قيمة الدنيا عند المسلم

قيمة الدنيا عند المسلم | مرابط

الكاتب: محمد الحسن الددو الشنقيطي

284 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

فمن أساس ومقومات شخصية المسلم أن يعرف قيمة هذه الدنيا ولا يزيدها عن حجمها، ومع هذا فما ذكرناه لا يقتضي إهمال العمل فيها فهي دار العمل، وهو مسئول عن عمارتها ومستخلف فيها، وقد استعمرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض وجعلنا خلفاء فيها، ومن هنا أوجب علينا الأسباب، لكنه بين لنا أن هذه الأسباب لا تقدم ولا تؤخر: "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [التكوير:28-29].

 

فنحن مطالبون بأن نعمل، وأن نعمر هذه الدنيا ما استطعنا بخير، لكن مطالبون كذلك بأن لا نغتر بها، وأن نعلم أنها ليست دار بقاء، ومن هنا فالتعامل الصحيح مع هذه الدنيا أن يجعلها الإنسان في يده ولا يجعلها في قلبه، فإنه إن جعلها في يده كان بالإمكان أن يستفيد منها، وأن يتصرف فيها وأن يبعد قذرها عن نفسه، وإن جعلها في قلبه ملكته وكان وعاءً لها وخادمًا لها، ولم يفته شيء من أقذارها وأكدارها.

 

وأيضًا فإن الذي حمل الناس على الإيغال والمبالغة في جمع هذه الدنيا هو أنهم يطلبون السعادة بها، والواقع أنهم يعلمون أنها لا تدوم على حال، وأنها عرض سيال، ومن هنا فما يطرأ فيها من التغيرات سيصيبهم بالغموم والهموم فتزول السعادة لديهم.

 

وأنا أعرف أحد التجار الكبار أغمي عليه ذات يوم فنقل من مكتبه إلى المستشفى، فلما حضر الأطباء أجروا له كل التحليلات اللازمة فلم يجدوا فيه أي مرض، فاكتشف أحد الأطباء أن الذي أصابه هو الجوع، قال: صاحبنا قتله الجوع والعطش، فبحثوا عن ذلك فإذا هو منذ أيام وهو يراقب مؤشر أسعار العملات، ولم يجد وقتًا لشرب ولا لأكل، يأتيه الخادم بالشراب فيضعه بين يديه وهو مشغول لا يتناوله والهواتف على أذنيه، ومتابعة مؤشر العملات بين يديه، فيأتي العامل ويأخذ الكأس ويضع جديدًا مكانه، وهكذا حتى يذهب الوقت دون أن يتناول أكلًا ولا شربًا، فهذه الدنيا أصبح هو خادمًا لها وباذلًا في سبيلها، بذل نفسه ووقته لخدمة الدنيا بدلًا أن كانت تخدمه، فلم يستفد منها شربة ماء حتى أهلكه الجوع والعطش.

 

وأعرف تأجرًا آخر من التجار في هذه البلاد يحدثني عن نفسه، فيقول: أنا وفلان من أغنى الناس في هذا المكان، ومع ذلك حرم علينا كل ما في هذه الدنيا من الشهوات، فحرم علينا كل ما فيه حلاوة، وكل ما فيه دسم، وكل ما فيه ملح، فلا نتغذى إلا بالعيش والحليب الذي ليس فيه دسم.

 

فكثير من الناس لا يميزون بين جعل الدنيا تحت أيديهم وتسخيرها لهم، وكثير من الناس يتمنى أن يجعل تحت يديه الملايين أو المليارات، لكن لا يعلم أن جعلها تحت يديه لا يقتضي انتفاعه منها، فكم من إنسان جعلت تحت يديه فلم ينتفع منها أصلًا ولم تسد له أية حاجة، فهذه هي قيمة الدنيا الحقيقية.

 


 

المصدر:

محاضرة بناء شخصية المسلم

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حب-الدنيا
اقرأ أيضا
ليلة في بيت النبي الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الرابع


والرسول عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام مسلم عن شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة: بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته قالت: بالسواك فأول ما يدخل البيت يستاك وهذا نوع من إزالة الرائحة الكريهة التي يمكن أن تكون في الفم فالإنسان ينبغي عليه أن يحرص على هذا فهذه المرأة تمدح زوجها بأنه طيب العشرة ولم يفتها أن تصفه بطيب الرائحة

بقلم: أبو إسحق الحويني
648
المدارس العالمية وتعلم اللغات | مرابط
فكر لسانيات

المدارس العالمية وتعلم اللغات


لي تجربة مع ولدي كان العمل يعطيني بدلا للتعليم يدخله أغلى مدرسة دولية لكنني فضلت لغة دينه وأمته ثم لما اطمأننت عليها دفعته قبل الجامعة بعام أو عامين لتعلم الإنجليزية فأتقنها وها هو الآن يدرس بها فلا هو ضيع لغته ودينه ولا هو تأخر عن غيره من أهل اللغة التي يدرسونها منذ نعومة أظفارهم على حساب لغة قرآنهم وأمتهم.

بقلم: د.خالد حمدي
402
هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2


يقول المشككون أهل الباطل أن القرآن منحول عن الكتاب المقدس في كثير من معارفه ونصوصه التي شابهت ما في الكتاب المقدس من أخبار السابقين وبين يديكم مقال تفصيلي في الرد على هذه الفرية يقف فيها الكاتب الدكتور منقذ السقار على حقائق الإيمان بين القرآن والكتاب المقدس وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة في الكتابين وكذلك الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس لندرك حقيقة الأمر وندرك الباطل الذي بنيت عليه هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
663
الصين والمسلمون ودورة التاريخ | مرابط
فكر مقالات

الصين والمسلمون ودورة التاريخ


وقد كان التاريخ -دائما- شاهدا على هذا التداول فكان شاهدا على نفوذ وجبروت المصريين القدماء ثم نهايتهم على أيدي البطالمة كما شهد التاريخ علو الرومان وطغيانهم وتجبرهم في الأرض ومعاناة الناس من قسوتهم وجبروتهم كذلك شهد التاريخ نفس الأمر بالنسبة للدولة الفارسية حتى جاء الإسلام والمسلمون فأزالوا الطغيان الرومي والفارسي وأشرق نور العدل على البشرية وعرف البشر معنى المساواة وتذوقوا معاني جديدة لم يتذوقوها من قبل وطرقت أسماعهم ألفاظ لم يألفوها كالرحمة والعدل والحرية والشورى

بقلم: د راغب السرجاني
2140
أحاديث مشكلة في الحجاب ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

أحاديث مشكلة في الحجاب ج1


لا يخلو باب من أبواب أصول الدين ولا فروعه من آيات أو أحاديث مشتبهة تخالف في ظاهرها المحكمات البينات فإن جاز ذلك في الأصول فإنه في أبواب الفروع من باب أولى وفي أبواب حجاب المرأة ولباسها يورد بعض الكتاب أحاديث تخالف المحكم البين منها الصحيح ومنها الضعيف ومنها ما لو وضع في موضعه ولم يلغ به العام لاستقام للناظر الحكم ولكن استعمل كثير من الأحاديث الظنية في نقض القطعية والأحاديث المشتبهة في نقض المحكمة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
639
الأغنياء | مرابط
فكر مقالات

الأغنياء


ألا إن هذا المال نعمة من نعم الله التي استخلف الإنسان عليها في الأرض وفي الحياة الدنيا ألا وإن المال عصام هذا الكون الممتلئ بأسراره العجيبة التي لا يقضى من أعاجيبها عجب ألا وإنه للنظام الطبيعي الذي يجعل من قانونه سر الحياة الإنسانية التي لا تسمو إلا بالمنافسة والرغبة فيها والإصرار عليها ألا وإنه لأعجب شيء في الحياة إذ يكون هو كل شيء ثم هو ليس بشيء على الحقيقة وإذ يكون في وهم الفقير القلق سر السعادة ثم يكون عند الغني المسترخي فلا يعرف به ظاهر السعادة

بقلم: محمود شاكر
1645