مراجعة لكتاب التبرج المسيس للوهيبي

مراجعة لكتاب التبرج المسيس للوهيبي | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

2450 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

الحمد لله وبعد،،

 

بات من الوقائع البدهية التي تعرض اليوم كمعطى للتباحث ظاهرة التغيرات القيمية والتدهور السلوكي في المجتمع المحلي، وخصوصًا فيما يتصل بأنماط العلاقة بين الجنسين، وحدود الاحتشام والفضيلة، ومن الشائع في معالجة هذه الظواهر اعتبارها مجرد حالات انحلال سلوكي أو اعتبارها حالات تطور طبيعية، وهذا بسبب النظر إليها كتصرفات آحاد وأعيان في سياقات جزئية منفصلة، بينما في هذا الكتاب الصادر حديثاً في معرض الكتاب 1435هـ يجادل المؤلف عبد الله الوهيبي بأن هذه الظواهر المحلية هي "أدلوجة سياسية" مرتبطة باستراتيجيات عالمية كبرى ذات أغراض امبريالية، هذا أولًا، وأما ثانيًا فهي منظومة مركبة يشدها رباط واحد في قطاعاتها المختلفة الثلاث: في التعليم العالي وسوق العمل والإعلام.

 

القسم الأول من الكتاب (الأطر العامة لسياسة مكافحة الإرهاب)

 

قسم المؤلف كتابه إلى قسمين، في القسم الأول تعرض المؤلف للإطار السياسي الذي يقترحه لتفسير هذه التغيرات، وهو إطار (سياسات مكافحة الإرهاب)، الدولية والمحلية، حيث أشار المؤلف مثلًا إلى تقرير هارت-رودمان 2001م، وتقرير راند 2002م، مبادرة الشراكة الأميركية مع الشرق الأوسط التي أطلقها كولن باول 2002م، ومقالة كونداليزا رايس "تأملات في التحول المنتظر بالشرق الأوسط" 2003م، وخطاب بوش الابن عام 2003م في جامعة كارولينا عن دعم التغيير في الشرق الأوسط، وعرض المشروع في قمة الدول الثمان الصناعية في عام 2004م، وربط المؤلف المعنى العام للاستراتيجيات المضمنة فيما سبق بمفهوم " القوة الناعمة" الذي يذكر أن أول من سبكه هو جوزيف ناي 1990م، وهو الذي يراه الخبراء أنه يجمع مزيتين: أكثر فعالية وأقل كلفة.

 

وينقل المؤلف من نماذج ذلك ما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية من قيامها ببرنامج التواصل مع المرأة السعودية، وأنها قدمت برامج تدريب للمعلمات خلال السنوات الماضية، ونظّمت (6) برامج تضمنت موضوع النساء كفعاليات قيادية، وقامت السفارة الأمريكية ببرامج تواصل مع صحفيات سعوديات، وعلاقة عمل مع كليتين نسائيتين في جدة، تلقت إحداهما دعماً من مبادرة الشراكة، وذكر المؤلف أنه نقل المعلومات السابقة عن موقع "وزارة الخارجية الأمريكية".

 

والتقط المؤلف عدة مواقف في السياسة الأمريكية في استثمار ملف المرأة كسلاح سياسي، ومنها مثلًا قول بوش بعد الغزو الأمريكي الدموي الغاشم لأفغانستان عام 2002م (العلم الأمريكي يرفرف على سفارتنا في كابول، ونساء أفغانستان بتن اليوم أحرارًا) ويعقب المؤلف قائلًا (إن استخدام السياسة الأمريكية "حقوق النساء" كمخزون معنوي يوفر لها المشروعية هو نمط تقليدي من سياسات الاستعمار).

 

ما سبق كان هو الفصل الأول في الكتاب وهو تحليل للمعطيات الثقافية في (السياسات الدولية لمكافحة الإرهاب) وأما الفصل الثاني فهو عن (السياسات المحلية لمكافحة الإرهاب) وقد كرّس المؤلف هذا الفصل كليًا لتحليل ورقة معالي الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية، المعنونة بـ(نحو استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب في السعودية) والتي نشرت في خمس حلقات في صحيفة الجزيرة السعودية في أواخر عام 1426هـ، وشرح المؤلف المبررات التي جعلته يختار هذه الورقة دون غيرها من أكوام المقالات الإعلامية المنددة بالإرهاب ذات اللغة الشجبية الجاهزة، وهي كونها ورقة واضحة ومفصلة وقريبة من دائرة القرار.

 

وينقل المؤلف أن الدكتور العثيمين يفسر الأزمة أنها بسبب "الخطاب الدعوي" المحلي، ومن ضمن ما اقترحه معالي الدكتور العثيمين –كما ينقل المؤلف- إنشاء محطة باسم الوسطية، أو شراء قناة المجد وتحويلها لذلك مع إذاعة القرآن، وتحويل هيئة الأمر بالمعروف إلى مؤسسة بحثية، وتوسيع هيئة كبار العلماء لتشمل مذاهب مختلفة، وتشجيع أمراء المناطق على إقامة المهرجانات والفنون، ويرى د.العثيمين أن المعلّم السعودي هو "أحد أهم الأدوات الناقلة للخطاب الديني المتشدد" ويقترح د.العثيمين –كما ينقل المؤلف- عدم السماح للمعلمين السعوديين بالجمع بين إمامة المسجد، والتدريس في المدارس، لأنه يرى أن بعض الوعاظ المدرسين نقل الرسالة المتشددة للطلاب في قاعات الدرس. ويرى د.العثيمين أهمية تقليص التعليم الديني، ويتحدث بامتعاض عن التشجيع الذي يجده نشاط تحفيظ القرآن وأن عددهم بلغ (500,000طالب) ويعلق د.العثيمين على هذا العدد قائلًا (هل المجتمع بحاجة إلى هذه الأعداد الهائلة؟!).

 

وكان المؤلف يستعرض بعض فقرات ورقة د.العثيمين المنشورة في عام 1426هـ، ويقارنها بما حصل في الواقع بعد ذلك، ومدى الاقتراب والبعد من هذه المقترحات، كما قارن المؤلف بين هذه الورقة وبنود الطموحات الأمريكية للتغيير في المنطقة.

 

القسم الثاني من الكتاب (أهم آليات التغيير الاجتماعي والثقافي في المملكة)

 

ثم انتقل المؤلف إلى القسم الثاني من الكتاب، وهو بعنوان (أهم آليات التغيير الاجتماعي والثقافي في المملكة)، وهو بشكل أدق دراسة لنتائج سياسات مكافحة الإرهاب التي استعرضها في القسم الأول، وكان الفصل الأول منه قراءة لظاهرة الابتعاث ومضامينه الفكرية، وسماه المؤلف (الهجرة الجماعية)، ويشير فيه المؤلف إلى إشكالية التعامل مع الابتعاث لا كوسيلة تنموية، بل كوسيلة تغيير قيمية وتملق سياسي خارجي، كما يشير المؤلف إلى عنصر التركيز على النساء كما في زيادة عدد المبتعثات من (4,000) طالبة إلى (27,000) طالبة خلال عام 2012م، وحالة "الإجبار الأدبي" للمعيدات على إكمال الدراسة في الخارج بحيث يربط القبول الأكاديمي به.

 

وفي الفصل الثاني من هذا القسم انتزع المؤلف العنوان من مقالة للعلامة الزاهد صالح الحصين صب الله على قبره الرحمات، وهي بعنوان (قضية أن تكون المرأة أجيرة) وهي مقالة في فلسفة العمل للمرأة، وإعادة فهم عمل المرأة، ووضع التعريف التقليدي السائد –وهو التعريف الندي لعمل الرجل- تحت عدسة التحليل النقدي، ويواصل المؤلف بالمحاججات التي عرضها الشيخ صالح الحصين ليصل للنتيجة التي يقول فيها (هذا المقال طبقاً للبراهين التي أوردها يؤكد على تهافت الأطروحة التقليدية التي تصف المرأة السعودية بـ "النصف العاطل من المجتمع")، ثم عرض المؤلف لمفهوم عمل المرأة في خطط التنمية الخمسية المحلية، ومفهوم عمل المرأة في الدراسات الحديثة.

 

وتحدث المؤلف في الفصل الثاني من هذا القسم عن الظروف السياسية لنشأة الإعلام الليبرالي المرتبط بالأرصدة الخليجية، ودوره التغييري لمنظومة القيم المحلية، بما يتناغم مع مشروعات التغيير الأمريكي الذي سبق أن رصدها المؤلف في مطلع الكتاب، واستعرض المؤلف شهادات غربية على هذا الدور.

 

وفي الفصل الأخير في هذا الكتاب استخلص المؤلف النموذج الفكري للتوازن السياسي الذي يتصوره كثير من الفاعلين محليًا، وهذا النموذج بإيجاز هو ضخ قدر معين ومحكوم استراتيجيًا من التحلل الديني لموازنة التقليد الديني المتمسك في المنطقة، وهو ما سماه المؤلف (التفسيق السياسي) حيث يظن بعض الفاعلين أن هذه وسيلة ناجعة لضمان الاستقرار وإحداث التوازن، بينما يؤكد المؤلف أن هذه وسيلة تسبب الاضطراب والسقوط.

 

وختم المؤلف كتابه بخلاصة حول الحل القرآني والنبوي لضمان الاستقرار السياسي والتغيير الإيجابي.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alsakran/66.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #التبرج-المسيس
اقرأ أيضا
الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي | مرابط
الجندرية

الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي


شاع استعمال مصطلح الجندر أو الجندرة في أدبيات العديد من الأقلام -خاصة النسائية وتم تداوله على نطاق كبير بمعنى مخالف لمعناه الحقيقي والغريب في الأمر أن غالب هذه الأقلام لا يعوزها سعة الإطلاع ولا حسن الفهم الشيء الذي يجعل تغليب حسن الظن أمرا متكلفا فما الدافع ترى لهذا التزييف أهو تمرير أجندة مشبوهة تحت ستار تقدمي مقبول أم هو استجابة لشهوة حب الظهور في المقاعد الأمامية لقطار النظام العالمي الجديد والانشغال بالتلويح باليدين -للجمهور المتفرج- عن النظر لما بداخل القطار

بقلم: نزار محمد عثمان
3085
أحفاد كعب بن الأشرف وقضية الحجاب | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

أحفاد كعب بن الأشرف وقضية الحجاب


يناقش الكاتب راغب السرجاني قضية الحجاب وعلاقتها بالحرب الإبليسية المشتعلة منذ قديم الزمان يقف بنا أمام معالم هذه الحرب القائمة على إشاعة الفاحشة وكيف ازدادت هذه المحاولات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يربط ذلك بما يحدث في عصرنا من دعوات خلع الحجاب وإشاعة الفاحشة في الإعلام بشكل ممنهج

بقلم: راغب السرجاني
2215
الدليل العقلي عند السلف ج2 | مرابط
أبحاث

الدليل العقلي عند السلف ج2


والحق أنهم -أي السلف- أيقنوا بغناء الدلائل الشرعية بالبراهين العقلية الفطرية وكفايتها عن الابتداع في دين الله وهذا جوهر الخلاف بينهم وبين مخالفيهم فإن المخالفين لما اعتقدوا أن الدلائل النقلية تعرى عن البراهين العقلية قادهم ذلك إلى ابتداع دلائل على مسائل الدين بل جمعوا بين الابتداع في الدلائل والإحداث في المسائل. ولو أنهم علموا أن دلائل القرآن العقلية لها صفة الثبات والاستمرارية إلى يوم الدين بحيث لا يفتقر في الاستدلال على أصول الدين إلى غيرها لما وقعوا في هذه المشاقة.

بقلم: عيسى بن محسن النعمي
380
أنواع الإلحاد | مرابط
فكر الإلحاد

أنواع الإلحاد


في مقال موجز ومختصر يقسم الكاتب البشير عصام المراكشي الإلحاد إلى ثلاثة أنواع وهي: الإلحاد الفلسفي الإلحاد العلمي والإلحاد الشهواني ثم ينتقل إلى أرض الواقع ليكشف لنا مراكز كل نوع من هذه الأنواع فالإلحاد الفلسفي مثلا ينتمي إلى فرنسا والعلمي في أمريكا والشهواني هو الطاغي في بلادنا العربية

بقلم: البشير عصام المراكشي
2464
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الرابع ج3 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الرابع ج3


ما البديل لفشل الأمة الإسلامية في العلوم الحياتية هل البديل أن نعتمد على غيرنا فنستورد كل شيء وهل تقوم أمة على أكتاف غيرها بل هل تقوم أمة على أكتاف أعدائها فمعظم الاستيراد يأتينا من بلاد محتلة لنا هل هذا يعقل هل هذا أمر مقبول شرعا هل هذا أمر شرعي أن أكون متخلفا في التصنيع لدرجة أنني أعتمد على عدوي في التصنيع وأستورد منه هذه الأمور

بقلم: د راغب السرجاني
722
فإنها لا تعمى الأبصار | مرابط
مقالات

فإنها لا تعمى الأبصار


تسمع بين الفينة والأخرى صوت الهمز واللمز يزداد ويعلو حول هدي الإسلام وشعائره: كيف تتحملين النقاب في الحر الشديد؟ ازاي تستحملوا الكتمة دي؟ هل أنت عبدة لزوجك؟ ما لك تشبهين الخيمة السوداء في الطرقات؟ كيف تتحمل مظهرك بهذه اللحية؟ ألا ترى مظهرك مضحكا بهذا السروال القصير؟ يا أمة ضحكت من جهلها الأمم هل الدين يهتم بهذه المظاهر؟

بقلم: محمود خطاب
771