مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن ج3

مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن ج3 | مرابط

الكاتب: محمد الخضر حسين

932 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

صورة الأمة العربية في القرآن

قال المؤلف في ص٢١: «والقرآن لا يمثل الأمة العربية متدينة مستنيرة فحسب، بل هو يعطينا منها صورة أخرى يدهش لها الذين تعودوا أن يعتمدوا على هذا الشعر الجاهلي في دروس الحياة العربية قبل الإسلام، فهم يعتقدون أن العرب كانوا قبل الإسلام أمة معتزلة تعيش في صحرائها لا تعرف العالم الخارجي ولا يعرفها العالم الخارجي.»

ادعى المؤلف فيما سلف أنه استنبط من القرآن شيئًا خفي على القدماء وهو أن للأمة العربية دينًا، وفيها طبقة مستنيرة، وادعى في هذا الموضع أنه انتزع من القرآن صورة أخرى ووصفها بأنها ستدهش الذين تعودوا أن يعتمدوا على هذا الشعر الجاهلي في درس الحياة الجاهلية، وسيعرض هذه الصورة المدهشة في قوله: إن العرب قبل الإسلام أصحاب سياسة متصلة بالسياسة العامة متأثرة بها مؤثرة فيها.

ابتدأ في تقرير هذه النظرية بدعوى أن الذين تعودوا أن يعتمدوا على الشعر الجاهلي يعتقدون أن العرب في جاهليتهم كانوا في عزلة وانقطاع عن العالم الخارجي لا يسمعون عنه خبرًا، ولا يعرف لهم شأنًا.

وهل يصدق أحد أن من يدرسون الشعر الجاهلي يتصورون العرب أمة معتزلة في صحراء من الأرض لا تعرف عما وراء حدودها من أحوال الأمم شيئًا؟ ومن أين يأتيهم هذا التصور وهم يجدون في هذا الشعر الجاهلي والأخبار المتصلة به ما يحدثهم بأن من الشعراء — وهم زعماء القبائل — من كانوا يسافرون إلى الشام وإلى اليمن بل إلى فارس وإلى القسطنطينية، تجد هذا في شعر عمرو بن كلثوم وامرئ القيس وأمية بن أبي الصلت والأعشى ميمون بن قيس.

هم يعرفون أشياء تبرئهم من أن يتصوروا العرب أمة ملقاة في فلاة من الأرض، ألم يدرسوا قول عمرو بن كلثوم:

وكأس قد شربت ببعلبك وأخرى في دمشق اللذ تلينا
أولم يدرسوا قول امرئ القيس:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عيناك إنما نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا
أولم يقرأوا أن أبا الصلت أو أمية بن أبي الصلت رحل إلى سيف بن ذي يزن ليهنئه بالانتصار على الحبشة وأنشد بين يديه قصيدته التي يقول فيها:

فاشرب هنيئًا عليك التاج مرتفعًا في رأس غمدان دارًا منك محلالا
وقال فيها:

من مثل كسرى وسابور الجنود له أو مثل وهرز يوم الجيش إذ صالا
بلى! وقرأوا أن الأعشى كان «يفد على ملوك فارس، ولذلك كثرت الفارسية في شعره».(5) وقرأوا أن النعمان بن المنذر وفد على كسرى بطائفة من فصحاء العرب: أكثم بن صيفي، وحاجب بن زرارة، والحارث بن عباد البكري، وعمرو بن الشريد، وخالد بن جعفر، وعلقمة بن علاثة، وقيس بن مسعود، وعامر بن الطفيل، وعمرو بن معدي كرب، والحارث بن ظالم. وقرأوا أن قابوس بن المنذر الأكبر بعث إلى كسرى بن هرمز بعدي بن زيد وإخوته فكانوا في كُتَّابه يترجمون.
وإذا كان هذا الشعر والأخبار المتصلة به من قبيل المصطنع في نظر المؤلف فذلك بحث آخر لا يعنيه المؤلف في هذا المقام، فهم على أي حال لا يتصورون العرب في ذلك الانقطاع البعيد كما يدعي عليهم، ولا يستطيعون أن يتصوروهم في هذا الاتصال الشديد الذي يحاول تخييله إلى قراء كتابه.

 

الشعر الجاهلي لم يتأثر بالمؤثرات الخارجية؟

قال المؤلف في ص٢١: «وهم يبنون على هذا قضايا ونظريات، فهم يقولون: إن الشعر الجاهلي لم يتأثر بهذه المؤثرات الخارجية التي أثرت في الشعر الإسلامي، لم يتأثر بحضارة الفرس والروم، وأنى له ذلك! لقد كان يقال في صحراء لا صلة بينها وبين الأمم المتحضرة.»

كأن المؤلف ينكر أن يكون الشعر في الإسلام أرقى من الشعر زمن الجاهلية ويحاول جحود المزية التي امتاز بها شعر الإسلاميين من كثرة إبداع المعاني والذهاب في الخيال إلى ما تنجذب له الألباب سحرًا وتخفق به الأفئدة طربًا، تلك المزية التي أحرزها الشعر الإسلامي لأسباب من أشدها أثرًا هذه المدنية التي انقلب إليها العرب بفضل أدب الإسلام واختلاطهم بالأمم وشهود الحواضر حيث يرحلون وحيث يقيمون.

وقد كتب علماء الأدب في وجوه ارتقاء الشعر وأسباب إحكامه وإبداعه فأجادوا النظر وأمتعوا البحث. وإليك صفوة ما كتبوا، حتى يستبين لك الفصل بين الشعر الجاهلي والشعر الذي أنشئ في الإسلام.

يهيئ الناشئ إلى إجادة النظم أن يعيش في بقعة جيدة الهواء أنيقة المناظر، وأن يشب بين قوم انتبذوا في الفصاحة مكانًا قصيًّا «فقلما برع في المعاني من لم تنشئه بقعة فاضلة، ولا في الألفاظ من لم ينشأ بين أمة فصيحة».(6)
ثم هو لا يبرع في هذه الصناعة ألا تكون له قوة حافظة وقوة مائزة وقوة صانعة.

بالحافظة القوية يجد في نفسه صورًا كثيرة منتظمة واضحة فيتأتى له أن يتناول منها ما شاء بأقل ملاحظة «فإن المنتظم الخيالات كالناظم الذي تكون عنده أنماط الجواهر مجزأة محفوظة المواضع عنده فإذا أراد أي حجر شاء على أي مقدار شاء عمد إلى الموضع الذي يعلمه فيه فأخذه منه ونظمه».(7)
وبالقوة المائزة يتخير ما يلائم الغرض من تلك الصور والخيالات أو من الألفاظ والأساليب.

وبالقوة الصانعة يؤلف ما تخيره من الصور المناسبة والألفاظ اللائقة حتى تجيء المعاني آخذًا بعضها برقاب بعض، وتجيء الألفاظ والأساليب في وضاءة وأحسن تقويم.

تختلف طبقات الشعراء على قدر اختلاف حظوظهم في هذه المهيئات والأسباب، فمن رزق جميعها كان بالمنزلة العليا، ومن قل نصيبه فيها وجدته على قدر ما فاته منها فإما في الوسط وإما في الدرجة الدنيا.

وإذا كانت هذه أصول إبداع الشعر وارتفاع شأن الشاعر فلنعقد موازنة بين العرب في الجاهلية والعرب بعد الإسلام.

لا نتحدث عن المناخ من حيث هواؤه ومناظره الطبيعية فإن مناخ العرب في الجاهلية هو مناخهم بعد الإسلام أو قريب منه، ولا نتحدث عن القوة الحافظة أو المائزة أو الصانعة، فتلك مزايا يتداولها الفريقان، فلا فضل فيها لجاهلي على إسلامي، ولا لإسلامي على جاهلي إلا أن يشاء الله.

وإنما نلقي النظر في هذه الموازنة على أمرين يتفاضل بهما شعر الأفراد والطبقات، وهما غزارة مادة الفصاحة، وكثرة ما يقع عليه نظر الناشئ من الصور الغريبة.

إذا كان الشعراء يتفاضلون بما يملكون من مواد الفصاحة فإن اللغة العربية أخذت بالإسلام هيئة غير هيئتها الأولى، واتسع نطاقها لأسباب شديدة الأثر، ومن هذه الأسباب ما تراه في القرآن من نظم رائع وأسلوب حكيم، فالقرآن نهج في إرشاده ومواعظه أساليب لا يعهدها الفصحاء من قبل، وهذه حقيقة لا تستدعي إقامة شاهد فقد أقر بها المؤلف نفسه في قوله: «إنما كان القرآن جديدًا في أسلوبه.» وممن خاض في هذا البحث ونبه على تأثير القرآن والحديث النبوي في رقي الشعر العلامة ابن خلدون في مقدمته (8) فسدد النظر وأصاب المرمى.
ومما يدخل في هذه الأسباب أن اجتماع العرب على اختلاف قبائلهم في هيئة أمة واحدة جعل اللغة الأدبية التي هي لغة قريش تقتبس من لغات القبائل الأخرى أكثر مما كانت تقتبسه قبل الإسلام، فالطفل الذي يشب في بيئة هذه اللغة بعد امتلائها بالألفاظ الأنيقة والأساليب الفائقة يكون محفوفًا من موارد الفصاحة بأكثر مما يتلقنه الطفل النابت في الجاهلية حيث لم يتسع نطاق اللغة إلى هذه الغاية القصوى.

وإذا كان الشعراء يتفاضلون بمقدار ما يرتسم في نفوسهم من الصور الغريبة فإن العرب دخلوا بالإسلام في مدنية زاخرة وحضارة منتظمة، ولا يستطيع أحد السبيل إلى دعوى أن اختلاطهم بالأمم وشهودهم الحواضر بعد الإسلام كحالهما زمن الجاهلية إلا أن يكون معتزلًا الأدب والتاريخ، هو لا يعرفهما وهما لا يعرفانه.

وإذا كان في شعراء الجاهلية من سافر إلى بعض الحواضر واتصل بالأمم الأخرى، فذلك لا يجعله بمنزلة الناشئ في مدنية منتظمة؛ إذ الصور الغريبة التي تقع إلى حافظة الناشئ في حضارة ونظام تكون أكثر وأوضح وأبقى.

 

القرآن يحدثنا عن اتصال العرب بمن حولهم

قال المؤلف في ص٢١: «كلا! القرآن يحدثنا بشيء غير هذا، القرآن يحدثنا بأن العرب كانوا على اتصال بمن حولهم من الأمم، بل كانوا على اتصال قوي قسمهم أحزابًا وفرقهم شيعًا، أليس القرآن يحدثنا عن الروم وما كان بينهم وبين الفرس من حرب انقسمت فيه العرب إلى حزبين مختلفين: حزب يتابع أولئك، وحزب يناصر هؤلاء، أليس في القرآن سورة تسمى سورة الروم وتبتدئ بهذه الآيات: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ للهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءٍُ.

الذي تدل عليه هذه الآيات أن الروم غلبتها أمة في حرب وأنهم سينتصرون على الأمة التي غلبتهم، ويغلبونها بعد قليل من السنين، وفي اليوم الذي ينتصر فيه الروم على هذه الأمة يفرح المؤمنون بنصر الله. ولو وقف المؤلف على حد الآية لم يفهم أكثر من هذا، ولكن الخطاب كان موجهًا إلى قوم بلغهم نبأ تلك الحرب ففهموا أن الأمة التي غلبت الروم هي أمة الفرس، وفهموا أنها ستقع في حرب معها ويكون الروم هم الغالبين.

فالآية لا تدل بصريحها على أن الحرب وقعت بين الروم وفارس، ولا تدل على أن العرب انقسموا إلى حزبين مختلفين: حزب يشايع الروم وحزب يناصر الفرس، وهذا كله إنما يذكره المفسرون أخذًا من سبب النزول. إذًا لم يأخذ المؤلف معنى اتصال العرب بالأمم الأخرى من القرآن مباشرة، وإنما أخذه من أيدي المفسرين. إذن يكون القدماء عرفوا هذا المقدار من الاتصال بين العرب وأمتي الروم والفرس، ولم يختص المؤلف في فهم الآية بشيء زائد على ما رووه أو فهموه.

 

لم يكن العرب معتزلين

قال المؤلف في ص٢٢: «لم يكن العرب إذن كما يظن أصحاب هذا الشعر الجاهلي معتزلين، فأنت ترى أن القرآن يصف عنايتهم بسياسة الفرس والروم وهو يصف اتصالهم الاقتصادي بغيرهم من الأمم في السورة المعروفة: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وكانت إحدى هاتين الرحلتين إلى الشام حيث الروم، والأخرى إلى اليمن حيث الحبشة أو الفرس.»

يدل القرآن على أن لقريش رحلتين: إحداهما في الشتاء والأخرى في الصيف، ومن وقف على فهم الآية وحدها لا يدري أين يرحلون في الشتاء، ولا أين يرحلون في الصيف، ومن المحتمل أن تكون رحلتهم إلى حيث تقيم بعض القبائل الأخرى كقيس أو تميم. ولكن المفسرين بحثوا في طريق الرواية فعرفوا أن رحلتهم الشتائية كانت إلى اليمن، ورحلتهم الصيفية كانت إلى الشام. إذًا لم يفهم المؤلف من القرآن أن لقريش اتصالًا اقتصاديًّا بالروم والحبشة أو الفرس، وإنما تلقنه من المفسرين أو المؤرخين.

ثم إن الآية وردت على قدر الحكمة التي استدعت ورودها، ودارسو الشعر الجاهلي يعرفون ما دلت عليه الآية بتفصيل؛ إذ يجدون في هذا الشعر وما يتصل به من الأخبار أن هاشمًا وعبد شمس والمطلب ونوفلًا كانوا يسمون المتجرين، فهاشم كان يؤالف ملك الشام فأمن به في تجارته إلى الشام، وعبد شمس كان يؤالف إلى الحبشة، والمطلب كان يرحل إلى اليمن، ونوفل كان يرحل إلى فارس، وفي هؤلاء الإخوة يقول شاعرهم:

يأيها الرجل المحول رحله هلا نزلت بآل عبد مناف
الآخذون العهد من آفاقها والراحلون لرحلة الإيلاف
فإن عاد المؤلف وقال: إني لا أثق بهذا الشعر ولا بما يتصل به من خبر، قلنا له: لا تخلط قولًا بآخر، فإنك تقول عليهم في هذا الموضع: إنهم يتصورون العرب في عزلة وانقطاع؛ لأن الشعر الجاهلي يمثلهم كذلك، فأريناك أن ما بين أيديهم من الشعر يضع في نفوسهم الصورة التي ترميهم بجهلها، أما كون الطريق الذي جاءت هذه الصورة من ناحيته صحيحًا أو خربًا فذلك ما لم يخطر له ذكر في هذا المقام.

 

العرب ورحلاتهم

قال المؤلف في ص٢٢: «وسيرة النبي تحدثنا أن العرب تجاوزوا بوغاز باب المندب إلى بلاد الحبشة، ألم يهاجر المهاجرون الأولون إلى هذه البلاد؟! وهذه السيرة نفسها تحدثنا بأنهم تجاوزوا الحيرة إلى بلاد الفرس، وبأنهم تجاوزوا الشام وفلسطين إلى مصر، فلم يكونوا إذن معتزلين، ولم يكونوا إذن بنجوة من تأثير الفرس والروم والحبش والهند وغيرهم من الأمم المجاورة لهم.»

عنوان الفصل الذي يخوض فيه المؤلف «مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن»، وقد ذهب فيه إلى أنه اطلع في القرآن على أن العرب قبل الإسلام كانوا على دين، وكانت فيهم طبقة ذات ثروة وجاه وذكاء وعلم، أو طبقة كان النبي عليه الصلاة والسلام يجادلهم ويجاهدهم، ثم ادعى أن الذين يدرسون الحياة العربية في هذا الشعر الجاهلي يعتقدون أن العرب قبل الإسلام كانوا أمة معتزلة عن العالم الخارجي، وادعى أن القرآن يعطي صورة ستدهشهم وهي أن العرب كانوا على اتصال قوي بمن حولهم من الأمم، وأورد في بيان مأخذ هذه الصورة آية: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ وآية: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ.

فإذا كان موضوع الفصل «مرآة الحياة الجاهلية تلتمس في القرآن»، وكان موضوع البحث الأخير أن القرآن يعطي صورة يدهش لها الذين يعتقدون أن العرب كانت أمة معتزلة، فما وجه الاستدلال بما في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهي ليست بقرآن؟ ثم لماذا يذكر في نتيجة البحث أن العرب لم يكونوا بنجوة من تأثير الهند، ولم يأت ذكر للهند فيما استشهد به من القرآن أو السيرة أو أقوال المفسرين؟

عجز المؤلف عن انتزاع هذه الصورة المدهشة من القرآن وحده فأضاف إليها نبذة من السيرة وأخرى من أقوال المفسرين، ولم يكفه هذا التصرف حتى زاد عليها شيئًا من عنده وهو قوله: «والهند وغيرهم من الأمم المجاورة لهم.»

إذًا منهج ديكارت لم يكن كمنطق أرسطو يحتم على الباحث أن يراعي المقدمات ويفصل النتيجة على قدرها، بل يبيح له أن يقيم قنطارًا من النتائج على مثقال من المقدمات.

 

أمة متحضرة لا أمة جاهلة

قال المؤلف في ص٢٣: «وإذا كانوا أصحاب علم ودين وأصحاب ثروة وقوة وبأس، وأصحاب سياسة متصلة بالسياسة العامة متأثرة بها مؤثرة فيها، فما أخلقهم أن يكونوا أمة متحضرة راقية لا أمة جاهلة همجية.»

قد عرفت أن المؤلف لم يزد في هذا الفصل على أن امتشق مقالة الجاحظ في دلالة القرآن على رجاحة أحلام العرب ودهائهم وقوتهم في الجدل، وتحدث عن دينهم فلم يزد على ما يعرفه كل أحد من أن في العرب وقت نزول الوحي أديانًا مختلفة. ولم يأت في الاستشهاد على أنهم أصحاب سياسة تتصل بالسياسة العامة إلا بآيتين مع ما يضاف إليهما من بيان أسباب النزول:

أولاهما: تدل على أن حربًا وقعت بين الروم والفرس بمقربة من بلاد العرب ولم يلبث نبأ هذه الحرب أن وقع إلى قريش. وأنت تكاد تثق بأن الجماعات النازلة في أواسط إفريقية قد بلغها نبأ الحرب الناشبة بين إيطاليا وطرابلس الغرب، ولم يخف عليها أيضًا نبأ الحرب القائمة بين الريفيين وأسبانيا، بله الحرب التي كانت تشتعل بين دول شتى. ويعلمون أن إيطاليا منساقة بمطامع الاستعمار، وأن الريفيين يريدون خلع ربقة الاستعباد من أعناقهم. إذًا تكون هذه الجماعات كلها أصحاب سياسة متصلة بالسياسة العامة متأثرة بها مؤثرة فيها.

ثانيتهما: آية يؤخذ منها أن لقريش رحلتين إحداهما إلى اليمن والأخرى إلى الشام. وهما رحلتان تجاريتان يوجد أمثالهما لتلك الجماعات المتوغلة في صحراء إفريقية، وإنما ذكرهما القرآن في مساق الامتنان على قريش حيث إن حبل الأمن في الجزيرة مضطرب والسبل تكاد تغص بقطاعها، وهم يتقلبون بأموالهم في البلاد جنوبًا وشمالًا دون أن تمتد إليهم الأيدي بسوء.
إذًا لا نكسر ما بأيدينا من مرآة للحياة الجاهلية فإن المؤلف وعدنا فأخلفنا ولم يستطع أن يستكشف للحياة الجاهلية صورة ممتعة أو مدهشة.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. الشعر والشعراء لابن قتيبة، ص١٣٧.
  2. المناهج الأدبية لحازم.
  3. المناهج الأدبية.
  4. ص٥٠٨.

 

المصدر:

محمد الخضر حسين، نقض كتاب في الشعر الجاهلي، ص39

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#طه-حسين #في-الشعر-الجاهلي
اقرأ أيضا
أثر نظرية التطور على الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

أثر نظرية التطور على الدين


مقتطف من كتاب ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث للدكتور سلطان العميري يتحدث فيها عن أثر نظرية دارون على الدين حيث كان لهذه النظرية أثر بليغ وخطير على العقل الغربي بأجمعه ونتيجة لذلك التأثير جعل روبرت داونز كتاب أصل الأنواع لدارون مندرجا ضمن قائمة الكتب التي غيرت وجه العالم

بقلم: سلطان العميري
584
الخطاب باللغة العربية | مرابط
لسانيات

الخطاب باللغة العربية


وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم.

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
497
بارود لم ينفجر وطباعة لم تطبع | مرابط
تاريخ فكر مقالات

بارود لم ينفجر وطباعة لم تطبع


تواتر القول بأن اختراع المطبعة واختراع البارود قد كانا فاتحة عهد أو نقطة تحول في تاريخ الحضارة الحديثة وبين المطبعة والبارود مناسبة أو مشابهة قريبة وهي مشابهة التعميم فقد أصبح الكتاب ميسورا لكل من يطلبه بعد نشر الطباعة وقد كان قبل ذلك موقوفا على رجال الدين أو على الذين يتفرغون لنسخ الكتب ودرسها وكلاهما يلجئ الطالب إلى تفرغ وانتظار وقد أصبح حمل السلاح ميسورا لمئات الألوف وألوف الألوف بعد صنع الرامية البارودية وقد كان السلاح الفعال حكرا قبل ذلك لفرسان القلاع

بقلم: عباس محمود العقاد
1245
أمور لا مدخل للعقل فيها | مرابط
فكر تفريغات

أمور لا مدخل للعقل فيها


نؤمن أن العقل له حدود لا يستطيع تجاوزها وهناك الكثير من الأبواب التي لا يسمح لدخول العقل فيها مثل الغيبيات التي لا يعلمها البشر وإنما يعلمها الله جل في علاه كما أن إدراك العقل للقضايا يأتي إدراكا مجملا لا تفصيل فيه وبين يديكم جزء من محاضرة للشيخ محمد صالح المنجد يتحدث فيه عن الأمور التي لا دخل للعقل بها

بقلم: محمد صالح المنجد
2523
خواطر حول قصة نجاة موسى عليه السلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

خواطر حول قصة نجاة موسى عليه السلام


كان يقين موسى بوعد الله وكرمه كفيل بنجاة قومه. فأنجى الله جماعة من الناس بسبب يقين شخص واحد. فكذلك الأمر في حالتك فقد تكون حالة واحدة منك فيها يقين بوعد الله وكرمه يصلح الله بها كل حياتك وينجيك من كل همومك.

بقلم: د. سلطان العميري
408
إنهم يبرمجونك! | مرابط
اقتباسات وقطوف

إنهم يبرمجونك!


إنهم يبرمجونك يا رجل عن بعد إنه تتم برمجتك يا رجل! تشاهد هذا في الأخبار فتقول: لقد شاهدت هذا في الأخبار.. إنها حقيقة.. لا ليست كذلك إنها هراء! نعم إن هذه هي حقيقة هذا الجهاز المسمى بالتلفاز إنه يقوم ببرمجة عقولنا إنه يقوم بقصف العقل بمجموعة هائلة من الصور بدون تسلسل منطقي لها

بقلم: محمد علي فرح
419