كيف تتعامل مع الفتور في رمضان؟

كيف تتعامل مع الفتور في رمضان؟ | مرابط

الكاتب: خالد بهاء الدين

1053 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله وحده.

 

(سبع قواعد) في التعامل مع الفتور والملل والكسل، في أيام الصراع الرمضانية:

 

1- لا (تَسْعَ) لمعصية الله أبدًا:
لا تسمح للشيطان أن يحايلك أو لنفسك أن تحايلك وتتحاور معك في ترتيب المعصية.. لا تسمح لهما بذلك أبدًا.
وطريقك لذلك: بأن تضع قاعدةً سلوكيَّة يقينيَّة، فتعاهد عليها نفسك، وتقول: هذا مبدئي وخلقي.
والقاعدة هي: (لن أعصي الله أبدًا)، حدِّث نفسك بهذا.
وأما الحوار والمحايلة، فهو أن يكون في قلبك وخاطرك (أخذٌ وردٌّ)، تمهيدا وترتيبا للعصيان.
مثل: (ما رأيك أن تشاهد الفيلم؟ .. لا .. نحن في رمضان.. لكنك كسلان عن العبادة.. فيلم واحد وتعود بعدها).
أو: (هيا اخرج مع فلان هذه المرة.. حيث المرح والاختلاط.. والموسيقى.. إنه ليل رمضان.. مرة واحدة وترجع للعبادة.. فأنت كسلان وعندك فتور..) إلخ.
وهناك فرق بين هذا الحوار والترتيب، وبين المعصية التي تطرأ، زلةً بلا ترتيب ولا تخطيط ولا محايلة نفس، ولا أخذ وردٍّ.
فتلك التي بلا ترتيب: تعالَجُ بتوبةٍ سريعةٍ، فينتهي أمرها، برحمة الله.
إنما الإشكال في معصيةٍ ترتب أنت لها، وتحاور نفسك قبل اقترافها، لأنها (انتصار لنفسك عليك)، وليست مجرد عصيان طارئ ولا سقطة خاطفة.
أو ربما تكون: انتصارا للشيطان.
وبين (وسوسة الشيطان)، و(أمر النفس بالسوء)؛ فرق طفيف، ويمكن - أحيانا - معرفة من أيِّهما  أُتيتَ، من نفسك أم من الشيطان، وهذا مهمٌّ، لكن لا مكان له في هذه العجالة.
لكن السؤال: ماذا لو خطَّطتَ للمعصية وسعيتَ لها، وانتصرَتْ عليك نفسُك؟
الجواب: ستتوب فورًا، وتبدأ من جديد.
لكن: اعلم أن المشكلة ليست حالة فتور، هناك مشكلة أعمق من ذلك، مع الفتور، وتحتاج منك وقفةً مختلفةً مع نفسك حتى تعالج هذا وتصلحه، وهذا ليس موضوع المنشور.

 

2- أشدّ ما تحذر منه هو: (ملهيات القلب الحاجزة عن فهم القرآن والتلذذ بالعبادة).
وهي نوع من العصيان هو أقبح الأنواع وأشدها خطرا على مريد الفوز برمضان، لذلك أفردتها بهذا التنبيه الخاص، بعد التنبيه العام السابق.
(سماع المعازف، ومشاهدة البرامج والمسلسلات).
(سماع الحرام)، و(النظر للحرام)، و(الكلام الحرام).
هذه ثلاثة طواغيت في النفس، وهي أهم ما يحجزك عن الاستفاقة من الفتور والكسل، ويسقط في وحل الغفلة، إلى مدة الله أعلم بها.
اجعل قاعدتك في رمضان خاصة وغيره عامة: (إذا كسلت أو فترت، فلن أزيد الرَّين على قلبي).
أنت تحاول الاستفاقة، لكي تقوم من رقدتك، فتخشعَ وتذلَّ بين يدي الله.
وهذه الملهيات: تزيد الرَّينَ على قلبك، فإياك!
واختر من الآن: ماذا تريد من رمضان، بل من عمرك.
وخطِّط لحياتك، ولو كنت فاترًا.
وإذا كنتَ عاقلًا، وكنتَ حريصًا على لذَّة القُرب من الله تعالى، التي فيها حياة روحِك:
فكلُّ عاقلٍ حريص يعلم: أنَّ اللهو السابق أشد ما يزيد بعده، ويزيد كثافة الحواجز بين قلبه وبين القدُّوس تعالى!
وإزالة الحواجز، ستحتاج بعد ذلك مجهودًا مضاعفًا، ووقتا مضاعفًا!

 

3- خذ قسطًا زائدًا من الراحة السلبية:
أقصد بالسلبية: التي ليست عن تعبٍ أو عبادة بدنية.. ولا حرج، فأنت في تعبٍ ومللٍ قلبيٍّ.
حتى إن لم يكن بدنك متعبًا فـ(نم نومًا زائدًا، استرح بلا تعب بعض الوقت، اجلس بلا أيِّ هدف لمدة).
لا حرج، لكن لا تضيِّع الفرائض، ولا تتمادَ إن وجدت نشاطا.

 

4- تأكَّد أنك كلفت نفسك من العمل ما تطيق:
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون).
وهذه درجة من تربية النفس ومحايلتها، تكلمت عنها أكثر من مرة، خلاصتها: (الرجوع خطوة إلى الخلف)، في حالة أن تكون قد قفزت في تربية نفسك.
أن (تقف طول الليل تصلي)، أو (تقرأ في اليوم نصف القرآن)، أو حتى (خشوعك في غالب الصلاة).
كل هذه الأعمال الصالحة: حقٌّ وإيمان، ومطلوبٌ.
لكن لا يمكن القفز إليها، من لهو تامٍّ.
أو من عبادة مقتصدة، إلى عبادة الصِّدِّيقين، وخاصةِ أولياء الله الصالحين!
هذا محال.
فالباطل هو: أن تعتسف مرحلتك ودرجتك في العبادة، فهذا باطل منهي عنه.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مه [كلمة للزجر]، عليكم بما تطيقون؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا).
وفي حديث آخر من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الدّين يسر، ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبَه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدْوة والرَّوحة وشيءٍ من الدُّلجة).
** فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يشادد أحد الدين، وإلا فسيكون مغلوبا لا غالبا، وأمر بحلّ حبل زينب، ونهى أن يكلف أحد نفسه من العبادة (ما لا يطيق).
وأنت (في الأصل): مفتي نفسك، وحدك من يعرف ما تطيقه من العمل، ودرجتك من العبادة.
لكن القاعدة هي: أن تبذل وسعك، وتجتهد، فلا بد أن تتعب في رمضان، وغيره.
ولن ترتقي في سلَّم العابدين بدون تعب ومشقَّة، أبدًا.. هذا محال أشد من السابق!
فإياك أن تظنَّ أن ما تطيقه هو: ما لا تتعب فيه بدنيًّا، فهذا فسادٌ، يوشك أن يحلِّلك من التكاليف كلِّها، لو أنَّك اتَّبعته.
وشرح كلِّ هذا يطول، وهو مهمٌّ، لكن لا مكان له هنا.
لكن اجتنب من يصدك عن الاجتهاد، ويصالحك على العمل الدون، فهم كثيرون.

 

5- تخفف من العمل الذي تطيقه:
بعد أن تراجع الأعمال، نوعها، وقدرها: فتجد أنها ممَّا تطيقه بالفعل، لكنك كسلت وفترت:
فلا حرج - في حال الفتور-  أن تُخفِّف منه أيضًا.
تذكَّر أنك في حالٍ استثنائية، وأنك تحاول إنعاش قلبك، وأنك تحايل نفسَك، وتخادعها، لا أنك تكسرها وتحرقها.
(صلِّ ستَّ ركعات بدل ثمانية، اقرأ جزءا بدل جزءين) تخفف ..
ولكن انتبه من ضرورة عملك بالقاعدة السادسة.

 

6- عوِّض ما خفَّفته بعمل آخر لم تكن تعتني به:
■ القاعدة هنا: أن تشغل نفس الوقت المحذوف، في عمل آخر.
اسمع القرآن بتركيز بقدر الاستطاعة (وهي عبادة عظيمة مغفول عنها).
اذكر الله، ألف تحميدة، ألف تسبيحة، ألف استغفار، (العدد غير مقصود لنفسه، إنما مثلت به لأدلك على الإكثار، والألف في الحقيقة ليس كثيرا).
■ أو: استحدث عملًا صالحًا، لا يحتاج وقتًا كبيرًا، لكن أجره عظيم وأثره على النفس عظيم، (الصدقة، عيادة المريض ولو كان الغريبَ في المستشفيات).. نحوه.
لكن انتبه أن تخرج لدفع صدقة أو عيادة مريضٍ، فتسقط في إطلاق البصر، فتهلك!!

 

7- ادع الله، وتخشَّع وتذلَّل وتباكَ!
ليس هناك أي نوع أو درجة من الفتور، تحجز اللسان عن الكلام بالدعاء!
لكن الشيطان يتلعّب بعباد الله الفاترين، فيحجزهم عن النطق، وهو أيسر شيء!!
ستقول: قلبي ليس حاضرًا.
سأقول لك: تصنَّع بين يدي الله، كأنًّك خاشع!
ستقول: لا أشعر بصدقي في الدُّعاء.
سأقول لك: سيأتي شعورك بالصدق بعد ذلك إن شاء الله، لكن ادع الله.
ستقول: لا أجد حلاوة في قلبي.
سأقول لك: اطلب حلاوة العبادة والمناجاة من الله.
ستقول: لا أجد دمعة واحدة.
سأقول لك: تباكَ، لا حرج.
ستقول: لا أجد التحقق بمعنى الذُّلِّ لله في الدّعاء.
سأقول لك: ادعه أن يجعلَك مذلولًا بين يديه.
لكن لا تترك الدعاء أبدًا، إلا ميِّتًا!!
إنَّ طلب ما لا تملك ممن يملك، هو: (لبُّ العبادة)، و(حقيقتها)، و(أصلها).
فاستشعر أنَّك لا تملك الذُّلَّ والخشوعَ واللذةَ والفهمَ وحُسنَ العبادة، ثمَّ: اطلب كلَّ ذلك ممن يملك القلوب ويقلِّبها.
ولا يضرُّك بعد ذلك إن شاء الله فتور، فأنت قائم بأعظم مطلوبٍ.
وما دام الأمر سرًّا بينك وبين الله، ولا يطلع عليه إلا ربُّك، فلا خوف أن تتصنَّعَ، وتتباكَى.
أنت بين يدي مولاك، الذي يعلَمُ بك ويخبرك، وأنت لا تعلم نفسك!
وقد ذكر العلماء (التباكي) عند قراءة القرآن، وإن لم يبك حقيقة، كالآجريِّ والنووي، وغيرهما.
وفيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يصح، وآثار عن السلف لا أطيل بها.
■ أحبُّ أن أختم بقول سيدنا ابن القيِّم، الذي صار كالقاعدة المحكمة، فخذ القاعدة بحقِّها، قال رحمه الله:
(تخلُّلُ الفترات للسَّالكين: أمرٌ لا بدَّ منه، فمن كانت فترته إلى مقاربةٍ وتسديدٍ، ولم تُخرجه من فرضٍ، ولم تُدخِله في محرَّمٍ؛ رُجي له أن يعود خيرًا ممَّا كان).
رُجي له أن يعود خيرًا ممَّا كان.
■ في النهاية:
لا تنسَ أنَّك تترقَّب نشاطك، وتنتظر أن تعود إلى حالتك الأصلية، وتستفيقَ من الفتور والكسل، وتدركَ موسم الطاعة بقوَّتك الحقيقية.
وأنَّ هذه القواعد السبعة: (طارئة) تُعامِل بها (حالتك الطارئة).
فواجب عليك: أن تراقب نفسك، فكلَّما وجدتَ فسحةً، فزد في العمل، إلى أن تستردَّ نفسك.
أي: هذا قواعد طارئة.. لا تتخذها منهاجًا دائما!!
اللهم إلا قواعد التوبة، فتلك وظيفة العمر كله.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#رمضان #الفتور
اقرأ أيضا
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الرابع ج1 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الرابع ج1


المطلوب من المسلمين أن يتحركوا بقدر طاقتهم لرفعة الأمة في هذا الباب باب العلم نريد من الطالب أن يكون متفوقا ومن الأستاذ أن يصبح معلما جيدا ومبدعا ومن المهندس أن يقرأ أكثر وأكثر حتى يبدع في مجاله قد لا تسمح الظروف أن تكون على درجة مساوية لعلماء الغرب في هذه الظروف التي تمر بها الأمة ليس هذا هو المطلوب الآن المطلوب هو بذل الجهد قدر المستطاع

بقلم: د راغب السرجاني
678
فساد الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

فساد الدين


يقع فساد الدين من طريقين اثنين الأول يأتي من جهة الاعتقاد الخاطئ فهذا هو الأساس وبما أن الخلل قد أصابه فالطبع سيلزم عنه فساد في الدين والثاني هو العمل بما يخالف الحق مع العلم به وهنا مقتطف من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الأمر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2220
الأصول الفكرية للنسوية: البطريركية والقمع الذكوري | مرابط
فكر مقالات النسوية

الأصول الفكرية للنسوية: البطريركية والقمع الذكوري


يستعرض المقال واحدا من أهم الأسس والقواعد التي تقوم عليها الحركة النسوية بشكل عام على مدار التاريخ ألا وهو التسلط الذكوري أو السلطة الذكورية كما تراها النسويات وهنا توضح لنا المؤلفة منبع هذه الفكرة وتشكلها لدى التيار النسوي وكيف تستهدف النسويات كسر الإطار الذكوري في كل أشكال العلاقات

بقلم: د وضحى بنت مسفر القحطاني
2507
الموقف من العلوم العقلية | مرابط
فكر مقالات

الموقف من العلوم العقلية


إن الموقف الشرعي من تلك العلوم العقلية -وخاصة علم الفلسفة والكلام- هو الذم والقبيح والتحريم لأنها علوم متضمنة لمناقضة الشريعة أو مخالفة في كثير من موادها إما في الأدلة أو في المسائل. ولأجل هذا فإنه لا يجوز شرعا أن يحكم عليها بمدح مطلق ولا بدعوة مطلقة لدراستها ولا تنشر الكتب المؤلفة فيها ولا تروج موادها بمسالك مطلقة وإنما يوصى بها في حالات مخصوصة تغلب فيها جانب المصلحة على جانب المفسدة

بقلم: د. سلطان العميري
282
هل تؤمنين بالله حقا؟ | مرابط
المرأة

هل تؤمنين بالله حقا؟


إن المرأة التي تحرص على إبراز مفاتنها عبر منعطفات جسمها وحركة لحمها وتعصر غلائل ثوبها على بدنها إمعانا في استعراض مسالك عورتها وحجم وركها! وتفاصيل أنوثتها مقبلة ومدبرة تشتهي سماع كلمة ساقطة من شاب ساقط! أو كما قالت العرب: لا ترد يد لامس! لهي امرأة غبية حقا! إنها تختزل إنسانيتها في صورة حيوان!

بقلم: فريد الأنصاري
326
ما أورثني علم الكلام إلا حيرة! | مرابط
اقتباسات وقطوف

ما أورثني علم الكلام إلا حيرة!


واعلم أني عند الاشتغال بعلم الكلام وممارسة تلك المذاهب والنحل لم أزدد بها إلا حيرة ولا استفدت منها إلا العلم بأن تلك المقالات خزعبلات فقلت إذ ذاك مشيرا إلى ما استفدته من هذا العلم: وغاية ما حصلته من مباحثي... ومن نظري من بعد طول التدبر .. هو الوقف ما بين الطريقين حيرة... فما علم من لم يلق غير التحير .. على أنني قد خضت منه غماره... وما قنعت نفسي بدون التبحر

بقلم: الإمام الشوكاني
350