مرحلة ما قبل الزواج: تحدي الشهوات

مرحلة ما قبل الزواج: تحدي الشهوات | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

464 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

نحن نعيش في زمن ربما لم يمر على البشرية منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى يومنا هذا زمن مثله؛ من ناحية طبيعة انتشار الشهوات وبواعثها والتفنن في الدعوة إليها بشتى صور الدعاية والإعلامن حتى صارت الإباحيات صنعة متكاملة لها أهلها ومنتجوها وممثلوها وشركاتها ومصانعها ومخرجوها ومروجوها، وأصبحت تجارة ضخمة تُدخل أموالا طائلة على عرّابيها.

ومع تواصل الانحطاط وتتابع سيل الإباحيات انتقلوا إلى التجديد في نوع ما يُعرَض، فروجوا للشذوذ والمثلية، وبرروا زنا المحارم ودعوا إليه بشتى الوسائل، ومرروا بذلك شتى أنواع الرذيلة إلى الناس، متجاوزة كل القيم والحدود الأخلاقية التي طالما اتفق عليها العقلاء؛ فضلا عن أهل الدين والورع، بل لقد تم تجاوز قيم الحرية والخصوصية التي يتغنون بها، فصار يُعرَض على مستعمل الشبكة -دون طلب ولا بحث- صور من عفن هذا العالم اللاأخلاقي بمختلف طرق الدعاية.

وفي المقابل، تزداد الدائرة ضيقًا على الحلال، فالزواج المبكر يُحارب فكريًا وثقافيًا؛ فضلا عن كونه عسرًا جدًا من الناحية المادية والاجتماعية، بل إننا اليوم أمام حملة محاربة الزواج نفسه؛ سواء أكان مبكرا أم متأخرًا! وصار من المستحيل -تقريبا- في أغلب دول العالم العربي أن يتزوج الشاب قبل أن يتخرج من الجامعة (بعمر 23 عاما) ثم يجد وظيفة مناسبة (في سنة 25 أو أكثر) ثم يبدأ بتكوين نفسه ماديا حتى يمكنه البدء بالخطوات العملية للزواج (27/30).

وهذا برأي الدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي "جريمة متكاملة الأركان في حق الشباب والبنات"؛ وهو كما قال؛ لأنه ليس من الطبيعي -أبدًا- أن يبلغ الشاب عامه الخامس عشر تقريبًا، ثم يواجه كل هذا الكم من التحديات في الشهوات ثم لا يستطيع أن يصرف شهوته في الحلال، وبالنسبة للفتيات فالمشكلة تظهر بصورة أكبر من الناحية العاطفية والاجتماعية والنفسية، بينما في الشباب تتمثل المشكلة من الناحية الجنسية بصورة أكبر وأكثر حدة؛ مع حضور القضية العاطفية بطبيعة الحال، وهذا الفرق راجع إلى طبيعة تكوين الجنسين، وقد قال الله تعالى "وليس الذكر كالأنثى" وها ما لا يفهمه كثير من الجنسين عن أشقائه من الجنس الآخر.

كيف نتعامل مع الشهوات قبل الزواج؟

س: كيف يمكن التعامل بطريقة صحيحة مع تحدي الشهوات قبل الزواج؟
الجواب: بعدة أمور سأذكرها مرتبة:

1- إدراك عاقبة الولوج إلى عالم الشهوات المحرمة:

كثير من الشباب لا يُدرك أثر انسياقه وراء الشهوات المحرمة؛ سواء أكان ذلك من ناحية الأثر الشخصي أو الأثر المستقبلي على الحياة الزوجية والاجتماعية، والواقع أن كثيرًا من البيوت هُدمت بسبب تعلق طرف من أطرافها بمشاهدة الأفلام الإباحية قبل الزواج، ثم لم يستطع التخلص منها أو تركها بعده؛ فأدت إلى نفور الطرف الآخر -بعد اكتشافه للحقيقة- ومن ثم انهدام البيوت وعلى المستوى الشخصي فإن تأثير الإباحيات على تفكير الإنسان وجديته وتركيزه كبير جدًا؛ خاصة إذا كنا نتحدث عن نخبة من الجيل الصاعد تسعى لبناء معرفي وإيماني متميز.

كما أن تأثيرها على صفاء قلب الإنسان ومن ثم تعبده القلبي وتفكره الإيماني كبير أيضًا.

ولأجل ذلك كله؛ فإن أول خطوة في التعامل مع بحر الشهوات المحيط هو إدراك العواقب وتصور المآلات السيئة التي يمكن أن تحدث للإنسان؛ إن لم يتدارك نفسه ويهرب من الكارثة، وأن الأمر ليس سهلا أو مؤقتًا أو عابرًا.

2- إدراك زيف عالم الشهوات المعاصر وخداعه:

إن ما يُعرض في الأفلام والمقاطع الإباحية إنما هو أوهام وخيالات وصنعة إعلامية ترويجية لا تمت للواقع بصلة! بل إنها تصنع صورة من الوهم المتوهج الزائف الذي يسيطر على تفكير الإنسان وعقله ويجذب إليه ذرات جسده، ثم اذا اصطدم بالواقع الذي سيجده في الحياة الإنسانية الطبيعية بعد الزواج فلن يجد فيه ما كان يراه في الأفلام الدعائية المصنوعة! ومن ثم -إن لم يتدارك نفسه- فإنه لن يرضى بالواقع الطبيعي، وسيظل لاهثا خلف الصورة الزائفة التي قدمت له عبر منتجين متخصصين وكاميرات وممثلين وممثلات إنما يتغذون ويربحون ماديا من هذه الصنعة الوقحة!

وما الذي سيحصل لحياته وقلبه وإيمانه وبيته وأولاده ومصدر دخله إذا ظل باحثا عن الوهم مطاردا له؟

سيفقد الصفاء والنقاء والحياة البيضاء العفيفة، ويتجه إلى دهاليز مظلمة وعوالم لا تعرف من معاني غايات الوجود شيئا. ولذلك، فإنني أرجو ممن يقرأ كلماتي هذه ممن هو متأثر ببعض هذه الإباحيات أو يشاهد شيئا منها، أن يتخذ قرارا جازمًا قاطعًا ومباشرًا، وأن يكون صادقًا وحازمًا فيه، بمقاطعتها بالكلية؛ لأنها ليست مجرد نظر إلى حرام -وكفى بذلك زاجرا- وليست مجرد معصية عادية، وإنما هي وحل كامل إذا انزلق الإنسان فيه وغرق في أعماقه؛ فإنه لن تصفو له حياة زوجية ولا معرفية ولا روحية، وسيستعصي عليه الخروج منها مستقبلًا.

ولكن ماذا لو حاول الإنسان الجاد ترك هذا الوحل وعزم على التوبة ثم لم يستطع؛ بمعنى أنه يعود ثم يترك ويعود وهكذا؟

الحل يكمن في دوام المحاولة والتكرار، مع إدمان الاستغفار والدعاء والاجتهاد، وعدم اليأس، ثم إغراق العقل والبدن في أمور وأعمال وبرامج مفيدة علميا وصحيا واجتماعيا؛ حتى لا يبقى للإنسان كبير وقت؛ بشرط أن يكون ذلك مع صحبة صالحة تعين وترتقي بالإنسان.

كيف نتخلص من الإباحية؟

س: ما الذي يعين المرء على التخلص من مشاهدة الإباحيات؟

قبل الجواب أود القول بأنني على وعي تام بقدر التحديات والصعوبات التي تواجه الشباب في الواقع؛ ولكن هذا لا يمنع من تقديم بعض الوسائل التي قد تعين الإنسان وتدفعه خطوة نحو الأمام، في سبيل إيصاله لمرحلة التوازن النفسي والتخلص من متابعة الإباحيات أو عدم الانتكاسة بعد الانفكاك عنها، ومع صعوبة الواقع فالحل ليس مستحيلًا، ونفس المؤمن العزيزة وعزيمته وإرادته تقهر كل ما هو شيطاني بإذن الله تعالى.

1- العزة والكرامة: 

لا تتعامل مع هذه القضية على أنها مجرد شهوة فقط بل على أنها إرادة استعباد لك، ومحاولة لتقزيم عقلك وتقييد تفكيرك واختياراتك من قبل صانعي تلك المواد، فلا ترض بأن تكون أسيرا عندهم، ولا بأن تكون عبدا لتلك المشاهد، وانفر منها عزة وكرامة وحرية واستعلاء بنفسك. واعلم أنها لا تريد تدميرك فقط، بل تقصدك أنت وبيتك وأسرتك ومجتمعك وأمتك، فكن على وعي بهذا الخطر إن أنت استسلمت لها.

2- الصحبة الصالحة: 

مهما تخيلت من أثر حسن لوجود الصحبة الصالحة في حياتك؛ فإنها في الحقيقة أكثر نفعا وأحسن أثرا، والصحبة الصالحة إدا كانت محفوفة بالمحبة والصدق والوفاء والتناصح والتعاون على البر والتقوى فإنها من أعظم كنوز الدنيا وأغلاها، بل إن الدنيا لا يُتحسر على فقدانها إذا لم تكن هذه الصحبة في حياتك، وهي من أهم ما يعين المسلم على مواجهة التحديات؛ وخصوصًا في هذا الباب الذي نتحدث عنه؛ وهو باب الشهوات.

فاسع إلى البحث عن الصحبة الصالحة التي تعينك وتدفعك للخيرات، واملأ حياتك بهم وامض جل وقتك بينهم؛ فإنهم خير معين ومؤنس تستعيض به عن غيره من الملهيات.

3- الزواج عند القدرة:

إن إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم للشباب بالزواج واضح وصريح "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" وهذا التوجه كاف لا يحتاج إلى تعليق وتفصيل من جهة الأهمية.

4- الصوم

وتلك وصيته صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث الذي سبق ذكره آنفًا، حيث قال بعد الوصية بالزواج "فمن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء"؛ أي: وقاية ومانع. وذلك أن الصوم يخفف وطأة الشهوة ويحصر مداخلها.

وقد يقال: إن إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصوم يمكن أن يستفاد منه بصورة أعم في كل ما يمكن أن يفيد في تحقيق أثر الصوم من الوسائل، والله أعلم.


المصدر:
إلى الجيل الصاعد، أحمد يوسف السيد، ص90

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الزواج #الشهوات
اقرأ أيضا
الميزان العقلي ومنطق اليونان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الميزان العقلي ومنطق اليونان


مقتطف فيه رد شيخ الإسلام ابن تيمية على كلام الغزالي الذي جانب الشرع في تفسير معنى الميزان الوارد في القرآن الكريم والسماء رفعها ووضع الميزان وذلك في كتابه المسمى القسطاس المستقيم حيث أرجع موازين القرآن إلى ثلاثة أصول: ميزان التعادل وميزان التلازم وميزان التعاند وهذا هو عين المنطق اليوناني

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2223
وبدأ الانحراف يسبل إزاره | مرابط
مقالات

وبدأ الانحراف يسبل إزاره


وإذا رأى متدبر القرآن -أيضا- ما في القرآن من عناية شديدة بالتحفظ في العلاقة بين الجنسين كوضع السواتر بين الجنسين كما في قوله وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب الأحزاب من الآية:53 وحثه المؤمنات على الجلوس في البيت وقرن في بيوتكن الأحزاب من الآية:33 ونهيه عن تلطف المرأة في العبارة فلا تخضعن بالقول الأحزاب من الآية:32 ونهيه عن أي حركة ينبني عليها إحساس الرجل بشيء من زينة المرأة ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن النور من الآية:31 ونحو ذلك.

بقلم: إبراهيم السكران
514
عوائق بر الوالدين | مرابط
تفريغات

عوائق بر الوالدين


إن الله تبارك وتعالى إذا يسر للإنسان البر ورأى دلائله فما عليه إلا أن يشكر فإن الله تأذن بالمزيد لمن شكر إذا وجدت سرور الوالدين بك ورضاهما بما كان منك فاحمد الله عز وجل على نعمته واسأله المزيد من فضله نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا البر برحمته

بقلم: محمد مختار الشنقيطي
363
تحرير نسبة الأقوال إلى أصحابها | مرابط
مقالات

تحرير نسبة الأقوال إلى أصحابها


ندرك هنا أهمية الحذر من الخطأ في نسبة الأقوال البدعية إلى الأئمة نتيجة الاعتماد على ما يرويه من تأثر ببعض البدع المحدثة حتى يصير يفسر كلام إمام من أئمة أهل السنة والأثر -كما حصل هنا مع الإمام أحمد- على قواعد أهل الكلام المناقضة لمنهجه وما علم عنه بالضرورة فلا هو حكى أقوال الإمام بألفاظها كما وردت عنه ولا هو فسرها على وفق ما علم عنه

بقلم: عبد الله القرني
417
واجبنا تجاه ما أخبر به الله ورسوله | مرابط
تفريغات

واجبنا تجاه ما أخبر به الله ورسوله


فعلى العبد أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أسماء الله وصفاته على الوجه الذي يليق به سبحانه لا يشابه خلقه في شيء من صفاته فنؤمن بذلك على الوجه الذي يليق به سبحانه ليس له مثيل ولا نظير ولا كفء ولا ند جل وعلا فعلمه كامل ليس كعلمنا وقدرته كاملة ليست كقدرتنا وبصره كامل ليس كبصرنا وهكذا بقية صفاته سبحانه وتعالى وهكذا يسمع ويبصر ليس كسمعنا وبصرنا بل هو أكمل وأعظم

بقلم: ابن باز
303
نماذج لشخصيات ناقدة للجندر: دكتور ليناردو ساكس | مرابط
الجندرية

نماذج لشخصيات ناقدة للجندر: دكتور ليناردو ساكس


بين يديكم مقال يعرض لنا أحد النماذج الغربية الناقدة للجندرية الجديدة وهو الدكتور ليوناردو ساكس الذي تنبه لهذه المشكلة منذ ما يزيد عن عشرين سنة وأصدر عددا من المؤلفات والمقالات يحلل فيها هذه الأزمة ويحذر منها ويشير إلى مآلاتها ومخاطرها

بقلم: مجلة أوج
634