المرأة

القياس الفاسد لشرعنة الاختلاط


هؤلاء الكتبة رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن في اختلاط الرجال والنساء في المطاف والطريق ولم ينكر ذلك وهو اختلاط في زمن يسير عارض فجاء هؤلاء وقاسوا على ذلك مشروعية الاختلاط في التعليم والعمل وهو اختلاط مكث في زمن يطول وأهدروا اعتبار الفارق بين الزمن اليسير والزمن الكثير بين الاختلاطين.. وهذا قياس فاسد وشبهة رائجة بين يديكم رد مفصل عليها.

بقلم: إبراهيم السكران
357